يفضل المتبرعون التبرع بوقتهم من خلال التطوع في الأعمال الخيرية لأنهم يشعرون أنهم يستطيعون السيطرة عليه أكثر من سيطرتهم على المال.
لماذا يفضل المتبرعون في الأعمال الخيرية دعم الشركات غير الربحية بتخصيص وقت للعمل التطوعي بدلاً من التبرع بالمال على الرغم من أن هذه المؤسسات تفضل استلام مبالغ نقدية؟ وكيف يمكن للمؤسسات غير الربحية تشجيعهم على التبرع بالمال؟
في ورقة بحثية جديدة يدرس باحثان في التسويق العوامل النفسية الأساسية في تفضيلات المتبرعين. عمل كل من الأستاذ المساعد لمادة التسويق في كلية ميندوزا للأعمال بجامعة نوتردام، جون كوستيلو، والأستاذة المشاركة لمادة التسويق في كلية فيشر للأعمال بجامعة ولاية أوهايو، سيلين مالكوك، على 7 دراسات متسلسلة مختلفة من أجل اختبار الأسباب المحتملة التي تدفع المتبرع للتبرع بالمال أو تخصيص وقت للعمل التطوعي، ولاحظا أن العامل الأساسي يتمثل في شعور المتبرع بالسيطرة؛ إذ يفضّل أن يكون مسيطراً على ما يقدمه، ويرى أن ذلك ممكن عندما يتبرع بوقته.
كتب الباحثان: "نرى أن المتبرع المحتمل يشعر بقدرته على التحكم بوقته (وليس بماله) الذي يتبرع به، ما يزيد اهتمامه بالتبرع ويحثه على تقديم تبرعات أكبر".
ما إن يشعر المتبرع بأنه يفقد السيطرة على ما تفعله المؤسسة غير الربحية بماله يقرر أن يبذل وقته بدلاً منه، وهذا يتيح له دعم الأعمال الخيرية مع الاطلاع بصورة مباشرة على ما تُستخدم التبرعات فيه وتوجيه نشاطاته التطوعية في نفس الوقت.
كتب الباحثان أيضاً: "توضح نتائج دراساتنا أنه عندما يشعر المتبرع أن قدرته على التحكم مهددة فقد يلجأ إلى اتباع استراتيجية للتعويض، وأن تغيير الكلمات المستخدمة في مخاطبته ببساطة ستزيد شعوره بالسيطرة وتزيد بالتالي التبرعات المالية التي لاحظنا أنها أقل بكثير من العمل التطوعي".
تقول مالكوك التي تدرس تأثير الوقت في السلوك الاستهلاكي إنها بدأت البحث في هذه المسألة مع كوستيلو انطلاقاً من إدراكهما أن الإنسان لا يستطيع فصل نفسه عن وقته، وطرحا السؤال التالي: "هل يمكن أن تزداد احتمالات تبرع الإنسان بوقته لأنه جزء لا يتجزأ من هويته؟".
تتبع المؤسسات غير الربحية أسلوباً تسويقياً متمثلاً في تقديم فرص المشاركة بالعمل التطوعي على اعتبارها خطوة أولى تؤدي إلى مشاركة أكبر، تقول مالكوك: "في غالبية المؤسسات غير الربحية يعتبر هذا الأسلوب طريقة لإشراك الناس في العمل الخيري لتشجيعهم على التبرع بالمال أيضاً أو زيادة تبرعاتهم".
يتمثل العامل الحاسم في سلوك المتبرع عندما يضطر إلى الاختيار بين تقديم ماله أو المشاركة في العمل التطوعي لدعم قضية ما، تقول مالكوك: "عندما أفكر في التبرع بالمال أتخيل نفسي وأنا أفصل مالي عني حرفياً، ولكن العكس صحيح عند المشاركة في العمل التطوعي، فأنا لا أفقد قدرتي على التحكم بالوقت الذي أبذله فيه".
أجرى الباحثان كوستيلو ومالكوك 40 دراسة ضمن بحثهما حول هذه الظاهرة، ولاحظا نفس الأثر فيها كلها، تقول مالكوك معبرة عن دهشتها: "نقوم بأبحاث كثيرة ويندر أن تكون نتائج أبحاثنا بهذه القوة".
وتقول إن هذه النتائج منطقية بسبب حاجة الإنسان الفطرية إلى تأكيد سيطرته على محيطه، وعندما نختار المشاركة في الأعمال الخيرية نفضل أن نقدم المورد الذي يعزز شعورنا بالسيطرة.
كيف تستفيد المؤسسات غير الربحية التي تفضل التبرعات النقدية على التطوع من هذه النتائج؟ اختبر الباحثان إجراءات تدخلية مختلفة ومنها اختيار كلمات مختلفة في الخطابات الموجهة للمتبرعين المحتملين للتعرف على تأثيرها فيهم. تقول مالكوك إن إعداد شخص ما للتبرع بماله يتطلب "تسليط الضوء على انفصاله عن موارده"، وأفضل كلمة يمكن استخدامها في هذه الحالة هي "الإنفاق". يقول الباحثان: "إذا طلبت من الناس تقديم المال والوقت فسيرغبون في تقديم الوقت فقط، وإذا طلبت منهم إنفاق المال في الأعمال الخيرية بمقابل إنفاق الوقت، فسينفقون المال". على الرغم من أن اختيار الكلمات لا يبدو مهماً فهو يساعد على تغيير نظرة المستمع إلى الأمر.
عندما يتحدث الإنسان عن "تقديم" شيء ما فهو يفكر فعلياً في تبادل السيطرة مع شخص آخر يقرر ما سيُستخدم هذا الشيء فيه، أما "الإنفاق" فهو فعل فردي يخصه وحده.
جون كوستيلو وسيلين مالكوك، "لماذا يقدم المتبرعون وقتهم بسخاء أكبر مقارنة بتقديم المال؟ دور الشعور بالسيطرة على التبرعات في العطاء الخيري" (Why Are Donors More Generous with Time Than Money? The Role of Perceived Control over Donations on Charitable Giving)، مجلة أبحاث المستهلكين، 2022.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.