دعوة لتعزيز قوة السكان الأصليين (الجزء الأول): الاعتراف بحقيقة العمل الخيري

العمل الخيري
(صورة من قبل ويلي وايت / مجموعة إن دي إن)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تقدم منصة ستانفورد للابتكار الاجتماعي الجزء الأول من سلسلة “دعوة لتعزيز قوة السكان الأصليين” التي سنتعرف من خلالها على مصطلح “إنهاء استعمار العمل الخيري” وكيفية تغيير حقيقة العمل الخيري من أجل الأجيال اللاحقة.

إن الاعتراف بحقيقة العمل الخيري هي الخطوة الأولى لتغييره من أجل الأجيال اللاحقة.

ما الذي نعنيه بمصطلح “إنهاء استعمار” العمل الخيري؟ اللغة أمر مهم. كما وضّح كلّ من إيف تاك وكيه واين يانغ بقوّة: “إن إنهاء الاستعمار ليسَ استعارة“، ولا يجبُ استخدامه لوصف أي شيء سوى تفكيك تفوّق أصحاب البشرة البيضاء بشكل أساسي. وهذا يعني تركيز وجهات النظر المضطهدة، ودعم إعادة الأرض، وإعادة توزيع الموارد، وتحويل السلطة وصناعة القرار، والمعالجة من خلال الحساب والتقدير. وعندما يتعلق الأمر بالعمل الخيري، لا يمكن أن يشمل إنهاء الاستعمار رعاية الموقف الدفاعي لأصحاب البشرة البيضاء، ولكن يجب أن يعني تغيير الطرق التي نتَّبِعُها في أعمالنا بشكل فعليّ. في حين أننا نشعر بالارتياح بسبب انتشار ممارسات “العمل الخيري القائم على الثقة” ونعتقد أنه قد تم اتخاذ خطوات كبيرة في إعادة تعريف العلاقات بين العمل الخيري ومؤسسات العدالة الاجتماعية لأصحاب البشرة الداكنة والسكان الأصليين والملونين والمهمشين (BIPOC)، إلا أننا يجب علينا الاحتراس من اختيار إنهاء الاستعمار ضمن العمل الخيري وخارجه أو إساءةِ توصيفه.

لذلك، فإن نوايانا بخصوص هذا الأمر ألا نضيف إلى السؤال البلاغي، بل أن ندعو المموّلين والشركاء لتعلم كيفية فعل هذا العمل بشكل تعاونيّ من أجل الأجيال القادمة. وكما يقول جيمس بالدوين، “لا يُمكننا تغيير كل أمر نواجهه، إلا أننا لا نستطيع تغيير أي شيء حتى نواجهه”.

لا يمكن تحقيق التغيير إلا إذا واجَهنا الحقيقة. والحقيقة هي أن مفارقة العمل الخيري الصناعي هي نتيجةُ الرأسمالية غير الملائمة التي ولَّدَت الثروات المكدّسة والمتراكمة بشكلٍ خاطئٍ عبر الأجيال عن طريق العنف والاستغلال وانتزاع الأراضي. لم يكن العمل الخيري ليوجد دون قرون من الرأسمالية الاستغلالية، والاستعمار، والإبادة الجماعية، والعبودية، وتفوق أصحاب البشرة البيضاء مع ممارسات اقتصادية تبقي هذه العوامل غير قابلة للمساس بها.

وفق تقرير نُشر في عام 2019، منحت مؤسسات كبيرة في الولايات المتحدة 0.4% وسطياً من إجمالي التمويل لمجتمعات السكان الأميركيين الأصليين وقضاياهم في الفترة ما بين 2002 و2016 (حتى أن النسبة كانت أقل للمؤسسات التي تعنى بقضايا السكان الأصليين). ولكن حتى هذه الكمية غير الكافية تقلّبَت بشكل كبير طوال الفترة الزمنية. وفقاً لتقرير مؤسسة “فيرست نيشنز ديفيلوبمنت” (First Nations Development)، فإن “عواقب هذا التقلب على المؤسسات المجتمعية هي عدم الاستقرار في التنبؤ بالإيرادات، ما يؤدي بعد ذلك إلى عدم الاستقرار في النمو التنظيمي، والتنمية، والبرمجة، فضلاً عن النتائج التنظيمية السلبية الأخرى”. لا يمكن لمشاريع دورة المنح السنوية القصيرة أن تتصدى للتحديات المنهجية التي تواجهها مجتمعات الأميركيين الأصليين، حيث توفر فقط موارد كافية للمهن التي تقتضي العمل الشاق طوال مدة الخدمة دون تحقيق الحلول. حيث يتسبب الدعم المحدود في إنشاء مشاريع تدوم فقط لعام أو اثنين، دون استدامة فعلية للاستجابة لحاجات وأولويات المجتمع المتغيرة.

باختصار، تترك الشراكات الخيرية والاستثمارية المنقوصة الكثير من مؤسسات (BIPOC) تطرحُ حلولاً خاطئة تُعززها المؤسسات بدلاً من الاستجابة لاحتياجات مجتمعاتهم الأكثر إلحاحاً.

وهذا أمر غير مقبول. يجب أن تركز الأعمال الخيرية على الأشخاص الأكثر تضرراً من الظلم المنهجي، مع إعطاء الأولوية للمؤسسات الشعبية التي تقودها مؤسسات (BIPOC)، وأن تتوجّه إلى المؤسسات التي يقودها السكان الأصليون من أجل القيادة، مثل “إن دي إن كولكتيف (NDN Collective)، و“جمعية الأميركيين الأصليين في العمل الخيري”، و“جمعية الممولين الدوليين للشعوب الأصلية”. لن يكون القيام بذلك أمراً سهلاً، ولكن التغيير مطلوب منذ مدة، ولن يحدُثَ غداً، ويتطلب من الأشخاص في مواقع السلطة المؤسسية إعادة تصور علاقتهم مع أنفسهم ومع بعضهم البعض.

وفيما يلي كيفية فعل ذلك:

1. زعزعة ممارسات تقديم المنح الأبَوية

الأمر لا يتعلق فقط بمن الذين تُموّلهم، بل كيف تُموّلُهم أيضاً. على سبيل المثال، تعكس سياسة تقديم المنح لدى مؤسسة “إن دي إن” القِيَمَ والأخلاقيات لإنهاء الاستعمار الذي يسري خلال مؤسستنا ككلّ، ونحن نعتبر سياسة تقديم المنح لدينا امتداداً لنشاطنا الاجتماعي، عبر إعادة توزيع الموارد من خلال مفهوم الممارسين والمجتمع. وأكثر من ذلك، إن برامجنا تكرارية وديناميكية وتستجيب للاحتياجات المجتمعية التي نسمعها من قادتنا القَبَليّين؛ من أهلنا أنفسهم. على نفس المنوال، قللت “ليبرا” من الأعباء الإدارية كما أنها تقدم مِنَحَ دعمٍ عام تستمر لعدة سنوات، وذلك لأننا نعتقد أن المؤسسات تعرف ما يجب فعله بالموارد ولا تحتاج إلى التحقق من كل خطوة. مشروع العمل الخيري القائم على الثقة ومؤسسة “جاستيس فاندرز” هي مجتمعات تمويل رائعة ملتزمة بإنجاز العمل الشاقّ المتعلق بمعالجة عدم توازن السلطة بين الممولين والحاصلين على المِنَح. كما أننا معجَبون أشدّ الإعجاب بهذه المبادئ التوجيهية التي وضعتها مؤسسة “نيتيف فويسز رايزينغ” (Native Voices Rising).

2. نقل المزيد من الأموال

إن التوزيع الأدنى الذي تتطلّبُه قوانينُ الضرائب يُعزّز القمع الاقتصادي ويُديمُ عدم المساواة وبُنى تَفوّق أصحاب البشرة البيضاء. بالإضافة إلى تجاوز الحد الأدنى للمدفوعات الذي تتطلبه قوانين الضرائب والبالغ 5%، يُمكن للمُمولين الاستفادة من الاستثمار المؤثّر، ومؤسسات البحث العامة، والاستراتيجيات الأخرى لتفعيل 95% من ثروتهم المُحتجزة في هياكل السلطة القديمة للمساعدة حقاً في تكوين ثروة مُجتمعية وتجسيد العمل الخيري القائم على الثقة. هناك العديد من المؤسسات مثل “سييد كومونز” (Seed Commons) ومؤسسة “ذا غروف” (The Grove) و مؤسسة “كاتالي” (Kataly)  التي تعمل على تلبية الحاجة الضخمة غير المُلبّاة لرأس مال استثماري في المجتمعات ذات البشرة الملونة، وعلى المُستثمر هذا أن يتّسمَ بالصبر وأن يفرض فوائد منخفضة؛ إذ يُمكنُ استخدام رأس المال هذا لتمويل الأفكار المبتكرة دون الاعتماد على الاكتتابات القديمة أو الضمانات الزائدة. يجب على الآخرين أن يأخذوا بعين الاعتبار التحرك بفعالية نحو الإنفاق أكثر، من أجل توزيع الموارد على هؤلاء الذين يُنجزون الأعمال بالفعل.

3. اذهب لما هو أبعد من الاعتراف بالأرض

الاعتراف بالأرض ممارسة أساسية، فهو يُذكرنا بمن هم السكان الأصليون للأرض التي نعيش فيها، وكذلك يؤكد على أهمية وقدسية الأرض نفسها، ويُسلّط الضوء على قوى المستوطنين الوحشية التي خلقت واقعنا الحالي. لكن يجب توخّي الحذر: يجب أن يُثير الاعتراف بالأرض مناقشات أكبر حول ارتباطنا واتصالنا بالأرض والموارد والتي لن تكون ذات جدوى ما لم تقترن بالنوايا والأفعال.

إليكم بعض الأسئلة التوجيهية لأخذِه بعين الاعتبار: من هم السكان الأصليون في منطقتكم وما هي الصراعات التي يواجهونها والانتصارات التي يحققونها؟ هل يتم تمثيلهم ضمن قيادتكم التنظيمية؟ هل تربطكم بهم علاقةٌ معينة؟ هل هناك مؤسسات يقودها السكان الأصليون في مجتمعاتكم والتي تنشط من أجل قانون ضريبة الأرض (مثل قانون شومي لضريبة الأرض في أوكلاند) والتي يُمكنكم دعمها؟ من أين تحصلون على الماء والكهرباء والغاز وغيرها من الخدمات اليومية الأخرى وكيف تصل إلى منازلكم أو مكاتبكم؟

إذا كانت هذه الأسئلة مناسبة لك أو لمؤسستك، فيجب أن تكون خطوتك الأولى هي التواصل محلياً مع مؤسسات (BIPOC) والقادة في مجتمعك واحترام وقتهم وتعويضهم عن خبرتهم ومعرفتهم، وسيسعد معظمهم بمعرفة أنك تسعى لاتخاذ الإجراءات من أجل أن تكون أكثر من مُجرّد حليفٍ في الظروف الجيدة وأن تصبح شريكاً في زعزعة سيادة أصحاب البشرة البيضاء.

لمتابعة الجزء الثاني من السلسلة؛ أقرأ: العمل لصالح الجميع

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.