وفقاً لمؤسسة «تشاريتي نافيغيتر» (Charity Navigator)، ارتفع إجمالي تبرعات الشركات على اختلاف أحجامها لتصل إلى رقم قياسي؛ بلغ 20 مليار دولار عام 2018، وبينما يرغب العديد من قادة الأعمال في أن يعتقد الأميركيون أن المؤسسات الخيرية التابعة لشركاتهم؛ والتي تتبرع لمؤسسات خيرية أو مؤسسات تتمثل مهمتها في تحقيق أثر اجتماعي، تعكس شواغلهم الاجتماعية، أعرب الأكاديميون والناشطون منذ مدة طويلة عن شكوكهم حول الدوافع الحقيقية، وتُبيّن ورقة بحثية صدرت حديثاً؛ وأعدها أربعة خبراء اقتصاديين، كيف تستفيد الشركات الأميركية من مؤسساتها الخيرية كوسيلة لتحقيق نفوذ سياسي؛ بما في ذلك استخدام مبالغ أكبر بكثير مما كان مسلّم به في السابق.
عمل كل من ماريان برتراند؛ أستاذة في الاقتصاد في «كلية بوث للأعمال» (Booth School of Business) بـ«جامعة شيكاغو» (University of Chicago)، وماتيلدا بومبارديني؛ أستاذة في الاقتصاد في «كلية فانكوفر للاقتصاد» (Vancouver School of Economics) بـ«جامعة كولومبيا البريطانية» (University of British Columbia)، وريموند فيسمان؛ أستاذ في الاقتصاد السلوكي بـ«جامعة بوسطن» (Boston University)، وفرانشيسكو تريبي؛ أستاذ في الأعمال والسياسة العامة في «كلية هاس للأعمال» (Haas School of Business) بـ«جامعة كاليفورنيا- بركلي» (University of California, Berkeley)؛ على تدقيق الإقرارات الضريبية العائدة لمؤسسات خيرية معفاة من الضرائب، وتمولها شركات مدرجة ضمن قائمة «فورتشن 500» (Fortune 500) ومؤشر «ستاندرد آند بورز500» (S&P 500)، ووجدوا أن الشركات الأميركية تستخدم العمل الخيري لإخفاء ممارستها المتعلقة للحصول على التأثير والنفوذ السياسي لممارسة الضغط.
تقول برتراند: «لقد بنينا على فكرة أن بعض الشركات التي تزعم أن لديها مسؤولية اجتماعية هي ليست مجرد شركات ترغب في فعل الخير، ولكنها أيضاً تحاول بصورة استراتيجية فعل الخير عندما ترى أن ذلك يعود أيضاً بالنفع عليها بمصالح تتعلق بالنفوذ السياسي، وبقدر ما لدينا من معلومات، فإن الزاوية السياسية لم تكن مكتشفة، إلى جانب اعتقادنا أنه يمكننا فصل العمل الخيري على أرض الواقع».
من خلال تدقيق سجلات التبرعات للحملات السياسية وتعيينات لجان الكونغرس العائدة لـ17 عاماً، أظهر الاقتصاديون الأربعة أن الروابط بين مصالح الشركة ومشرعين محددين تنبأت بتبرعات الشركة؛ من خلال مؤسستها الخيرية، لصالح المؤسسات الخيرية في منطقة نفوذ المشرّع، وتلك التي يشغل فيها منصب عضو مجلس الإدارة، وعن طريق تحديد «علاقة إيجابية قوية بين المساهمات الخيرية ومسار أكثر مباشرة للتأثير والنفوذ السياسي؛ مثل مساهمات لجنة العمل السياسي (PAC) المعنية بدعم الحملات الانتخابية». يشير المؤلفون إلى الطرق التي تدفع بها المصالح السياسية العمل الخيري؛ حيث تكون متطلبات الإفصاح ضعيفة. إلى جانب ذلك، كشف تحليلهم عن وجود علاقة بين السياسيين المرتبطين بتعيينات لجنة الكونغرس؛ والتي تعتبر مهمة لشركة ما، والتبرعات من خلال المؤسسة الخيرية للشركة لصالح المؤسسات الخيرية في منطقة ذلك المشرع، وعندما يترك منصبه، تتوقف التبرعات لمنطقته أو منطقتها حتى يتم تعيين عضو جديد في الكونغرس؛ وهو نمط يشبه إلى حد كبير تذبذبات مساهمات لجنة العمل السياسي.
وفقاً للمؤلفين، «قد يكون 6.3% من تبرعات المؤسسات الخيرية التابعة للشركات ذات دوافع نفوذ سياسية»، وأوضحوا أن هذا الرقم يتضاعف عند اعتماد شروط أقل تحفظاً على تلك المؤسسات؛ حيث أنفقت الشركات 18 مليار دولار على الأعمال الخيرية عام 2014؛ مما جعل «القيمة الضمنية للأموال» الذاهبة للأعمال الخيرية ذات الدوافع السياسية تُقدر بما لا يقل عن 1.13 مليار دولار؛ وهو «أكثر بـ 2.5 مرة من مساهمات لجنة العمل السياسي السنوية والمقدمة إلى المرشحين في دورة 2013-2014، وحوالي 35% من إجمالي نفقات التبرعات للحملات السياسية السنوية عام 2014»، ونظراً لأن الشركات تعتمد على الإعفاءات الضريبية لعملها الخيري، فإن دافعي الضرائب يدعمون- من دون علمهم- المصالح الخاصة تحت غطاء الأعمال الخيرية.
يقول غويدو تابيليني؛ أستاذ في الاقتصاد في «جامعة بوكوني» (Bocconi University) في مدينة ميلانو: «هذه هي الورقة البحثية الأولى التي تطابق المساهمات الخيرية وتلك السياسية بالاستناد إلى مجموعة بيانات مفصلة ومصنفة بعناية، وهذه الدراسة هي بمثابة تأكيد مهم على أن الشركات الأميركية الكبرى تمارس قدراً كبيراً من النفوذ السياسي باللجوء إلى أساليب مضللة ومشكوك فيها».
في إحدى الحالات، كشف المؤلفون عن الصلات القائمة بين جو باكا؛ وهو عضو مجلس النواب الأميركي (2003-2013)، و«مؤسسة جو باكا» (Joe Baca Foundation)؛ التي تأسست في مدينته سان برناردينو، كاليفورنيا خلال فترة ولايته، وتبرعات من «مؤسسة وول مارت» (Walmart Foundation)، بينما كان باكا عضواً في لجنة الخدمات المالية في مجلس النواب، ويوضح المؤلفون: «في ذلك الوقت، كانت متاجر وول مارت تواجه مشكلات مع شركتي فيزا وماستركارد بشأن رسوم بطاقات الائتمان وقضايا مالية متعددة؛ والتي تم الكشف عنها في تقارير تبرعات الحملات السياسية». قد يكون من المستحيل إثبات أن التبرعات من «مؤسسة وول مارت» هي التي كانت تحرّك قرارات باكا، لكن المؤلفين كشفوا عن نمط يسلط الضوء على آلية تم التغاضي عنها، وتتيح للشركات شراء النفوذ.
تقول برتراند: «ما نلاحظه في ورقتنا البحثية قد يكون مجرد غيض من فيض، لكن العطاء من خلال المؤسسة الخيرية التابعة للشركة ليس الطريقة الوحيدة أمام الشركات؛ إذ يمكنها أيضاً التبرع بصورة مباشرة، بحيث يمكن تحويل الأموال من صندوق الشركة إلى مؤسسة غير ربحية معينة، وهذا أمر لن نتمكن من دراسته لأنه لا يمكن تتبعه».
اقرأ أيضاً: الحركات الاجتماعية: هل تعد أفضل وأكثر فاعلية من المنظمات؟
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.