يتسبب العدد هائل من الفرص التي لم يستغلها أحد بعد والظلم الكبير في تمويل أنشطة المناخ في وضع صغار المزارعين في العالم في موقف حرج. حيث يواجه المزارعون الذين يزرعون عادة مساحة تتراوح بين واحد إلى خمسة فدادين من الأراضي ويبلغ عددهم 50 مليون في بلدان جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا وحدها، بعضاً من أشد تداعيات التغير المناخي. ويعتمد غالبيتهم على الزراعة البعلية، ما يتركهم عرضة للكوارث المناخية مثل الجفاف والعواصف التي يمكن أن تقضي على محاصيلهم وتتركهم دون طعام كافٍ لأسرهم طوال العام. ورغم ذلك، لم يوجه لهم المجتمع الدولي فعلياً أي تمويل مخصص للتصدي للتغير المناخي، ونادراً ما يُذكرون في المحادثات رفيعة المستوى حول أولويات التصدي للتغير المناخي والسياسات المتبعة في هذا الصدد. ويُترك صغار الملاك من المزارعين لمواجهة التحديات التي تهدد سبل عيشهم بأموالهم الخاصة، بالرغم من أنهم لم يكونوا سبباً في إحداثها.
ثمة ثلاثة أسباب رئيسية توجب وضع صغار الملاك من المزارعين في مقدمة بنود جدول أعمال أنشطة المناخ العالمية وفي محور اهتمامها.
أولاً، يعد دعم التكيف مع التغير المناخي المقدم لصغار الملاك طريقة ذات فعالية كبيرة لتحسين حياة فقراء العالم، ويقصد بالتكيف هنا الممارسات التي تساعد السكان على التكيف مع تداعيات التغير المناخي. ولذلك أهمية خاصة في وقت تعجز فيه دول العالم عن تحقيق العديد من أهداف التنمية المستدامة، بما في ذلك المتعلقة بالحد من الفقر وتوفير الأمن الغذائي. ونظراً لحقيقة أن المزارعين يمثلون ما يصل إلى 80% من السكان الذين يواجهون الجوع والفقر، فإن تعزيز قدرتهم على الصمود أمام الكوارث التي تقلل من دخلهم وإمداداتهم الغذائية هو أحد أفضل الاستثمارات لتحقيق أهدافنا الإنمائية العالمية.
ثانياً، ثمة إمكانات هائلة وغير مستغلة لإجراءات التخفيف من تداعيات المناخ، وذلك بالنظر إلى المساحة الواسعة للأراضي التي يزرعها صغار الملاك على مستوى العالم، ويقصد بإجراءات التخفيف هنا الجهود المبذولة لمنع انبعاثات الغازات الدفيئة أو الحد منها. إذ تشير بعض التقديرات إلى أن ما يصل إلى 40% من الأراضي الزراعية في العالم يزرعها صغار الملاك. ويمكن أن تؤدي هذه الأسر الزراعية دوراً مهماً في إجراءات التخفيف من التغير المناخي في حال كانت مجهزة بالأدوات اللازمة لمضاعفة المكاسب البيئية الكامنة في أراضيهم.
وأخيراً، ثمة واجب أخلاقي لدعم السكان الأقل مسؤولية عن التغير المناخي والأكثر عرضة لتداعياته. وحتى لو لم يقدم الاستثمار في صغار الملاك من المزارعين فرصة التخفيف من تداعيات التغير المناخي الهائلة، فينبغي لأمثالنا في الغرب ممن ينادون دائماً بالتصدي للتغير المناخي أن يؤدوا واجبهم الأخلاقي في المساعدة على تخفيف التحديات التي يفرضها التغير المناخي وأن يسعوا لتحقيق عدالة تمويل أنشطة المناخ.
وتمثل تجربة أنيفا ماتيمبا (Enife Matemba) دليلاً مؤثراً للحاجة إلى الاستثمار في صغار الملاك من المزارعين. وتعمل المزارعة ماتيمبا مع مؤسستنا ون أيكر فاند (One Acre Fund)، التي تساعد أكثر من 1.5 مليون أسرة زراعية من صغار الملاك في إفريقيا على تحسين عائداتهم ودخلهم وقدرتهم على التحمل. ضرب إعصار آنا (Cyclone Ana) مزرعتها في بلدة مولاني في ملاوي في أوائل عام 2022. وغمرت المياه المنطقة لمدة ثلاثة أيام، ودُفن نصف حقلها في الرمال والصخور التي جرفتها الأمطار الغزيرة. ولا يمكن إصلاح الأضرار التي لحقت بمزرعتها، وهي الآن بلا مصدر دخل كاف لها ولأسرتها. "عندما ذهبت إلى حقلي بعد هطول الأمطار الغزيرة، وجدت أني قد خسرت نصف محصولي تقريباً. واصفر الباقي بسبب غرقه في المياه وتمزقت جميع أوراقه، كانت محاصيلي قليلة جداً لذا لم أحصل على أي دخل منها، وسعر الذرة مرتفع جداً حالياً لأن الناس في هذه المنطقة لم يتسن لهم الحصاد". ومع تفاقم التغير المناخي، سيزداد انتشار الظواهر المناخية المدمرة لسبل العيش كما فعل إعصار آنا.
إن صغار الملاك من المزارعين مستبعدون فعلياً من تمويل أنشطة المناخ العالمية وسياساتها بالرغم من وضوح الأسباب الداعية لدعمهم. ومن المذهل أن يوجه 1.7% فقط من مئات المليارات من الدولارات المخصصة لتمويل أنشطة المناخ العالمي إلى صغار الملاك من المزارعين، وذلك وفقاً لدراسة حديثة أجراها الصندوق الدولي للتنمية الزراعية. ولهذا النقص في الاستثمار تداعيات حقيقية وملموسة على حياة المزارعين. قد تسبب الكوارث المناخية دماراً تاماً لمحاصيل المزارعين وشهوراً من الجوع لأسرهم ونقصاً حاداً في الدخل ما يعيق دفع تكاليف المستلزمات الضرورية مثل الرسوم المدرسية.
وتستدعي فداحة المشكلة قطاعات العمل الخيري والإغاثة للتدخل على نطاق واسع. فمن خلال مكافئة المزارعين على نحو مجز على تبنيهم لحلول التخفيف من آثار التغير المناخي المعتمدة على الطبيعة، بما في ذلك الزراعة الحرجية والتجديدية، وإجراءات التخفيف في المزارع والمنازل، يمكن توفير الوسائل الكافية لتلبية احتياجاتهم الأساسية بالإضافة إلى رفع قدرتهم على زيادة تكييف أراضيهم وطرق عملهم مع التغير المناخي.
الزراعة الحرجية وصغار الملاك
تعد زراعة صغار الملاك للأشجار فرصة واعدة. تصمم مؤسسة ون أيكر فاند برنامج للزراعة الحرجية ذو قابلية للتطوير والذي من شأنه أن يقدم لبعض أفقر المزارعين على هذا الكوكب مليار شجرة على مدار العقد المقبل، ولن يقلل هذا البرنامج انبعاثات الكربون فحسب بل سيقدم فوائد بيئية محلية أخرى كصحة التربة ومنع التعرية والتنوع البيولوجي. وبحلول نهاية عام 2022، سنكون قد ساعدنا صغار الملاك من المزارعين على زراعة أكثر من 140 مليون شجرة في 9 دول على نحو تدريجي.
تعاونت فرانسواز دوسابيما (Francoise Dusabima)، وهي مزارعة رواندية خسرت عدة محاصيل بسبب انهيارات التربة المرتبطة بالطقس، مع مؤسسة ون أيكر فاند قبل ثلاث سنوات لزراعة 22 شجرة حول حدود أراضيها لوقف التعرية فيها. تقول فرانسواز: "الآن عندما أعمل في حقلي أشعر بالأمان". "أنا على ثقة بأنني سأحصد في المواسم كلها، ولست قلقة بشأن انهيارات التربة التي تجرف محاصيلي بعيداً".
وعلى الرغم من أن توفير التمويل المباشر للمزارعين لزراعة الأشجار ذو فائدة كبيرة، فإن التمويل التقليدي من المانحين لن يكون كافياً لتوفير الأشجار لجميع المزارعين البالغ عددهم 50 مليون مزارع في إفريقيا. ويمكن لأسواق الكربون العالمية، التي تسمح للجهات التي تصدر الانبعاثات الكربونية بشراء أرصدة "تدفع تعويض" انبعاثات الكربون من الجهات التي تخفض مستويات انبعاثات الكربون في الغلاف الجوي، أن تساعد على سد هذه الفجوة عن طريق تمويل إجراءات التخفيف من تداعيات التغير المناخي عبر دفع المال للسكان الذين يقومون بإجراءات مكافحة الكربون مثل زراعة الأشجار. والمشكلة أن أسواق الكربون لم يتم تصميمها للعمل من أجل الفقراء. فقد صمم غالبيتها للجهات التي تمتلك سندات ملكية للأراضي وتدير آلاف الأشجار عبر مساحات شاسعة من الأرض؛ حيث يسهل ذلك التنظيم وتلك المساحات عملية عد الأشجار ومتابعتها بكفاءة. وعلى النقيض من ذلك، قد لا يمتلك صغار الملاك من المزارعين سندات ملكية رسمية للأرض وقد يزرعون شجرة واحدة أو عشرين فقط في العام وقد تكون هذه الأشجار بعيدة عن أراضيهم. وقد يعيشون في أماكن بعيدة ما يزيد من تكلفة وصول فرق القياس والتقييم إليها. ولن يكونوا مؤهلين للتسجيل في مشروع كربون معتمد بسبب عدم امتلاك سندات ملكية أو بسبب التكلفة العالية وذلك بموجب معايير سوق الكربون الحالية، وبالتالي سيبقون من دون استثمار ما يؤدي لخفض قدرتهم على التحمل.
ولكي يتمكن صغار الملاك من الوصول إلى أسواق الكربون، ينبغي لقطاع العمل الخيري إيجاد صياغة لصنع القرار في سبيل العدالة المناخية والاستثمار في البنية التحتية. ويشمل ذلك الاستثمار في تطوير تكنولوجيا الاستشعار عن بعد التي تعجز حالياً عن تحليل التغيرات في المزارع التي يقل حجمها عن فدان واحد بدقة. ستمكننا التكنولوجيا المطورة من القياس الفعال لحالة الأشجار ونموها على مستوى المزارع الصغيرة وتجنبنا الحاجة إلى دفع المال لموظفين مقابل المراقبة الشخصية.
وحتى مع هذه التغييرات، ستكون أرصدة التعويض التي سيستحقها صغار الملاك من المزارعين أكبر تكلفة من التي سيستحقها كبار الملاك من المزارعين حيث تؤدي المساحات الكبيرة إلى تحقيق وفورات الحجم. يتعين على الشركات التي تشتري الأرصدة أن تدرك أن أرصدة صغار الملاك تحقق تأثيراً اجتماعياً أكبر لأنها توجه الموارد إلى الفئات الأكثر ضعفاً وعليها أن تتقبل دفع زيادة طفيفة لهم. بالإضافة إلى ذلك، فإن أنظمة سجلات الكربون التي تحدد معايير الكميات التي يحتاج المزارعون تحقيقها لكي يستطيعوا بيع أرصدتهم في أسواق الكربون والتي تلزمهم الحفاظ على تعهداتهم، تحتاج إلى تصميم بروتوكولات قياس واقعية تناسب حالة صغار الملاك.
الزراعة التجديدية
تعد الزراعة التجديدية فرصة سانحة أخرى لتمويل أنشطة المناخ والتي أصبحت جاهزة للاستثمار الخيري على نطاق واسع. وهي مجموعة جديدة من الممارسات مثل حماية التربة بمحاصيل التغطية، وإدخال مواد عضوية جديدة مثل النشارة العضوية أو السماد الطبيعي، والمحاصيل الدورية التي يمكن أن تجدد التربة المستنفدة وتقلل استخدام المواد الكيميائية وتحجز الكربون. ويمثل هذا النهج تحولاً عن أساليب الزراعة التقليدية، وبالتالي يتطلب استثمارات في التدريب وتغيير أسلوب العمل.
ورغم أن استخدام هذه الأساليب يجعل الحقول أكثر إنتاجية وربحية بمرور الزمن، فإن الانتقال إلى ممارسات الزراعة التجديدية تترافق عادةً مع بضع سنوات من انخفاض المحاصيل التي لا يملك صغار الملاك القدرة على تحمل خسائرها. وهنا يمكن أن تكون المنح، والقروض الميسرة، والتمويل المستند على النتائج، وأنواع أخرى من العمل الخيري، عوامل تحفيزية للزراعة التجديدية. ومن خلال تعويض الخسائر الأولية، يمكن للمانحين دعم صغار الملاك أثناء الانتقال إلى الزراعة التجديدية والمساعدة على وضع ملايين الهكتارات من الأراضي تحت إدارة أكثر استدامة. تقود مؤسسات مثل روت كابيتال (Root Capital) وفارم أفريكا (Farm Africa) وغيرهما الركب من خلال نشر مشروعات مبتكرة تستخدم مناهج تجديدية مثل تقليل اضطراب التربة وزراعة محاصيل التغطية وإدخال المواد العضوية في التربة.
إجراءات التخفيف من التداعيات في المزارع والمنازل
انتشر في السنوات الأخيرة على نحو واسع ما يُعرف باسم الدفع مقابل خدمات النظام البيئي (PES) وهي حوافز مالية تدفع للسكان لقاء اتخاذهم خطوات للتخفيف من تداعيات التغير المناخي التي لا تحقق جدوى اقتصادية بطرق أخرى. وتشمل هذه الحلول على مستوى صغار الملاك من المزارعين دفع المال لهم مقابل تخليهم عن استخدام الموارد الطبيعية المباشرة مثل الغابات أو مستنقعات الخث، أو مقابل استخدام موارد المياه على نجو أكثر استدامة، أو استخدام أجهزة مثل مواقد الطهي الصديقة للبيئة والإنارة المعتمدة على الطاقة الشمسية التي تحل محل الوقود مثل الحطب والكيروسين.
ومن الأمثلة الأولى على المبادرات الناجحة من هذا النوع برنامج بي إي أس (PES) لعام 1997 التابع لحكومة كوستاريكا، والذي دفع لمالكي الأراضي المال مقابل إعادة التشجير وحماية الأشجار الموجودة. نجحت هذه المبادرة الممولة من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) على مدار 8 سنوات في زيادة الغطاء الحرجي للبلاد بنسبة 17% تقريباً.
ومن الواضح أن تطبيق هذه الأنواع من الأعمال الصغيرة على مستوى المزارع للتخفيف من حدة تغير المناخي 50 مليون مرة في إفريقيا ستحمل آمالاً كبيرة للمسؤولين عن ملف البيئة، لكن آليات التمويل المتعلقة بها غالباً ما تفتقر إلى مبادئ التصميم والحلول التقنية وقوة إرادة الممول اللازمة لإشراك صغار الملاك من المزارعين ومكافئتهم على نحو فعال. على سبيل المثال، قد يكون من الصعب مراقبة تطبيق البرنامج عبر ملايين المزارع الصغيرة النائية، حالها كحال المشكلة مع أسواق الكربون. ويمتلك قطاع العمل الخيري في مجال المناخ هنا أيضاً الحل للتغلب على عجز السوق من خلال الاستثمار في الحلول التقنية والمبرمجة لمعالجة هذه المشكلات. وذلك من خلال توجيه الموارد إلى هذه المبادرات ذات الإمكانات الكبيرة، ويمكن لقطاع العمل الخيري تكرار قصص النجاح مثل قصة نجاح كوستاريكا في جميع أنحاء العالم.
يمثل مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي لعام 2022 (COP27) لقادة قطاع العمل الخيرية والقطاع الاجتماعي المهتمين بتغير المناخ فرصة مناسبة للتفكير في كيفية رفع مستوى دعم قطاعاتهم للفئات الأكثر عرضة للتغير المناخي. حيث يتضمن مؤتمر هذا العام أجنحة رسمية تركز على النظم الغذائية لأول مرة على الإطلاق، والتي تعد خطوة مشجعة في الاتجاه الصحيح، لكننا بحاجة إلى التزام أكبر بكثير لإيجاد الطرق لإشراك صغار الملاك من المزارعين في حلول المناخ العالمية. ويجب أن تكون العدالة المناخية في صميم عمل الأنشطة المناخية كلها وليس ملحقة بها، وبالرغم من وجود الكثير من التحديات إلا أنها تقدم فرصاً هائلة.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً