تدرك الشركات أن العملاء ينجذبون نحو الجودة الثابتة، لكن ماذا لو تفهمت المؤسسات غير الربحية ذلك أيضاً؟. يُعد المستفيدون والحاصلون على المنح عناصر مهمة لهذه المؤسسات كأهمية العملاء بالنسبة للشركات، وإذا ركزت المؤسسات الخيرية على الجودة الثابتة؛ ستبني الولاء والثقة لدى شركائها الحاصلين على المنح بطريقة تدفعهم للمضي قُدماً في العمل معها بصدق وشفافية.
يمكن للمؤسسات الخيرية تعزيز الجودة من خلال تقديم إرشادات تمويل واضحة، وتغيير المبادئ التوجيهية باستمرار أو إعادة تقييمها، كما يجب اتخاذ قرارات التمويل بناءً على أولويات واضحة ونتائج مُثبتة.
تنشر المؤسسات الخيرية التمويلية الأمل والإيمان بالقدرة على جعل العالم مكان أفضل، ومن وجهة نظر المستفيدين، يعد القياس عاملاً رئيسياً لبناء الثقة مع المانحين، إذ يحتاج المستفيدون للشعور بأن المانحين يبذلون كل جهودهم في تعديل مشروعهم وفقاً للمستوى المتوقع، كما يثق المانحون في المستفيدين أيضاً، ويطالبونهم بطرق أفضل لتقييم مبادراتهم.
تعكس سياسة الجودة التي تتبعها المؤسسات الخيرية قدرتها على استثمار مواردها بفاعلية لتحقيق الأثر المجتمعي المطلوب، وفي المنطقة العربية، ركزت مؤسسة عيسى صالح القرق الخيرية على ضمان الجودة باعتبارها جزءاً مهماً من خدماتها لدعم المحتاجين ومساعدتهم.
مؤسسة عيسى صالح القرق الخيرية
يُعرف رجل الأعمال الإماراتي عيسى صالح القرق بعطائه الممتد لسنوات، ورغبةً منه في إضفاء الطابع المؤسسي على العمل الخيري، قرر بعد التشاور مع أفراد العائلة إطلاق مؤسسته الخيرية عام 2010 برأسمال ممول بالكامل من حسابه الشخصي، ونصّ النظام الأساسي للمؤسسة على عدم قبول أي تبرعات أو أموال من أية أطراف أخرى خارج مجموعة عيسى صالح القرق التجارية.
تتبنى مؤسسة القرق الخيرية مشروعات إنسانية تغطي مجالات مختلفة مع التركيز على قطاعي التعليم والرعاية الصحية، وتقدم الرعاية والمساعدة للجمعيات والمؤسسات الخيرية، والجامعات والمستشفيات والمراكز الطبية، والمحتاجين، وذوي الاحتياجات الخاصة، والفقراء، والأُسر المتعففة، ولا يقتصر عمل المؤسسة على دولة الإمارات فقط، بل يمتد ليشمل دول أخرى مثل لبنان وسلطنة عُمان ومصر والسودان وموريتانيا ونيجيريا، والصين وإندونيسيا والفلبين وكمبوديا والهند وطاجيكستان وغيرها.
في أبريل/نيسان عام 2019، حازت المؤسسة على شهادة الجودة – الأيزو 9001:2015؛ إذ يقوم نظام إدارة الجودة آيزو 9001 على مراقبة مستوى الجودة وإدارة العمليات في الشركة، ويساعد الشركات في تطوير آلية عملها لتلبية طلبات العملاء وتوقعاتهم، فما سياسة الجودة التي تتبعها مؤسسة القرق الخيرية في إدارة فريقها وعملياتها؟
نقل الرسالة بوضوح
يجب على المؤسسات غير الربحية الفعّالة نقل رسالتها بوضوح إلى جميع أصحاب المصلحة من مجلس الإدارة والموظفين والجهات المانحة والمتطوعين والشركاء والجمهور العام، للعمل على هدف مشترك ومواءمة برامج المؤسسة وعملياتها، لذا ترسم القرق الخيرية خطتها وأهدافها بوضوح وتوثق خدماتها وتشرح القيمة التي تضيفها، وتُنظم سير العمل بما يضمن تحقيق جودة الخدمات والعمليات داخل المؤسسة.
ترفع المؤسسة منذ تأسيسها شعار: العطاء الإنساني للمحتاجين والفقراء وخدمة المجتمع، وتتجلى أهدافها في إسعاد الأيتام، ومساعدة الأرامل والفقراء وإغاثة المنكوبين وأن تكون يداً للخير تمتد لجميع المحتاجين، لتُحدث فرْقاً في حياتهم .
الاستثمار في الموارد البشرية
مفتاح الأداء الجيد هو الأفراد؛ إذ تعتمد فعّالية المؤسسات غير الربحية بدرجة كبيرة على توظيف عدد مناسب من الموظفين الموهوبين والمدرَبين تدريباً كافياً، وعليه تركز القرق الخيرية على جذب المواهب الملائمة لمتطلبات المؤسسة والحفاظ عليها من خلال الاهتمام بالموظفين ومكافأتهم وتعزيز مهاراتهم ببرامج التدريب والتطوير.
وتتبع القرق الخيرية الممارسات الجيدة في مجالات التمويل، والحوكمة، والتطوير التنظيمي والبرامجي، وتدرس الحالات التي تصل إليها بدقة لتحديد المستفيدين من المنح وفقاً لدخل الأسرة وعدد أفرادها ومستوى معيشتها، وتضع سياسات مكتوبة حول موضوعات مثل ترشيح أعضاء مجلس الإدارة، واختيار الموظفين وإدارتهم، وذلك لتلبية توقعات المستفيدين والشركاء والموظفين، ولتعزيز ثقافة المصداقية والشفافية التي تنعكس في خدمات المؤسسة ومعاملاتها.
إبرام شراكات
تعد القدرة على إشراك الجهات الخيرية والقطاعات المختلفة عاملاً أساسياً للمؤسسات غير الربحية التي تسعى إلى معالجة الأسباب الجذرية للمشاكل وإحداث تغيير طويل الأجل، لأن التعلم من خبرة أصحاب المصلحة يساعد هذه المؤسسات في تقييم برامجها وعملياتها.
وتؤمن القرق الخيرية أن التعاون الوثيق بين مختلف القطاعات أمراً ضرورياً للتغيير وتحقيق النتائج المرجوة من عمل الخير، وأن بناء شراكات مثمرة مع الجهات ذات الصلة بمجال عملها يساعدها في تحقيق متطلبات المستفيدين بطريقة قانونية ومقبولة اجتماعياً، فبدأت المؤسسة تبحث مع جهات خيرية مثل الهلال الأحمر الإماراتي وجمعية دار البر عن مجموعة آفاق جديدة لتطوير عملها، وفي 2011، كان أول تحرك خارجي للمؤسسة بالتعاون مع هيئة آل مكتوم الخيرية لتزويد ليبيا بالأدوية التي يفتقر إليها القطاع الصحي في البلاد، الأمر الذي أعطاها دفعة للعمل على تقديم المزيد من العطاء الخارجي، والتعايش مع الظروف الإنسانية بدون حدود.
كان لمجالات الصحة والتعليم النصيب الأكبر من الاهتمام والدعم والمساعدات المقدمة لشريحة عريضة من الأُسر الفقيرة التي لا تستطيع تحمل أعباء الحياة اليومية، وتعاونت مع جامعات عدة لتقديم الدعم الكامل للطلبة المتفوقين وغير القادرين على استكمال تعليمهم، وقدمت لـجامعة محمد بن راشد للطب والعلوم الصحية منحاً تعليمية لطلاب مرحلة البكالوريوس بقيمة 5 ملايين درهم، وساهمت بسداد المستحقات المتأخرة لبعض الخريجين في جامعة عجمان لاستلام شهاداتهم الدراسية، وتبرعت لصندوق ثامر المعني بدعم الطلبة المتعثرين وجمع التبرعات لسداد ديون الطلاب غير القادرين على مواصلة الدراسة بسبب الوضع المادي ومحدودية الدخل.
في قطاع الصحة، حققت القرق الخيرية العديد من الإنجازات والمساهمات بالتعاون مع المستشفيات والمراكز الطبية والمؤسسات المعنية بالرعاية الصحية، وفي يوليو/تموز 2016، تبرعت بمبلغ 10 ملايين درهم لبرنامج عاون الذي تشرف عليه مؤسسة الجليلة؛ المعني بمساعدة المرضى غير القادرين على تحمل تكاليف الرعاية الطبية النوعية، وتكفّلت بشراء 4 أجهزة طبية للعلاج الطبيعي لدار رعاية المسنين بالشارقة، وخارجياً تعاونت القرق الخيرية مع جمعية دبي الخيرية، لبناء 3 مستوصفات صحية للفقراء بدولتي مالي والفلبين.
تقديم خدمة على مستوى الطموحات والتوقعات
تركز القرق الخيرية على رضا المستفيدين والشركاء وأصحاب المصلحة عن الخدمات المقدمة، وأدركت أن العطاء لا يقتصر على تقديم الدعم المادي فقط، وإنما الرعاية الاجتماعية والعاطفية للفئات المستضعفة والمهمشة واحتواء من هم بحاجة لمساعدة.
تقوم سياسة الجودة التي تتبعها المؤسسة على ثقافة المصداقية والشفافية لتنعكس على خدمات المؤسسات وعملياتها، وتتمثل هذه الثقافة بقياس الأداء ومراجعة الخطط الاستراتيجية والترحيب بآراء العملاء والموظفين وأصحاب المصلحة واستخدامها لتطوير البرامج وتوضيح الإنجازات الرئيسية والدروس المستفادة والتوجهات المستقبلية.
تؤدي المثابرة والاتساق في العمل دوراً في زيادة أثر المشاريع الإنسانية، وتدرك القرق الخيرية أن العمل الإنساني مليء بالتحديات ولا بد من استمراريته لتقييم أثره وإحداث التغيير المتوقع في المجتمع، لذا تطمح المؤسسة بدعم قطاع التعليم من خلال تأسيس جامعة خيرية باسمها وليس فقط بناء المدارس والجامعات وتقديم المنح.
ختاماً، وضعت مؤسسة القرق الخيرية كافة مواردها وإمكانياتها لتكون إحدى الأدوات الفعّالة في تعزيز قدرة التعامل بإيجابية مع الاحتياجات الإنسانية في شتى أنحاء العالم، ومن خلال اتباع معايير الجودة الثابتة رسّخت أسباب النجاح وجنت ثمارها على المدى البعيد.