شارك المؤسِّسون المشاركون في منظمة "هي الأولى" (She’s the First) خلاصة تجربتهم في التخلي عن نموذج الكفيل أو "كفالة الطفل" الذي يفضله المتبرعون.
تتذكر سارة انضمامها إلى زميلاتها في الصف السابع لكتابة الرسائل. كنّ في الرسالة التي تبدأ بـ "عزيزي الكفيل"، يشكرن الشخص الذي دفع تكاليف تعليمهن، والذي من المحتمل ألا يرد على رسائلهن أبداً. ستشارك سارة في الرسالة طموحاتها المهنية، آملةً أن تكون كافية لتحفز الكفيل على مواصلة دعمها. كانت تطرح عليه الأسئلة وتدعوه إلى الإجابة عنها. وأخيراً، قبل أن توقع رسالتها وترسلها بالبريد، كانت ترسم. في صغرها، كانت ترسم نفسها أو عائلتها، أما عندما كبرت فإنها أضافت حدوداً معقدة وملونة على الرسم، وصارت تخط كل خطة قلم بعناية حتى لا تخطئ فتضطر إلى إعادة الرسم من البداية. ثم كانت تسلّم الرسالة إلى معلمتها وتنتظر الرد.
لكن حزمة الرسائل التي وصلت بعد بضعة أشهر لم تكن أبداً بنفس ثخانة حزمة الرسائل التي أرسلنها. وقفت سارة تشاهد الفتيات الأخريات يفتحن مظاريف رسائلهن المرسلة بأسمائهن، بأيدٍ فارغة. وقالت: "كنت أظن أن الرسالة التالية قد تكون رسالتي أنا، من كفيلي". لكنها لم تكن كذلك. حلّ موعد تخرج سارة بعد ذلك ببضع سنوات، لكنها لم تتلق أي إجابة عن رسائلها.
نموذج "كفالة الطفل"
يعد نموذج "كفالة الطفل" نموذجاً حقيقياً ومجرباً للتواصل وجمع التبرعات، بين المؤسسات غير الربحية التي تخدم الأطفال في المناطق الفقيرة: يتلقى المتبرع في هذا النموذج اسم الطالب الذي يكفله وصورته وتفاصيل سيرته الذاتية، وفي معظم الحالات، يكتب الطالب رسائل للكفيل يشكره ويرسل له آخر المستجدات عن حياته ودراسته. بدأت منظمات الإغاثة في توفيق المانحين مع الأفراد المحتاجين منذ عشرينيات القرن الماضي، مع أن بعض التقارير أفادت أن منظمة "الرؤية العالمية" (World Vision)، كانت أول من اتبعت هذا النموذج على نطاق واسع، ليبلغ عدد الكفلاء 13 ألف كفيل بحلول خمسينيات القرن الماضي. روجت الإعلانات التجارية مع سالي ستروثرز إلى هذا النموذج أكثر خلال التسعينيات، بصفتها متحدثة باسم "صندوق الأطفال المسيحي" (Christian Children’s Fund)، مثلت سالي - إحدى شخصيات مسلسل "أول إن ذا فاميلي" (All in the Family) - إعلانات تجارية تمشي فيها وهي تحمل أطفالاً باكين في أحياء عشوائية يسودها الفقر المدقع وجميع أشكال المعاناة، ولا يوجد فيها نظام صرف صحي، وهي تقول: "توقفوا عن دفع الملائكة إلى البكاء". كانت تدعو إلى تقديم 70 سنتاً يومياً مقابل كفالة طفل. في المقابل، سيحصل المتبرعون على صورة الطفل ورسالة منه.
عندما شاركنا في تأسيس منظمة "هي الأولى" (STF) في عام 2009، اعتمدنا على هذا النموذج في تمويل المنح الدراسية للفتيات. إذ بدا أنه منطقي: أراد المانحون دعم فتاة واحدة، واحتاجت المنظمات في جميع أنحاء العالم إلى المال. من منظور اقتصادي حمل هذا الأمر دائماً بعض الغموض، فمن البديهي أن الحدّ من الفقر يتطلب إنفاق أكثر من 70 سنتاً في اليوم. توضح بعض المؤسسات غير الربحية بالتفصيل أن تبرعك يستخدم لدعم برامجها العامة، وليس لسد احتياجات طفل واحد. في حالة منظمة "هي الأولى"، خصصنا فعلاً الأموال الممنوحة لمنح الفتيات الدراسية، وهذا وضعنا أمام تحدٍ ضخم لجمع الأموال التشغيلية لنا.
كان هذا أول مأخذ لنا على نموذج الكفالة الذي بنيناه، فقد حد من قدرتنا على جمع الأموال للعمليات، أو حتى لأي برامج غير برنامج الكفالة. في البداية، تجاهلنا ذلك لافتراضنا أن هذا النموذج هو أسهل وأفضل طريقة لجمع الأموال بشكل عام، حتى لو لم يناسبنا.
لكننا بدأنا في عام 2015، نتحدث عن هذه المشكلة مع بعض المنظمات المجتمعية التي كنا نموّلها في شرق وغرب إفريقيا وجنوب آسيا وأميركا اللاتينية، فهم أيضاً عانوا من التمويل المقيد، وخاصةً من العبء الإداري المتمثل في جمع الرسائل من مئات الأطفال عدة مرات في السنة. بالإضافة إلى مكافحة هذه المنظمات لتمويل الجانب الإداري من العمل، إلى جانب البرامج الأخرى التي تعاني نقصاً في التمويل، لأن تبرعات الكفالة اقتصرت على احتياجات الفتيات الملموسة فقط.
كما أثار تبادل الملف التعريفي للفتاة مقابل التبرع تساؤلات أخلاقية. إذ التقينا بفتيات لم يصلهن رد على رسائلهن من كفلائهن قط، وكنا نتلوى من انزعاجنا في كل موقف يشير فيه المتبرع إلى طالبة بأسلوب غير لطيف. كنا نعمل لمكافحة نظام ينظر إلى الفتاة على أنها أداة، لكن هذا النموذج عزز تلك الفكرة بالذات بمهارة.
لم نجرِ أي تغيير مباشرة. كانت الخطوة الأولى التي اتخذناها في عام 2017، هي التوفيق بين المتبرعين ومجموعات الفتيات وتجنّب استخدام كلمة "الكفيل" في مستنداتنا. كان التخلص من ضغط التواصل بين الكفيل والفتاة خطوة في الاتجاه الصحيح، لكن كان ذلك كمن يظهر نفس المشكلة بطريقة أخرى. سرعان ما أدركنا أن ذلك لم يكن كافياً، وبعد عام من إجراء هذه التغييرات، بدأنا في منح شركائنا منحاً فرعية مرنة، بدلاً من منحهم تمويلاً دراسياً مقيداً.
في النهاية، إن كرامة الإنسان هي أهم ناحية علينا مراعاتها. إذا كنت ملتزماً باجتثاث أنظمة عدم المساواة، فإن نموذج الكفالة يعيق عملك، إذ تُبنى نماذج الكفالة على ديناميكيات السلطة ذاتها التي نسعى إلى تغييرها.
نموذج آخر لجمع الأموال
إذا كانت مؤسستك تتبع نموذج الكفالة لجمع الأموال، فإننا نقدم إليك أربعة أسباب لتنظر في العمل وفق نموذج آخر:
1- تعزز الكفالة ديناميكيات السلطة الاستعمارية: يصوّر هذا النموذج الكفيل - الذي يكون غالباً شخصاً ميسور الحال، وأبيض البشرة ويعيش في بلد مرتفع الدخل - على أنه المنقذ، والطالب على أنه الضحية.
2- الاستفادة من الكثير من الفتيات: إن نموذج الكفالة هو تشييئي بطبيعته لأن الفتاة - أو على الأقل معلومات سيرتها الذاتية - تمثل الشيء الذي "يشترى" عن طريق التبرع. بالطبع لا تكون هذه نية المتبرع (ولم تكن هذه نيتنا حينها)، لكن هذا النموذج بحد ذاته يحاكي تشييء الفتيات الذي يحدث في الواقع.
3- القبول غير واضح: في برامج الكفالة التقليدية، يطلَب من الفتيات مشاركة قصة حياتهن مقابل الاستفادة من البرنامج، لكنهن غالباً لا يعرفن من سيقرأها أو لماذا يروينها. سعينا لبعض الوقت إلى مكافحة هذا من خلال الحصول على موافقة مسبقة وعن دراية من الفتيات، والتأكد من إعلامهن كيف ستستخدَم معلوماتهن ولماذا. كما طلبنا من المتبرعين التجاوب والإجابة عن رسائل الفتيات. لكن في النهاية كان ذلك مجرد إجراء مؤقت: إذ لم ترغب جميع الفتيات في مشاركة قصصهن، ولم يجب كل المتبرعين عن رسائلهن، وهذا يؤكد ديناميكية السلطة التي تمنح الأفضلية للمتبرع.
4- العبء الإداري: مع أن إبلاغ المتبرعين بالأثر الذي يحدثونه أمر بالغ الأهمية، فإن تحديث مئات الملفات الشخصية ليس الاستغلال الأمثل للوقت، خاصةً بالنسبة للمنظمات الأهلية غير الربحية ذات الموارد المحدودة.
بحلول عام 2020، استغنينا تدريجياً عن نظام الكفالة إلى أن ألغيناه تماماً وتوقفنا عن إرسال ملفات الفتيات الشخصية للمتبرعين مقابل التبرع. ثم احتجنا إلى إيجاد خطة تواصل تعرض قوة الفتيات وقدراتهن القيادية، مع منح الأولوية للحصول على موافقتهن.
لتحقيق ذلك غيرنا نهجنا إلى إصدار نشرة نصف سنوية تتضمن أطروحات ومقالات وفنون الفتيات اللواتي تطوعن للمشاركة. بهذا لم نعد نضع الفتيات بموضع المستفيدات اللواتي يضغَط عليهن لاستعطاف المانحين، بل نضعهن في موضع قوة وتأثير بصفتهن مناصرات لقضية ما.
خسارة بعض المتبرعين
هل خسرنا بعض المتبرعين لدينا؟ نعم. خلال مسيرتنا نحو تحقيق هذا التغيير، تلقينا بعض رسائل البريد الإلكتروني والتعليقات على "إنستغرام" والرسائل المباشرة من جهات تتحدى نجاح هذا التغيير وتسحب دعمها لنا. لكن ما أدهشنا أن هذه الحالات معدودة فقط. وفي أثناء ذلك، عندما وضحنا سبب إجرائنا لهذا التغيير وشددنا على القيم التي تحركه، اكتسبنا عدداً أكبر من المتبرعين. في أوج نموذج الكفالة الخاص بنا في عام 2015، بلغت نسبة 31% من إيراداتنا من المتبرعين الأفراد على حين بلغت النسبة 37.4% في عام 2020. عندما ندرس أسلوب تواصلنا على مدار تلك السنوات الخمسة، يتضح لنا أننا عندما استغنينا عن اللغة التي تبجّل المتبرع وبدأنا نتحدث بلغة تسلط الضوء على قوة الفتيات، استقطبنا المتبرعين الذين يتفقون أكثر مع قيمنا والذين تحمسوا لمعرفة سبب إلغائنا لنظام "كفالة" الطلاب. في الواقع، أصبح أحدث منشوراتنا الذي تضمن إلغائنا لهذا النموذج أكثرها رواجاً حتى الآن.
في النهاية، لقد تعلمنا أحد أهم الدروس في مجال عملنا غير الربحي: عندما تُجري تغييراً في نهجك ليتوافق أكثر مع مهمتك، فإن مؤيديك الحقيقيين فقط هم الذين سيتبعونك. إذا كانوا يشاركون مؤسستك الرؤية ذاتها للعالم، فلن تزيدهم التغييرات التي تجريها لتحقيق هذه الرؤية إلا حماساً وإلهاماً للمشاركة والتبرع. عندما تدافع عن قيمك ومهمتك، لن تزيد ولاء المؤيدين الذين يشاركونك نفس القيم فحسب، بل ستجذب جمهوراً جديداً. ستنمي قاعدة من المتبرعين تتفق بالكامل مع رؤيتك للمستقبل، ومليئة بالأشخاص الذين يبدّون المهمة على أي شيء آخر.
ثق بأنهم سيشاركونك رحلتك.
سارة هو اسم مستعار لفتيات أدلين بشهادتهن المنشورة هنا دون الكشف عن هويتهن.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.