من خلال الاقتباس من فكر المؤلف الأيرلندي أوسكار وايلد، فإنه من المغري تعريف الشخص الممارس للأعمال الخيرية بأنه الشخص الذي يعلم حجم المنحة التي يقدمها، لكنه لا يعلم الكثير عن قيمتها الحقيقية، وربما يعود ذلك لأسباب واضحة؛ إذ أن الأموال تكون عادةً المعيار السائد في عالم المؤسسات، ويتم تصنيف العطايا الخيرية حسب عدد الأصفار بعد رمز الدولار ($)، والمؤسسات حسب حجم الأصول والإنفاق السنوي، لذلك، فإن ما يحكم في عالم المال، هو المبالغ وليس القيمة.
يقدم لاري كرامر حجةً قويةً للتراجع عن ممارسة الضغط المباشر للإنفاق، وتبنّي وجهة نظر طويلة الأجل بدلاً منذ لك، واعتماد نهج أكثر تناسباً مع الهدف، ويكتب التالي: «بالطبع، يمكن للممول دائماً تحقيق المزيد من الخير في لحظة معينة من خلال إنفاق المزيد من الأموال على الفور»، لكنه يشير بعد ذلك إلى أن هذا النهج خاطئ، ويقول إن ما هو صحيح ليس ما إذا كان بإمكان المؤسسة تحقيق المزيد من الخير على الفور من خلال إنفاق المزيد، بل ما إذا كان بإمكان الممول تحقيق المزيد من الخير بشكل عام من خلال الإنفاق أكثر في لحظة معينة، مع الأخذ في الاعتبار تكاليف الفرص البديلة؛ لعدم القدرة على الإنفاق بالقدر نفسه في المستقبل، ويضيف: «إذا كان لدي منحة بقيمة عشرة مليارات دولار الآن، يمكنني أن أفعل الخير (الآن) أكثر مما لو كان لدي منحة بقيمة ثمانية مليارات دولار»، وبالتالي؛ ضمنياً، إذا أنفقت الأموال الآن، لن أتمكن من فعل الكثير في المستقبل.
حجم المنحة ليست الغاية الوحيدة بالطبع
أنا لا أعني أن المؤسسات تهتم بحجم المنحة كغاية في حد ذاتها، لكنني أريد أن أطرح تساؤلاً عما إذا كان هناك أحياناً نزعة لمساواة القدرة على فعل الخير، مع مقدار المال الذي يتعين على المرء إنفاقه، هل هناك حقاً أي دليل يشير إلى وجود علاقة بين حجم المنحة (أو حجم الدخل أو الإنفاق أو المنح الفردية) ومقدار «الخير» المحقق؟ بالتأكيد، لا تعتمد المسألة على حجم المبلغ الذي يتم إنفاقه، بل على كيفية إنفاقه؛ فهل هدية الأعياد الأعلى ثمناً تضمن منح أكبر قدر من المتعة، أو تنطوي على خير أكثر؟ فكر في الأمر بهذه البساطة!
لا شك أن هذه الكلمة البسيطة «كيف» هي بمثابة غلاف للعديد من المسائل، وأحكام القيمة، والمراهنات على المستقبل، والمراهنات ليس فقط على ما ستفعله الجهة المستفيدة؛ ولكن ما الذي سيفعله الآخرون عبر القطاعات وبمرور الوقت، بعبارة أخرى، فإن «المنحة الجيدة»؛ أو الإنفاق الذي يعود بالنفع «أكثر»، هو ظاهرة غامضة لا يمكن الوصول إليها بسهولة من خلال صيغة معينة، ربما يكون أفضل ما يمكن أن نشير إليه هو أن المنحة الجيدة؛ والتي من المحتمل أن تحقق أفضل النتائج (وهو موضوع تخمينيّ غامض)، هي تلك المناسبة والكافية، والتي تأتي في الوقت المناسب، وربما تكون محددة الأهداف للغاية، أقول «ربما» لأنه في حين أن أفضل الخطط الموضوعة يمكن أن تنحرف، هناك خطط أقل مستوىً ويمكن أن تؤدي في بعض الأحيان إلى نتائج تتناسب مع الجودة الظاهرية للخطة.
لذلك، فإن المنحة الأكبر لا ينتج عنها بالضرورة خيرٌ أكثر، ويمكننا جميعاً ذكر منح كبيرة جداً لكنها حققت القليل، وأخرى صغيرة جداً، لكنها تجاوزت حجمها بكثير، يمكنك بالطبع أن تقول بأن لا منحة تُعتبر مهدورةً إذا كانت تؤدي إلى دعم التعلم، لكننا سندخل بعد ذلك في التكرار، وقول إن جميع المنح جيدة؛ حتى لو كانت غير ذلك.
تدرك معظم المؤسسات اليوم أن لديها أصولاً بخلاف المال، وأنه مقارنةً بالجهات الفاعلة؛ مثل الحكومة وقطاع الشركات الكبرى، يمكنها السيطرة على نفقاتها المالية، لكن المؤسسات لديها أيضاً أصول لا تمتلكها الحكومة على وجه الخصوص؛ إذ تتمتع المؤسسات بالاستقلال؛ مما يسمح لها بالمخاطرة، والتفكير في الأمور غير المتوقعة وغير الرائجة، وحتى في تجربة الفشل، يمكن للمؤسسات أن توسّع منظور رؤيتها، ولا تقلق بشأن الدورة الانتخابية، كما أن لها شبكات تمتد عبر القطاعات وتفتح العديد من الأبواب، وفوق كل شيء، تتمتع المؤسسات في أفضل حالاتها بالاستمرارية والمعرفة التي بُنيت على مدى عقود، فضلاً عن سمعتها باعتبارها تبحث عن الصالح العام بشكل محايد، وبدافع أبعد من المصلحة الانتخابية أو الحزبية، إذاً، ليس المال فقط هو الذي يمكّن المؤسسات من المساهمة في الخير، بل أيضاً الأصول؛ والتي ربما تأتي في المرتبة الأولى.
يعترف كرامر بأن هناك بعض المشكلات التي يكون من المنطقي فيها الاستمرار في الإنفاق في لحظة معينة حتى لا يعود «الدولار الهامشي» التالي بأي عائد، وأن بعض المشكلات تتطلب المعالجة اليوم لتجنب الضرر في المستقبل؛ هذا في حد ذاته ليس حجةً للإنفاق ولكنه حجة للانفتاح على الإنفاق إذا كانت هناك فرصة حقيقية لعمل الخير بصورة ملموسة، والمشكلة الأساسية- كما يلاحظ كرامر- هي الاختيار بين وجهات نظر مختلفة لما سيساعد معظم الناس بأفضل الطرق وعلى المدى الطويل، ومن المؤكد إذاً أن الأمر يتعلق بالأحكام والآراء وليس فقط بالمال.
منذ عدة سنوات، ألقى آلان غريغ؛ نائب رئيس مؤسسة «روكفلر فونديشن» (Rockefeller Foundation) بين عاميّ 1951-1956؛ والذي وُصف لاحقاً بأنه «الموظف النموذجي للمؤسسة»، خطاباً أكد فيه على قيمة التكيف في مجتمع سريع التغير، وقال لقادة المؤسسة أنه حتى لو لم تكن مؤسستك كبيرة، يمكنك أن تكون مبتكراً وحساساً ومرناً؛ «وجميعها صفات ذات قيمة أكبر للاستمرارية من الكبر وحده؛ إذ ينبغي أن نسعى وراء الجودة وليس الحجم»، خلال الأوقات المتسمة بالتغيير الهائل مثل هذه، فإنه لا ينبغي أن يكون الشاغل الرئيسي هو الحفاظ على «الكبر»، بل يجب ممارسة الحكم المدروس والمبتكر والحساس في السعي لتحقيق نتائج للصالح العام مهما كانت التكلفة، وهذه ليست حجةً للإنفاق؛ أو عدم الإنفاق، ولكن للتفكير النقدي والتحليل.
اقرأ أكثر عن الاستدامة المالية في المؤسسات الاجتماعية.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.