سلسلة التحويلات النقدية غير المشروطة: كيف يتأثر مستقبل الأسر الفقيرة بالحوافز الضخمة؟

4 دقائق
التحويلات المتتابعة
shutterstock.com/Iconic Bestiary

تقدم منصة "ستانفورد للابتكار الاجتماعي" الجزء الثاني من سلسلة "أثر التحويلات النقدية غير المشروطة في الاقتصادات المحلية"، التي تحدثنا في جزئها الأول عن أثر التحويلات النقدية غير المشروطة في الاقتصادات المحلية للمستفيدين منها، وسنتابع في هذا الجزء الحديث عن فائدة ضخ التحويلات المتتابعة على المدى الطويل.

هل ينتج عن هذا تغيير دائم؟ هل "تغير" أي شيء حقاً؟

لست خبيراً اقتصادياً -إذ تستغرق مراجعتي لإحدى الأوراق البحثية قرابة أسبوع- لكني لست متأكداً هل يرجَّح أن نرى تغييراً دائماً على المستوى الإقليمي أكثر من المستوى الأسري. لاحظ المؤلفون أن معظم الأثر القصير المدى كان نتيجة سد العجز في الاقتصاد المحلي؛ أي توجد طاقة فائضة ظهرت وأصبحت في حيز التنفيذ بمجرد توفر المزيد من النقد المتداول (على سبيل المثال، وجود آليات في المصانع المحلية جعل الناس عاطلين لا تستغَل قدراتهم). كانت الطريقة التي صاغوا بها تلك الفكرة أن التحسينات في الاقتصاد كان "يوجهها الطلب (الإنفاق الاستهلاكي) وليس الاستثمار (الإنفاق الإنتاجي)".

لقد رأينا أن تقديم التحويلات من نوع "لاوت" للاقتصاد الأسري نتج عنه فوائد جمة قصيرة الأمد، لكن لا يبدو أنه يسهم في تحقيق أثر دائم. وبالنظر إلى أن التغيير الملحوظ هنا "موجه بالطلب"، لا أعلم لمَ ظننا أن ضخ الأموال لمرة واحدة في هذا الاقتصاد الريفي المعدَم سيحقق أثراً أدوم أيضاً. فاقتصادها ليس اقتصاداً كان قوياً في السابق ويحتاج إلى عامل مؤثر لينهض مجدداً، نحن نتحدث عن اقتصاد قائم على مصيدة فقر لأصحاب الحيازات الصغيرة والمحاصيل السلعية؛ فالأشخاص يعملون بجد ليكسبوا قوت يومهم من المحاصيل المنخفضة القيمة التي ينتجونها في أراضٍ أصغر فأصغر ذات تربة يسوء حالها باستمرار. هذا يعني أن الناس يميلون إلى أن يكونوا مزارعين "افتراضيين"، وهم الذين لم يختاروا الانخراط في مجال الزراعة لكنهم يستفيدون من الأصل الوحيد المتوفر لديهم (إن زراعة المحاصيل التجارية أمر معقد لا ترغب سوى نسبة صغيرة من هؤلاء المزارعين في الانخراط فيه).

لا بد أن تتغير الأساسيات هنا، فنظراً إلى أن الاستهلاك كان دافع ذلك الازدهار الاقتصادي المصغر، لا يرجح أن تكون هذه الدفعة النقدية لمرة واحدة. الاستثمار هو للمستقبل، وعندما يعيش الناس هذا الواقع المر، فإنهم بحاجة إلى إنفاق هذه الأموال اليوم.

كان المؤلفون دقيقين في عدم التفكير في مسألة التغيير "الذي يوجهه الطلب" ويقترحون أن التحويلات النقدية غير المشروطة الإقليمية يمكن أن تعالج مشكلة مصائد السيولة:

"إن وجهات النظر النظرية الأخرى من التجارة الدولية، إلى الجغرافيا الاقتصادية، والتنمية... إضافةً إلى مصائد السيولة التي ذكرناها، تشير إلى احتمال وجود تأثيرات محلية مستمرة للضخ النقدي المؤقت، نتيجة التأثيرات التكتلية، وزيادة العائدات، والتغيرات في تباين الدخل، وهيكلية السوق وتخصص الشركة، وحتى التحولات في الشبكات الاجتماعية للتجار والموردين".

تكمن المشكلة في أن مصائد السيولة ليست مثل مصائد الفقر. عندما تكون غالبية السكان عالقة في دور صغار المزارعين غير المنتجين، لا يؤدي هذا إلى كل تلك "الآثار المحلية المستمرة". هناك سبب وراء تقديم برامج "الخروج من الفقر المدقع" المجربة للناس أكثر بكثير من المال، ونجاحها أكثر في أماكن مثل بنغلاديش حيث يمثل الفقراء المدقعون أقليةً تكافح في ظل اقتصاد حيوي. إن مصائد الفقر مشاكل مستعصية، خاصةً عندما يقع كل من حولك في براثنها أيضاً.

إذا لم يرجح أن يحطم منح الأموال النقدية لمرة واحدة مأزق مصيدة الفقر، فمن الممكن أن يؤدي إنفاق مبالغ صغيرة باطراد على فترة أطول إلى إحداث تغيير دائم. في دراسة توضيحية حديثة أخرى، منحت "هاندا" وآخرون 12 دولاراً غير مشروط شهرياً للعائلات الزامبية لمدة ثلاث سنوات، تدفَع على أقساط لمدة أسبوعين. على الرغم من أنها كانت دراسة معقدة، فإن الورقة البحثية قابلة للقراءة بسهولة؛ والنتيجة هي أن العائلات كانت أفضل حالاً بصورة جلية، وأن تقطير المال الثابت والموثوق تضاعف بقيمة 1.67 (ما يعني أن كل دولار يوزَّع كان يولد دخلاً بقيمة 67 سنتاً إضافياً). والمثير في الأمر أن تحويلاً كهذا على نمط الدخل الأساسي الشامل (UBI) قد يكون له أثر أكبر من مبلغ إجمالي التحويلات من نوع (LOUT) التي تبلغ ضعف المبلغ الإجمالي تقريباً (أو بقدر برامج الخروج من الفقر الأكثر تكلفةً).

هذا أمر جلل، وربما يكمن أمر سحري حول التقطير النقدي الثابت والموثوق الذي يعد عاملاً في تغيير لموازين الأمور. هل تؤدي الزيادة المتواصلة في الاستهلاك إلى تغييرات ثانوية لها تأثيرات دائمة؟ لا أعلم، لكن يستحيل ألا نقلق من أن يعود الوضع إلى نقطة الصفر عندما يتوقف تدفق النقود. من الواضح أن السنوات الثلاثة التي أمضتها هاندا في دراسة الدخل الأساسي الشامل المحدود كانت نافعةً ويصعب إثبات أن الأمر لا يستحق تطبيقه طالما: 1) تعثر على شخص ما ليمول ذلك و 2) أنه لا يصرف المال المخصص لأمر يحقق أثراً أكثر استدامة (نظراً إلى السجل الحافل لبعض ممولي المساعدات الضخمة، فقد يكون الدخل الأساسي الشامل المحدود وسيلةً جيدةً للإلهاء).

لكن هل يعد هذا تنميةً؟ هل يغير مسار حياة أسرة -أو منطقة- على المدى الطويل؟

رغم أنني أمضيت وقتاً طويلاً في محاولة فهم طريقة تحقيق الاستفادة القصوى من أموال مؤسَّستنا، فإنني ما زلت مقتنعاً بأن منح الأموال منوط بالتخفيف من حدة الفقر، وليس بالتنمية. لن أمانع أبداً أن يتبين أنني مخطئ، لقد بذلت قصارى جهدي لسنوات محاولاً اكتشاف حل للوضع الاقتصادي الحرج في المناطق الريفية في أماكن مثل غرب كينيا وريف زامبيا دون فائدة.

لكن على الرغم من أنني غير مقتنع بالدراسات النقدية حتى الآن، يجب على الممولين مثل مؤسَّسة "مولاغو" (Mulago) أن يولوا اهتماماً وثيقاً لها. يجب أن نكون مستعدين لتحويل الموارد إذا تبين أن منح النقد بأي طريقة كانت يحقق أثراً أكبر من الحلول التي نمولها حالياً -على الرغم من أنني أتوقع حقاً أن تحقق استثمارات مؤسَّسة "مولاغو" أداءً أفضل بكثير. لكن حتى خلال مسيرة تعلمنا عن إمكانات المال - وهذه الدراسات تنتشر بكثرة- فقد حان الوقت أن يكتشف مناصروها من أين يفترض أن تأتي الأموال، على نطاق واسع. ورغم أنني أخوض في هذه الأمور، فإنني لم أقرأ بعد مناقشة موضوعية لهذه المشكلة، خاصةً على صعيد الحكومات التي تعاني من ضائقة في إفريقيا. يجب أن تكون لديك جهة مسددة على نطاق واسع: يتم التمادي في أمور كثيرة قبل أن يكتشف أحد من ستكون هذه الجهة. فلا تدع هذه المرة تكون كسابقاتها.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

المحتوى محمي