نداء إلى المتبرعين في مجال المناخ: آمالنا معلقة بكم.
على الرغم من أفضل الجهود التي بذلها العالم حتى الآن، ما زلنا نواجه فجوة استثمارية هائلة تصل إلى عدة تريليونات من الدولارات سنوياً، ويجب سدّ هذه الفجوة ابتداءً من الآن وحتى عام 2050 لتجنيب كوكب الأرض الاحترار الكارثي. وبغض النظر عن النماذج المتطورة باستمرار التي تطلق تنبيهات تشتد قوتها، إلا أن صراع القوة مع المصالح الدولية والدول التي تعتبر حيادية الكربون تهديداً وجودياً لها ما زال مستمراً.
إذا كان العالم سيحارب أسوأ ما في أزمة المناخ، فالمتبرعون لهم دور مركزي في إعادة تشكيل النظام الاقتصادي العالمي من أجل مستقبل خالٍ من الكربون، إذ يتمتع القطاع الخيري بمكانة فريدة تمكّنه من تقييم التحديات المعقدة والتحلي بالمرونة لاختيار المكان واللحظة والوسائل المناسبة للتدخل. تستطيع موارد القطاع الخيري، مثل التمويل والشجاعة والصبر والمرونة، دعم نطاق واسع من الأطراف الفاعلة والإجراءات التدخلية التي تشكل قاعدة ترفع الطموحات الحكومية والمؤسسية وتحفز العمل الميداني وتوفر الآليات والإجراءات اللازمة للمساءلة.
نؤمن بشدة بأن العمل الخيري قادر على تحفيز التغيير المطلوب لتحريك النظام العالمي، ولذلك تركنا جميعنا أدوارنا في القطاع العام قبل 5 أعوام لقيادة المؤسسات الخيرية الكبرى في مجال التغير المناخي. حينئذ، كنا قد شهدنا عدة تغييرات إيجابية وغير ملحوظة أحياناً في العمل الخيري المناخي، وقد اكتسب المتبرعون ما يلزم من ثقة وقدرة على التنسيق ونفوذ لتحفيز تغيير أعمق وأسرع وأعلى فعالية. في مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي لعام 2021 (COP26)، تعاون المتبرعون مع الحكومتين الدنماركية وحكومة كوستاريكا لإطلاق تحالف ما بعد النفط والغاز (بوغا) (Beyond Oil and Gas)(BOGA)، حيث وضعت هذه الحكومات التقدمية مدعومة بتمويل مرن مقياساً معيارياً جديداً من خلال هذه الخطوة الدبلوماسية والقطاعية الجادة لمحاكاة التقدم التحويلي الذي أُحرز بشأن التوقف عن الاعتماد على طاقة الفحم في جميع أنحاء العالم، وتطبيقه على مشكلة أكبر وأخطر.
وفي الوقت نفسه، يخصص المزيد من المؤسسات الخيرية قدراً أكبر من الموارد لحل أزمة المناخ، فما بين عامي 2016 و2020، ازداد تمويل المؤسسات المعروف لتخفيف آثار تغير المناخ بنحو الضعفين، من مليار دولار إلى 1.9 مليار دولار، وهي زيادة مهمة وجديرة بالثناء. كما أن التعهدات الجديدة الرئيسية التي قطعتها مؤسسات المناخ عام 2020 بنت زخماً جديداً لصالح الأعمال الخيرية المتعلقة بالمناخ والعمل الذي تدعمه.
تدفق الموارد الخيرية هذا رائع، فنحن بحاجة إلى زيادة الموارد كي ننجح في هذا المسعى، علماً أن نسبة التمويل المناخي من العطاء الخيري العالمي ثابتة على 2% فقط. ولكن إذا تعرضت هذه الموارد لسوء الإدارة فستشكل هذه الأموال التحويلية فستعرّض المشاريع والبرامج التي تعتمد عليها لخطر الهدر والتكرار وتشتيت الجهود الخطير، ما سيعرقل التقدم الذي نحن بأمس الحاجة إليه.
ما تزال محصلة الموارد هذه ضئيلة بالمقارنة مع المال والتأثير الذي تمتلكه مصالح الوقود الأحفوري، لذا يجب أن نحرص على استخدام الموارد بفعالية، وهذا يعني في العمل الخيري المتعلق بالمناخ تحديد مجموعة الاستثمارات ذات احتمالات النجاح الأعلى في تفادي الاحترار على المدى القريب بأقل تكلفة ممكنة. وتصبح المهمة أصعب بسبب تعقيد علوم المناخ والتأخر في قياس النتائج.
يتطلب دعم البرامج ذات التأثير الأعلى أكثر من أن يتخذ بعض الأفراد قرارات الاستثمار الصحيحة، إذ يتطلب أيضاً مجتمعاً كاملاً من المؤسسات التي تعمل جنباً إلى جنب بناء على فهم واضح لهدفَينا واتفاق على طرق تحقيقهما، وهما تخفيض الانبعاثات السريع والكبير وتجنب الاحترار، علماً أنهما يمثلان في الحقيقة إجراء تقني ما زلنا نحاول فهمه من حيث حجم التغيير الاجتماعي الذي يستوجبه.
نعتقد أن القطاع الخيري يستطيع أداء دور أساسي في تحقيق ذلك، ففي حين تُخرج الأزمات المتتالية الحكومة عن مسارها، يمكن للقطاع الخيري أن يحافظ على مسار مستقر مسترشداً بأحدث نماذج الانبعاثات الصفرية المتقدمة، وكثير من الحلول والاستراتيجيات والتقنيات الأساسية متوافرة بالفعل، إلا أن التحدي الحقيقي هو حث الدول والمجتمعات على تبنيها وحث الأسواق على الوثوق بها. وفي هذا الوقت الذي نشهد فيه تغييرات وأزمات تاريخية، يفرض هذا الانتقال فرصة أعظم تتمثل في إعادة توازن العلاقة الاجتماعية الواسعة بين البشرية والطبيعة.
ولكن في سبيل تحقيق هذه الإمكانات، يجب على العمل الخيري المناخي أن يكون على قدر التحدي، ليس بزيادة التبرعات فقط، بل وبالتبرع بفعالية أعلى أيضاً. نطرح فيما يلي 4 مبادئ أساسية للعمل الخيري المناخي ستساعد المتبرعين على تحقيق هذه الأهداف معاً:
1. تقبل التعقيد
يجب معالجة التغير المناخي بحلول منهجية، وربط البحث والدعوة بإشراك المواطنين، والطاقة النظيفة، والتمويل، وجميع نقاط النفوذ المعقدة فيما بينها. ومع انتقال حالة الطوارئ المناخية من تحديد الأهداف المجردة إلى التنفيذ الفعلي في كل جانب من جوانب المجتمع تقريباً، يجب على المؤسسات التخلي عن تركيزها التقني على خفض الانبعاثات في مختلف القطاعات والحرص على التوصل إلى فهم شامل متطور أكثر للمجتمعات والأشخاص والسياسة.
لسنا أول من يدرك أن هدفنا النهائي المتمثل في عالم خالٍ من الكربون يتطلب اعتماد نهج متعدد الأصعدة في العمل الخيري، فقبل نحو 10 أعوام ساعد ممولو المناخ على إحراز تقدم طال انتظاره في مفاوضات المناخ الدولية التي أدت إلى اتفاق باريس من خلال تمويل مجموعة غير مسبوقة من الإجراءات، بدءاً من عقد الاجتماعات في بلدان العالم النامي مروراً بالأبحاث والتحليل وصولاً إلى الاتصالات الاستراتيجية. ساعدت هذه الجهود على منح المجتمع العلمي والمجتمعات على الخطوط الأمامية مكانها المُستحق في المداولات، كما دعم القطاع الخيري طموحات الحكومة الفرنسية التي استضافت المفاوضات ذاك العام لتقديم نهج شامل سمي "دبلوماسية 360 درجة" (360-degree diplomacy)، ما خلق مساحة موسعة لمفاوضات المناخ التي شملت المدن والسلطات المحلية والمؤسسات غير الحكومية والشركات وغيرها.
يمكن للمتبرعين في مجال المناخ دعم هذا النوع من الابتكارات مع فهم أنها لا تتعلق بإجراءات متسلسلة، بل هي جهد شامل ومنسق، ولا يمكن للتمويل المعتمد على المشاريع والقطاعات المحددة حشد هذا النوع من التعبئة الجماهيرية.
2. الابتعاد عن الحلول الجذابة
بالنظر إلى التحديات والعوائق الكثيرة أمام التقدم في مجال المناخ، نشعر بالقلق عندما نرى بعض المتبرعين المناخيين الجدد يتعهدون بعشرات الملايين من الدولارات ليس من أجل خفض الانبعاثات على المدى القريب ولكن للتكنولوجيات الحديثة العالية المخاطر التي تصرف الانتباه عن هذه الانبعاثات وتحط من شأنها.
من المعروف أن رصد مثل هذه التبرعات صعب، لكننا نعلم على سبيل المثال أن المتبرعين الرئيسيين خصصوا ما لا يقل عن 123 مليون دولار لاستكشاف حلول التقاط الكربون وتخزينه وتطويرها في عام 2021 وحده، والاستثمار المفرط في التقنيات العالية المخاطر التي سيستمر تطويرها أعواماً قبل تطبيقها على نطاق واسع سيؤدي في أفضل الأحوال إلى توفير مسوّغ للدول والشركات التي تعتمد خططها المناخية بصورة مضللة على تكنولوجيات لم تطور بعد.
قد تكون هذه التقنيات جزءاً من الحل النهائي. لكننا نركز للغاية على التوصل إلى حلول سحرية لدرجة أننا نفرط في الاستثمار فيها على حساب مبادرات تغيير الأنظمة التي قد تبدو أقل جاذبية لكنها ذات فعالية أعلى بالتأكيد، ويعود هذا اللبس في المسار الحقيقي للحياد المناخي بالفائدة على من يستمرون في حرق الوقود الأحفوري، ووقد يكون هذا العمل الذي يبدو بريئاً خطأً قاتلاً لأهدافنا المشتركة.
3. العمل معاً
العمل المناخي نظام معقد من الجهات الفاعلة المختلفة، وسيواجه العمل الخيري المناخي دائماً توتراً بين التنسيق الاستراتيجي وجهوده الفردية؛ فبعض المتبرعين سيتبنون أساليب قائمة على التعاون بدرجة كبيرة، مثل المؤسسات المانحة وجمعيات الممولين والصناديق المجمعة أو المتوافقة، بينما قد يفضل البعض الآخر الاستثمار المستقل، معتمدين على الخبرات المجتمعية لتحديد المجالات التي يمكن لمواردهم الفريدة فيها تعزيز العمل القائم على الحلول المثبتة.
لعل البعض لا يدركون أن ممولي المناخ ساعدوا في بدء الانتقال نحو الطاقة النظيفة في جنوب شرق آسيا موطن أكبر خطوط أنابيب محطات الطاقة التي تعمل بالفحم ومن أكبر مصادر الانبعاثات في العالم، حيث بنوا القدرة على التبرع وتنفيذ البرامج والمشاريع على الصعيد المحلي بالتركيز على نشر الطاقة النظيفة على نطاق واسع مع التحقق من دراسة جدوى البنى التحتية المتنامية المعتمدة على الأحفوريات. ومن خلال الاتفاق على هذا الهدف المشترك واعتماد كيان جديد لتنفيذ هذه المهمة، أدت الأعمال الخيرية إلى وضع سياسات ذات طموحات أعلى ودعمت الحكومات لتنفيذها وعززت الخبرة المحلية. والآن، هذه المؤسسة؛ تارا (Tara) جاهزة لتصبح مؤسسة مستقلة تدعمها عشرات المؤسسات الخيرية العالمية.
من المهم الإشارة إلى ضرورة بذل جهود إضافية للحفاظ على تركيز الموارد واتساقها مع اتساع معايير العمل الخيري المناخي لمعالجة التكيف مع التأثيرات المناخية، فمجتمعنا يتوسع ليشمل الجهات الفاعلة الخيرية التي تركز على حقوق الإنسان والصحة والتنمية، والعمل الخيري يؤدي دوراً فاعلاً أكبر في الشراكات مع الشركات والحكومات.
4. الدروس التي نتعلمها من النجاح والفشل ومن الآخرين
يتطلب تحقيق أقصى استفادة من العمل الخيري المنسق تقويماً مستمراً واختبار مناهجنا لفهم ما يجدي وما لا يجدي والأسباب، وهذا يعني أننا في المجتمع الخيري العامل في مجال المناخ ندمج التعلم في استراتيجياتنا ونفسح المجال لتقييم عملنا بصورة فورية والتكيف وفقاً للنتائج. وهذا الأمر ليس جديداً بالنسبة للبعض، فالقطاع الخيري المناخي يطرح الأسئلة ويختبر مناهجه منذ أكثر من عقد من الزمن، ما يسهم في تأسيس قاعدة معرفية يجب على المنافسين الجدد الاطلاع عليها. وكلما ابتكرنا أكثر وشاركنا ما تعلمناه، تمكنا من تطوير فالفهم وأساس العمل التعاوني المشتركَين.
يمكن أيضاً تطبيق نهج التعلم هذا داخل مؤسساتنا ومجتمعنا بأكمله من خلال طرح الأسئلة التي قد يكون لها أيضاً أثر على علاقات التمويل والمجتمع الذي تساعد في إنشائه. ولعله من المفاجئ أن يستدعي ذلك منا التخلي عن النهج التنازلي من القمة إلى القاعدة في العمل، وعمليات المراقبة والتقييم التي تركز على المساءلة واعتماد نهج أدق يركز على التعلم المشترك مع المستفيدين من المنح. على سبيل المثال، يمكننا أن ننتقل من إعداد التقارير الذي يركز على المساءلة إلى التفكير الاستراتيجي الأعمق في طرق التغيير، حيث يكون الممول والمستفيد من المنحة مسؤولَين بنفس الدرجة عن طرح الأفكار، لا يستبعد هذا النهج المقاييس الكمية التي تسيطر غالباً على المراقبة المعتمدة على المساءلة، بل يغير دور هذه المقاييس في عملية صناعة القرار؛ إذ تصبح المؤشرات نقطة انطلاق للنقاشات الناقدة، أي وسيلة لحماية التغيير لا نتائج نهائية.
يتطلب تطبيق جدول الأعمال هذا مزيداً من الجهود، إذ يعني تعلم مضاعفة الأثر رفع قدرتنا على رؤية التحيزات المعرفية التي تحجب حكمنا والعمل على تعزيز العلاقات القائمة على الثقة وإجراء حوار شفاف حول إخفاقاتنا ونجاحاتنا على حد سواء. كما أن تزويد المؤسسات الشريكة بالوقت والموارد المؤسسية التي يتطلبها هذا التفكير، ودعم التكيف الاستراتيجي الذي ينتج عنه، يدعو أيضاً إلى إجراء محادثات حول تقديم تمويل مرن أكثر وعلى مدى أطول.
في السنوات التي تلت انضمامنا إلى هذا المجتمع الملتزم والشغوف للعمل الخيري المناخي، رأينا إسهاماته تساعد على تنفيذ أعمال عظيمة، إذ بلغت حركات المناخ الشبابية آفاقاً جديدة، وحفزت الناس والحكومات في جميع أنحاء العالم. كما أقنع المواطنون والمستثمرون وقادة الفكر الجهات المالية العامة والخاصة بأهمية عدم ضخ تريليونات الدولارات في قطاعات الوقود الأحفوري، وأصبحت اتفاقية باريس وهدفها بتحقيق صافي الانبعاثات الكربونية الصفرية في منتصف القرن الحالي الإطار السياسي المقبول، ليس فقط لدى الدول الموقعة عليها، بل لدى مئات المدن وآلاف الشركات وملايين الأشخاص في العالم.
نحتفي بهذه النجاحات على الرغم من إدراكنا أن الأهداف بلا تنفيذ هي أقوال بلا عمل. لا بد لنا من تحقيق مزيد من الإنجازات العظيمة في أسرع وقت ممكن، ولا يمكننا إهمال الحاجة المتزايدة إلى جهود التكييف، إذ أصبحت بعض تأثيرات المناخ حتمية في مستقبلنا الجماعي بالفعل، وستستمر آثار الظواهر الجوية القاسية وتزايد الوفيات والأمراض المرتبطة بدرجات الحرارة القصوى بالتأثير في الفئات الأكثر تهميشاً في مجتمعنا بدرجة أشد.
علينا أن نتعلم بصورة فورية، وأن نتعلم طرق التعلم، فالضغط هائل، ولكن كذلك المكاسب: لتفادي مظاهر عدم المساواة عبر الأجيال المختلفة وتنفيذ استثمارات ذات فوائد لا تُحصى. وبذلك ستزداد قوتنا وفعاليتنا ويشتد انتباهنا في فن العطاء الخيري وعلومه لمواجهة أكبر اختبار واجهته الإنسانية حتى الآن.
هذا التحدي فرصة تاريخية. ونحن نؤمن أنكم، أيها المتبرعون، قادرون على اغتنامها.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.