تنطلق صافرة البداية في 20 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2022. إنها اللحظة الحاسمة التي ينتظرها نحو 5 مليارات شخص حول العالم لمشاهدة بطولة كأس العالم لكرة القدم التي تنظمها قطر لأول مرة في الشرق الأوسط والمنطقة العربية. خلف هذا الحدث الرياضي المهم جهود كبيرة يساهم بها 20 ألف متطوع من داخل قطر وخارجها لتنفيذ مشاريع كأس العالم.
يمثل المتطوعون عنصراً محورياً في تنظيم فعاليات البطولة عبر تسلمهم أكثر من 30 دوراً مختلفاً يدعمون من خلالها 45 جانباً تشغيلياً في المواقع الرسمية وغير الرسمية للبطولة، مثل الملاعب الثمانية ومناطق المشجعين، ومراكز التدريب والفنادق والمطارات ومراكز وسائل النقل العام.
هذا الدور المهم للمتطوعين لم يكن وليد هذه البطولة، بل ساعدت جهود 1,500 متطوع دولة قطر في تنظيم كأس العالم للأندية في فبراير/شباط 2020، وساهم 5 آلاف متطوع من 92 دولة في تنظيم كأس العرب لكرة القدم عام 2021، فلماذا يعُوّل على المتطوعين في نجاح مثل هذه الفعاليات؟
أهمية التطوع في كأس العالم لكرة القدم
عملت قطر على بناء المرافق الأساسية الضرورية والملاعب وشبكة النقل السريع "المترو" الحديثة، ووسّعت نطاق مطارها وشيدت مناطق جديدة في العاصمة الدوحة استعداداً لاستضافة كأس العالم، لكن رؤيتها كانت أبعد من البطولة، إذ تستهدف تحويل مرافق كأس العالم إلى وجهات مجتمعية تضم مدارس ومستشفيات، والتبرع ببعض مقاعد الملاعب إلى دول تفتقر لبنية تحتية رياضية، وذلك في إطار رؤية قطر الوطنية 2030 لتصبح مجتمع عالمي وتوفير مستوى معيشة أعلى، وبالتالي تحتاج لمشاركة المتطوعين في تنفيذ خطط التنمية المرتبطة بهذه الرؤية.
يعود التطوع بفائدة مزدوجة؛ من جهة يساعد الأفراد في دعم مجتمعاتهم واكتساب صداقات جديدة ومهارات ومعارف قد لا يتعلمونها في وظائفهم، مثل المتطوع الغاني إريك أبيدو، 29 عاماً، الذي تعززت ثقته بنفسه عندما أدرك أن كل شخص لديه شيء مميز يمكن تقديمه لإنجاح الحدث، ومن جهة أخرى، تبني قطر قاعدة بيانات للمتطوعين المميزين الذين يمكنهم الانخراط في أحداث رياضية مقبلة أو حتى دعم مبادرات أخرى، مثل مساهمة 120 من متطوعي اللجنة العليا للإرث والمشاريع في حملة وزارة الصحة العامة، من أجل قطر، للتطعيم ضد كوفيد-19، وكذلك مشاركة 25 متطوع في توزيع وجبات الإفطار الأساسية خلال شهر رمضان عام 2021 في إطار برنامج إفطار جوال الذي تنفذه جمعية قطر الخيرية. فما الخطوات التي اتخذتها قطر لجذب المتطوعين والاستفادة من طاقاتهم لإنجاح الحدث؟
توظيف قدرات المتطوعين بالشكل الأمثل
من أجل تحديد التوقعات حول أدوار المتطوعين وتوفير التدريب اللازم لتقييم ملاحظاتهم، وضعت اللجنة العليا للإرث والمشاريع برنامج يتميز بالتنوع والمرونة وحسن التخطيط للحصول على تجربة تطوعية أفضل من خلال:
الاستفادة من خبرات متطوعين سابقين
بدأت قطر رحلة البحث عن المتطوعين في أبريل/نيسان عام 2018، وتولى مهمة إجراء المقابلات مع متطوعين دعموا بطولات سابقة نظمتها قطر تحت إطار الاتحاد الدولي لكرة القدم، الفيفا، مثل كأس العالم للأندية 2020 وكأس العرب 2021.
ومن بين 400 ألف متقدم، وقع الاختيار على متطوعين يمثلون 160 جنسية، وتتراوح أعمارهم بين 18 و77 عاماً، وشكّل الشباب من سن 24 إلى 34 عاماً أكثر من 40% من المسجلين. ويصب ذلك في صلب هدف تحقيق استفادة أكبر من قدرات المتطوعين، إذ يمتلك الشباب سمات أكثر إبداعاً مثل الفضول وحس المغامرة، التي تدفعهم إلى التعبير عن آرائهم وأفكارهم والانخراط أكثر في المجتمع.
تنظيم الورش والجلسات التدريبية
يرتبط نجاح أي مهمة بالإعداد والتدريب الجيد، وبالنسبة للأحداث الرياضية؛ يجب رفع كفاءة المتطوعين المشاركين لمواكبة متطلبات الحدث، إذ توصلت دراسة مصرية بعنوان: إدارة المتطوعين في الأحداث الرياضية الكبرى، إلى أن عدم توفر موارد تدريبية كافية لتدريب المتطوعين على فعاليات الحدث، يعد من معوقات التطوع في الأحداث الرياضية.
وعليه، استضاف مركز الدوحة للمعارض في سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول من عام 2022، أكثر من 300 جلسة تدريب، تمتد لما يزيد على 1,300 ساعة، جمعت بين أنشطة التدريب المباشر وعن بُعد، إضافة إلى الورش حول أداء المهام، ولم يقتصر التدريب على الجانب النظري فقط، بل انتقل المتطوعون إلى الملاعب لتلقي التدريب العملي في مواقع البطولة.
وخصصت اللجنة العليا للإرث والمشاريع منصة للتعلم الإلكتروني تساعد المتطوعين، خاصة من خارج دولة قطر، في اكتشاف مهاراتهم وتوسيع قاعدة معرفتهم، وغطّى منهاج التدريب المجالات التقنية، مثل الجوانب التشغيلية داخل الملاعب وإصدار التصاريح، وكذلك مواضيع مثل الاستدامة والوعي بالاختلافات الثقافية والصحة والسلامة العامة، فسيكون للمتطوعين دوراً مهماً في الحفاظ على السلامة العامة والسلوكيات الإيجابية للمشاهدين في الملاعب.
التركيز على رفاهية المتطوعين
لا تقل رفاهية المتطوعين أهمية عن ضرورة إلحاقهم بالبرامج التدريبية، وتعزيز دورهم في تنظيم الحدث يتطلب ربطهم بمهام تتوافق مع اهتماماتهم وتوقعاتهم، وخلق حالة من السعادة والشغف والرغبة في خوض تجربة جديدة، لذا قدمت قطر مجموعة من المزايا والحوافز للمتطوعين تعزز انتمائهم للحدث والمشاركين فيه، أبرزها، الإقامة المجانية للمتطوعين من الخارج، وتوفير وجبة طعام خلال مناوبة التطوع، والاستخدام المجاني لوسائل النقل العام للتحرك بين الملاعب، ومرونة في أوقات العمل التطوعي، مع الالتزام بما لا يقل عن 10 مناوبات خلال البطولة، بالإضافة إلى الزي الموحد من شركة أديداس (Adidas) للملابس الرياضية.
تجربة التطوع الفريدة في تنفيذ مشاريع كأس العالم، ستمهد الطريق لتبني ثقافة العمل التطوعي من منظور أوسع ومجالات متنوعة، كأداة للمشاركة في تغيير المجتمع نحو الأفضل.