جمع التبرعات خلال الشدائد

5 دقائق
التبرعات
shutterstock.com/JeannieR

وضعنا الاقتصادي سيئ، وسيزداد سوءاً، فما الذي يمكننا فعله بصفتنا جامعي تبرعات للحد من أثر هذه المرحلة العصيبة على مؤسساتنا، وزيادة دخلنا إلى أقصى حد في الوقت نفسه؟

في البداية: دعنا نتفق أن الذعر وتجاهل ما يحدث ليسا خيارين منطقيين، وكذلك التظاهر بأن الاضطرابات الاقتصادية ستخلق عدة فرص لجامعي التبرعات المغامرين الذين لا يحتاجون إلا إلى زيادة الاستثمار في جمع الأموال. برأيي، اتباع النهج الوسطي الحذر هو الطريقة العقلانية الوحيدة لمواجهة هذه الأزمة، وهو يتلخص في 9 خطوات عملية:

جمع التبرعات والتسويق والتواصل: أعد تقييم الوضع من جميع جوانبه

آليات المساءلة والتقييم المنهجي هي ممارسات إدارية أساسية لكن القطاع غير الربحي لا يستعين بها دائماً للأسف، إلا أن الضائقة الاقتصادية تدفعنا بأسلوبها إلى إجراء تقييم شامل لكل ما نقوم به. حان الوقت الآن لتنفيذ عملية منتظمة تتيح لبرامج جمع التبرعات والتسويق والتواصل أداء مهامها بأعلى درجة من الكفاءة والفعالية.

ادعم حجتك للعطاء

على الرغم أن معظمنا ضمن قطاع الخدمة الاجتماعية نعتقد أن العامة يدينون لنا بلقمة العيش، فقد رضينا بنبل بأجر أقل وساعات عمل أطول. في النهاية لا يُخلق المال من العدم بل يجب أن يكتسب، ولن تتاح فرصة أفضل من حالة الركود لإيصال هذه الفكرة بقوة. لذلك اغتنم الفرصة لإعادة النظر في حجتك للعطاء، وتأكد من أن المانحين يدركون تزايد الحاجة الملحة لخدماتك في الأوقات العصيبة، والخطوات العملية العديدة التي تتخذها لزيادة كفاءتك وفعاليتك. لكن احرص على ألا تبالغ في تضخيم المصاعب التي تواجه مبادرات مؤسستك لجمع التبرعات، فالمتبرعين لا يكترثون لذلك، وما يهمهم حقاً هو أداء عملائك أو المستفيدين من مؤسستك.

الزم الطريقة الناجحة

كثير من المستشارين في جمع التبرعات ومدراء المؤسسات غير الربحية مفتونون بفكرة "الإبداع"، ولكن عندما لا تعني هذه الكلمة أكثر من رسومات لافتة وبقع حبر زاهية سيخسر الجميع. خلصت خبرة المسوقين المباشرين المكتسبة على مدى عقود في مهنة جمع التبرعات إلى أن الاختلاف ليس الأفضل دائماً، والتدهور الاقتصادي لا يبرر التخلي عن الأسلوب الذي نجح فيما مضى، بل هو في الواقع وقت توخي الحذر وخفض التكاليف.

توخّ الحذر في خفض التكاليف

تتوفر طرق سهلة كثيرة لخفض تكاليف جمع التبرعات، فمثلاً يمكنك إيقاف البحث عن متبرعين جدد، أو الحد من إجراءات التعبير عن الامتنان للمتبرعين، أو إيقاف عمليات التسويق عبر الهاتف، وخفض ميزانية البريد المباشر، وتخفيض عدد موظفي المنح الرئيسيين. المشكلة الوحيدة في هذا النهج المتهور هو أنه يؤدي حتماً إلى الإفلاس.

يستمر العمل مهما كانت الظروف الاقتصادية، فمن غير الممكن إيقاف عمليات جمع الأموال، ولا معاملة المتبرعين المخلصين والمتجاوبين على أنهم مجرد أرقام إحصائية، ولا التوقف عن بناء قاعدة بيانات المتبرعين لمؤسستك؛ وإلا ستتقلص قائمة المتبرعين تلقائياً وينضب معين دخلك. الطريقة العملية المبررة الوحيدة لتستجيب للأزمة الاقتصادية هي إدراك أن جمع التبرعات يتطلب استثماراً مستمراً واهتماماً متواصلاً، وإذا اضطررت إلى الاختيار بين تقليص البرامج قليلاً أو تخفيض ميزانية جمع التبرعات فإياك والخيار الثاني؛ فهدم عملية جمع التبرعات الفعالة لا يستغرق وقتاً طويلاً، ماذا سيحل ببرامجك بعد ذلك؟

اعلم من أين تؤكل الكتف

يعلم أي مهني يعمل على جمع التبرعات أن الحصول على التبرعات بدفعات كبيرة أكثر جدوىً من الدفعات الصغيرة عموماً؛ يندر أن يكون الحصول على منحة من مؤسسة ممولة أو هبة كبيرة من متبرع فردي رئيسي عالي التكلفة، كما أن أي شخص شارك ولو في اجتماع واحد أو ورشة عمل واحدة لجمع التبرعات يعرف بلا شك مبدأ باريتو -أو قاعدة 80/20- التي تقول إن مؤسساتنا تتلقى النصيب الأكبر من صافي الإيرادات الخيرية من عدد قليل نسبياً من أكثر المتبرعين سخاءً. يقودنا كل ما سبق إلى الحكمة المتمثلة في بذل المزيد من الوقت والجهد والمال على المتبرعين الأسخياء والمتجاوبين، وجهد أقل على المتبرعين الأقل إنتاجية.

ومع ذلك، ما عدد المؤسسات غير الربحية التي تستغل فعلاً أدوات الحاسوب البسيطة التي تتيح لنا الاستفادة من هذه الحقائق الجلية بتصنيف المتبرعين إلى فئات مختلفة حسب سيرتهم في العطاء؟ إذا اعتادت مؤسستك التعامل مع جميع المتبرعين بنفس الطريقة فاعلم أن الوقت قد حان للنظر في صقل برنامجك باتباع خطة تصنيف مدروسة بدقة.

إذا كنت ملماً بالتصنيف، فقد حان الوقت للنظر في زيادة التركيز على المتبرعين من المستوى المتوسط والمرتفع، واستبعاد الداعمين الأقل سخاءً من طلبات الالتماس الباهظة الثمن عبر البريد أو الهاتف.

أهتمّ بمتبرعي مؤسستك

كشفت دراسة أجراها مركز العمل الخيري في جامعة إنديانا لصالح بنك أميركا في أواخر عام 2008 على متبرعين أميركيين أصحاب ثروات كبيرة، أن السبب الرئيسي لتوقف المتبرعين عن التبرع لإحدى الجمعيات الخيرية هو أنهم فقدوا شعورهم بالارتباط بها. هذا ليس مفاجئاً، يحتاج جميع المتبرعين إلى الشعور بأن إسهاماتهم تحظى بالتقدير وأنهم على دراية بما يحدث، ويجب أن تعزز ثقتهم بالمؤسسة الخيرية باستمرار. لا يمكن أن تعمل أي مؤسسة غير ربحية بناء على افتراض أن متبرعيها سوف يواصلون التبرع لها مهما كان أسلوب تعاملها معهم.

إجراء ما يلزم

لن تفكر أي مسؤولة محنكة عن التبرعات بزيارة متبرع محتمل دون محاولة الكشف عن كل جزئية ممكنة من المعلومات المتعلقة بسيرته في العطاء واهتماماته الشخصية (بالإضافة إلى الكثير من التفاصيل الأخرى). إذاً، لماذا يعدّ عمل جامع التبرعات الذي يتعامل مع مئات أو آلاف المتبرعين في آن معاً، عبر البريد أو الهاتف أو الإنترنت، على جمع معلومات شخصية عن المتبرعين المحتملين قبل التواصل معهم للحصول على المنح خطأً؟ للأسف، يرى جامعو التبرعات هذا الإجراء غير طبيعي، فنحن نعمل وفق قواعد بيانات أولية لا تحتوي إلا على قليل من المعلومات، ولذلك يغلب الخطاب العام على رسائلنا: "إلى صديقنا العزيز" أو "المتبرع العزيز" دون أدنى فكرة عما قد يثير اهتمامه أو يحفزه. ندرك جميعنا بالتأكيد أن هذا النهج غير الشخصي قد يكون ضرورياً في مبادرات استقطاب المتبرعين الجدد، لكن أليس علينا أن نعرف عن متبرعينا أكثر من "أنهم قدموا لنا المال ذات مرة" فحسب؟

إذا لم يكن لدينا أكثر من قواعد بيانات أولية، فنحن نعرف مقدار ما قدمه المتبرعون لنا، وتواتر تبرعاتهم ومدة تعاملهم معنا وما حفزهم على تقديم أولى عطاياهم، سواءً كانت رسالة أو مكالمة هاتفية أو رسالة إلكترونية، أو زيارة لموقعنا الإلكتروني أو محادثة مع صديق. حتى لو كانت هذه جل المعلومات التي ندرجها في دعواتنا، فمن المؤكد أنها ستساعدنا في تأمين دعم إضافي أكثر من الأسلوب التقليدي الفظ: "عزيزي المتبرع"!

ضاعف جهودك على الإنترنت

جمعت مليارات الدولارات عن طريق الإنترنت، لكن الحصة الكبرى من هذه الأموال ذهبت إلى خزائن مؤسسات الإغاثة الإنسانية، مثل الصليب الأحمر الأميركي وجيش الخلاص واليونيسيف، والحملات الرئاسية الأميركية رفيعة المستوى وأبرزها حملة الرئيس باراك أوباما، وحصة أقل ذهبت إلى المؤسسات المناصرة الرائدة، مثل حملة حقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية ومنظمة السلام الأخضر. وعلى الرغم من أن هذه المبالغ تبدو ضخمة فهي تمثل نسبة ضئيلة من الإيرادات الخيرية العامة (بنسبة تتراوح بين 1% و 3% في الولايات المتحدة، بحسب المصدر).

لا يمثل جمع التبرعات عن طريق الانترنت بحد ذاته وسيلة نجاة للقطاع غير الربحي في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، ومع ذلك تعود قنوات التواصل عبر الإنترنت بعدة فوائد على الجهات غير الربحية الجامعة للتبرعات، وغالبية هذه الفوائد غير مرتبطة مباشرة بالمال، وسأذكر لك ثلاثاً منها: جذب المؤيدين اليافعين، ومنح الناخبين فرصاً للمشاركة في عملك، ودعم الدعوات المرسلة بوسائل أخرى. سيحقق تعزيز الاستثمار في وسائل التواصل عبر الإنترنت الكثير من الأرباح، ويعزز المساعي في جمع الأموال على المدى القريب، ويضع الأسس لمستقبل مزدهر أكثر.

تحطيم الحواجز

إليك طريقة جمع التبرعات التقليدية في الجامعات الكبرى: يرسل قسم التواصل مجلة لإحدى الخريجات، وترسل لها كلية الفنون الحرة مثلاً دعوة لتقديم التبرعات عدة مرات في العام، وينتقي صندوق تمويل الجامعة السنوي طلاباً للاتصال بها، ويحوم أفراد القسم الذي تخصصت فيه حولها للحصول على منحة أيضاً. وكذلك الأمر بالنسبة لكلية الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية (حيث حصلت على درجة الماجستير) ورابطة الخريجين التي ترسل نشرات باستمرار عبر البريد عن الرحلات الغريبة حول العالم، والحديث عن هذه الأساليب يطول؛ لا عجب أن يشتكي الكثير من الجامعات من انخفاض معدل مشاركة خريجيها القدامى في التمويل السنوي؟

هذا الواقع الذي ينطبق إلى حد ما على آلاف المؤسسات غير الربحية والمؤسسات، يستدعي حكَماً للحد من تداخل كل تلك الرسائل بعضها في بعض. من المؤكد أن أدنى درجات التنسيق المركزي بين جميع هذه المكاتب المتنافسة سيخفض معدل تناقص المتبرعين، وسيؤدي تنفيذ برنامج متكامل لجمع الأموال والتسويق والتواصل في الواقع إلى تعزيز الإيرادات، حتى في ظل أسوأ الظروف الخارجية.

لا أقول إنك إذا اتبعت هذه النصائح وجميع نصائحي الأخرى فسيختفي الركود الاقتصادي أو ستصل إلى جنة جمع التبرعات، ولكني أعتقد أنك إذا اتبعتها بحكمة فستضاعف دخلك على المدى القريب، وتحافظ على قدرتك على استئناف النمو بمجرد تحسن الظروف الاقتصادية.

آمل على الأقل أن تجد الطمأنينة في تفاؤلي.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

المحتوى محمي