ملخص: يسعى العمل الخيري المبني على الثقة إلى تعزيز التعاون والتكامل بين الممولين والمستفيدين، بحيث تكون المؤسسات التي تحصل على التمويل هي الأقدر على المد بالمعلومات اللازمة لتقديم الحلول. لذا يعد النموذج المبني على الثقة أكثر عدلاً وإنصافاً للممولين عند التعامل مع المجتمعات المهمشة والمحرومة. وعليه قامت المؤسسة العائلية الكندية سيلفر غامي فاونديشن (Silver Gummy Foundation)؛ التي تهدف إلى الحد من العنف ضد النساء من خلال التعليم، بتوسيع نطاق مهام تمويلها بتأسيس فئة تمويل مؤسسات السكان الأصليين. ومن تجربتها هذه يمكن تعلّم بعض الدروس المهمة: 1) التركيز على بناء العلاقات أولاً، ثم التعامل مع البرامج والحلول، 2) عدم الاستحواذ على صناعة القرار دعوة الآخرين لتقديم آرائهم حول أسلوب المؤسسة، 3) بناء الثقة والعلاقات اللازمة لتقديم المنح القائمة على الثقة يستغرق وقتاً طويلاً.
يسعى العمل الخيري المبني على الثقة إلى معالجة حالة عدم التوازن التاريخية المستمرة بين الممولين والمستفيدين، من خلال جعل الطرفين شريكين متعاونين يعملان معاً على المستوى نفسه. وبإدراك أن المؤسسات التي تحصل على التمويل هي الأقدر على المد بالمعلومات اللازمة لتقديم الحلول. يتبنى الأسلوب القائم على الثقة فكرة أن التأثير الأكبر يحدث عند منح المؤسسات التي تنفذ العمل الصلاحيات الكاملة وعند إزالة العقبات التشغيلية والمالية. ولأن الأسلوب القائم على الثقة يمثل وسيلة أكثر عدلاً وإنصافاً للممولين عند التعامل مع المجتمعات المهمشة والمحرومة، فإنه يتيح للمؤسسات فرصة أكبر لتحمل المخاطر وتجربة الأفكار والخدمات والنماذج؛ أي أن تكون مؤسسات تساند المستفيدين منها بالتوجيه والدعم وتتيح لهم التعلم من الفشل.
هذا مفهوم تماماً. لكن تطبيق مبادئ العمل الخيري المبني على الثقة يختلف في الواقع من مؤسسة لأخرى، وليس هناك نموذج موحد يناسب المؤسسات جميعها. ويتطلب ذلك تأملاً ذاتياً عميقاً يراجع فيه الممولون مدى تأثير قيمهم على ثقافتهم، والبنية التنظيمية، وممارسات تقديم المنح، وأسلوب القيادة. وسأضرب لك مثلاً بمؤسسة هيل-سنودون فاونديشن (Hill-Snowdon Foundation) ومؤسسة تي رو برايس فاونديشن (T. Rowe Price Foundation)، اللتين كشفتا مؤخراً عن تجربتهما في دمج مبادئ الثقة في أطر عملهما لتعزيز أهدافهما في تحقيق العدالة العِرقية ومسؤولية الشركات الاجتماعية، على الترتيب.
استجابةً للجنة الحقيقة والمصالحة في كندا، شرعت مؤسسة سيلفر غامي فاونديشن (Silver Gummy Foundation)؛ وهي مؤسسة عائلية كندية خاصة تهدف إلى الحد من العنف ضد النساء من خلال التعليم، في توسيع نطاق مهام تمويلها بتأسيس فئة تمويل مؤسسات السكان الأصليين. تعلمنا من هذه التجربة بعض الدروس المهمة:
- ركز على بناء العلاقات أولاً، ثم تعامل مع البرامج والحلول.
- أدركنا أهمية الطريقة التي تعمل بها المؤسسة: يجب أن نكون مستعدين للتخلي عن الاستحواذ على صناعة القرار ودعوة الآخرين لتقديم آرائهم حول أسلوبنا.
- يستغرق بناء الثقة والعلاقات اللازمة لتقديم المنح القائمة على الثقة وقتاً.
عندما قررنا تخصيص قناة تمويل لمؤسسات السكان الأصليين، سرعان ما واجهنا حقيقة محدودية شبكتنا، فلم نحصل على أي ردود من محاولتنا الأولى للتواصل، التي قدمنا فيها عرض التمويل لقائمة المؤسسات التي جمعناها. وكانت خطوتنا الأولى هي البحث عن مشكلة داخلية لدينا: تبين لنا أن أياً من أعضاء مجلس الأمناء لم يكن من السكان الأصليين. وكانت هذه فجوة يجب علينا معالجتها لتحقيق التواصل الفعال مع مؤسسات السكان الأصليين ومجتمعاتهم. لذلك، اتخذنا خطوة إيجابية بتعيين بياسو ووتوني، عضواً في مجلس الأمناء، ليصبح ممثلاً للسكان الأصليين على مستوى مجلس الإدارة.
كانت هذه الخطوة مجرد بداية. فمع تقدمنا في العمل، أدركنا أن تعريف "مؤسسة سكان أصليين" ليس بالمهمة الهينة. ما الذي يصنف مؤسسة ما ضمن مؤسسات السكان الأصليين؟ هل يتعلق الأمر بالسكان الذين تخدمهم المؤسسة؟ هل يتعلق بهوية قيادتها، أم بمنظومة الحوكمة فيها، أم ربما بقوة ارتباطها بالمجتمع والثقافة؟ وعند تقييم مقترحات المنح، مَن يملك الإجابة الحاسمة عن هذه الأسئلة؟
في ذلك الوقت، كانت شبكة المستفيدين من منح سيلفر غامي نتاجاً للعلاقات والروابط بين المجموعات المختلفة وأعمالها. مع أننا نقبل الطلبات غير المرغوب فيها، فإن عمليتنا الأساسية تعتمد على إشراك المستفيدين الحاليين، الذين يساعدون في الإحالة وتقييم المستفيدين المستقبليين، حتى تكون لدينا رؤية منهجية أكثر للمشكلة التي نحاول حلها، ونحقق التعاون البنّاء بين المجموعات العاملة على حل المشكلة. من الناحية المثالية، يبعدنا ذلك عن المنظور الضيق للتمويل لصالح تبنّي أسلوب أشمل وأقوى تأثيراً، ما يفيد كلاً من المؤسسة التي تتلقى التمويل والشبكة الأوسع نطاقاً الموجودة فيها.
وفي حالتنا هذه، عندما وسعنا نطاق وصولنا إلى المجتمعات من خلال قناة التمويل الجديدة هذه، أدركنا سريعاً حدود شبكتنا الحالية. وكان علينا أن نبدأ ببناء علاقات جديدة، بدلاً من افتراض أن إطار برامجنا وحلولنا الحالي سيكون قابلاً للتحويل على الفور.
كانت إضافة بياسو إلى مجلس الأمناء خطوة أولى مهمة، فهو مَن قدمنا إلى مستشار العمل الخيري والتنمية المجتمعية للسكان الأصليين، ديفيد تيرنر، الذي ساعدنا على وضع استراتيجية منح التمويل والتخصصات والصلاحيات في عمليات برنامج التمويل. تواصل ديفيد مع شبكته، وحدد على مدى عدة أشهر "حراس المعرفة"، و"الحكماء"، وقادة المجتمع الذين لديهم معرفة عميقة بتقديم المنح والتماسها وتطوير العروض في مجال التمويل؛ أي العنف ضد النساء وتأثير الاستعمار على أنظمة عائلات السكان الأصليين.
كان إشراك ديفيد ليكون حلقة وصل مجتمعية خطوة مهمة أخرى لبناء العلاقات مع العديد من متلقي المنح المحتملين. فقد فهمنا منه أن مؤسسات سكان أصليين كثيرة كانت تسعى عبر تاريخها إلى الحكومة أو المؤسسات الكبيرة للحصول على تمويل. وكما قال ديفيد: "استغرق الأمر بعض الوقت قبل أن تثمن المجموعات التي جندتها مهمة سيلفر غامي، لأن معظم أفراد مجتمعات السكان الأصليين لم يتلقوا من قبل اتصالاً من أي مؤسسة عائلية خاصة للحصول على التمويل. وعادة، لم تكن أي مؤسسة عائلية خاصة خياراً أساسياً لمجتمعات السكان الأصليين عند البحث عن تمويل". ونتيجة لذلك، كان أي اتصال عابراً في الغالب أو مقتصراً على مؤسسة معينة.
نموذج عمل جديد
بفضل جهود ديفيد، تمكنا من تأسيس ما نسميه اليوم "دائرة حراس المعرفة"، التي تقود جماعياً عملية صنع القرار بشأن طلبات برامج السكان الأصليين. وبمجرد أن يقدم حراس المعرفة توصياتهم، يتدخل الأمناء لضمان أن تفي المؤسسة بالمعايير القانونية للحصول على التمويل، وتنفذ التمويل خلال الربع السنوي المعني. لقد أتاح هذا الإجراء مساحة للحوار والنقد: بعد جولة التمويل التجريبية، طلب الأمناء من أوائل المستفيدين تقديم آرائهم حول العملية وتصميم البرنامج وإعداد التقارير وتجربة تبادل المعرفة. فعلى سبيل المثال، بينما كنا نتصور في البداية أن تكون منحة السكان الأصليين فرصة سنوية، تلقينا تعليقاً نبهنا على أن الموعد النهائي لتقديم الطلبات كان يضع عقبات. واستجابةً لذلك، عدّلنا البرنامج لقبول العروض على مدار العام. وقد تماشى هذا أيضاً مع قناة التمويل العامة للمؤسسة.
سمحت هذه البنية التنظيمية وهذه العملية لمؤسسة سيلفر غامي بالتخلي عن السيطرة على عملية صنع القرار لأولئك الذين هم في وضع أفضل لفهم السياق الكامل للعمل وفائدته داخل المجتمعات التي نسعى لخدمتها. وتتطلب معرفة كيفية التفاعل مع كل مجتمع استخدام هذا الأسلوب؛ وعلى حد تعبير بياسو: "ليس هناك أسلوب واحد شامل للسكان الأصليين في هذا الصدد. يعتمد الأمر على الاتصالات، ومتلقي المنح المحتملين، والحكماء، وحراس المعرفة، علاوة على من يعملون ميدانياً". أدى حراس المعرفة دوراً حاسماً في تقديم متلقين محتملين للمنح إلى سيلفر غامي، ما أثرى منظومة المؤسسات التي تتصدى للعنف ضد النساء وعلاقته بالتأثيرات المستمرة للاستعمار على أنظمة عائلات السكان الأصليين ومجتمعاتهم.
هذه عملية مستمرة. ندرك أن هناك حاجة إلى مزيد من العمل لتوسيع شبكتنا إلى ما يتجاوز العلاقات الحالية والنقل الشفهي. كما نعي ضرورة توسيع نطاق المؤسسات التي نخدمها. وفي حين أن المستفيدين الحاليين يعملون غالباً في الخطوط الأمامية وعلى مستوى المجتمع، فإن هناك العديد من المؤسسات الأكاديمية للسكان الأصليين التي تؤثر بدرجة كبيرة ولم نصل إليها بعد. تعلمنا من هذا ألا نفترض أننا نعرف أو نفهم كيف ستظهر مشكلة العنف في مجتمع بعينه. بدلاً من ذلك، نركز على بناء علاقات تسمح بالحوار المفتوح وسرد القصص الصريح.
توسيع نطاق المهام
بصفتنا ممولين، يتطلب منا العمل على نموذج قائم على الثقة أن ننظر إلى المشكلة التي نحاول حلها من منظور أوسع من مجرد اعتماد التمويل. فعند التعامل مع مجتمعات السكان الأصليين، يعني ذلك التعامل مع إرث الاستعمار وتأثيره المستمر على المشاكل التي نحاول حلها. وبالنسبة لنا، لأننا مؤسسة خاصة يعني أننا نستطيع الانخراط بطرق قد لا تكون الحكومة أو المؤسسات الأخرى قادرة أو مستعدة للالتزام بها. لذلك، في أثناء وضع استراتيجيتنا الجديدة للمنح، وجّهت دائرة حراس المعرفة أمناءنا في أثناء الدعوات لاتخاذ إجراء في تقرير لجنة الحقيقة والمصالحة الكندية، لتحديد الحل الأنسب.
كما علّمنا حراس المعرفة الفروق بين النماذج الأوروبية لتقديم المنح وأساليب السكان الأصليين في العمل الخيري. فعلى سبيل المثال، لا يمكن اعتبار مفهوم العمل الخيري جزءاً متأصلاً في ثقافة السكان الأصليين بأميركا الشمالية. قبل الاستعمار، كان المجتمع يتشارك موارده بالتساوي، ويعتمد العمل الخيري، بمفهومه الذي نعرفه اليوم، على نموذج "الذين يملكون والذين لا يملكون" الذي لا يتماشى مع قيم السكان الأصليين. كان التغيير مع قدوم المستوطنين، الذين قدّموا مفهوم العُشر الكنسي، ثم قدموا في القرن السابع عشر تشريعات الضرائب لتشجيع إعادة توزيع الثروة، وأصبحت المجتمعات تعتمد على العمل الخيري لدعم احتياجاتها في شكل منح من الحكومة أو الشركات، مع إلغاء معاهدات وطرد الشعوب من أراضيها بعيداً عن مواردها التقليدية.
في النموذج الأوروبي لتقديم المنح، تكمن القوة في يد الممول، ويجب على أي مؤسسة تبرير استحقاقها للتمويل. لكن الآلية مختلفة في المنح التي يقدمها السكان الأصليون، حيث يجب على الممول إظهار أكثر من مجرد الدعم المالي. هنا، يمثل التمويل تجسيداً لالتزام الممول بالتكامل مع المجتمع (داخل المحمية)، أو المؤسسة، (خارج المحمية).
بالنسبة لمؤسسة سيلفر غامي، قبل أن نتمكن من تشجيع أي مؤسسة على التعبير عن احتياجاتها التمويلية، كان علينا أن نلتقي بقادتها في أماكنهم. والتقت فرق القيادة للمؤسسات التي دعمناها خارج المحمية، وقادة المبادرات المجتمعية داخل المحمية، مع قادة سيلفر غامي عدة مرات، قبل أن تثق بالمؤسسة وتوجه لها الدعوة إلى مجتمعاتها. فيعيد تقديم المنح الفعال للسكان الأصليين صياغة هذه العلاقة. وسواء كانت المؤسسة داخل المحمية أو خارجها، فإنها تدعو الممول لدخول المجتمع. عندئذ، تعتمد المنح بمراسم هي بمثابة اتفاق ملزم، إضافةً إلى توقيع عقد.
وباعتبار أن لغة السكان الأصليين تعتمد على تقاليد الشفاهة وليس الكتابة، فإننا نضيف كذلك عملية تقديم منح جديدة لجميع المتقدمين، سواء كانوا من السكان الأصليين أو لا. وبدءاً من عام 2025، سوف نستكشف كيفية تسهيل عملية التقديم من خلال مقاطع الفيديو، بديلاً من الطلبات النصية الحالية لجميع المتقدمين للمنح.
إن بناء الثقة مشروع متواصل لا يقل أهمية عن العمل الخيري نفسه. في الماضي، كنا نهتم بهذا العمل من خلال مبادرات، مثل تنظيم طاولة مستديرة سنوية لمتلقي المنح، حيث نغطي تكاليف سفرهم وحضورهم لتبادل المعرفة والتطوير المهني وتقديم الآراء والملاحظات. لكننا أدركنا أيضاً أننا بحاجة إلى الظهور بأساليب تحترم كل مجتمع نتطلع للتواصل معه. وحتى الآن، يشمل ذلك دعوات مثل التجمع في مهرجان باوواو الذي استضافه شعب إرمينيسكين كري وعقد اجتماع على أرض شعب تسوتينا.
الطريقة التي نقدم بها دعمنا
يجب علينا -نحن الممولين- توسيع توقعاتنا حول كيفية دعمنا لمتلقي المنح والمجتمعات والأشخاص الذين نرغب في عقد شراكة معهم. يجب أن تكون نوايانا صادقة ومحددة إذا أردنا إنجاز عمل ذي قيمة وبناء علاقات مع مجتمعات السكان الأصليين. وهو عمل من نوع يتطلب التأني والتروي. لقد استغرقنا نحو 4 سنوات لوضع أساس ما نحن عليه اليوم، في عامنا الثاني من تقديم منحة للسكان الأصليين. وبالنسبة لنا، هناك بروتوكولات ثقافية نعلم أننا لم نلتزم بها بعد، مثل تقديم قربان لحراس المعرفة وأداء مراسم الساونا في كوخ التعرق.
إلى جانب التعلم الثقافي، تواجه أي مؤسسة تحديات إدارية ولوجستية عند وضع أسس رسمية لبرنامج تقديم منح جديد، مثل تحديد الأدوار والتوقعات بوضوح. وبما أننا نواصل التفكير في أخطائنا والتعلم منها، يمكننا اعتبارها فرصاً إضافية للنمو وتطوير العلاقات التي تدعم في النهاية العمل الذي يؤديه المستفيدون من المنح في مجتمعاتهم.