طرق عملية تساعد على الاستثمار في العدالة المناخية

العدالة المناخية
shutterstock.com/Lightspring
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

إن قصة الكفاح ضد التغير المناخي لم تروَ بعد على نحو كامل، وما زالت الاقتصادات الكبيرة والقوية تحتكر روايتها، ولا بد من تغيير ذلك من أجل تحقيق العدالة المناخية.

تكتسب عملية التحول أو حتى الانتقال إلى عالم منخفض الكربون زخماً قوياً في السنوات الأخيرة. حيث ارتفع عدد الدول والشركات التي التزمت بتحويل أنشطتها لتصل إلى نسبة انبعاثات كربون صفرية على نحو كبير. وبالفعل تم شمل 90% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بهذا الالتزام.

ولكن لا يعد ذلك كافياً، إذ من المتوقع أن تؤدي السياسات والإجراءات المتبعة حالياً إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار 2.7 درجة مئوية، مع العلم أن الهدف من اتفاقية باريس لعام 2015 هو الحد من ارتفاع درجات الحرارة على المدى الطويل إلى ما دون الدرجتين أو 1.5 درجة مئوية على أقل تقدير. وعلاوة على ذلك، إن سكان بلدان الاقتصادات الناشئة والواعدة الذين سيدفعون الفاتورة الأكبر للتغير المناخي ليسوا مجهزين لحماية أنفسهم بعد. وفي كثير من الحالات تكون قدرتهم على توقع الاضطرابات المتعلقة بالتغير المناخي والاستعداد والاستجابة لها محدودة.

ويتفاوت مستوى الاستعداد للتغير المناخي في دول الاقتصادات الناشئة والواعدة على نحو كبير لكنه يبقى منخفضاً للغاية بشكل عام. فالعديد من هذه الاقتصادات يعتمد حالياً على استخدام الوقود الأحفوري بصورة أكبر من الاقتصادات المتقدمة، ما يعني أن السباق للوصول إلى نسبة انبعاثات الكربون الصفرية ليس عادلاً.

وفي حال أردنا تحقيق انتقال عادل إلى اقتصاد منخفض الكربون وأكثر فاعلية في استخدام الموارد وأكثر شمولاً من الناحية الاجتماعية، ينبغي للحكومات والشركات اتخاذ المزيد من الإجراءات لتحقيق التزاماتها وذلك عبر بناء اقتصاد صديق للبيئة ووضع السكان وحقوق الإنسان في محور اهتمامها. كما يجب أن تساعد على ضمان قدرة السكان الأكثر تضرراً بالتغير المناخي على حماية أنفسهم.

وينطبق الشيء ذاته على مستثمري القطاع الخاص. ويدرك الكثيرون منهم ذلك ويتساءلون: كيف يمكننا الجمع بين المبادرات الاقتصادية التي تسعى إلى تقليل انبعاثات الكربون وتوفير الفرص للموظفين والعمال والمجتمعات المحلية؟

وتأتي الإجابة بأننا نستطيع ومع زيادة في فرص التوظيف بثلاثة أضعاف. يجب على المستثمرين الالتزام باستراتيجيات التكيف مع المناخ، أو ما يعرّفه ميثاق غلاسكو للمناخ على أنه “مساعدة أولئك المتضررين بالتغير المناخي”، وليس تقليل الانبعاثات فحسب. كما ينبغي لهم العمل على رفع مستوى الخدمات المالية والتأمينية المخصصة للأشخاص المعرضين للخطر، وقياس تأثيرها من خلال التقييمات والملاحظات ضمن مجتمعاتهم.

الاستثمار في استراتيجيات التكيف مع المناخ

أولاً، لن نكون قادرين على تحقيق هدف الصفر انبعاثات بحلول منتصف القرن من دون تريليونات الدولارات عبر التمويل الخاص وتلك التريليونات لم تصرف بعد.

تعهدت الدول المتقدمة بجمع 100 مليار دولار كل عام لتمويل أنشطة المناخ في البلدان النامية، ولتوظيف هذه الأموال على نحو فعال يحتاج المستثمرون إلى المزيد من الأمثلة الواقعية عن الاستثمارات التي تدفع كلاً من عملية التحول العادل والعدالة المناخية قدماً وعلى نطاق أوسع.

تهدف مبادرة جاست ترانزيشن فاينانس تشالينج (Just Transition Finance Challenge) التي أطلقها مؤخراً معهد إمباكت إنفيستينغ (Impact Investing Institute) إلى تجسيد تلك الأمثلة المطلوبة وبالتالي المساعدة على تحويل التدفقات المالية التي تعالج تداعيات التغير المناخي، وشارك في إطلاق هذه المبادرة مجموعة من أصحاب الأصول الرئيسية والتنموية والمدراء الذين يمثلون ما مجموعه 4.4 تريليونات دولار. حتى الآن ركز المستثمرون عموماً على التخفيف من حدة التغير المناخي من خلال تقليل الانبعاثات، لكن مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي الذي عقد عام 2021 (COP26) اتخذ خطوة للأمام نحو التكيف المناخي. حيث قرر المشاركون أن 50% من إجمالي مخصصات تمويل أنشطة المناخ للأسواق الناشئة يجب أن تستهدف التكيف مع المناخ بشكل استراتيجي، مع توجيه معظمها إلى البلدان المعرضة للخطر.

ويمكن أن تصل التكاليف السنوية للتكيف مع المناخ إلى 300 مليار دولار في الاقتصادات الناشئة في عام 2030، ويبدو تخصيص مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي ظاهرياً استثماراً بسيطاً للغاية وقابلاً للتنفيذ. ومع ذلك تشير أحدث البيانات المتاحة إلى أن الدعم المالي لتمويل التكيف مع المناخ من جميع الدول ما يزال أقل بكثير من تمويل إجراءات التخفيف من تداعيات التغير المناخي. إن زيادة أنشطة التكيف بما في ذلك زيادة استعداد المجموعات الأكثر تأثراً بالتغير المناخي أمر لا بد منه، ويعد الابتكار عاملاً مهماً للنجاح في هذا المسعى.

ويمكن تطبيق عدة استراتيجيات مبتكرة للتكيف مع المناخ مثل تطوير محاصيل أكثر قدرة على التحمل وأنظمة ري جديدة. ومن الاستراتيجيات ذات الفعالية العالية إنشاء أسواق جديدة، مثل سوق التأمين المناخي الجديد بلوأورشيرد (BlueOrchard) الذي كان لنا دور في إنشائه. وبما أنه يعمل كمدير أصول استثمارات مؤثرة متخصص في الأسواق الناشئة، يوفر بلوأورشيرد إمكانية الحصول على تأمين مناخي مخصص للمؤسسات المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر، فضلاً عن الأسر ذات الدخل المنخفض، ويغطي الأحداث المناخية القاسية. يعد التأمين عاملاً رئيسياً لكسب الرزق بالنسبة إلى المزارعين أصحاب الأملاك الصغيرة ولقدرتهم على التحمل، وذلك لأن المحصول أو الماشية التي يؤمّنون عليها هي المصدر رزقهم الوحيد. كما ساعدنا عملنا في هذا المجال على بناء إطار عمل للاستدامة والتأثير عبر فئات الأصول والموضوعات المناخية التي يمكن لشركتنا الأم، شرودرز كابيتال (Schroders Capital)، الاستفادة منها أيضاً. حيث تعد استراتيجيات التكيف مع المناخ الآن ركيزة لمعظم عروض تمويل أنشطة المناخ.

تحسين الخدمات من خلال الشراكة

ركزت بلوأورشيرد على حماية المجتمعات ذات الدخل المنخفض من خلال التأمين المناخي لمدة ثماني سنوات. وخلال تلك الفترة دعمنا توزيع التأمين المناخي عبر المؤسسات المالية المحلية التي تمتلك قاعدة من العملاء النهائيين المرتبطين بها من رواد الأعمال. كما استثمرنا عبر سلسلة القيمة من شركات التأمين والوسطاء، وكذلك شركات تكنولوجيا التأمين التي تبتكر تكنولوجيا جديدة لقطاع التأمين، بما في ذلك أدوات التنبؤ ببيانات الطقس التي تقيّم المخاطر المتعلقة بالمناخ بشكل أفضل. وقد أتاح ذلك للمستثمرين في الأسواق الناشئة والواعدة إطلاق خدمات التأمين المبتكرة وتحسين جودة العروض الموجودة والقدرة على تحمل تكلفتها بشكل كبير، وذلك بفضل التكنولوجيا الجديدة والقدرة على الوصول إلى البيانات.

أحد الأمثلة شركة سكايميت ويذار سيرفيسيز برايفيت المحدودة (Skymet Weather Services Private Ltd)، التي توفر خدمات معلومات الطقس والمحاصيل لقطاع التأمين في الهند عبر أكثر من 4,000 محطة طقس أوتوماتيكية في جميع أنحاء البلاد. حيث ساعد استثمارنا الشركة على توسيع شبكتها من المحطات وتأمين عقود جديدة في كل من بيانات الطقس وقياس غلال المحاصيل. وتقدم الشركة خدماتها حالياً إلى أكثر من 20 مليون مزارع، مكنتهم من التعامل مع تأثير المناخ وتقلبات الطقس على المحاصيل على نحو أفضل من خلال خدمات التأمين على الماشية والمحاصيل المتوفرة على الهواتف الذكية والمستندة إلى المؤشرات.

من الأمثلة الأخرى شركة رويال أكستشينج جينرال إنشورانس المحدودة (Royal Exchange General Insurance Company Ltd)، وهي شركة تأمين تقع في نيجيريا وتتمتع بخبرة تزيد على 100 عام في سوق التأمين الوطني وتعد محفظة استثمارية مهمة في القطاع الزراعي. تقدم الشركة مجموعة كاملة من خدمات التأمين ضد المخاطر العامة والخاصة، وسوف يوسع استثمارنا قدرتها على الوصول إلى المزارعين ذوي الدخل المنخفض المعرضين لأضرار التغير المناخي على نحو كبير.

كما دخلنا في شراكة مع مؤسسة كاشف فاونديشن (Kashf Foundation)، وهي مؤسسة غير مصرفية للتمويل المتناهي الصغر في جنوب آسيا باتت أكبر موزع لحلول التأمين المتناهي الصغر في باكستان. حيث توفر وثائق تأمين متناهي الصغر لأكثر من 3 ملايين عميل، غالبيتها على الصحة والحياة. واستخدمت كاشف تمويلنا لإطلاق أول منتج ريفي لها في عام 2017، وهو قرض الماشية المسمى كاشف ماهويشي كارزا (Kashf Mahweshi Karza) ويشمل التأمين الأبقار الحلوب في باكستان لتغطية سداد الأقساط في حالة مرض البقرة أو نفوقها. وتمكن هذه المدفوعات المزارعين الذين فقدوا حيواناتهم من شراء حيوانات جديدة، وتحميهم من التخلف عن السداد والتصنيف الائتماني الضعيف. وهذا النوع من شبكات الأمان ذو أهمية كبيرة لا سيما في مواجهة تداعيات التغير المناخي، مثل الجفاف والفيضانات والأمراض التي ترفع معدلات نفوق الماشية.

قياس التأثير من خلال تقييمات وملاحظات أفراد المجتمعات

يعد الأخذ بآراء أصحاب المصالح جميعهم في تصميم المنتج ومراقبته وتقييمه عاملاً مهماً لتحقيق الانتقال العادل. وتحقيقاً لهذه الغاية أعدّت بلوأورشيرد العديد من الاستقصاءات المصممة خصيصاً للمستثمر والعميل النهائي لضمان تحقيق أهدافنا، ولتحسين كفاءة خدماتنا وميزاتها.

عموماً، أظهرت التقييمات والملاحظات استفادة المجتمعات من التأمين المناخي. حيث عانى ثلثا الذين شملهم الاستقصاء (قسم منهم مشمول بالتأمين) من صدمة التغير المناخي. وتمكّن 45% من المشمولين بالتأمين من الاعتماد على المدخرات بعد الحدث المناخي. في حين تمكّن 18% فقط من غير المشمولين بالتأمين من الاعتماد على المدخرات. وبالمثل، كان المشمولون بالتأمين أكثر قدرة على التعافي من الصدمة دون بيع أحد الأصول بنسبة 10%.

ونتيجة لذلك، كان المشمولون بالتأمين الذين حصلوا على تعويض أكثر قدرة على التعافي من الصدمات بأكثر من الضعف مقارنة بالأشخاص الذين لم يحصلوا على تعويض؛ وتعافى 50% من المشمولين بالتأمين مقابل 19% من غير المشمولين. بالإضافة إلى ذلك، استثمر المشمولون بالتأمين المدفوعات التي حصلوا عليها في أعمالهم على نحو كبير.

وتستعد الأسواق الناشئة إجمالاً لأن تصبح الأكثر تأثيراً على وجه الأرض. وقد أصبحوا كذلك بالفعل في بعض النواحي. وتشمل هذه الأسواق معظم سكان العالم، وتنتج الجزء الأكبر من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وتنمو بوتيرة أسرع من الاقتصادات المتقدمة. إن ضمان قدرة تحمل المجتمعات الضعيفة على المدى الطويل في مواجهة التغير المناخي يضع الناس في مركز اهتمام التحول إلى الاقتصاد الصديق للبيئة. وفي هذه المرحلة، وعلى الرغم من أن العمل المتعلق بالتغير المناخي ما يزال أدنى من مستوى طموحنا العالمي، فإن إعداد الناس الأقل قدرة على التعامل مع عدم اليقين المناخي يمثل ضرورة رئيسية.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً