من أجل وصف مدى بعد العالم عن تحقيق أهداف التنمية المستدامة (SDGs)، غالباً ما تؤطر الأمم المتحدة والمنظمات الأخرى التحدي من حيث الموارد المالية؛ واصفةً الفجوة بأنها قضية تتطلب من 5 إلى 7 تريليون دولار لحلها.
في حين أن النظر إلى القضية من حيث المال قد يجعلها مفهومةً على نطاق واسع، فقد يسبب ذلك بتحمل تكلفة؛ إذ أنها تحفز الناس على إعطاء الأولوية للاعتبارات المالية فوق القيم الأخرى عند تطوير الحلول؛ بما في ذلك المساواة والاستدامة، كما يشجع ذلك النهج على تبنّي طريقة تفكير مستندة إلى التكلفة والفائدة التي تميز الكفاءة الإنتاجية؛ مثل تقليل النفقات، على حساب كفاءة التوزيع؛ والتي تركز على ضمان تخصيص الموارد للاستخدامات الأكثر قيمةً، كما يشجع النهج المؤسسات على تجاهل العوامل المحركة المهمة لخلق القيمة؛ مثل الأفراد والعلاقات والمعرفة والعمليات؛ ونتيجة لذلك، ستعاني تلك المؤسسات من قصور في الاستثمار؛ مما يؤدي إلى تكبّد تكاليف جديدة، وفقدان الإنتاجية، وانخفاض القدرة على ابتكار الحلول.
حتى إذا لم نتمكن من التوصل إلى وصف مثالي للعوائق التي تحول دون تحقيق أهداف التنمية المستدامة، يمكننا خلق فهم أوضح لجميع الموارد التي يمكننا ضخها لإيجاد حلول، وينبغي أن نتجاوز التعريف المعتاد لرأس المال على أنه المال والمباني والأراضي والمعدات؛ أي الأصول التي تظهر في الميزانية العمومية، كما يجب أن نوسع فهمنا ليشمل الموارد الاجتماعية والطبيعية والفكرية للحصول على فرصة أفضل لبناء عالم أفضل.
يربط إطار العمل المبني على تعدد رؤوس الأموال بين قيم المؤسسة، واستراتيجيتها، ونموذج العمل، والمقاييس، لتطوير القدرات ومؤشرات رفاه المجتمع وأهداف التنمية المستدامة، ونتيجةً لذلك، سوف تتمكن فرق العمل من تفسير الآثار الفردية والعامة لعملها والتخطيط لها، وقد ساعد استخدام هذا الإطار إحدى الشراكات التعاونية الفنية والثقافية؛ وهي «شراكة بالبوا بارك الثقافية» (Balboa Park Cultural Partnership)، على زيادة إيراداتها السنوية من 125 ألف دولار إلى 5 ملايين دولار على مدار 15 عاماً، وفي مؤسسة «سيد سبوت» (SEED SPOT)؛ وهي مؤسسة غير ربحية تدعم الرواد الاجتماعيين، أدى اتباعه إلى تحقيق نمو بنسبة 274% في الوصول إلى الرواد المبتكرين، ومثلت النساء، وأصحاب البشرة الملونة، والمجموعات الأخرى من غير الممثَلين بالقدر الكافي 72.4% من تلك النسبة، وعام 2014، نفذ بنك «أيه بي إن» (ABN AMRO)؛ مقره هولندا، تخطيطاً ونظام محاسبة مبنيان على هذه المفاهيم؛ مما أدى إلى رفع مستوى صحة الموظفين ورضا العملاء، وتوضيح العوامل الخارجية السلبية (مثل انتهاكات قوانين مكافحة الفساد أو حقوق العمل) التي قد يتسبب بها البنك، والاعتراف به كمؤسسة خبيرة في الاستدامة، ومواءمة استراتيجية البنك مع أهداف التنمية المستدامة.
من أجل استخدام المفاهيم الستة لرأس المال، ابدأ في «التفكير في رؤوس الأموال التي تسيطر عليها بالفعل»، واطرح أسئلة من قبيل: ما هي الموارد غير الملموسة التي تطورها مؤسستك وتوظفها؟ من هم أصحاب المصلحة وكيف تطور العلاقات معهم وتعززها (رأس المال الاجتماعي)؟ ما هي الكفاءات الرئيسية التي يحتاجها موظفوك لخلق قيمة لأصحاب المصلحة (رأس المال البشري)؟ كيف تعمل عن عمد على بناء رأس مال ثقافي لضمان المساواة والشمول والشفافية؟ بعد العثور على إجابات لأسئلة مثل هذه، احرص على دمج الإجابات لوضع استراتيجية مترابطة، ومن أجل المساعدة على توجيه العملية، إليك الأنواع الستة الرئيسية لرأس المال التي ينبغي أن تنظر فيها.
مفاهيم رأس المال المتعلقة بالتنمية المستدامة
1. رأس المال بالمفهوم المالي ورأسمال التصنيع
يمثل هذا الأصول «التقليدية» التي تظهر في الميزانية العمومية، وتشمل الصندوق والمدينين والأدوات المالية وحقوق الملكية والمباني والتجهيزات الأساسية والسلع المعمرة والمعدات، وإلى جانب تحقيق الأرباح، يمكن لرأس المال المالي ورأسمال التصنيع أن يدعم فرص إقامة أعمال جديدة التي تعزز أهداف التنمية المستدامة؛ مثل «مبادرة سياسة المناخ» (Climate Policy Initiative)؛ التي ولدت 2.1 مليار دولار في الاستثمارات المستدامة.
2. رأس المال البشري
على الرغم من أن المصطلح تعرض لانتقادات شديدة، فإن رأس المال البشري في فهمنا يمثل المعرفة التي يتمتع بها الأفراد، ومهاراتهم، وكفاءاتهم، وقدرتهم على الإبداع، وسماتهم التي تخلق الرفاه الشخصي والاجتماعي والاقتصادي، إنها محاولة لمواجهة حقيقة أن موظفي المؤسسة غالباً ما يتم تهميشهم؛ بالنظر إليهم كتكلفة بدلاً من الاستثمار فيهم كقوى محركة لإنجاز المهمة وضمان الربحية، وإدراكاً لذلك، قامت مؤسسات مثل «إف إتش آي 360» (FHI360)؛ وهي مؤسسة عالمية معنية بتعزيز الصحة والرفاه، بتطوير رأس المال البشري والقدرات من خلال إقامة برامج التدريب والمساعدة التقنية؛ يتيح هذا تحقيق نتائج متمثلة في ضمان تعزيز صحة الموظفين وأهليتهم، وتحسين إمدادات المياه والصرف الصحي، وإدارة النفايات، وتتناول دراسة الحالة هذه عملية تطوير استراتيجية متكاملة لإدارة رأس المال البشري.
3. رأس المال الفكري
يمثل رأس المال هذا المعرفة والأفكار والخبرة والمعلومات والتجارب العملية؛ التي تمكّن الشركة من ابتكار وتطوير والاستثمار في إنتاج المعرفة بطريقة موثوقة، على سبيل المثال، تبحث «جمعية إنديانا للمحاسبين القانونيين المعتمدين» (Indiana CPA Society) في المسائل التي تؤثر على هذه الفئة من المحاسبين، مثل الحاجة إلى زيادة التنوع، ورفع مستوى المساواة، والشمول ضمن صفوفهم، وأنشأت الجمعية أيضاً مجتمعاً عبر الإنترنت لتمكين أعضائه من مشاركة المعلومات، والتعاون بفاعلية أكبر مع الجهات التنظيمية، والبقاء في صدارة التطورات التي تحدث في قطاعهم. تعزز هذه الجهود من سمعة الجمعية كجهة موثوق بها، مما يمكنها من تجاوز أهداف عام 2019 الخاصة بالعضوية والاحتفاظ، وتعتبر «مجموعة أدوات الصندوق الصناعي لبلدان الشمال الأوروبي» (Nordic Industrial Fund’s toolkit) نقطة البداية لتحديد وتتبع موارد المعرفة لمؤسستك.
4. رأس المال الاجتماعي
تعمل العلاقات والشبكات وبناء المجتمع على تطوير الترابط الاجتماعي من خلال الثقة، وتعتمد جميع الشركات على العلاقات التعاونية بين الموظفين والعملاء والموردين وأصحاب المصلحة الآخرين، ويؤدي الاهتمام المدروس بهذه الروابط إلى تحقيق نتائج اقتصادية أفضل للمؤسسة. تعمل «فيلدج كابيتال» (Village Capital)؛ وهي مؤسسة عالمية رائدة في مجال الاستثمار المؤثر، على بناء رأس المال الاجتماعي من خلال تطوير شبكة من المستثمرين والرواد الاجتماعيين من خلال عملية استثمار مختارة من قِبل النظراء؛ التي تعمل على معادلة ديناميات السلطة، وتدرب المستثمرين على معالجة التحيز الضمني؛ وهذا بدوره يولد رأس مال مالي من خلال مسرعات التكنولوجيا المالية؛ التي تزيد معدلات الادخار والأمن المالي لأصحاب الدخل المنخفض والمتوسط وكبار السن، يمكن لأدوات مثل «بروتوكول رأس المال الاجتماعي والبشري» (Social and Human Capital Protocol) أن تساعد على التعرف على مخاطر وفرص رأس المال الاجتماعي.
5. رأس المال الطبيعي
يُقصد بهذا الموارد المتجددة وغير المتجددة التي تفيد الناس؛ بما في ذلك النباتات والحيوانات والهواء والمياه والتربة والمعادن، بالإضافة إلى العمليات التي غالباً ما يتم تجاهلها؛ مثل التلقيح وعزل الكربون ودورة المغذيات، إن أخذ رأس المال الطبيعي في الاعتبار يؤدي إلى خفض التكاليف، وزيادة الكفاءة، والمساعدة على إدارة المخاطر، وتعزيز سمعة الشركة، وتحفيز تطوير منتجات وخدمات وأسواق جديدة، على سبيل المثال، احتضنت مؤسسة «إف إتش آي 360» رأس المال الطبيعي من خلال تطوير حلول مستدامة للإنتاج الزراعي وتغير المناخ وحفظ التنوع البيولوجي، ويساعد «بروتوكول رأس المال الطبيعي» (natural capital protocol) على تقييم الأثر الذي تحققه المؤسسة واعتمادها على الطبيعة وفرص العمل لإيجاد حلول للمشكلات البيئية.
6. رأس المال الهيكلي
يصف هذا البنية التحتية التي تمكّن المؤسسة من العمل بطريقة قابلة للتكرار والتوسع، وتشمل الأمثلة التسلسلات الهرمية والشبكات والفرق ذاتية الإدارة والحوكمة، بالإضافة إلى عمليات مثل التواصل والقيادة وعقد الاجتماعات، إن الموارد الهيكلية مهمة، لأنها توجه جميع أنواع رأس المال الأخرى من خلال توفير المساحات والخبرات التي يتم فيها إنشاء المشاريع، وتمثل تقنية «هللو أليس» (Hello Alice)؛ وهي تقنية مبنية على تعلم الآلة وتطابق أصحاب الأعمال مع الفرص المخصصة، رأس المال الهيكلي من حيث أنها تجعل الموارد في متناول عدد أكبر من رواد الأعمال في جميع أنحاء العالم، وللحصول على مساعدة على تطوير رأس المال الهيكلي، ينبغي على المؤسسات استكشاف مجموعة أدوات «فهم الهياكل التنظيمية» (Understanding Organizational Structures) المقدمة من «جمعية إدارة الموارد البشرية» (Society for Human Resource Management)، والممارسات القائمة على الأدلة من أجل تطبيق عملية إعادة تصميم تنظيمي فاعلة.
ربط رؤوس الأموال لتحقيق أهداف التنمية المستدامة
تُعدّ جميع مفاهيم رؤوس الأموال المذكورة أعلاه مهمة في حد ذاتها، ولكن عندما تعمل معاً عبر عدة مستويات (الفرد والمؤسسة والمجتمع) وقطاعات، فإنها تتجاوز خلاصة أجزائها وتحقق أكبر أثر ممكن لها، يمكن لرؤوس الأموال المتعددة والمتشابكة أن تبني المرونة للتعافي من الكوارث، ومعالجة تغير المناخ، وتحقيق العدالة الاقتصادية.
من خلال جدولة جميع رؤوس الأموال، تضع المؤسسة الأساس لدمجها، ويوفر ذلك الفرصة للاختيار بشكل استراتيجي ما يناسب من رؤوس الأموال لتعزيزها؛ الأمر الذي يؤدي إلى تقوية رؤوس الأموال الأخرى، ومن الأمثلة على ذلك؛ «التصاعد» الذي شوهد في مبادرة «هومتاون للقدرة التنافسية» (HomeTown Competitiveness) المعنية بالتنمية الاقتصادية للمجتمع في ريف ولاية نبراسكا؛ حيث استخدمت المبادرة رأس المال الاجتماعي لجذب المشاركة لبرنامج تنمية مهارات القيادة الممتد لثمانية أشهر، وقد تضمنت نتائج البرنامج: رفع مستوى المعرفة ومهارات المشاركين (رأس المال البشري والفكري)، ووضع معايير مشتركة جديدة للمشاركة المجتمعية (رأس المال الثقافي)، ومشاركة أوسع وتنويع في الشؤون المدنية (رأس المال الاجتماعي)، وبناء شبكة من رواد الأعمال والشركات والشراكات عبر القطاعات (رأس المال الاجتماعي والهيكلي)؛ التي جذبت استثمارات مالية جديدة وبنية أساسية للتصنيع إلى المنطقة.
هناك مصدران لتطوير استراتيجية ومؤشرات رؤوس الأموال المتعددة؛ وهما «مجموعة أدوات رؤوس أموال المجتمع» (Community Capitals toolkit) ودليل «تنمية المجتمع القائمة على الأصول» (asset-based community development)، كما توفر وسائل المحاسبة الاجتماعية؛ مثل «التقارير المتكاملة» (Integrated Reporting)، أطراً لفهم شامل لرؤوس الأموال، وكيف يمكن تطويرها للنهوض بأهداف التنمية المستدامة، ولا شك أن استخدامها أصبح أكثر أهميةً من أي وقت مضى؛ إذ تضغط الأزمات العالمية الجديدة والتحديات طويلة الأمد على المجتمعات في جميع أنحاء العالم، ومع بقاء أقل من عقد لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، ينبغي على المشاريع التوقف عن إعطاء الأولوية للاعتبارات المالية فقط عند مواجهة القضايا الاجتماعية، ومن خلال تحديد جميع رؤوس الأموال التي تشرف عليها، وتطوير نماذج واستراتيجيات الأعمال التي تجمع رؤوس الأموال تلك وتستفيد منها، يمكنها مضاعفة أثرها الإيجابي قبل فوات الأوان.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.