كيف يمكن للمشتريات العامة النهوض بالاقتصاد الاجتماعي؟ (الجزء الأول)

4 دقائق
تنمية الاقتصاد الاجتماعي

تقدم منصة ستانفورد للابتكار الاجتماعي الجزء الأول من سلسلة "كيف يمكن للمشتريات العامة النهوض بالاقتصاد الاجتماعي؟" والتي سوف نتحدث في جزئها الأول عن كيفية تنمية الاقتصاد الاجتماعي، وأهم توجيهات الاتحاد الأوروبي فيما يخص المشتريات العامة.

تشتري الحكومات الأوروبية سنوياً سلعاً وخدمات بقيمة تفوق تريليوني جنيه إسترليني، وتتم غالبية هذه النفقات ضمن نطاق من المسؤولية الاجتماعية.

تنمية الاقتصاد الاجتماعي

يتصاعد اهتمام الحكومات في جميع أنحاء العالم في تنمية الاقتصاد الاجتماعي من أجل معالجة المشكلات الاجتماعية المُلحة. ويعد استيراد السلع والخدمات إحدى الطرق التي تتبعها الحكومات من أجل ذلك. حيث يمثل القطاع العام سوقاً مهماً. تنفق حوالي 250,000 من السلطات العامة ما يزيد على 14% من الناتج المحلي الإجمالي السنوي للاتحاد الأوروبي المخصص للمشتريات والبالغ 15 تريليون جنيه إسترليني. وإذا تمكنت الحكومات من استخدام التأثير الاجتماعي كمعيار مهم في قرارات الشراء، يمكن أن يساعد ذلك في تنمية الاقتصاد الاجتماعي.

لكن الأمر الجيد هو أن هناك المزيد والمزيد من المؤسسات الاقتصادية الاجتماعية لتتعاقد معها الحكومات. إن المؤسسات الاقتصادية الاجتماعية نشطة في وقتنا الحالي في مجال واسع من الصناعات تتضمن البناء والتنظيف وتشذيب الحدائق والصيرفة والخدمات. يختص الكثير منها في توفير الوظائف والمقومات الحياتية للأشخاص الذين هم مُستَثنون من سوق العمل، ومنها ما يوفر فوائد إضافية للمجتمع، ويعمل الكثير منها ضمن إطار مستدام بيئياً.

المشتريات العامة المسؤولة اجتماعياً

على سبيل المثال، تستخدم وزارة فيندي في فرنسا المشتريات العامة المسؤولة اجتماعياً (SRPP) لتوفير أغذية عضوية عالية الجودة للطلاب في المدارس المحلية؛ حددت الوزارة مؤسسة اجتماعية محتملة في أثناء تحليل الاحتياجات "أدابي - أريا 85" (ADAPEI-ARIA 85)، التي وظّفت 10 أشخاص من أصحاب الهمم ووفّرت خدمات أخرى، مثل تخزين الأغذية العضوية وتقطيعها وتنظيفها وتغليفها. وقد تمت مكافأتهم عام 2011 بالتعاقد معهم بموجب اللوائح الفرنسية، ثم في عام 2015، تم تجديد العقد لمدة 6 سنوات باستخدام أدوات العقود المحجوزة.

حققت صفقة (SRPP) هذه، التي تبلغ قيمتها 105 آلاف جنيه إسترليني سنوياً، هدفين تأثيريين: دعم استمرارية توظيف 10 أشخاص من أصحاب الهمم، وترويج استهلاك الأغذية العضوية المحلية من خلال توفير 1.8 مليون وجبة في العام للطلاب في 34 مدرسة.

استخدمت "إيستار" (ESTAR)، وهي هيئة دعم تقني وإداري إقليمية تابعة لحكومة إقليم توسكانا في إيطاليا، برنامج التقييم الاستراتيجي لتحقيق هدفين: تعزيز مشاركة الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم والشركات التعاونية الاجتماعية في المناقصات العامة، وتضمين المعايير البيئية في اعتماد عقود صيانة المسطحات الخضراء في مؤسسات الرعاية الصحية. قُسّمت المناقصة إلى 11 خانة، حُجزت 8 منها للشركات التعاونية الاجتماعية بقيمة مقدارها 24 مليون جنيه إسترليني. كانت الشركات التعاونية الاجتماعية الرابحة عضواً في 5 اتحادات وقعت حكومة توسكانا معها مذكرة تفاهم من أجل العمل التعاوني. وباستخدام أدوات (SRPP)، نجحت سلطة الشراء في تعزيز دمج عمل أصحاب الهمم من خلال الجمعيات التعاونية الاجتماعية.

إن القطاع العام ليس الوحيد الذي يعمل على إيجاد طرق لاستخدام المشتريات من أجل تحقيق الأهداف الاجتماعية، حيث بدأ القطاع الخاص أيضاً في تبني هذا النهج، عبر تقديم فرصة سوقية ضخمة للمؤسسات الاجتماعية. لم يعد الاهتمام المتزايد من قبل الشركات متجذراً فقط في المسؤولية الاجتماعية للشركات، بل أصبح يعكس اعترافاً بأن المشتريات المسؤولة اجتماعياً قد تؤدي في الواقع إلى زيادة القدرة التنافسية للشركة في السوق، غالباً بسبب زيادة طلب المستهلكين على مثل هذه الممارسات.

قد توفر جائحة "كوفيد-19" أيضاً فرصاً تجارية جديدة للاقتصاد الاجتماعي من خلال زيادة الطلب على عروضه من الوكالات العامة. فخلال فترة الجائحة؛ اعتمدت السلطات العامة على الاقتصاد الاجتماعي ومؤسسات القطاع الثالث في تأمين الخدمات المستمرة للفئات الضعيفة من السكان. وفي المستقبل، قد تدعو الحكومة حتى هذه المؤسسات إلى تأسيس حلول مبتكرة التي ستساعد على الاستجابة بشكل أفضل للظروف المتغيرة باستمرار.

توجيهات الاتحاد الأوروبي بما يخص المشتريات العامة

لقد نالت المشتريات العامة المسؤولة اجتماعياً (SRPP) بالفعل على دعم مجموعة متنوعة من الحكومات الأوروبية. في عام 2014، أصدرت المفوضية الأوروبية توجيهات للمشتريات العامة تضمنت أحكاماً وتدابير جديدة مهمة لمتابعة (SRPP). حيث شجعت هذه التوجيهات السلطات العامة في الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي على الابتعاد عن استخدام السعر باعتباره المعيار الأكثر أهمية، وحثتها بدلاً من ذلك على استخدام أفضل نسبة ممكنة للجودة إلى السعر، التي تأخذ في الاعتبار جودة المنتج أو الخدمة، فضلاً عن الاعتبارات الاجتماعية والبيئية.

وشكلت هذه التوجيهات منهجيةً جديدة لوضع سياسة المشتريات العامة المسؤولة اجتماعياً. وإليكم عدة أمثلة:

  • يمكن أن تتضمن العقود الآن بنوداً اجتماعية قد يكون لها متطلبات حول إتاحة الوصول للمشتريات والخدمات، مثل تدريب الشباب وإدماجهم في سوق العمل، أو المساواة بين الجنسين، ويمكن استخدامها في مراحل مختلفة من عملية الشراء.
  • يمكن للحكومات حجز العقود التي تسمح للسلطات العامة بحجز إجراءات المناقصات في ورش العمل المحمية وغيرها من المؤسسات التي يتمثل هدفها الرئيس في دمج أصحاب الهمم أو غيرهم من الفئات المُستضعفة في القوى العاملة.
  • يمكن تطبيق نظام مشتريات مبسط وأكثر مرونة، أو نظام "خفيف"، على الخدمات الاجتماعية والصحية والتعليمية وغيرها، شريطة مراعاة مبادئ الشفافية. تعتبر هذه الأنظمة "خدمات للأفراد" وهي محددة بما يتوافق مع السياق الوطني، وبالتالي يتم تطبيق القواعد الوطنية بدلاً من أحكام المشتريات الصارمة في الاتحاد الأوروبي.
  • يمكن للسلطات المتعاقدة استخدام منهجية تكلفة دورة الحياة لحساب تكلفة الأصل أو الخدمة خلال دورة حياتها بالكامل، وليس فقط التكلفة وقت منح العقد؛ يسمح هذا للحكومات بتضمين التكاليف الاجتماعية والبيئية للاستخدام والمحافظة على خدمة أو منتج وإعادة تدويره، وليس فقط تكلفة الأصول المتعلقة بها.
  • يمكن تشكيل شراكات الابتكار من أجل السماح للسلطات العامة بتصميم حلول مبتكرة بالاشتراك مع مقدم الخدمة، بدلاً من وصف حل، وهي منهجية مشابهة للتكليف والوساطة المستندة إلى النتائج.

بتشجيع من هذه التوجيهات الجديدة، يطالب الكثير من السلطات والمدن المحلية الآن مسؤولي المشتريات العامة بأخذ الاعتبارات الاجتماعية في الاعتبار. هذا الأمر مهم لأن هذه العقود عادة ما تكون أصغر من تلك الخاصة بالحكومات الوطنية، وبالتالي فهي أكثر جدوى لمنظمات الاقتصاد الاجتماعي لتقديم المناقصات بنجاح. تعمل المناطق والمدن أيضاً على إنشاء استراتيجيات النتائج الاجتماعية الخاصة بها وتشمل المشتريات الاجتماعية، واعتماد أساليب قياس الأثر الاجتماعي.

على سبيل المثال، أنشأت بلدية بلد الوليد في إسبانيا استراتيجية مشتريات مسؤولة اجتماعياً في عام 2018 لجعل المشتريات العامة أكثر إتاحةً للوصول بالنسبة للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم. تتمثل بعض طرق القيام بذلك في تقسيم العقود الكبيرة إلى عقود أصغر، وإجراء استشارات ما قبل السوق لتقييم السوق بشكل أفضل قبل نشر المناقصة، وإنشاء عقود محجوزة، والاحتفاظ بنسبة 8 إلى 10% من إجمالي مشترياتها السنوية في ورش العمل المحمية والمؤسسات الاجتماعية المتكاملة في العمل (WISEs).

وفي إقليم إليت فيلاني في فرنسا، قدّمت السلطة المتعاقدة -وزارة إليت فيلاني- منصة مخصصة للبنود الاجتماعية عبر الإنترنت تدعم المشترين لاستخدام البنود الاجتماعية وشركات المناقصات المساعدة (مع مجموعات الأدوات وتفاصيل الاتصال بمنظمات الدعم) من أجل تضمين بنود تكامل العمل في مناقصاتهم لخدمات الصرف الصحي في المدينة. وما هي إلا أمثلة عن خطوات تنمية الاقتصاد الاجتماعي عن طريق تطبيق استراتيجية مشتريات مسؤولة اجتماعياً.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

المحتوى محمي