لماذا يمثل دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة ضرورة مُلحة؟

5 دقيقة
دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة

من المعروف أن الاستثمار في البرامج التي تساعد الشركات الصغيرة والمتوسطة على النمو في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، محدود. منذ ما يقرب من 10 سنوات، دعا مقال في هذه المجلة إلى توفير المزيد من التمويل للشركات الصغيرة والمتوسطة، وكشف أن 1% فقط من مساعدات التنمية الخارجية تذهب لدعم هذه الشركات، ومنذ ذلك الحين، زاد التخصيص إلى 3%. ولكن إذا تأمّلنا العمل الخيري في الولايات المتحدة وأوروبا، فسنجد أن المؤسسات الخاصة التي تركز في المقام الأول على دعم نمو الشركات الصغيرة والمتوسطة قليلة جداً، إذ إن عددها نحو 12 مؤسسة.

لا تكمن المشكلة في الافتقار إلى التأثير المحتمل، فالشركات الصغيرة والمتوسطة تمثل 90% من الشركات، وهي أكبر جهات التوظيف في جميع أنحاء العالم، ودون مساعدتها على النمو، لا يمكن خلق فرص عمل، أو انتشال الناس من الفقر أو تمكين المرأة، أو ابتكار حلول لأزمة المناخ. ومن المفهوم تماماً أن هناك إمكانية هائلة للاستفادة من التأثير الناجم عن دعم هذه الشركات، على سبيل المثال، تمثل المشتريات الحكومية ومشتريات سلسلة التوريد أكبر الأسواق في العالم، ويمكن للشركات الصغيرة والمتوسطة توفير السلع والخدمات لهذه الأسواق، لكنها غالباً ما تُمنع من دخولها، وثمة فرصة حقيقية للمؤسسات الخيرية لتشجيع شركات القطاع العام والخاص على تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، من خلال الاستثمارات الموجهة.

لماذا تتردد المؤسسات الخيرية في دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة؟ خلال الأعوام العشرين التي دعمت فيها شركة بيلدينغ ماركتس (Building Markets) الشركات الصغيرة والمتوسطة، وجدنا أن هناك 3 أسباب رئيسية لعدم اعتبار تمويل هذه الشركات أولوية.

1. أصحاب الشركات ليسوا في وضع مالي سيئ. يشير انخراط قادة الشركات الصغيرة في النشاط الاقتصادي المنتج إلى أن وضعهم المالي ليس سيئاً، وهذا يعني بالنسبة لبعض المؤسسات الخيرية أن هناك فئات أضعف هي أولى بالتمويل، إذ إن الغاية النبيلة والضرورية لاستخدام الأموال الخيرية تتمثل في انتشال أشد الناس فقراً من فقرهم.

ومع ذلك، فإن هذه الحجة لا تعترف بالضعف الاقتصادي الذي يعانيه قادة الشركات الصغيرة وموظفوهم في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، فهناك 3.4 مليارات شخص لا يعيشون في فقر، بل فوقه بقليل، ونصفهم على بعد أزمة واحدة فقط من الوقوع في الفقر. وعلى المستوى المحلي، نرى أن العديد من النساء وقادة الشركات المهاجرين واللاجئين وموظفيهم في شبكاتنا في كولومبيا وتركيا هم في الخمس الأدنى للثروة في مجتمعاتهم، وقد لا تكون برامج الدعم الاجتماعي أو برامج التأهيل الحل الملائم لهؤلاء الناس بالضرورة، إذ يجب تعزيز مرونتهم الاقتصادية لمساعدتهم على تجنب مصايد الفقر التي تبقيهم في حالة ضعف.

2. اعتبار المسألة خارج مسؤوليات المؤسسات الخيرية. يرى كثيرون أن نمو المشاريع الصغيرة والمتوسطة يرتبط بخلق بيئة مواتية أو معالجة مشكلات التمويل، وأن المؤسسات الخيرية لا علاقة لها بهذا الأمر، وبطبيعة الحال، ثمة أهمية بالغة للدور القيادي للبنك الدولي وغيره من بنوك التنمية المتعددة الأطراف، كما أن سهولة إطلاق شركة أو تسجيلها، أو المشاركة في التجارة المحلية أو الدولية، أو حتى توظيف الموظفين، تتأثر بشدة بالسياسة الحكومية. ولكن على المستوى العالمي، يُخصص 1% فقط من أموال المشتريات وسلاسل التوريد للشركات التي تقودها النساء، ومن ثم، علينا أن ننظر إلى ما هو أبعد من البيئة المواتية؛ أي إلى مشكلة الافتقار إلى المعلومات وضعف الشبكات والقدرات الإنتاجية وعدم ملاءمة المعايير. ترتفع إنتاجية الشركات الصغيرة والمتوسطة في الاقتصادات الناشئة عند إنشاء روابط بينها وبين الشركات الكبيرة، كما أن ذلك يؤدي إلى زيادة محتملة في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 10%، وهذا هو المجال الذي يمكن أن تؤدي فيه المؤسسات الخيرية دوراً محفزاً، بحيث تركز تركيزاً موجهاً على إنشاء شبكات بين الشركات الصغيرة والمتوسطة والمشترين، بدلاً من الاكتفاء بالتركيز على السياسات، ما يعزز قوة الشركات والاقتصاد.

3. عدم القدرة على تحديد مجالات الاستثمار. لا يولي التمويل الخيري أولوية كبيرة لنمو الشركات الصغيرة والمتوسطة، بسبب عدم وجود أدلة واعدة لتوجيه قرارات الاستثمار. وفي حين نما مجال الأدلة المتعلقة بالشركات الصغيرة والمتوسطة، مع إجراء نحو 200 تقييم دقيق للأثر في العشرين عاماً الماضية، ركزت غالبية هذه الدراسات على التدريب والحصول على التمويل، وكانت النتائج متباينة أو تمثل حالات منفردة، بحيث كان من الصعب على مجتمع التنمية والمجتمع الأكاديمي تحديد التدخلات التي يجب توسيع نطاقها أو الاستثمار فيها بثقة. وعلى الرغم من ظهور بعض الأدلة المثيرة للاهتمام، فإن تقييمات الأثر التي تتناول التدخلات المتعلقة بالوصول إلى الأسواق وتهدف إلى مساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة على التواصل مع المشترين المحتملين، لا تتجاوز 15 تقييماً. إن إجراء دراسات دقيقة حول التدخلات التي تربط المشترين بالموردين غالباً ما يكون أكثر تعقيداً فنياً ولوجستياً من تقييم التدريب أو التدخل القائم على رأس المال.

ما هي الخطوات التي يجب اتباعها؟ كيف يمكن إجراء تغيير حقيقي؟

1. إنشاء تحالف بين أصحاب المصلحة المتعددين لتحقيق نمو الشركات الصغيرة والمتوسطة. ثمة أصحاب مصلحة متعددون معنيون بمعالجة مشكلة إخفاقات السوق التي تعوق مشاركة الشركات الصغيرة والمتوسطة في سلاسل التوريد والنمو على نطاق أوسع، ويتعين علينا أن نؤسس تحالفاً يجمع بين جهات فاعلة متنوعة من المؤسسات الخيرية إلى الحكومات، ومن قطاع الأعمال إلى المؤسسات غير الربحية، ويركز على تحقيق نتائج قابلة للقياس، على مستوى الشركة وعلى مستوى النظام الاقتصادي والاجتماعي عموماً. يجب أن نساعد الشركات الصغيرة والمتوسطة على النمو ونعزز في الوقت نفسه ثقة المشترين بهذه الشركات، ومن خلال التعاون، يمكن لأصحاب المصلحة توسيع نطاق المنصات والأدوات وابتكارات التمويل لدعم نمو الشركات الصغيرة في أنحاء المنظومة كافة.

2. التعلم من تجارب القطاعات الأخرى في الاستفادة من إمكانات رأس مال سلسلة التوريد. تقدم المبادرات الواسعة النطاق مثل مبادرة أسيلي (Aceli) في مجال الشمول المالي، مخطط عمل لتخفيف مخاطر تنويع سلاسل التوريد، إذ تعمل هذه المبادرة على تخفيف المخاطر وتحفيز المؤسسات المالية لإقراض النساء والمجتمعات الريفية. وكما تدعم مبادرة أسيلي تكاليف الإنشاء للمؤسسات المالية، يمكن تقديم دعم لمساعدة المشترين المتوسطين والكبار على خفض تكاليف البحث عن المصادر وذلك من خلال مساعدة المؤسسات التي تدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة على إجراء الفحص النافي للجهالة (إجراء تقييم شامل للشركات الصغيرة والمتوسطة للتأكد من استيفائها لمعايير المشترين المحتملين ومتطلباتهم). ومن خلال النظر إلى تجارب القطاعات، يمكننا أن نستمد الإلهام ونبدأ باختبار النماذج التي يمكن أن تساعدنا على الحد من إخفاقات السوق الحرجة في سلاسل التوريد، ما قد يوفر ملايين الدولارات لدعم نمو الشركات الصغيرة والمتوسطة.

3. توسيع نطاق استخدام التمويل الخيري ورأس المال الصبور لاختبار نماذج الأعمال الجديدة. يؤدي العمل الخيري دوراً حاسماً في توفير الدعم لقادة الشركات الصغيرة في المجتمعات المحرومة، لكن رأس المال الصبور يمكن أن يساعد المؤسسات الداعمة للشركات الصغيرة والمتوسطة على تطوير نماذج الإيرادات للاستفادة من سلسلة التوريد ورأسمال المشتريات، ما يؤدي إلى إنشاء خدمات دعم أكثر استدامة على المدى الطويل، وإذا استُخدم بفعالية فإن العائد على الاستثمار سيكون كبيراً. من خلال خبرتنا، فقد قدمنا تسهيلات للشركات الصغيرة والمتوسطة مكنتها من تحقيق إيرادات تجاوزت 1.4 مليار دولار نتيجة مشاركتها في سلسلة التوريد، وقد فعلنا ذلك باستخدام أموال المنح فقط، وحصلت الشركات الصغيرة والمتوسطة على إيرادات بمعدل 8 دولارات مقابل كل دولار من هذه الأموال، ما يقدم دليلاً واضحاً على أن هذا قد يكون نموذجاً لمؤسسة اجتماعية هادفة للربح بسبب تحقيق إيرادات من خلال الحركات المالية. ومع ذلك، فإن تطوير هذا النموذج ومنحه الوقت للاختبار والتكرار والتوسع يتطلب استخدام رأس المال الصبور على المدى الطويل.

4. الاستثمار في بناء مجموعة من الأدلة حول التدخلات المتعلقة بالوصول إلى الأسواق. يواجه قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة صعوبات بسبب عدم وجود أدلة كافية تساعد مباشرة على تحديد مجالات الاستثمار. وبدلاً من وجود مجموعة من التدخلات التي تنتقل تدريجياً من البحث والتطوير إلى التوسع، لدينا مجموعة من الدراسات المتناثرة العشوائية، وكل منها على حدة يثير الاهتمام ولكن ذلك لا يكفي للمساعدة في تعميق فهمنا للسبل الناجحة في دعم نمو الشركات الصغيرة والمتوسطة، لذلك تستحق التدخلات المتعلقة بالوصول إلى الأسواق المزيد من الدراسة والتقييم. وقد أظهرت عدة دراسات نتائج واعدة، سواء كنا نتحدث عن برنامج تصدير السجاد في مصر، أو برنامج التدريب على المناقصات في ليبيريا، أو برنامج التجارة الإلكترونية في الصين، لكن يجب تكرار هذه الدراسات حتى تتيح التعلم من مجموعة من الأدلة وليس مجرد دراسات واعدة منفردة.

ومن خلال هذه الاستثمارات والتحول الهادف نحو إطلاق العنان لرأس المال الخاص، نحن على ثقة بأن التمويل الخيري سيستفيد من الحلول القائمة على السوق لمعالجة الفقر والضعف الاقتصادي، ما يحقق مكاسب للأطراف كافة.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال من دون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

المحتوى محمي