ما الذي يتطلبه انضمام رأس المال المغامر إلى حراك نهج الحوكمة البيئية؟

14 دقيقة
الحوكمة البيئية والاجتماعية

يزداد تبني المستثمرين نهج الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات (ESG) في السنوات الأخيرة على اعتباره جزءاً من موجة أوسع لتبني الغاية ونظام رأسمالية المساهمين، إذ يتم العمل على إدارة أصول خاضعة للإدارة بقيمة 100 مليار دولار في العالم وفق مبادئ الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات. ويتمثل أحد أسباب هذا التوجه فيما يسميه البعض "دراسة الجدوى" لهذا النهج؛ فالدراسات التجريبية القائمة منذ عام 2010 وحتى الآن تبيّن أن الشركات العالية الأداء التي تتبنى نهج الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات تتفوق في أدائها المالي على نظيراتها، في حين سجل عام 2020 معدلات قياسية من التدفق المالي إلى مؤسسات رأس المال المغامر ذات الأداء القوي من ناحية مبادئ الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات (وتصادق على هذه الدراسات نتيجة أبحاث موازية توضح أن هذه المؤسسات تتفوق في أدائها المالي على نظيراتها ذات التصنيف الأدنى).

لكن مؤسسات رأس المال المغامر بقيت مهمشة بدرجة كبيرة؛ فعندما ألقينا نظرة سريعة على المواقع الإلكترونية لأكبر 50 مؤسسة من مؤسسات رأس المال المغامر، لاحظنا أن 5 مواقع فقط ذكرت الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات أو التزام المؤسسة تجاه الاستدامة، في حين أعلنت بضع عشرات فقط من المؤسسات الأخرى التزامها مبادئ الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات (من بين أكثر من 2,900 مؤسسة رأس مال مغامر في العالم). توصلت دراسة أجرتها منظمة العفو الدولية مؤخراً إلى أن أياً من مؤسسات رأس المال المغامر الكبيرة في العالم تراعي قضايا حقوق الإنسان في عمليات الاستثمار التي تقوم بها، باستثناء موضوع التنوع والشمول الذي يركز عليه كثير من مؤسسات رأس المال المغامر حتى الآن.

ما سبب بطء مؤسسات رأس المال المغامر الشديد في تبني مبادئ الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات؟ وما الذي يتطلبه انضمامها إلى هذه الثورة؟

رياضة البيسبول والقراصنة والشركات أحادية القرن (اليونيكورن)

لفهم سبب ما وصلنا إليه اليوم يجب أن نلقي نظرة سريعة على التاريخ. على الرغم من أن مؤسسات رأس المال المغامر نشأت أول مرة في مدينة بوسطن في أربعينيات القرن الماضي، فقد اكتسبت قوتها في مدينة كاليفورنيا، ومن وادي السيليكون تحديداً على مدى الخمسين عاماً الماضية. تمثل هدف مؤسِّسي الشركات الناشئة ومستثمريها الأولي من استخدام التكنولوجيا في حل أكبر مشكلات العالم، بدءاً من حفظ البيانات ومعالجتها (وتمثل الحل في الرقاقات الإلكترونية الدقيقة - مايكروتشيب) وصولاً إلى التواصل بسهولة (وتمثل الحل في الإنترنت). لكن في العقود الأخيرة شهدنا انتقال التركيز نحو إنشاء شركات تتمتع بالقدرة على النمو السريع مدفوعة غالباً بالآثار المترتبة على وجود الشبكات بغضّ النظر عن التكلفة الاجتماعية، ولذلك تورطت شركات وسائل التواصل الاجتماعي، بدءاً من فيسبوك وصولاً إلى يوتيوب، في نشر المعلومات المضللة والاستقطاب الاجتماعي والتسبب في مشكلات الصحة النفسية، في حين ساهمت منصات اقتصاد الأعمال المستقلة في تشكيل طبقة دنيا عالمية من العاملين غير المستقرين ذوي الأجور المتدنية.

كان السبب الأساسي لهذه النقلة هو الحاجة إلى تحقيق إيرادات أعلى من معدل السوق من الأموال التي يتم استثمارها غالباً في الشركات التي تبوء بالفشل. تتم مقارنة هذه الاستراتيجية أحياناً برياضة البيسبول؛ إذ تبحث مؤسسات رأس المال المغامر ذات الأداء العالي عن الشركات الأحادية القرن (اليونيكورن) الأسطورية التي تحقق مكاسب رأسمالية كبيرة وسريعة لا يمكن مضاهاتها (مثل لاعب البيسبول الذي يضرب الكرة إلى خارج الملعب ويستطيع الركض والمرور بالقواعد الأربعة دون إزعاج لاعبي الفريق الخصم) وتبلغ تقييمات الخروج فيها أكثر من مليار دولار (علماً أن نسبة الشركات الناشئة التي تحقق هذه المكانة بتمويل من مؤسسات رأس المال المغامر لا تتجاوز 1%). من أجل تحديد الشركات التي تتمتع بإمكانات اليونيكورن وضمان أن تحققها، تم تطوير مجموعة أساسية من الممارسات والمعتقدات التي يوضحها ريد هوفمان في كتابه الذي نشره في عام 2019 بعنوان "التوسع الخاطف" (Blitzscaling). يعرّف ريد التوسع الخاطف بأنه شركات التكنولوجيا السريعة التوسع التي تهدف إلى الانتشار وتحقيق معدلات استبقاء عالية وهوامش ربح كبيرة مبنية على الآثار المترتبة على وجود الشبكات، وترغب في "النمو بسرعة كبيرة تحسم المنافسة لصالحها". يبني ريد أفكاره ومبادئه (مثل مبدأ "تبني الفوضى") على أطر عمل سابقة مثل إطار عمل إيريك رايس، "الشركة الناشئة الرشيقة" (Lean Startup)، التي تعزز الاختبار السريع وإصدار النماذج الأولية ونشر المنتجات قبل إجراء الاختبارات الكافية والتحقق من ضوابط السلامة. كما يمكن تجاهل الحدود الأخلاقية أو المعنوية أو حتى القانونية مؤقتاً في سبيل زعزعة القطاع وتقليل وقت دخول المنتج إلى السوق، فسادت قواعد مثل "تظاهر بالنجاح إلى أن تحققه" و"تحرك بسرعة واكسر القواعد" في ثقافات الشركات الناشئة.

كما يعمل قطاع رأس المال المغامر بإدارة مجموعة شديدة التجانس من القادة تكاد تنحصر بالرجال البيض خريجي كليات النخبة (يشكل خريجو جامعتَي هارفارد وستانفورد تحديداً 40% من المستثمرين أصحاب رأس المال المغامر في الولايات المتحدة)، وتشكل النساء 10% فقط من الشركاء في مؤسسات رأس المال المغامر الأميركية، ولا تصل نسبة النساء ذوات البشرة الداكنة إلى 1% (وفقاً لإحصاءات الرابطة الوطنية لرأس المال المغامر (NVCA) الجديدة، علماً أن المملكة المتحدة وأوروبا تسجل نسباً مماثلة. ليس من المستغرب أن تميل شركات رأس المال المغامر إلى الاستثمار في مجموعة رواد أعمال متحيزة بنفس الدرجة؛ إذ تم تخصيص 86% من أموال رأس المال المغامر في الولايات المتحدة لفرق أسسها رجال فقط، وفي المملكة المتحدة تم تخصيص نحو بنسَين فقط من كل جنيه استرليني لمؤسسين من أعراق مختلفة بين عامي 2009 و2019. نتج عن هذا النقص الشديد في التنوع ما تصفه الكاتبة إيميلي تشانغ في كتابها "بروتوبيا" (Brotopia) بالتعصب ذاتي التجدد وثقافة الإقصاء العنصرية.

كان القطاع متردداً في التصدي لهذه الثقافة، إذ لم يمارس الشركاء المحدودون، ومعظمهم من أوقاف الجامعات والمؤسسات الخيرية ومكاتب العائلة وصناديق التقاعد أو صناديق التعويضات الحكومية، أي ضغط على أصحاب رؤوس الأموال المغامرة للتغير، وذلك على الأرجح بسبب تخوّفهم من خسارة مخصصاتهم في مؤسسات رأس المال المغامر العالية الأداء. يوضح بيل جينواي في إحدى محاضراته على منصة آي نت (iNet) وضع القطاع الاقتصادي بمعادلة إحصائية واحدة بسيطة؛ أعلى شريحة عشرية (10%) من شركات رؤوس الأموال المغامرة هي التي تتفوق في أدائها على السوق بمرور الوقت، ما يمنح أبرز رؤوس الأموال المغامرة قوة كبيرة فيما يتعلق بمالكي الأصول. وضح أحد الشركاء المحدودين الذين لديهم استثمارات كثيرة في رؤوس الأموال المغامرة هذا الموقف في مقابلة أجريناها معه بقوله: "يأتي الأداء في المقام الأول؛ فنحن مؤتمنون على رؤوس أموال عملائنا، وحتى اللحظة كان عدد من مدراء مؤسسات رأس المال المغامر أكثر قدرة على تحقيق هذا الأداء المتفوق".

رواد الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات من مؤسسات رأس المال المغامر

بدأت الأمور تتغير في العام ونصف العام الماضيين، إذ يزداد اهتمام المستهلكين بالممارسات التجارية الأخلاقية الذي يبينه النجاح السريع للشركات التي تهدف لتحقيق المنفعة العامة مثل شركة باتاغونيا (Patagonia)، وتؤكده الدراسات الاستقصائية للمواقف بصورة متكررة. لكن التغييرات ليست حكراً على الأسواق الاستهلاكية فقط (مثل التوجه نحو الألبسة المستدامة أو الأغذية العضوية والنباتية)، وإنما نراها أيضاً في مواقف الموظفين وسلوك مؤسسي الشركات إذ يتزايد عدد الذين يؤسسون شركات "قائمة على الرسالة" أو "مؤثرة" أو "مستدامة" وتلتزم مبادئ الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات. وأدى ذلك في المراحل التمهيدية بالفعل إلى تغييرات في قرارات الاستثمار وإدارة المحافظ الاستثمارية؛ إذ أنشأت مؤسسات إدارة الأصول الكبيرة مثل بلاك روك (BlackRock) وتي بي جي (TPG) وباين كابيتال (Bain Capital) مؤسسات صناديق رأس المال المغامر المؤثرة، وتعمل على دمج تقييمات الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات واعتباراتها في ممارساتها الاستثمارية. في الوقت ذاته، أدت مظاهرات حركة "حياة السود مهمة" إلى تجديد جهود التدقيق على مشكلة قطاع التمويل الكبيرة فيما يتعلق بالتنوع والعنصرية والتمييز على أساس الجنس. في قطاع رأس المال المغامر تحديداً، أدى النجاح المستمر لمؤسسات رأس المال المغامر الراسخة والقائمة على تحقيق الأثر مثل مؤسسة دي بي إل بارتنرز (DBL Partners) في مدينة سان فرانسيسكو إلى حصول المؤسسات التقدمية الجديدة مثل مؤسسة أوبفيوس فينتشرز (Obvious Ventures) في الولايات المتحدة أو مؤسسة بيل بلو دوت (Pale Blue Dot ) في أوروبا على اهتمام وتأييد أكبر. في الوقت ذاته بدأت الأنظار تتجه نحو مجموعة جديدة من الشركات الناشئة التي تركز على القضية المناخية ويسميها بعض المعلقين طفرة جديدة.

فيما يتعلق بمسألة التنوع والإنصاف والشمول، نشهد أيضاً أولى قصص النجاح مع ظهور مؤسسات رأس المال المغامر الجديدة التي تستهدف المؤسسين من الفئات المهمشة وناقصة التمثيل، بدءاً من شركة ماك فينتشرز (MaC Ventures) التي يشكل أصحاب البشرة الداكنة أكثرية فيها أو شركة إمباكت إكس (ImpactX) في المملكة المتحدة وصولاً إلى المبادرات التي تركز على الإناث (مثل أول رايز (AllRaise) في الولايات المتحدة) والمؤسسات غير الربحية الوطنية مثل "فينتشر فوروورد (Venture Forward). تلتزم هذه المبادرات جمع البيانات وتحليلها وتثقيف أصحاب رؤوس الأموال المغامرة والشركاء المحدودين على حد سواء، وصولاً إلى اتخاذ الإجراءات المتمثلة في تمويل مزيد من الممثلين العامين والمؤسسين من الفئات ناقصة التمثيل ووضع السلطة وصناعة القرار في أيديهم (تهدف مؤسسة أول رايز مثلاً إلى مضاعفة النسبة المئوية للأموال المتاحة للنساء المؤسِّسات وصاحبات رؤوس الأموال المغامرة بحلول عام 2030).

لكن مع أن الدراسات الكمية التي توضح التحسّن الذي شهدته نتائج الأصول المالية كانت هي سبب اعتماد الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات في فئات الأصول الأخرى، فبيانات الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات والتصنيفات المتاحة للشركات العامة غير موجودة للمشاريع المغامرة. لاحظنا ظهور بعض الأدلة الأولية؛ على سبيل المثال، في دراسة رائدة نُشرت في مجلة هارفارد بزنس ريفيو (HBR) تبيّن أن زيادة التنوع في فرق صناعة القرار في مؤسسات رأس المال المغامر تؤدي إلى زيادة الربحية على مستويي المحفظة الاستثمارية والتمويل الكلي في هذه المؤسسات. وكذلك الأمر في دراسة أجرتها شركة ماكنزي أند كومباني (McKinsey & Company) في عام 2020، تبيّن أنه في سيناريو افتراضي لعمليات الاندماج والاستحواذ، كان المستثمرون على استعداد لدفع سعر أعلى بنسبة 10% تقريباً لشركة ذات سجل إيجابي عموماً في الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، ولكن لن تتوفر الأدلة الكمية الشاملة لفترة من الزمن. سيتطلب اعتماد ممارسات الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات في مؤسسات رأس المال المغامر أن يقوم البعض باختبار الأساليب الجديدة وتجربتها لأول مرة من دون أي دليل يعتمدون عليه،

وتُجرى بعض هذه التجارب بالفعل حالياً. ففي الولايات المتحدة مثلاً، عينت مؤسسة 500 ستارتبس (500 startups) في فريقها أخصائية الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، تريسي باربا، التي تنتمي إلى مجال الأثر الاجتماعي، وكانت صريحة جداً في دعوتها إلى توجه القطاع بأكمله نحو الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات إلى جانب نشاطها الداخلي لدعم شركات محفظة مؤسسة 500 ستارتبس الاستثمارية في قضايا الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات. وفي أوروبا، حيث تترسخ مبادئ الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات (والاستثمار المسؤول عموماً) بدرجة أكبر، بدأت مجموعة متنوعة من أصحاب رؤوس الأموال المغامرة في تبني التحول بصورة علنية ونشطة. ويُقال مؤخراً إن العديد من مبادرات الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات التي تجمع مؤسسات رأس المال المغامر تدعو إلى تطبيق جدول الأعمال على مستوى القطاع. خذ مثلاً مجموعة فينتشر إي إس جي (VentureESG) (التي نشارك كلانا فيها)، إذ تجمع ما يزيد على 150 مستثمراً من أصحاب رؤوس الأموال المغامرة في مجتمع دولي لمشاركة أفضل الممارسات والمعارف والموارد والمساعدة في تطوير أطر العمل والمقاييس. يمكن القول إن مؤسستَي بيتانغو فينتشر كابيتال (Pitango Venture Capital) في إسرائيل وكينيفك (Kinnevek) في ستوكهولم، ومؤسستَي رأس المال المغامر الكبيرتين كيندريد كابيتال (Kindred Capital) وبالديرتون (Balderton) في منظومة مدينة لندن، هي من أقوى المؤسسات صانعة التغيير؛ ففي شهر ديسمبر/كانون الأول من عام 2020 أعلنت مؤسسة بالديرتون إطلاق إطار عمل الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات الخاص بها والذي يدعى أهداف المستقبل المستدام (Sustainable Future Goals) أو (SFGs)، كما نشرت مؤسسة كيندريد مؤخراً سياسة شاملة في الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات لتتمكن المؤسسات الأخرى من الاستفادة منها.

أربع مجموعات من الحلول

كي نتمكن من نشر هذه الجهود على نطاق أوسع يتعين علينا معالجة عدد من التحديات أولاً، وفقاً لاستقصاء مؤسسة بيتشبوك (Pitchbook) للاستثمار المستدام لعام 2020، تتمثل أهم العوائق التي يجب التغلب عليها في عدم وضوح طرق تعريف أداء مبادئ الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات وقياسه، ونقص بيانات هذه المبادئ في الشركات الخاصة، واستمرار التصورات بأن استراتيجيات الاستثمار فيها تولد إيرادات أقل. كما أشار المستثمرون إلى نفورهم الشديد من أن يكونوا أول من يتخذ هذه الخطوة أو أن يتخذوها بمفردهم؛ ينتظر كثير من الممارسين العامين أن تتخذ الشركات الكبرى في القطاع خطوات باتجاه تبني مبادئ الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات.

ولتعميم الاستثمار فيها على مؤسسات رأس المال المغامر، يجب على المستثمرين أصحاب رؤوس الأموال المغامرة والشركاء المحدودين ومزودي البيانات والجهات التنظيمية اتخاذ عدة خطوات.

1. مؤسسات رأس المال المغامر

يمكن أن تبدأ مؤسسات رأس المال المغامر رحلتها باتجاه تحقيق مبادئ الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات بتبني ممارساتها في عملياتها، ويمكن أن تشمل الخطوات الأولى اعتماد خطة التنوع والشمول وتحديد أهداف تتمثل في رفع مستوى التنوع بين الشركاء وفي مسار التوظيف. ويمكن أن تتم معالجة البعد البيئي بصورة موازية من خلال البدء بتطبيق نظام محاسبة للكربون، وتوفر منظمة المناصَرة البيئية، ليدرز فور كلايمت آكشن (Leaders for Climate Action)، طريقة سلسة (وخاضعة للمساءلة) لاتخاذ الخطوات المتعلقة بهذا الجانب من مبادئ الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات.

انطلاقاً من ذلك تركز مؤسسات رأس المال المغامر على أن تراعي عملياتها الاستثمارية اعتبارات الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، ويتم ذلك عادةً بتحديد مسؤوليات واضحة؛ من الناحية المثالية ينبغي أن يتم تنفيذ المبادرة بقيادة مؤسسة شريكة، ولكن يمكن أن يضم فريق العمل المعني بالحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات ممثلين من جميع أقسام المؤسسة، مثل الشؤون القانونية والعلاقات والموارد البشرية، إلى جانب ممثلي الفرق الاستثمارية، ويجب أن يولّد عمل الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات النتيجة الملموسة الأولى المتمثلة في سياسة الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات التي تشمل النهج الذي ستتبعه مؤسسة رأس المال المغامر في تطبيق الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، بدءاً من وضع قائمة استبعاد القطاعات ونماذج الأعمال التي تسبب ضرراً ولن تستثمر فيها، والنهج الذي ستتبعه لضمان الامتثال لهذه السياسة ومراقبته. كما تشمل سياسة الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات كلاً من التنوع والشمول والفريق وبيئة العمل (مثل إجازة الأبوة) ومبادئ الحوكمة (مثل هيكلية مجلس الإدارة).

تتمثل الخطوة التالية في تنفيذ اعتبارات الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات طوال دورة حياة الاستثمار، حيث يمكن لمدير الأموال إجراء الفحص النافي للجهالة لشركات المحفظة الاستثمارية المحتملة كي يتمكن من فهم مشكلات الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات فيها. خذ مثلاً فريقاً يجري بحثاً حول استثمار بمرحلة متأخرة في تطبيق ذكي لتوصيل الطعام، إذ يتمعن في الحصة السوقية واحتمالات جذب عملاء جدد إلى جانب الآثار الاجتماعية على الرفاهة المالية للمطاعم والسائقين. يمكن أيضاً إدراج الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات في شروط العمل مع بنود محددة، مثل متطلبات تطوير خطة التنوع والشمول وخطة عمل الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات ضمن إطار زمني محدد، وهي ممارسة تطبقها حالياً بعض مؤسسات رأس المال المغامر مثل أتوميكو (Atomico).

ما أن يقوم صاحب رأس المال المغامر بالاستثمار يؤدي دوراً إدارياً فعالاً في مجالس الإدارة بصفة شريك سجال استراتيجي إذ يحرص على أن تحدد الشركة فجوات الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات في استراتيجيتها وترسم مساراً واضحاً للتقدم نحو تطبيق مبادئ الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات. تقدم بعض مؤسسات رأس المال المغامر التدريب للشركات، مثل ورشة العمل التي تقيمها شركة أتوميكو بعنوان "التوسُّع المدروس". وأخيراً، يجب أن تتعامل مؤسسات رأس المال المغامر بشفافية فيما يتعلق بمشكلات الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات من خلال نشر تقرير حول تقدمها وأدائها في مبادئها هي والشركات التي تستثمر فيها على حد سواء. قادت مؤسسة 500 ستارتبس (500Startups) هذا المسعى مؤخراً بنشر تقريرها عن الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات لعام 2020.

باختصار، من الضروري أن يعتمد أصحاب رأس المال المغامر على مبادئ الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات لتحديد طرق إدارة مؤسساتهم والقيام بالاستثمارات ودعم الشركات التي يستثمرون فيها. ومن المهم الحصول على تأييد الإدارة لتطبيق مبادئ الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات لأنه يمثل تحولاً ثقافياً إلى جانب تغيير العمليات والممارسات. في النهاية، يجب ألا نعتبر تطبيق مبادئ الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات "إضافة"، بل هو قيمة جوهرية في مؤسسات رأس المال المغامر تساهم في تحسين الاستثمارات والشركات.

2. الشريك المحدود المسؤولية

يؤدي الشريك المحدود دوراً مهماً في تعزيز اتباع النُهج المسؤولة في مؤسسات رأس المال المغامر بطريقتين: فهو يأخذ اعتبارات الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات في حسبانه عند تحديد طرق توزيع رأس المال على مؤسسات رأس المال المغامر، ويساعد في تطوير جدول عمل مسؤول ويتوافق مع مبادئ الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات فيما يتعلق بإدارة محفظته الاستثمارية (مثل مطالبة الممارسين العامين بتقديم تقارير دورية عن الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات أو مجالاتها الفرعية مثل التنوع والمساواة والشمول).

عندما يختار الشريك المحدود مدير مؤسسة رأس المال المغامر، يجب أن يدرج أسئلة الفحص النافي للجهالة التي تركز على عمليات ومبادئ الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات التي تتبعها مؤسسة رأس المال المغامر في عملية الاستثمار، وسيؤدي ذلك إلى إدراج شروط الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات في اتفاقيات الشراكة المحدودة المسؤولية. أخيراً، يجب أن يطلب الشريك المحدود من المدراء تقديم التقارير بشفافية من أجل إخضاعهم إلى المساءلة، (مثلاً، تحدد مؤسسة هاربورفيست بارتنرز (HarbourVest Partners) أهدافاً لتحقيق التنوع بين مدراء الأموال وتبلغ عن مقاييس التنوع). قد تتمثل الخطوة التالية المنطقية والقوية في رحلة الشريك المحدود في تنفيذ استثماراته اللاحقة في المؤسسة بناء على أدائها فيما يتعلق بالحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات.

3. أبحاث السوق والشركات المزودة للبيانات وهيئات التقييم

توفر شركات أبحاث السوق، مثل شركات بيتشبوك (Pitchbook) وديل روم (Dealroom) وسي بي إنسايتس (CBInsights)، معلومات مهمة لأصحاب رؤوس الأموال المغامرة حول التوجهات وتوقعات النمو في التكنولوجيا الجديدة، وبإمكانها دعم ممارسات الاستثمار المسؤولة بدرجة أكبر من خلال إدراج معلومات الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات ضمن تقاريرها المتعلقة بالتوجهات. خذ مثلاً شركتَي كرَنش بيس (Crunchbase) وديل روم (Dealroom) اللتين بدأتا مؤخراً نشر بيانات حول التنوع والمساواة والشمول، ولكنها لا تشمل البيانات المتعلقة بالحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات. على سبيل المثال، بدلاً من أن تكتفي الشركات المزودة للبيانات بتقديم المعلومات حول فرص السوق وتوقعات النمو لحلول برمجيات المؤسسات القائمة على الذكاء الاصطناعي، يمكنها إضافة العناصر الأساسية اللازمة لتحقيق التوافق بين الحلول والمبادئ التوجيهية للذكاء الاصطناعي الأخلاقية، والمخاطر والإجراءات التي يجب اتخاذها عند الاستثمار في هذا القطاع للتخفيف منها، مثل تجنب إصابة الموظفين بالاحتراق الوظيفي والمشكلات الصحية في مكان العمل.

كما تستطيع المؤسسات المزودة لبيانات الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات المساهمة بتوفير تقييمات الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات للمشاريع التي وصلت إلى مرحلة متقدمة وحققت حداً أدنى معيناً من التقييم. على الرغم من أن تقييمات الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات تكون "مشتتة" وغير موثوقة أحياناً بالنسبة للأسواق العامة، فهي توفر الشفافية حول بعض أبرز العوامل المادية التي تتيح مقارنة أداء الشركة في كل قطاع؛ فبالنسبة لمنصة الصحة الرقمية مثلاً تتعلق هذه البيانات بجودة سياسة الخصوصية في الشركة واعتمادها مبادئ الذكاء الاصطناعي الأخلاقية مقارنة بالشركات القرينة، أما بالنسبة لمنصة توصيل الطعام، فتقييمات الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات تشمل ممارسات العمل وانبعاثات الكربون من المركبات المستخدمة في أعمال التوصيل.

4. الجهات الرقابية

تزداد القوانين الجديدة المتعلقة بالحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات شمولاً، وبدأت تفرض على المستثمرين والشركات الناشئة مراعاة عوامل الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات وتطبيقها وتقديم التقارير عنها، وقد اتخذت الجهات التنظيمية في أوروبا بالفعل إجراءات بهذا الخصوص؛ مثل قانون الخدمات العامة (القيمة الاجتماعية) لعام 2021، الذي يفرض على الموردين العموميين في المملكة المتحدة التقيد بإطار عمل القيمة الاجتماعية الذي يتماشى بدقة مع مبادئ الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، وفي الاتحاد الأوروبي يجب أن يقدم المستثمرون تقارير حول إطار العمل التنظيمي الشامل "لائحة الإفصاح عن ممارسات التمويل المستدام" (Sustainable Finance Disclosure Regulation) (SFDR) الذي أُعلن عنه في شهر مارس/آذار من عام 2021 والذي يطالب شركات رأس المال المغامر التي تركز على الاستدامة بتقديم تقارير عن عدد كبير من مؤشرات الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، وهي تشمل انبعاثات الغازات الدفيئة، وفجوة الأجور بين الجنسين، والتنوع في مجلس الإدارة وحماية المبلّغ عن المخالفات ومراعاة حقوق الإنسان.

أما في الولايات المتحدة فقد أعلنت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية (SEC) تطبيق قانون شامل للحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات بدءاً من نهاية عام 2021، وسيسري على شركات رأس المال المغامر أيضاً. نتوقع أن تكثف الحكومات جهودها في المضي قدماً، على الرغم من أن قوانين الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات ما زالت حتى اليوم عشوائية فيما يتعلق برأس المال المغامر ورأس المال الخاص بصورة أعم.

هل نحن بحاجة إلى اتباع نُهج متطرفة؟

ليس من المفاجئ أن تتردد الشركات الناشئة في اعتماد مبادئ الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات والاستثمار المسؤول اعتماداً كاملاً، فهي ما زالت حديثة العهد بالنسبة للمنظومة، لكن بعض الشركات التقدمية السباقة بدأت فعلاً باختبار الحلول في الدول الأوروبية تحديداً، مع بعض البوادر المبشرة في الولايات المتحدة، إذ تُقام مبادرات على مستوى القطاع مثل مبادرة فينتشر إي إس جي (VentureESG) تحثّ على إجراء تغيير شامل بصورة جماعية، وتشهد المشاركة في مثل هذه المجموعات تزايداً سريعاً. أصبح قياس سرعة التغيير سهلاً باتباع الطريقة التالية: ما عدد الالتزامات الصارمة التي تنفذها هذه المجموعات، وما حجم الأصول تحت الإدارة (assets under management) التي ستمثلها في غضون 6 أشهر أو 12 شهراً؟ بما أن المقاييس الحالية لحجم القطاع تعاني عيوباً كبيرة (مثل تحليل السوق الذي قدمته عدة صناديق)، ستظهر مقاييس موثوقة بدرجة أكبر للأصول تحت الإدارة تتوافق مع مبادئ الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات في مؤسسات رأس المال المغامر.

يتمثل الخطر في أن القطاع سينحي مبادئ الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات على اعتبارها ممارسة سطحية للامتثال وتقديم التقارير، وسيكون ضرر هذه الخطوة أكبر من نفعها. قد تؤدي ممارسات الغسل الأخضر (Greenwashing) وتبييض الممارسات (whitewashing) في الشركات إلى "الارتباك الإجمالي" حسب التسمية التي وضعها عدد من باحثي معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (إم آي تي) (MIT) يدرسون أنشطة الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات في السوق العامة، وسيكون من الضروري الإسراع في ترسيخ الشفافية والمساءلة لمنع حدوث ذلك.

ما يبحث عنه الممارسون العامون والشركاء المحدودون على حد سواء هو السلطة التي تتيح لهم اتخاذ الإجراءات اللازمة. وبما أن الجهات التنظيمية ستكون بطيئة في إجراءاتها عموماً، وكذلك الأمر بالنسبة لكبار الشركاء المحدودين المنحازين للدولة، ستعمل القوى الحاضرة خارج نطاق البيئة القائمة الحالية على دفع عجلة التغيير لتتعدى نطاق مؤسسات رأس المال المغامر ذات التفكير التقدمي. تقدم منصات التمويل البديلة التي تركز على التمويل القائم على الإيرادات أو الديون خيارات بديلة لرأس المال المخاطر (يمكنك الاطلاع على موقع أدفنتشر فاينانس Adventure Finance لأخذ لمحة عامة)، كما تتبع شركات الزيبرا (zebra startups) نهجاً مستداماً وقائماً غالباً على العمل التعاوني بدرجة أكبر لبناء شركات "حقيقية" بدلاً من شركات اليونيكورن (unicorn) الأسطورية، وقد يسهم الضغط الخارجي الذي يمارسه مؤسسو شركات الزيبرا وبدائل رأس المال المغامر في إحداث تغيير داخلي.

الخلاصة واضحة بالنسبة لنا: يجب أن يتغير نموذج تمويل رأس المال المغامر حتى يشمل اعتبارات الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، وما يدفع القطاع لإحداث هذا التغيير ليس مهماً، سواءً كان الخوف من تفويت الفرص لصالح البدائل أو الإيمان "بجدوى الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات"، بل المهم هو مدى سرعة هذا التغيير ومن سيقوده.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

المحتوى محمي