لماذا تفشل بعض القضايا في جذب التمويل؟ وكيف يمكن تغيير ذلك؟

9 دقيقة
بناء مجتمعات المؤسسات المانحة

يتناول المقال كيفية بناء مجتمعات مانحين لتمويل القضايا الجديدة أو غير المموّلة بشكل كافٍ، مستفيداً من تجربة سنتيرا فاندرز وهي مجموعة داعمين للبحوث والعمل على تحسين نظم الغذاء ومعاملة الحيوانات، كمثال عملي على ذلك. ويقدم المقال خمس استراتيجيات تساعد على زيادة التأثير الا…

لو كان لديك 100 دولار لتخفيف أكبر قدر ممكن من المعاناة وإحداث أكبر أثر إيجابي ممكن في العالم، فكيف كنت ستنفقها؟ يرى كثير من أصحاب الأعمال الخيرية أن إجابة هذا السؤال تكمن في ميادين جديدة وغير متوقعة.

على سبيل المثال، ترى إحدى المجموعات المتنامية من أصحاب الأعمال الخيرية أن التصدي للأضرار الناجمة عن تربية الحيوانات في مزارع الإنتاج الحيواني المكثف يحقق فوائد هائلة. وبعد أن ظلت هذه القضية مهمشة وتعاني نقص التمويل أعوماً طويلة، بدأت تجذب عدداً متزايداً من المانحين المتطلعين إلى معالجة أكبر القضايا الاجتماعية في عصرنا. وقد تنبه كثير من الممولين إلى حجم مشكلة وصفها مفكرون بارزون بأنها "فشل أخلاقي فادح يمثل وصمة عار في عالمنا المعاصر" و"ربما أسوأ جريمة في التاريخ"، في إشارة إلى المعاناة المروعة التي تلحق بحيوانات المزارع. بينما أدرك آخرون ما تخلفه المزارع الصناعية للإنتاج الحيواني من آثار سلبية هائلة على المناخ والمجتمعات الريفية والمزارعين، فضلاً عن إسهامها في تفاقم مخاطر الجوائح ومقاومة المضادات الحيوية والفقدان الكارثي للتنوع البيولوجي.

يتفق هؤلاء الممولون، ومنهم كثير من الأجيال الشابة، على أن التبرع لدعم بناء نظام غذائي أكثر أخلاقية وقدرة على الصمود من أعلى مجالات العطاء تأثيراً قياساً بالعائد المتحقق مقابل كل دولار، وأن التعاون فيما بينهم يمكن أن يساعد على تعظيم أثر كل مساهمة.

ولتحقيق هذه الغاية، أسس عدد من هؤلاء الممولين في عام 2018 مؤسسة فارمد أنيمال فاندرز التي أصبح اسمها اليوم سنتيرا فاندرز بهدف تسريع التقدم نحو نظام غذائي أكثر إنسانية واستدامة. وتقدم مؤسسة سنتيرا اليوم الدعم لأصحاب الثروات الكبيرة الذين يشكلون نحو 75% من حجم التبرعات العالمية في هذا المجال. وقد ضخت ملايين الدولارات من خلال صندوق مشترك، إضافة إلى عشرات الملايين الأخرى عبر تبرعات مستقلة وتعاونية. تمثل هذه التجربة نموذجاً يحتذى به لأصحاب الأعمال الخيرية ومناصري القضايا الجديدة أو المعقدة أو التي تعاني نقص التمويل، من حيث كيفية التنسيق الفعال لإحداث أثر اجتماعي واسع النطاق.

قضية مهمشة لكن عوائدها تفوق الحجم المتوقع

أثبتت الأبحاث العلمية أن حيوانات المزارع تمتلك قابلية الإحساس بالألم والضغط والوحدة تماماً مثل حيواناتنا الأليفة المدللة، وإذا أتيحت لها الفرصة، فبمقدورها الشعور بالفرح والاستمتاع باللعب وتكوين روابط عميقة فيما بينها ومع الإنسان. ومع ذلك، تتعرض مليارات الثدييات والطيور المخصصة للإنتاج الغذائي حول العالم للاحتجاز في عنابر قذرة معدومة النوافذ، يطلق عليها غالباً المزارع الصناعية للإنتاج الحيواني أو مجمعات الإنتاج الحيواني المكثف، حيث تتعرض للحرمان من الهواء النقي وأبسط مقومات الراحة ومن القدرة على التعبير عن سلوكها الطبيعي، كما تتعرض في كثير من الأحيان للمعاملة الوحشية. يضاف إلى ذلك مليارات الكائنات البحرية الحساسة التي تعيش في ظروف مشابهة. ومن ثم فتغيير الطريقة التي نتعامل بها مع هذه الحيوانات يمثل إحدى أعظم الفرص المتاحة لتقليل المعاناة على نطاق واسع.

ويمكن أن يوفر الجهد نفسه تريليونات الدولارات من التكاليف البيئية والصحية عبر إصلاح نظام يسهم في تسريع التغير المناخي وتفاقم التلوث البيئي، بينما ينتج في الوقت ذاته أغذية غالباً ما تكون غير صحية وغير آمنة. وتشكل تربية الحيوانات في مزارع الإنتاج الحيواني المكثف السبب الرئيسي لإزالة الغابات، كما أنها من أكبر مصادر استهلاك المياه على مستوى العالم، وذلك لعدة أسباب، منها أن إنتاج سعر حراري واحد من اللحوم يتطلب ما بين 50 و100 ضعف مساحة الأراضي وكمية المياه مقارنة بكل سعر تنتجه النباتات. أما التحول إلى نظام غذائي يرتكز بصورة أكبر على المنتجات النباتية فيخفف الضغط الهائل الواقع على كوكبنا، ويسهم في بناء مستقبل أكثر صحة وصلاحية للعيش.

يخصص المتبرعون حالياً 95% من تبرعات رفاه الحيوان للجمعيات المعنية بالكلاب والقطط، في حين لا تحصل حيوانات المزارع على أكثر من 3% فقط. ومع أن حجم التبرعات في هذا المجال يبلغ نحو 260 مليون دولار سنوياً، فإنه لا يشكل سوى 0.04% من إجمالي العمل الخيري العالمي، أي أقل بأكثر من 100 مرة من حجم التبرعات الموجهة إلى قضايا مثل التنمية العالمية أو التغير المناخي.

ومع ذلك، بدأ هذا المجال يجذب مزيداً من التمويل، ويرجع ذلك إلى عدة أسباب، منها تنامي القلق بين الخبراء والجمهور على حد سواء. فقد ارتفعت قيمة التبرعات المخصصة لإصلاح المزارع الصناعية للإنتاج الحيواني وإحلال أنظمة أكثر إنسانية واستدامة محلها بنحو 500% خلال العقد الأخير، وأسهم توجيه هذه الأموال بصورة استراتيجية في تحقيق إنجازات لافتة.

ومن الأمثلة على ذلك دور العمل الخيري في تسريع إنهاء استخدام أقفاص البطاريات لتربية الطيور البياضة، وهي ممارسة واسعة الانتشار لطالما تعرضت للإدانة بسبب قسوتها الشديدة ومخاطرها على الصحة العامة. وبفضل جهود الحملات المناصرة التي مولها المتبرعون، لم يعد أكثر من نصف مليار حيوان يقاسي هذه الظروف. كما تعهدت أكثر من 3,000 شركة، منها العديد من أكبر العلامات التجارية العالمية في قطاع الأغذية، بوقف شراء البيض المنتج في أقفاص البطاريات. وقد حظر استخدامها كل من الاتحاد الأوروبي و11 ولاية أميركية، وارتفعت نسبة إنتاج البيض من الدواجن غير المحبوسة في الولايات المتحدة من 13% إلى 45% خلال عقد واحد فقط.

يمكن تحقيق تحولات جذرية من هذا النوع، ولكن ذلك يتطلب نماذج تمويل فعالة تسهم في تسريع وتيرة التغيير. وفيما يلي 5 استراتيجيات اعتمدتها سنتيرا في منهجية عملها وأسهمت في تقدمها حتى الآن:

1. إنشاء بوابة ترحيبية للدخول إلى المجال.

تفتقر الكثير من القضايا المهمشة أو المعقدة أو ذات البعد العاطفي الصعب إلى هيكل تمويلي يساعد المتبرعين على اكتشافها أو فهم مسارات العمل فيها. ومن ثم فإنشاء نقطة انطلاق مخصصة لهؤلاء المتبرعين ومرحبة بهم يمكن أن يسرع عملية انخراطهم في هذا المجال.

على سبيل المثال، تتواصل سنتيرا مع الأعضاء الجدد المهتمين للوقوف على دوافعهم الأساسية وسبل انسجامها مع استراتيجيات العطاء المختلفة. ثم تقدم لهم رؤى موسعة حول هذا القطاع، تشمل المجالات المعنية بالمبادرات التطويرية الرئيسية والاستراتيجيات الفعالة (مثل تحسين ظروف معيشة حيوانات المزارع، وتوسيع الوصول إلى الأغذية النباتية الصحية عبر السياسات وجهود المناصرة المؤسسية، وتقليل الأثر المناخي للنظام الغذائي)، إضافة إلى ما تحقق من إنجازات وما يواجهه القطاع من تحديات والفجوات القائمة في هذا المجال (مثل الفرص الناشئة في دول الجنوب).

وأخيراً، وبناءً على الدوافع التي تحفز المتبرعين على العطاء، تستعرض سنتيرا مجموعة مدروسة بعناية من المشاريع الواعدة والفرص التي تتيح تكرار المبادرات التطويرية التي أثبتت جدواها. ومع ذلك، فهي لا تفرض أي استراتيجية أو اشتراطات محددة للتبرع، بل تدعم المتبرعين في صقل نظرياتهم الخاصة حول التغيير وفهم موقعهم داخل المنظومة الأوسع، وذلك من خلال ربطهم بمجتمع نشط من الأقران الذين يشاركونهم القيم نفسها.

وتقدم مؤسسة ون فور جستيس، وهي تحالف يضم أصحاب أعمال خيرية وقادة أعمال وأفراداً من أصحاب الثروات الكبيرة، نموذجاً مشابهاً للبوابة الترحيبية في مجال إصلاح نظام العدالة الجنائية. إذ يعمل فريقها على تحديد اهتمامات الأفراد وأهدافهم واستعدادهم لتحمل المخاطر، ثم يوفر لهم استشارات وتعليماً مستمراً من خلال إحاطات منتقاة وزيارات ميدانية وفعاليات حوارية ومجموعات العطاء التشاركي. والنتيجة مسار واضح يساعد الممولين الجدد على الانخراط بكفاءة عبر مزيج يجمع بين المجتمع والتعلم والإرشاد.

2. دعم التواصل الفعال والتعاون البناء.

يمكن أن يحقق الجمع بين التعلم المشترك وصناديق التمويل الجماعية والتبرعات المستقلة المنسقة (ومنها جهود الاستجابة السريعة) أثراً مضاعفاً قوياً عند تطبيقه على القضايا التي تعاني نقص الموارد؛ إذ يتيح للممولين أن يحدثوا معاً أثراً يفوق قدراتهم الفردية بكثير.

تدعم سنتيرا التعلم المشترك من خلال التواصل الدوري مع الأعضاء ومجموعات العمل ودوائر التمويل المتخصصة والملتقيات والعروض التقديمية التي يلقيها قادة المؤسسات غير الربحية والمناصرون العاملون في الخطوط الأمامية، إضافة إلى مجموعة خاصة بالأعضاء على منصة سلاك. وفي هذه المنصات يستطيع الأعضاء تبادل الأفكار وفحص الأدلة، وفي النهاية تنسيق تبرعاتهم. وقد يتناولون نقاشات حول أثر الأبحاث الجديدة المتعلقة بالوعي الحسي لدى الحيوانات في تحديد الأنواع التي ينبغي إعطاؤها الأولوية، أو يبحثون كيفية قياس الأثر والتقدم الذي يحققه هذا الحراك.

ويأخذ الدعم شكلاً آخر يتمثل في التمويل الجماعي. على سبيل المثال، يسهم صندوق السياسات الأوروبية النباتية، بي إي بي، التابع لمؤسسة سنتيرا في تسريع الانتقال نحو مجتمع أكثر اعتماداً على الأغذية النباتية في أوروبا، من خلال إتاحة الفرصة للمتبرعين لدعم المؤسسات الخيرية على المستوى الوطني بصورة جماعية في وقت تتهيأ فيه الظروف لإحداث التغيير على مستوى إصلاح السياسات. ولا يملك العديد من أعضاء سنتيرا القدرة على تقييم كل مؤسسة على حدة أو تحديد احتياجاتها.

ومن النماذج الأخرى للتمويل المشترك ما تقدمه مؤسسة رينيسانس فيلانثروبي، وهي مؤسسة غير ربحية تعمل في مجال الاستشارات الخيرية، من "صناديق موجهة برؤية استراتيجية واضحة" تتيح للمتبرعين دعم هدف طموح ومحدد بزمن دون الحاجة إلى اختيار الجهات المتلقية للمنح بصورة فردية. ومن خلال الاستفادة من خبرة قادة هذا القطاع، يستطيع المتبرعون توجيه رؤوس أموالهم بسرعة واغتنام فرص أكبر وأكثر جرأة مما يمكنهم تحقيقه بمفردهم.

وأخيراً، تتيح سنتيرا تنسيقاً سريعاً ولا مركزياً بين الممولين. على سبيل المثال، عندما تراجعت شركة غذائية عالمية عن التزاماتها المتعلقة برفاه الحيوان، ووصلت الحملة ضدها إلى لحظة حاسمة، عقدت سنتيرا اجتماعاً افتراضياً يضم أعضاءها لإتاحة الفرصة لهم للاستماع مباشرة إلى قائد ميداني وإلى ممول متمرس يعمل في هذا المجال منذ سنوات. واستناداً إلى الرؤى التي قدماها، بادر الأعضاء خلال بضعة أسابيع إلى صرف تمويل إضافي لدعم جهود المناصرة الشعبية وحملات التوعية العامة وتفاعل المساهمين.

3. تبني منهجيات متنوعة.

غالباً ما تمتلك الحركات التي تعاني نقص الموارد أو تتسم بالتعقيد أو لا تزال في مراحلها الأولى أكثر من نظرية واحدة للتغيير، وهذا أمر إيجابي في حد ذاته. فقد لاحظنا أن تبني منهجيات متعددة يعزز قوة مجتمع المانحين ويقوي الحراك بأكمله. فتنوع خبرات أعضاء سنتيرا وخلفياتهم يشكل قاعدة تنتج طيفاً واسعاً من الرؤى حول أكثر الأساليب فعالية وجدوى. تحفز هذه التعددية على التجريب المدروس، وتفتح آفاقاً أمام الجهات المتلقية للمنح لاختبار النظريات المختلفة بنفسها.

تعمل مؤسسة ذا نافيغيشن فاند، وهي جهة مانحة تنشط في عدة مجالات، على بناء القوة الطويلة الأمد لحركة حماية الحيوانات. فهي لا تكتفي بتمويل الجهود الكبرى، مثل حملات إنهاء استخدام الأقفاص، بل تسعى أيضاً إلى تعزيز القيادة وبناء القدرات المؤسسية وتفعيل دور الشباب وتوسيع تأثير السرديات. ومن خلال هذا النهج، تساعد المؤسسة على تحقيق مكاسب أكبر وأكثر استدامة لصالح الحيوانات بمرور الوقت.

وفي الوقت نفسه، يتمثل الهدف الرئيسي لمؤسسة أوبن فيلانثروبي، وهي من الأعضاء المؤسسين لمؤسسة سنتيرا، في التخلص التدريجي من أسوأ الممارسات المتبعة في المزارع الصناعية للإنتاج الحيواني. ولتحقيق ذلك، تقدم المؤسسة تبرعات كبيرة تحقق عائداً مرتفعاً على الاستثمار لدعم الحملات العالمية لإنهاء استخدام الأقفاص، كما تمول أعمالاً طويلة الأمد، مثل تطوير تكنولوجيات جديدة لتحسين رفاه الحيوان والترويج لها. وتشمل هذه الجهود، على سبيل المثال، تقنية تحديد جنس الجنين داخل البيضة قبل الفقس، التي من شأنها تجنيب مليارات الكتاكيت الذكور المصير القاسي المتمثل في إعدامها بطرق غير إنسانية.

وقد أسهمت هذه الأساليب المختلفة، على الرغم من تداخلها، في توسيع فهم الحراك الأكبر لما ينجح وما لا ينجح، وللمجالات التي تنطوي على فرص جديدة.

4. السعي إلى تحقيق توازن في القوة بين الممولين والجهات المتلقية للمنح.

يتطلب العطاء الفعال في أي مجال، لا سيما في المجالات الجديدة والمتطورة، أن يتحلى الممولون بالفضول والتواضع في علاقاتهم مع الجهات المتلقية للمنح، وأن يتعاونوا مباشرة في كثير من الأحيان مع المناصرين العاملين في الميدان. فكلما اقترب الممولون من طبيعة هذا العمل، تعززت العلاقات ونشأت دوائر ملاحظات أكثر واقعية تنتج ممارسات عطاء أكثر رسوخاً وفعالية.

يشارك العديد من أعضاء سنتيرا بفعالية في مؤتمرات المناصرين، ويغتنمون الفترات الفاصلة بين الجلسات لوضع استراتيجيات مشتركة مع قادة الحركة حول الفرص والأدوات الناشئة (مثل كيفية توظيف الذكاء الاصطناعي في تحسين تحليل البيانات وتنسيق الحملات)، وكذلك لجمع آراء المناصرين، على سبيل المثال، حول أنواع خدمات الدعم التي من شأنها تعزيز جهودهم على النحو الأمثل.

كما يدير بعض ممولي سنتيرا مؤسسات خاصة بهم ويعملون جنباً إلى جنب مع المناصرين ضمن التحالفات المختلفة. على سبيل المثال، يتولى العضو ديفيد ماير قيادة مؤسسة فود سيستم إنوفيشنز، وهي مؤسسة غير ربحية توفر التمويل والبحوث والشراكات الفكرية التعاونية للمناصرين الذين يقودون جهود تطوير البروتينات النباتية وحلول السياسات ذات الصلة.

5. تمويل المقومات اللازمة لتحقيق التقدم.

يتطلب العطاء الفعال في مجال يعاني نقص الموارد جهوداً تتجاوز تمويل البرامج؛ إذ يستلزم بناء منظومة متكاملة تحيط بالحراك وتتيح لكل من الممولين والجهات المتلقية للمنح مساحة للتجريب والمخاطرة وتقييم أثرهم بصدق وموضوعية.

ويشمل ذلك تمويل الأبحاث المعنية بالسلوك البشري لتوجيه جهود المناصرة. على سبيل المثال، أثبتت أبحاث علم السلوك أن "الحوافز السلوكية" الصغيرة المصممة بعناية يمكن أن تحدث تغيرات كبيرة ودائمة في السلوك دون تقييد حرية الاختيار. وتطبق حركتنا هذا المبدأ بصورة متزايدة على النظم الغذائية، من خلال جعل الأطباق النباتية الصحية الخيار الافتراضي في الجامعات والمستشفيات، وإعادة وضع منتجات اللحوم النباتية على مستوى العين في محال البقالة. تستفيد هذه المبادرات التطويرية الدقيقة من الأعراف الاجتماعية وعامل الإتاحة لترسيخ نمط غذائي أكثر استدامة وإنسانية. وكانت النتائج لافتة؛ إذ أظهرت نحو 10 دراسات أن جعل الأطعمة النباتية "الخيار الافتراضي" قد رفع نسبة إقبال المستهلكين على اختيار الوجبات النباتية بمقدار 3 أضعاف في المتوسط، وغالباً من دون أي تراجع في مستويات الرضا. وتساعد الهيئات البحثية المدعومة من مؤسسات العمل الخيري، مثل مؤسسة فوناليتيكس، المناصرين على وضع هذه المعارف في حيز التنفيذ.

تشمل الهيئات الأخرى المدعومة من الممولين، التي تقدم خدمات على مستوى الحراك، مؤسسات مثل أنيمال تشاريتي إيفالويتورز التي تجري مراجعات معمقة للمؤسسات والمبادرات التطويرية المعنية، وأنيمال أدفوكسي كاريرز التي تساعد الحركة على استقطاب أفضل الكفاءات من خلال تقديم دعم مهني وإرشاد وظيفي مجاني، وأنيمال ديفنس بارتنرشيب التي توفر استشارات قانونية مجانية للمؤسسات غير الربحية كي تتمكن من التركيز على أعمالها الجوهرية. وتساعد مثل هذه "المؤسسات الجامعة" على تعظيم فعالية التمويل المحدود عبر الاستخدام الأمثل لكل دولار وتبادل المعرفة.

اكتب دليلك الخاص

يمثل بناء نظام غذائي عالمي أكثر إنسانية واستدامة تحدياً ضخماً ومعقداً يستلزم حلولاً متعددة. فلا يمكن لتكنولوجيا واحدة جديدة أو لخدمة مباشرة واحدة أن تحدث فرقاً جوهرياً بمفردها. ومع ذلك، ففي حالة تربية الحيوانات في مزارع الإنتاج الحيواني المكثف، وهي أحد الأسباب الجذرية لكثير من مشكلات العالم اليوم، فإن هذا التعقيد يدفع الممولين والمناصرين المهتمين إلى التحلي بالذكاء والإبداع وروح التعاون والقدرة على استثمار الموارد بفعالية، سواء في كيفية التصدي للمشكلة أو في كيفية تمويل حلولها.

تتوافر في القضايا الجديدة أو المعقدة أو المتخصصة، وحتى غير الجذابة منها، الزخم الكفيل بإطلاق مبادرات تمكنها من بناء مجتمع وبنية أساسية قادرتين على جعل الاستثمارات، مهما كانت متواضعة، دافعاً لتحريك منظومات كاملة، لا مجرد معالجة الأعراض. وعندما تعمل الجهات المانحة معاً وتوجه التمويل إلى مواضعه الصحيحة، يمكن لكل دولار أن يحقق أثراً استثنائياً يفوق المتوقع.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أن المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال من دون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.      

المحتوى محمي