لطالما كان تحفيز الممولين الآسيويين على الالتزام بجهود التغيير الاجتماعي الإقليمية أو العابرة للحدود أمراً صعباً. فمعظم هؤلاء الممولين فضلوا التركيز على الاحتياجات الملحة في مناطقهم، ما جعل مبادرات التعاون الناجحة تبقى في كثير من الأحيان ثنائية وغير رسيمة وتتمحور حول مشاريع محددة. وعلى الرغم من أن مفهوم حشد الموارد قائم منذ أكثر من قرن من الزمن، إلا أن آسيا تأخرّت في اللحاق بالغرب فيما يتصل بحجم الجهود الخيرية المشتركة ونطاقها وإمكانية التحقق من نتائجها.
ثم جاءت جائحة كوفيد-19. بدءاً من ربيع عام 2020، أراد المموّلون العالميون والمحليون أن يفعلوا شيئاً - أي شيء - لدعم جهود الاستجابة للجائحة. وبينما أطلق هؤلاء المموّلون تمويلاً ضخماً لخدمات الإغاثة الفورية، أدى الافتقار إلى الخبرة بمجال الرعاية الصحية بالإضافة إلى عدم القدرة على السفر إلى آسيا إلى قيام جهود مخصصة ومنفصلة وغير منسقة. فلدينا في (AVPN)، وهي شبكة متنوعة من الممولين ومقدمي الموارد في آسيا والمحيط الهادئ، رأينا أعضاءنا يعانون من ندرة المعلومات المباشرة من منطقة الحدث، وعدم القدرة على مقابلة السكان المحليين، والتذكيرات اليومية بأن الفيروس كان يدمر المجتمعات.
وبحلول نهاية عام 2020، زاد الإحباط. فعمق المشاكل التي تسببت بها الجائحة واتساعها جعل الجهود الفردية غير كافية. وقد أدى ذلك إلى تحول واضح في تركيز المحادثات مع الأعضاء، بدءاً من جهود التعافي الفورية إلى بناء حلول تعاونية طويلة المدى. وباعتبارها وسيطاً، أصبح السؤال الذي يواجه شبكة AVPN هو كيفية توسيع طرق عملها لدعم جهود الاستجابة. لقد حددنا ثلاثة أصول أساسية للبناء عليها: الممثلون المحليون في 13 سوقاً، الشراكات القائمة بدول المنطقة، و 10 سنوات من الخبرة في الجمع بين الممولين ومؤسسات التغيير الاجتماعي. بناءً على نقاط القوة هذه، والاهتمام المتزايد لأعضائنا بالعمل الخيري التعاوني، بالإضافة إلى هدفهم المشترك لمعالجة القضايا الاجتماعية الناشئة عن الوباء، أنشأنا صندوقاً جماعياً - وهو طريقة تمويل تجمع رأس المال من ممولين متعددين لتبسيط العمليات والتكاليف، وبالتالي لنتمكن من تحرير المزيد من الموارد وتسخيرها لخدمة مؤسسات التغيير الاجتماعي.
وقد كان إنشاء صندوق تمويل جماعي فرصة ضخمة لشبكة AVPN، ومخاطرةً أيضاً. كانت هذه المرة ستكون المرة الأولى التي يتولى فيها فريقنا هيكلة وصرف المنح. بالإضافة إلى ذلك، لم تكن هناك صناديق تمويل جماعية مشابهة سابقة في المنطقة لنتمكن من التعلم منها. قالت سوزان كلير من مؤسسة مجموعة ماكويري (Macquarie Group Foundation) إن: "التمويل التعاوني فكرة جديدة للعديد من المانحين، لا سيما في آسيا. أن نكون جزءاً من هذه المبادرة كان أيضاً فرصة للعمل جنباً إلى جنب مع الممولين المتشابهين في التفكير لدفع هذه المبادرة المبتكرة قُدُماً ودعم المؤسسات والمجتمعات المحلية".
قبلنا التحدي، وقررنا أن الافتقار إلى الخبرة السابقة لا يعني افتقارنا للخبرات ولكن كان أيضاً يعني معرفة أن الوقت لم يكن في صالحنا. خصص العديد من الممولين أموالاً لجائحة كوفيد-19 أرادوا جعلها متاحة في أسرع وقت ممكن. وقد منحنا أنفسنا ستة أشهر لتطوير إطار عمل وبنية تنظيمية، والترويج للفكرة، والموافقة على التمويل. وقد التزمنا بمبدأين أساسيين: التمكين الدائم لأنظمة الرعاية الصحية الأولية ونشر منح التمويل غير المحدودة.
تم إطلاق الصندوق في مايو/أيار لعام 2021. وبهيكلته في شكل صندوق دائم، ضمّ الصندوق مجموعة متنوعة مكونة من 6 ممولين - بينهم مؤسسة بيل ومليندا غيتس، وفرداً ذا ثروة ضخمة، وأربع شركات ومؤسسات ربحية، منها مؤسسة مجموعة ماكويري (Macquarie Group Foundation) ومؤسسة فيتول (Vitol Foundation) وشركة جونسون آند جونسون (Johnson & Johnson) وشركة شيفرون (Chevron) - الذين ساهموا معاً بمبلغ 1.2 مليون دولار. انتهى أجل الجولة الأولى لطلبات التقدم للحصول على المنح في يونيو عام 2021، ومن بين 84 طلباً من أربعة أسواق مختلفة، قدمنا ما مجموعه 933 ألف دولار أميركي لأربعة ممنوحين. وهم: مركز مبادرات التنمية الاستراتيجية لإندونيسيا في إندونيسيا، والمعهد الدولي لإعادة الإعمار الريفي، وجمعية آسيا للتحسين الاجتماعي والتحول المستدام في الفلبين، ولجنة الإنقاذ الدولية في تايلاند وميانمار.
كنا نتعلم يومياً وباستمرار. وإليكم سبعة دروس قد تساعد مدراء صناديق التمويل الجماعية الجدد:
1. تقبّل أنك (في الغالب) تبدأ من الصفر
بغض النظر عن دورك أو مكانتك في بيئة العمل الخيري، إذا كنت مدير صندوق تمويل لأول مرة، فأنت بحاجة إلى بناء سجل إنجازات حافل. من الصفر؛ في الواقع، حتى لو ناقشتَ التمويلات الجماعية بإسهاب مع الممولين أو مدراء الأموال أو المستفيدين من المنح، أو قرأت عنها أو كتبت عنها، فأنت ما زلت تجهل حقاً كيفية إدارة أحد هذه الصناديق بنفسك. فأنت لا تحتاج فقط إلى بناء القدرات الداخلية ولكن تحتاج أيضاً إلى كسب ثقة شركائك والممولين المحتملين قدر استطاعتك بصفتك مدير صندوق تمويل.
وبالنسبة لنا، فقد كانت هذه العملية مفعمة بالحماس حتى الآن، رغم كونها مُتعبة. فقد استغرق بناء نظرية التغيير، وإعداد الممولين الجدد، وتطوير اتفاقيات المنح والتمويل وقتاً وموارد أكثر مما توقعنا. وعندما لم نكن متأكدين من كيفية التعامل مع عنصر معين في الصندوق، كنا نأخذ الوقت الكافي لسؤال الممولين عن توقعاتهم والحصول على توصيات منهم. وقد آتى هذا الجهد بثماره؛ حيث ساعدت الشفافية مع الممولين المحتملين فيما يتعلق بالعملية، وخبرة فريقنا المهنية ومجالات خبراته في بناء ثقتهم بنا.
2. قيّم قدرات فريقك وأسّس مسارات مُحكمة
إن إعداد مشروع قوي وعمليات حوكمة مُحكمة للصندوق سيمكنانك من تحديد الثغرات والحد من أوجه القصور داخل الفريق. فعلى سبيل المثال، يمتلك عدد قليل فقط من أعضاء فريقنا خبرةً سابقة في إدارة المنح. لذلك كانت إحدى الأولويات تحسين إطار عمل إدارة المنح لدينا لتحديد الثغرات المحتملة والقضاء عليها. وبالمثل، كان لدى الفريق خبرة قليلة في مواءمة متطلبات إعداد التقارير الخاصة بالممولين المختلفين وتتبع منح التمويل غير المقيدة. لكننا كنا نمتلك الخبرة في تطوير أطر عمل القياس والتقييم (M&E) التي يمكننا الاعتماد عليها.
أنشأنا عملية صارمة لتلقي التقييمات والملاحظات من أعضاء فريق تشغيل الصندوق واللجنة التشغيلية ولجنة المنح، وذلك للمساعدة في سد الثغرات التي واجهناها. والآن، خلال اجتماعاتنا الأسبوعية، يسائل الفريق كيفية تعاملنا مع المهام والأنشطة الجديدة وتنفيذها. كما أننا نلتمس الدروس المستفادة من مدراء الصناديق الخيرية الآخرين ونعمل باستمرار على دمج تقييمات الممولين والمستفيدين من المنح في إطار عملنا.
3. اربط حاجات الممولين والحاصلين على التمويل ببعضها البعض
على عكس صناديق التمويل ذات المانح الواحد، يتطلب الصندوق الجماعي استيعاب جميع الممولين المساهمين ومواءمتهم في تصميم الصندوق وبنيته التشغيلية. لذا فقد بدأنا المحادثات مع الممولين في وقت مبكر من العملية للتأكد من أنهم اتفقوا على عناصر مثل حجم الصندوق ونوع التمويل وحجم المنح الفردية وعدد الحاصلين على المنح ومستوى المشاركة التي سيقدمها كل ممول فردي كجزء من مساهمته.
وعلى الصعيد الأهم من ذلك، بصفتك مدير الصندوق، فأنت تؤدي دور الوسيط بين الممولين والحاصلين على المنح. ولكي تتمكن من دعم علاقتهم بنجاح وتطوير التوافق الحقيقي، من المهم بالنسبة لك الفهم والتوفيق بين احتياجات كل جانب. بالنسبة لنا، اشتملت هذه المرحلة على خطوتين. أولاً، كان من الضروري أن يوافق المموّلون على تقديم منح غير مقيدة، ما أتاح لمؤسسات التغيير الاجتماعي الابتكار والتصرف بجرأة، لا سيما في استجابتها لحالات الأزمات. ثانياً، أردنا التأكد من أن عمليات التقدم لطلب المنحة والتحرّي والقياس والتقييم كانت مفيدة للممولين والممنوحين على حد سواء. ولا تزال هذه العملية تتكرّر. فنحن نواصل التحدث إلى خبراء القياس والتقييم ونحاول استخدام الأساليب والأدوات التي تم اختبارها وإثبات فعاليتها، مثل الاستطلاعات الموحدة، عوضاً عن تطوير حلولنا الخاصة.
4. اعلم أن تطوير حل واحد لا يعني معالجة مشكلة واحدة
عندما تتطلع إلى معالجة مشكلة اجتماعية منهجية، فمن المهم أن تدرك أن صندوق التمويل الجماعي يقدم حلاً واحداً ولكنه على الأرجح يعالج قضايا مترابطة متعددة - قد تكون منتشرة في مناطق جغرافية مختلفة.
على سبيل المثال، من خلال محادثاتنا وجدنا أن ماليزيا كانت بحاجة إلى القسم الأكبر من خدمات الإغاثة في مواجهة كوفيد-19 والدعم للقضايا المتعلقة بصحة الأم، بينما كانت تايلاند تحتاج لخدمات التعليم، والفلبين للخدمات اللوجستية والدعم في تقديم الخدمات في المرحلة الأخيرة. قادنا هذا الفهم إلى ترتيب أولوياتنا بطريقة مختلفة، وإعطاء الأولوية لمجالات التدخل المختلفة والمتقاطعة، بالإضافة إلى مقاومة الجائحة والاستجابات الإغاثية. ولدينا الآن أدوات قياس تتبع تأثير كلا الأمرين ضمن الصندوق.
5. تحكّم في درجة تعقيد صندوقك
إن تشغيل صندوق تمويل جماعي للمرة الأولى أمر متطلب للغاية، لذلك يجب عليك اتخاذ قرارات واعية حول درجة التعقيد التي تريد تقديمها. خلال المراحل الأولى من هيكلة صندوقنا، على سبيل المثال، أراد المموّلون المختلفون استخدام أنواع مختلفة من رأس المال، مثل المنح والديون القابلة للتحويل وحقوق الملكية. كما أراد البعض دعم المؤسسات غير الربحية، في حين أراد الآخرون التركيز على دعم المشاريع الاجتماعية.
في النهاية، كنا نحتاج إلى تحقيق التوازن بين جعل الصندوق شاملاً وتسهيل الوصول إليه قدر الإمكان، مع الشعور بالراحة مع مستوى المخاطر والمسؤوليات التشغيلية التي سيتحملها الفريق. في الختام قررنا التركيز على تقديم المنح فقط، على عكس نهج الاستثمار الاجتماعي أو بُنى التمويل الأخرى، كما قمنا بقصر مجموعة المتقدمين على المؤسسات غير الربحية المسجلة رسمياً، مما أضاف لدينا نقطة يقين إضافية في عملية الفحص النافي للجهالة بناءً على أطر عملها التنظيمية الصارمة.
6. حدد عرض القيمة لصندوقك
من وجهة نظر الممول، فإن الفائدة من المشاركة في صندوقك تتعدى تجميع الموارد. عليك أن تكون قادراً على توضيح العناصر الإضافية الأخرى المرتبطة بكل ممول معني - مثل التنويع الاستثماري أو الحد من المخاطر أو توسيع الشبكات أو الشراكات.
عندما قمنا بعرض فكرة الصندوق أمام الممولين المحتملين، شعر العديد منهم بالفضول، إلا أن قلة قليلة فقط استثمروا في الحال. في الواقع، لاحظت سارة جيفري، إحدى ممولات الجولة الأولى من مؤسسة فيتول، أن "الصندوق يستحق التمويل فقط إذا كانت فوائد توزيع الأموال تفوق صعوبة تشغيل الصندوق". في حين أننا لم نثبت بعد أن هذا هو الحال، فقد انضمت فيتول في النهاية إلينا لأنها أدركت قيمة وأهمية الصندوق ليس فقط بالنسبة للمستفيدين من المنح ولكن أيضاً بالنسبة لعمل المؤسسة الخاص. لقد تمكنا من شرح كيف سيسمح الانضمام إلى الصندوق للمؤسسة ببناء شبكتها وتوسيع وجودها في آسيا - التي لم تكن إحدى مناطق تركيزها في السابق - أثناء التعلم من أعضاء الصندوق الآخرين ومعهم.
7. تعلم كيف تحدد عرض القيمة لنفسك بصفتك مديراً للصندوق
إن تشغيل صندوق جماعي لأول مرة سيكلف فريقك الكثير من الوقت والموارد. يجب عليك أن توضح للممولين ليس فقط لماذا من المنطقي أن تشغل أنت هذا المنصب، ولكن أيضاً لماذا يجب أن يدفعوا لك مقابل ذلك.
وبالنسبة لنا، في ظل غياب سجل إنجازات واضح، كان الأمر منوطاً بالسؤال: على أي أساس يقرر الممول الالتزام بتقديم الموارد لنا؟ نعتقد أن المفتاح هو أننا بنينا الثقة والعلاقات مع كل منهم قبل وقت طويل من أن يكون الصندوق الجماعي جزءاً من المحادثة. كما أخبرنا هاري مينون من مؤسسة بيل ومليندا غيتس: "يمثل التعاون أولوية كبيرة بالنسبة لنا، لأننا حتى مع وفرة مواردنا، فإننا ندرك مدى محدودية أي كيان واحد. في المنطقة، نحن ملتزمون بالعمل مع شركاء محليين، مثل AVPN، الذين نعرف أن لديهم فهماً عميقاً للاحتياجات والأولويات في جنوب شرق آسيا. ونحن نتطلع إلى الفريق وشركائنا في الصندوق ليتولوا مهام القيادة".
بالنسبة إلى AVPN، فإن إطلاق الصندوق الجماعي ليس سوى خطوة البداية. لقد أطلقنا منذ ذلك الحين صندوق تمويل ثانٍ وحيد الجهة المانحة، وبينما نبدأ في نشر المنح الأولى ومراقبة نتائجها، فإننا نبحث عن طرق لتوسيع عملنا بما يتجاوز تمويل المنح. ويشمل ذلك تصميم برامج بناء القدرات مع المستفيدين من المنح ومن أجلهم، وتوسيع نطاق دعمنا ليشمل المؤسسات الربحية أو الهجينة، وتوفير التمويل اللاحق والمتابعة لمتلقي المنح الأولية. وفي إشارة مشجعة على أننا نسير على الطريق الصحيح، اختار منتدى باريس للسلام صندوقنا الجماعي كواحد من المشاريع النموذجية في اجتماعه السنوي في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2021.
نأمل أن هذا الانفتاح على التعاون في منطقة آسيا والمحيط الهادئ سيستمر إلى عالم ما بعد الجائحة، شاملاً مناطق جغرافية جديدة ومعالجاً مشاكل منهجية أخرى، مثل التفرقة على أساس النوع والتغير المناخي. وفي حين أن المنطقة لم تزل بحاجة إلى تبنّي ممارسات تعاونية واسعة النطاق، فقد أثبتت مرّة أخرى قدرتها على اللحاق بسرعة بالركب بمجرد أن تلتزم بذلك. يمكننا البدء في الحال، عن طريق إجراء محادثات صادقة حول المزالق المحتملة، والمشاكل المتوقعة، والثغرات المعرفية التي لدينا. وقبل كل شيء، تعلمنا أنه عندما ترفع يدك لتقول "لا أعرف" وتطلب الدعم - وهو ليس أمراً سهلاً بالضرورة بالنسبة لشبكة تقود الفكر القيادي في المنطقة - سوف يستجيب الناس بصراحة وصدق، ما يمكننا جميعاً من التعلم والعمل الجماعي.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.