الجهات الممولة لبنية الحوكمة البيئية والاجتماعية: من يدفع تكلفة الشفافية؟

9 دقيقة
تطبيق الحوكمة الاجتماعية والبيئية
shutterstock.com/SewCreamStudio

إذا سبق لك أن اشتريت لوح شوكولاتة أو شطيرة برجر (سواء باللحم البقري أو الصويا النباتية) أو زجاجة شامبو، فهذا يعني أنك تعاملت على الأرجح، ودون أن تدري، مع سلسلة توريد مرتبطة بإزالة الغابات المدارية، على الرغم من التعهدات التي قطعتها كبرى الشركات العاملة في قطاعي الأغذية والسلع الاستهلاكية بالامتناع عن أي أنشطة تؤدي إلى إزالة الغابات ضمن سلاسل التوريد التابعة لها، لكن تتبع التقدم على هذا المسار أو توثيقه ظل مهمة عسيرة. ويمثل امتلاك الشركة رؤية واضحة بشأن الآثار البيئية لمختلف مراحل عمليتها الإنتاجية، خاصة تحديد مدى ضلوعها في تجريف غابات الأمازون أو غيرها من المواطن الطبيعية الحساسة، خطوة بالغة الأهمية في مسارها نحو الاستدامة. في السابق، كان بوسع الشركات التنصل من المسؤولية بحجة تعذر التتبع؛ إذ لم يكن بالإمكان إدراك حجم المخاطر المرتبطة بسلاسل التوريد على نحو موثوق. لكن هذا العذر لم يعد مقبولاً في ظل ظهور منصة غلوبال فورست ووتش، ولاحقاً غلوبال فورست ووتش برو، وهي أداة لمراقبة الغابات وتقييم المخاطر مصممة خصيصاً لخدمة الشركات والمؤسسات المالية.

بضع نقرات فقط كانت كفيلة بأن تتيح لمسؤولي الاستدامة أو المعنيين بالمشتريات ربط التنبيهات المستندة إلى بيانات الأقمار الصناعية بمناطق التوريد وقوائم الموردين. وللمرة الأولى، أصبح بمقدور الشركة أن تحظى برؤية موثوقة وشبه فورية بشأن المواقع التي قد تتسلل منها أنشطة إزالة الغابات إلى سلسلة التوريد التابعة لها. لم تقتصر فائدة الأداة على تجنب المخاطر، بل مكنت الشركة من اتخاذ إجراءات فعالة، مثل تعديل ممارسات الشراء، أو الإبلاغ عن الموردين غير الممتثلين لسياسات الاستدامة البيئية، أو التدقيق بصورة أعمق في الحالات التي تثير القلق بشأن بعض الموردين. ومع مرور الوقت، أصبحت المنصة أداة أساسية في استراتيجية الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، على الرغم من عدم تمتعها بضجة إعلامية.

يشهد قطاعا الصيد البحري والتأمين تحولاً مماثلاً عند نقطة التقاطع بينهما؛ إذ انضمت شركة عالمية للتأمين البحري إلى تجربة أولية لمنصة فيسل فيور، في ظل شكوكها بشأن إمكانية التعرض للمطالبات المرتبطة بالصيد غير القانوني. وتستند هذه المنصة إلى بيانات منصة غلوبال فيشينغ ووتش لمساعدة شركات التأمين على تقييم مخاطر تغطية السفن المتورطة في الصيد غير المشروع وغير المبلغ عنه وغير المنظم. وفجأة أصبح بمقدور شركات التأمين الوصول بسهولة إلى معلومات حول مخاطر الصيد غير المشروع، بفضل دمج بيانات تحركات السفن وأنشطة الموانئ وممارسات التسجيل المشبوهة للسفن. وتحولت المنصة لدى عدد من الشركات إلى أداة محورية في تسريع إجراءات الاكتتاب التأميني، مع الحفاظ على التزاماتها تجاه الاستدامة وحوكمة المحيطات.

وبمرور الوقت، تصاعدت الشكوك حول التزامات الشركات بالاستدامة والحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، مدفوعة بمخاوف تتعلق بالغسل الأخضر والمزاعم المضللة والفجوة بين النوايا والتطبيق. وتتمحور هذه المخاوف حول موثوقية البيانات وصعوبة قياسها؛ فهذه البيانات لا تزال طوعية في معظمها، وغالباً ما تنبع من داخل الشركات نفسها ويصعب إخضاعها لمعايير قياس دقيقة. وعلى الرغم من أن أدوات مثل منصة غلوبال فورست ووتش برو وفيسل فيور وغيرها ليست حلاً مثالياً، فإن كثيراً منها يسد فجوات البيانات الأساسية ويوفر مؤشرات موحدة ويدعم الشفافية.

باتت هذه البنية التحتية للاستدامة لا غنى عنها للشركات التي تصدر مزاعم بيئية تستند إلى بيانات موثقة. بيد أن الأدوات التي تتيح تقديم هذه المزاعم لم تطورها مؤسسات من القطاع الخاص، بل كانت ثمرة مبادرات أطلقتها المؤسسات الخيرية والمؤسسات غير الحكومية، التي تبنتها وأسهمت في توسيع نطاقها. ومع اعتماد الشركات المتزايد على هذه المنصات في مجالات التسويق والامتثال التنظيمي وتخفيف المخاطر، يبرز سؤال محوري: من الذي ينبغي أن يتحمل تكلفة البنية التحتية للاستدامة التي تستخدمها الشركات لقياس أدائها في مجالات الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، وتحسينه والإبلاغ عنه؟ وهل يمكن تحقيق هذه الغاية بطريقة تضمن استدامة هذه الأدوات لمطوريها وتحافظ في الوقت نفسه على الموضوعية التي قامت عليها منذ البداية؟

من الاستثمار الخيري إلى البنية التحتية للحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات

لم تظهر منصتا غلوبال فورست ووتش برو وفيسل فيور بين عشية وضحاها، بل كانتا ثمرة سنوات من الاستثمار والتطوير المتواصل من جانب مؤسسات ذات رسالة واضحة استجابت لتحديات عالمية وسعت إلى سد فجوة في مساءلة الشركات.

أطلق معهد الموارد العالمية منصة غلوبال فورست ووتش في عام 2014 لتوفير نظام مفتوح لمراقبة الغابات بالاعتماد على صور الأقمار الصناعية. وقد راعى تصميم هذه المنصة تمكين المؤسسات غير الحكومية والصحفيين والحكومات من الوصول إلى بيانات حول بؤر إزالة الغابات. ومع تصاعد المطالبات باتخاذ إجراءات مؤسسية للحد من إزالة الغابات، أدرك المعهد حاجة الشركات إلى أدوات مخصصة، فأطلق منصة غلوبال فورست ووتش برو عام 2019. وبالاستناد إلى البيانات الجوهرية نفسها، تتيح المنصة للشركات مراقبة إزالة الغابات ضمن مناطق توريد مخصصة، إلى جانب تقييم المخاطر بصورة آمنة دون الكشف عن معلومات سلاسل التوريد الخاصة بها.

حظي تطوير منصة غلوبال فورست ووتش بدعم أولي من مؤسسة غوردون آند بيتي مور والحكومة النرويجية ومؤسسات خيرية خاصة أخرى، انطلاقاً من قناعة بأن توفير بيانات مفتوحة ومستقلة يمكن أن يسهم في تغيير سلوك الشركات. وقد تبع ذلك تمويل من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية والوكالة البريطانية للتنمية الدولية والوكالة الألمانية للتعاون الدولي (الوكالة الألمانية الرئيسية للتنمية) ومرفق البيئة العالمي (وهو صندوق متعدد الأطراف للعناية بشؤون البيئة).

المنصة مجانية الاستخدام والمعلومات المتاحة للجمهور، وهي خطوة مقصودة تهدف إلى تعزيز استخدامها وتشجيع المساءلة على نطاق أوسع من خلال ضغط المجتمع المدني. في السابق، حين كانت الشركات تواجه سؤالاً حول ارتباط سلاسل التوريد التابعة لها بإزالة الغابات، كان بإمكانها، في كثير من الأحيان، الادعاء عن حق بأنها "لا تستطيع معرفة ذلك". لكن ظهور أدوات الشفافية هذه فجأة جعل تلك المعلومات متاحة على الملأ، سواء للشركات نفسها أو للجهات المعنية بالتصدي للتدمير البيئي.

تسير قصة منصة فيسل فيور على النهج نفسه؛ فقد طورتها غلوبال فيشينغ ووتش بدعم من مؤسسات مثل غوردون آند بيتي مور وبلومبرغ وأوشنكايند. وتعمل المنصة على تبسيط بيانات رصد تحركات السفن المعقدة وتحويلها إلى إشارات واضحة للمخاطر موجهة إلى مكتتبي التأمين، وهي فئة لم يسبق استهدافها في جهود مكافحة الصيد غير المشروع وغير المبلغ عنه وغير المنظم.

في كلتا الحالتين، لم تصمم هذه الأدوات في بادئ الأمر بوصفها منتجات تجارية، بل بوصفها منافع عامة. وكان الهدف منها تعزيز الشفافية وتمكين الجهات الرقابية وتعزيز قدرة مؤسسات القطاعين العام والخاص على صناعة قرارات أفضل. بيد أن الشركات وغيرها من الجهات التجارية باتت تشكل جمهوراً متزايداً مع سعيها للامتثال لمتطلبات تنظيمية جديدة والتعامل مع مستويات متنامية من المخاطر.

منحنى الاستدامة المؤسسية

يعكس تطور أدوات مراقبة الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات والإبلاغ عنها المسار الأشمل الذي سلكته الاستدامة المؤسسية خلال العقدين الماضيين.

  1. الابتكار برعاية المؤسسات: أتاحت الاستثمارات الخيرية تطوير أدوات مثل غلوبال فورست ووتش برو وفيسل فيور، وهي أدوات ساعدت في صياغة التحديات البيئية بلغة مفهومة لدى الشركات، مثل المخاطر المالية والضرر الذي يلحق بالسمعة والتعرض للمخالفات القانونية. وقد أدت المؤسسات غير الحكومية دوراً مزدوجاً؛ إذ تولت من جهة مساءلة الشركات، ومن جهة أخرى وفرت أدوات تساعدها على التحسن.
  2. التبني الطوعي للابتكار: بدأت الشركات التي تبنت الابتكار في وقت مبكر، وغالباً ما تكون شركات ذات علامات تجارية موجهة للمستهلك أو واقعة تحت ضغط المستثمرين، استخدام هذه الأدوات لتقديم التزامات طموحة في مجال الاستدامة ومراقبتها. وقد جاء هذا التبني استجابة للضغوط، لكنه كان مدفوعاً أيضاً بما تقدمه الأدوات نفسها من فائدة عملية.
  3. المواءمة التنظيمية: مع شروع الحكومات في تبني تشريعات تلزم الشركات بإجراء عمليات التحقق اللازمة، مثل لائحة الاتحاد الأوروبي لحظر المنتجات المرتبطة بإزالة الغابات أو اتفاقية تدابير دولة الميناء لمكافحة الصيد غير القانوني، باتت هذه الأدوات ضرورية للامتثال. فما بدأ بوصفه بنية تحتية طوعية، أصبح اليوم إلزامياً.
  4. فرصة السوق: بعدما غدت هذه الأدوات جزءاً أساسياً من آليات الامتثال وإدارة المخاطر، تزايدت الرغبة في تسويقها تجارياً. فقد تبنت بعض الأدوات المدعومة من مؤسسات غير حكومية نموذج "فريميوم"؛ إذ تتيح الوظائف الأساسية مجاناً، بينما تفرض رسوماً على الميزات المتقدمة أو الوصول الموسع إلى البيانات أو خدمات الدمج التقني. وفي موازاة ذلك، بدأت هذه الأدوات تواجه منافسة من شركات ناشئة مدعومة برؤوس أموال مغامرة تقدم حلولاً للحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات تعتمد على خوارزميات حصرية وتسوق بوصفها أكثر ملاءمة وسلاسة للشركات.

يمثل تسويق هذه الأدوات فرصة فريدة لتوفير مصدر تمويل مستدام ومتسق مع رسالتها؛ إذ باتت الشركات تدرك القيمة الفعلية للمعلومات التي تتيحها، وأصبحت مستعدة لدفع مقابل مادي لقاءها. ومن شأن هذا التحول أن يمكن المؤسسات غير الحكومية من تجاوز التحديات التمويلية التقليدية التي تعانيها المؤسسات غير الربحية، مثل تقييد المنح وصعوبة شروطها وانخفاض مخصصاتها التشغيلية، فضلاً عن هشاشتها في ظل تغير استراتيجيات المانحين وأولوياتهم كل 5 أعوام تقريباً.

خطر الترويج التجاري، وتكلفة التقاعس عن اتخاذ أي إجراء

على الرغم من وضوح الفرصة الكامنة في تحقيق عوائد مالية من البنية التحتية للحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، فالطريق إلى ذلك محفوف بالتوترات والتحديات.

تستمد هذه الأدوات مصداقيتها في أغلب الأحيان من استقلاليتها وارتباطها برسالة واضحة وشفافيتها؛ إذ يمثل الوصول المفتوح إلى البيانات عنصراً أساسياً في فاعليتها، ليس لفائدة الشركات فحسب، بل أيضاً لخدمة المؤسسات غير الحكومية وهيئات الرقابة والصحفيين والمستهلكين الذين يعتمدون على الشفافية العامة لمساءلة الأطراف المعنية. وقد يقوض الاتجاه نحو نموذج مدفوع بالكامل هذا الدور؛ فالمعلومات المتاحة حالياً للجمهور تدعم منظومة كاملة من المساءلة وتحقيق المنفعة العامة. وإذا انتقلنا إلى نموذج "الدفع مقابل الاستخدام"، فهل ستقتصر الشركات على تغطية حصتها فقط؟ أم يمكن تحقيق ذلك بطريقة تضمن بقاء هذه الفوائد متاحة للجميع؟

هناك أيضاً خطر نشوء تضارب في المصالح، سواء كان فعلياً أو متصوراً؛ فإذا كانت الشركات هي من يدفع ثمن استخدام الأدوات التي تقيم أداءها في مجال الاستدامة، فهل يمكن الوثوق بنتائج هذا التقييم؟

في الوقت نفسه، قد تكون الشركات التي تجني أكبر فائدة من هذه الأدوات بطيئة في تبنيها، حتى عندما تكون مجانية. وقد يؤدي فرض رسوم دون وجود عائد واضح على الاستثمار أو إلزام قانوني إلى تقليص استخدامها في لحظة حرجة. وفي المقابل، قد يتباطأ تبني الشركات للمنتجات المجانية لأنها تعتبرها غير ذات قيمة. ومن المفارقات أن تحديد سعر لها قد يسرع وتيرة استخدامها.

تتغير خارطة المنافسة هي الأخرى؛ إذ بدأت شركات ناشئة في القطاع الخاص، مدعومة برؤوس أموال مغامرة، تطوير أدوات لافتة للحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، وتستهدف بها المستخدمين من الشركات نفسها. لكن هذه الأدوات قد تستند إلى بيانات غير موثقة وتفتقر إلى منهجيات خاضعة لمراجعة الأقران ولا تتماشى بالضرورة مع الأهداف الاجتماعية والبيئية التي تتميز بها المنصات التي طورتها المؤسسات غير الحكومية.

البرامج التجريبية والنماذج الناشئة

تعمل كل من غلوبال فورست ووتش برو وفيسل فيور على اختبار نماذج جديدة تسعى إلى تحقيق التوازن بين الحفاظ على الشفافية وتوليد الإيرادات.

اعتمد معهد الموارد العالمية نظاماً يتضمن فرض رسوم على الاستخدام المكثف وتقديم عضويات خاصة على منصة غلوبال فورست ووتش برو. يستند هذا النموذج إلى الإبقاء على الوصول المجاني والمفتوح إلى البيانات والوظائف الأساسية لصغار المشاركين في سلاسل التوريد، مع تقديم خدمات إضافية للمؤسسات الكبرى، مثل الأتمتة عبر واجهات برمجة التطبيقات وإتاحة الوصول المبكر إلى الميزات الجديدة لتقديم الملاحظات بشأنها وخيارات استضافة شبكات عضوية فرعية. يتيح هذا النموذج للشركات دفع رسوم مقابل خدمات محددة، مع ضمان بقاء البيانات الأساسية متاحة للجمهور.

اتبعت منصة فيسل فيور النهج ذاته؛ فهي لا تزال متاحة مجاناً للصحفيين الاستقصائيين والمؤسسات غير الحكومية، لكنها تقدم حزم اشتراك مخصصة لشركات التأمين وغيرها من المستخدمين التجاريين، وتشمل مزايا موسعة ودعماً فنياً مباشراً. وتستخدم هذه العائدات في صيانة المنصة وضمان قدرتها على التوسع لتلبية الطلب المتزايد. كما توفر المنصة خيار التكامل المباشر مع البيانات، ما يتيح دمجها ضمن المنصات الحالية لدى العملاء. وتخطط فيسل فيور لتطبيق نموذج "فريميوم"، حيث تظل النسخة الأساسية مجانية، مع إمكانية الترقية إلى نسخة مدفوعة تتضمن ميزات إضافية. ويأتي هذا التغيير استجابة لصعوبة فرض رسوم على أداة متاحة مجاناً.

تشهد هذه الأدوات أيضاً تطوراً على صعيد هياكلها الداخلية؛ فالموظفون الذين كانوا يركزون سابقاً على البحث أو مناصرة قضايا البيئة أصبحوا يتعلمون الآن مهارات خدمة العملاء وإدارة الحسابات وتكامل البيانات. أما المؤسسات التي تقف وراء هذه الأدوات فقد باتت كيانات هجينة تجمع بين الطابع غير الربحي القائم على الرسالة البيئية وتقديم خدمات بمستوى احترافي يضاهي ما تقدمه المؤسسات التجارية.

تسعى الجهات المعنية بالبنية التحتية للاستدامة إلى استكشاف نماذج تمويل بديلة، مثل التمويل المشترك من تحالفات الشركات واتفاقيات الترخيص وإدماج هذه الأدوات في حزم البرمجيات المؤسسية. ولكل نموذج مزاياه وعيوبه، ولكنها جميعاً تشير إلى حقيقة واحدة: لا بد لهذه الأدوات أن تتطور إذا كانت تريد الحفاظ على مصداقيتها وسهولة الوصول إليها واستدامتها مالياً.

من يدفع كلفة البنية التحتية للحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات؟

تكفلت المؤسسات الخيرية، طوال العقد الماضي، بالعبء المالي الأكبر لتمويل البنية التحتية التي ترتكز عليها استدامة الشركات؛ إذ دعمت، دون ضجيج إعلامي، النظم التي باتت اليوم أساساً لمطالبات وتصنيفات الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات التي تقدر قيمتها بمليارات الدولارات. أما الآن، فقد بدأ مطورو الأدوات في المؤسسات غير الحكومية يطالبون الشركات بتحمل جزء من هذه المسؤولية. وحتى اللحظة، اقتصر ذلك غالباً على التبرعات المؤسسية أو الاستثمارات المشتركة، في حين بدأ بعض الجهات تجربة نماذج "فريميوم" كما ورد آنفاً. ومع ذلك، لا تزال هذه الخطوات في بدايتها ضمن مسار طويل ومعقد بحثاً عن حلول تمويلية مستدامة على المدى البعيد.

في ختام قصتنا، نعود إلى شركة زراعية دولية كانت قد أسهمت في تقييم سوق منصة غلوبال فورست ووتش برو. وعندما سئلت عما إذا كانت مستعدة لدفع مقابل مالي لقاء الاستمرار في استخدام الأداة، أجاب مسؤول الاستدامة دون تردد:

"إن وجود جهة عامة تشرف على مراقبة الامتثال لدينا أمر بالغ الأهمية؛ فكيف يثق المستثمرون أو العملاء في مصداقية الأرقام التي نفصح عنها؟ إن وجود اسم معروف يبعث على الثقة والإحساس بأننا نعمل بشفافية يقلل الشبهات المتعلقة بالغسل الأخضر؛ فمثل هذه الشفافية تسهم في ترسيخ معيار معتمد على مستوى القطاع وتعزز الثقة".

يعكس هذا التصريح فهماً متزايداً لحقيقة مفادها أن البنية التحتية للحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات تمثل منفعة عامة وضرورة تجارية في آن واحد. والتحدي القائم الآن هو تصميم نماذج تمويل تجسد هذه القيمة دون أن تقوض مستوى الشفافية والاستقلالية الذي منح هذه الأدوات مصداقيتها منذ البداية.

 

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أن المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال من دون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.        

المحتوى محمي