ما الفرص المستقبلية لنمو المؤسسات غير الربحية في السعودية؟

المؤسسات غير الربحية في السعودية
shutterstock.com/Tavarius
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يعد القطاع غير الربحي عنصراً أساسياً لتحقيق التنمية المستدامة في السعودية، إذ يركز محور “وطن طموح” في رؤية 2030 على تمكين المسؤولية الاجتماعية وتعظيم أثر القطاع لما له من دور في خلق مجتمع متوازن ومتكافئ.

نمو لمواكبة مستهدفات رؤية 2030

تنظر السعودية إلى القطاع غير الربحي على أنه المكون الثالث من مكونات التنمية والذي يكمل دور القطاعين العام والخاص لإحداث الأثر الإيجابي في المجتمع، لذا تستهدف من خلال رؤية 2030 رفع مساهمة القطاع غير الربحي في الناتج المحلي الإجمالي من 0.3% إلى 5% بحلول عام 2030، وزيادة عدد المتطوعين إلى مليون متطوع، والقفز بعدد البرامج والخدمات ذات الأثر الاجتماعي من 7% إلى 33%.

لكن بحسب تقرير مؤسسة الملك خالد الخيرية “آفاق القطاع غير الربحي: تقرير منتصف الطريق”، يجب على القطاع غير الربحي أن يحقق نمواً سنوياً بين 17 إلى 18.5% في السنوات السبع المقبلة، للوصول إلى تلك المستهدفات. فهل يتمكن من ذلك؟

في سبعينيات القرن العشرين، تعزّزت مكانة القطاع غير الربحي من خلال الدعم المادي الذي كانت تقدمه الحكومة السعودية لبرامج الرعاية الاجتماعية، وبعد أن كان عمل القطاع متركزاً على جمع الصدقات والتبرعات وإيصالها للمستحقين دون النظر إلى الأثر الفعلي لتلك التبرعات، أصبح هناك وعي بأهمية معرفة وجهة التبرعات وحوكمة البرامج والمبادرات، فوضعت أنظمة ومعايير لتسجيل المؤسسات غير الربحية بهدف توحيد جهود إدارة القطاع بفاعلية.

في عام 2017، كانت السعودية تضم 2,598 مؤسسة غير ربحية، وارتفع العدد إلى 6,902 مؤسسة في عام 2019، واستمر النمو بنفس الوتيرة ليبلغ عدد المؤسسات غير الربحية في السعودية 36,151 مؤسسة في عام 2022. يمكن أن يُعزى هذا النمو إلى صدور نظام الجمعيات الأهلية وتحديث لائحتها التنفيذية، وانطلاق أعمال التسجيل لدى الهيئة العامة للأوقاف والمركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي.

وبعد أن كان أغلب هذه المؤسسات تركز على الأنشطة الرعوية تحوّلت إلى الخدمات التنموية، فارتفعت حصة المؤسسات العاملة في مجال التنمية والإسكان من 18% في عام 2018 إلى 31% عام 2022. لكن يبقى حجم القطاع غير الربحي محدوداً مقارنةً بحجم النمو المستهدف في رؤية 2030، وكذلك مقارنةً بالقطاع الخاص السعودي الذي يضم 1.1 مليون منشأة تجارية.

تتطلب التغيرات المتسارعة والدور المأمول من القطاع غير الربحي في مسيرة التنمية ورؤية 2030، البحث في الفرص والتحديات المستقبلية لعمل المؤسسات غير الربحية ومواجهتها من خلال زيادة المردود الاقتصادي وتنمية الموارد البشرية وتعظيم الأثر، وتحسين الصورة الذهنية.

زيادة المردود الاقتصادي

لا يمكن لأي مؤسسة غير ربحية الاستمرار أو تحقيق الأثر الاجتماعي دون الاستدامة المالية، وتعد أغلب المؤسسات غير الربحية في السعودية حديثة العهد أو في طور النمو، لذا تحتاج إلى دعم على شكل تسهيلات قانونية وحوافز مالية وحوكمة مرنة، وأقرب مثال على ذلك، برنامج جودة الحياة الذي يعمل على تسهيل إجراءات إصدار تراخيص أندية الهواة، وضمان استدامة هذا القطاع وازدهاره.

وفقاً لتقرير مؤسسة الملك خالد، تقع 70% من المؤسسات غير الربحية في السعودية في نطاق المؤسسات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، التي يقل دخلها عن 3 ملايين ريال سنوياً، لذا من الضروري اعتماد منهجية التنظيم والرقابة القائمة على المخاطر بهدف تقليل تكلفة الامتثال للمؤسسات منخفضة الدخل والمخاطر، وتركيز التدقيق والمراجعة على المؤسسات ذات الإيرادات المرتفعة.

فيما يخص النفقات، وصل إجمالي النفقات المقدرة للمؤسسات غير الربحية إلى نحو 38 مليار ريال في عام 2021، وكان للمؤسسات الملكية (المُنشأة بموافقة ملكية وسامية) الحصة الأكبر بواقع 12.6 مليار ريال. بالنسبة للمنشآت الوقفية، فثمة صعوبة في تحديد حجم إيراداتها ونفقاتها، بسبب التزام الشفافية والحفاظ على خصوصية الأعمال الخيرية لضمان “ثوابها”.

لكن تقرير “دور الأوقاف في تحقيق أهداف التنمية المستدامة ورؤية المملكة 2030″، توصل إلى وجود 113 ألف مؤسسة وقفية في السعودية عام 2020 وبإجمالي أصول يبلغ 234 مليار ريال، وإنفاق سنوي 7.7 مليارات ريال، منها 6 مليارات ريال في المجالات المتعلقة بأهداف التنمية المستدامة.

بالتالي، ثمة آفاق نمو وتطور أمام المؤسسات الوقفية خصوصاً مع الدور الذي تقوم به الهيئة العامة للأوقاف والمرونة التي يظهرها هذا النوع من المؤسسات في تحديد الأنشطة الخيرية وطريقة تنفيذها.

تنمية الموارد البشرية

يعد العنصر البشري المحرك الأساسي للمؤسسات غير الربحية، ما بين مستفيدين ومتبرعين ومؤسسين وموظفين ومتطوعين وأصحاب مصلحة، ويشير مسح المنشآت غير الربحية الصادر عن الهيئة العامة للإحصاء، إلى أن عدد العاملين في القطاع عام 2018 تجاوز 72 ألف موظف وموظفة، وأن عدد الموظفين بدوام كامل والمسجلين رسمياً في المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية لا يتجاوز 31,500 موظف، إلا أن الإحصاءات الدقيقة تكشفت أن القطاع يضم نحو 1.7 ملايين شخص بين عاملين ومساهمين ومتطوعين منهم 15 ألف موظف بدوام جزئي.

على الرغم من أن القطاع غير الربحي يحقق توازن أكبر بين الجنسين مقارنةً بالقطاع الخاص، مع الأخذ بالاعتبار فوارق الفئات الاجتماعية بين منسوبي القطاعين، فإن القطاع الخاص يتفوق على القطاع غير الربحي من حيث إشراك الشباب (15 إلى 24 عام) في صفوفه، إذ يشكل الشباب 8.6% من مجموع العاملين في القطاع الخاص، مقارنةً بـ 3.6% من العاملين في القطاع غير الربحي، ما يتطلب إعادة النظر في قدرة المؤسسات غير الربحية على استقطاب الكفاءات الشابة ضمن قواها العاملة والحفاظ عليها، وتشجيع هذه المؤسسات على الاستفادة من الطاقات الشابة وتطويرها.

على سبيل المثال، تعمل مؤسسة محمد بن سلمان “مسك”، من خلال برنامج بناء المؤسسات الشبابية غير الربحية، على دعم القيادات الشبابية في القطاع وتعزيز البحث والابتكار، إذ ساعد البرنامج مجموعة من المبادرات والمؤسسات الشبابية غير الربحية إلى التحول من مرحلة الانطلاقة إلى مرحلة الريادة، وبدء رحلة صناعة الأثر والخدمة المجتمعية.

تعظيم الأثر

ما الأثر الذي نسعى إلى تحقيقه؟ هو السؤال الجوهري الذي ينطلق منه تأسيس أي مؤسسة غير ربحية، وبالنسبة للسعودية يعد رصد الأثر ضرورة وتحدٍ في نفس الوقت. إذ لا تزال الهيئة العامة للإحصاء تعمل على بناء الحساب الفرعي لقياس المساهمة الاقتصادية للقطاع غير الربحي لتضمينه ضمن الحسابات القومية، على غرار الحساب الفرعي للرياضة والسياحة لتتصدر السعودية دول المنطقة في بناء هذا النوع من الحسابات الفرعية.

ويمكن النظر إلى أثر المؤسسات غير الربحية من زاويتين رئيسيتين:

  1. المساهمة الاقتصادية في الناتج المحلي الإجمالي. تُقدر القيمة الاقتصادية للقطاع غير الربحي في عام 2021 بمبلغ 54.3 مليارات ريال بما يشمل القيمة التقديرية للعمل التطوعي وإجمالي الإنفاق الاستهلاكي للمؤسسات غير الربحية والأوقاف.

وعليه، يتطلب تحقيق مستهدفات رؤية 2030 ارتفاع قيمة القطاع غير الربحي إلى 220 مليار ريال بحلول عام 2030، وفي حال نمو الناتج المحلي الإجمالي 4.7%، فإن قيمة القطاع يجب أن تصل إلى 252 مليار ريال، وهذا يعني ضرورة التوسع في برامج تخصيص الأصـول الحكومية لا سيما التعليمية والصحية وتحويلها إلى نماذج عمل غير ربحية.

كما يجب أن تنمو القيمة الاقتصادية للعمل التطوعي لتصل إلى نحو 41 مليار ريال، وأن يتخطى عدد المتطوعين حاجز الـ 19 مليون متطوع تقدر ساعات عملهم التطوعية بـ 800 مليون ساعة، ويمكن تحقيق ذلك من خلال رفع معدلات الأجور السائدة، والتركيز أكثر على المهارة والاحترافية في العمل التطوعي.

  1. المساهمة في تحقيق الأهداف الاستراتيجية لرؤية المملكة. تنشط العدد من المؤسسات غير الربحية في مجال تحسين جودة الحياة وتأمين المتطلبات الأساسية للأشد احتياجاً، كما تؤدي دوراً محورياً في مجال تمكين المسؤولية الاجتماعية عبر زيادة الأثر الاجتماعي للمبادرات الخيرية، لكن هناك حاجة إلى دعم برنامج التحول الصحي وتنمية القدرات البشرية عبر زيادة عدد المؤسسات غير الربحية المتخصصة في التعليم والصحة.

تحسين الصورة الذهنية

ترسم قصص الاحتيال وسوء الإدارة المالية صورة ذهنية سلبية عن القطاع الخيري، ما يؤدي إلى ضعف مستوى دعم أفراد المجتمع وصناع القرار لأنشطة المؤسسات غير الربحية، وتعمل السعودية على مواجهة ذلك من خلال إحكام الرقابة والحوكمة على تلك المؤسسات والعاملين فيها، وتعزيز مكانة الأفراد والمجتمع في الأدوار التنموية المرصودة للقطاع عبر رؤية 2030.

ومن الأفكار المغلوطة المنتشرة عن المؤسسات غير الربحية في السعودية هو الاعتقاد بأنها أحد أشكال استغلال الشباب للقيام بالمهام دون مقابل، والظن بانتشار الفساد لدى العاملين وعدم إيصال التبرعات لمستحقيها، ويمكن تصحيحها من خلال زيادة جهود التوعية والتثقيف بطبيعة العمل غير الربحي ووضع استراتيجية علاقات عامة ناجحة تعرف الجمهور المستهدف بطبيعة عمل هذه المؤسسات وإنجازاتها.

ومنذ عام 2017 بدأت مؤسسة الملك خالد رصد الانطباعات السائدة عن القطاع الخيري وأطلقت حملات على مواقع التواصل الاجتماعي لكسب التأييد المجتمعي حول أنشطة المؤسسات غير الربحية، ولاحظت تراجُع انعدام ثقة الأفراد في نزاهة المؤسسات غير الربحية من 28% في عام 2017، إلى 11% في عام 2022.

تسريع الوصول إلى مستهدفات رؤية 2030

يمكن تسريع الوصول إلى مستهدفات رؤية 2030 المتعلقة بالقطاع غير الربحي من خلال عدة إجراءات، أبرزها ترسيخ حوكمة الجهود الحكومية والجهات المشرفة على القطاع، من خلال إطلاق برنامج لتعظيم أثر القطاع لتشجيع المؤسسات على تطبيق معايير الحوكمة الرشيدة، وتهيئة البيئة التكنولوجية المساعدة، وتعزيز التعاون بين المؤسسات غير الربحية والجهات الحكومية، وتسهيل الحصول على التمويل والكفاءات وتدريبها وتطويرها.

كما يمكن إصدار وتحديث لوائح تنظيم العلاقة بين جهات الإشراف فيما بينها وفي تعاملاتها مع المؤسسات غير الربحية، على سبيل المثال، يمكن للهيئة العامة للأوقاف حصر حجم الأوقاف في المملكة وتصنيفها حسب حجمها ونشاطها وإلزام هذه الأوقاف بنشر قوائمها المالية.