تلقيت على مدى الشهور الماضية اتصالات من قادة عشرات المؤسسات الخيرية التواقة للمساعدة في ضمان أن تتلقى أضعف المجتمعات الأميركية بالفعل تريليونات الدولارات التي يتم تقديمها عن طريق القانون الفيدرالي للاستثمار في البنية التحتية والوظائف، ولكنهم لا يعرفون غالباً أين ستتمكن أموالهم من تحقيق أكبر أثر ممكن.
في حين أن تشييد الطرق والجسور وغيرها أو توفير الماء النظيف هي من مسؤوليات الحكومة، فالشراكات بين المؤسسات الخيرية والمؤسسات العامة توفر إطار عمل يضمن أن تعمل الحكومات المحلية وحكومات الولايات والحكومة الفيدرالية على التعاون على نحو وثيق مع المؤسسات القائمة على المجتمع والكيانات الخيرية كي يلبي التمويل الحكومي بالفعل احتياجات الشعب ويؤسس لتغيير دائم يضمن العدالة.
الأمر المشجع هو أننا نملك نماذج قوية للتشارك في الحوكمة مع القطاع الخيري من أجل دعم المجتمعات المحلية وتوسيع الأثر على جميع مستويات الحكومة. خذ مثلاً مبادرة مؤسسة بلومبرغ أسوشيتس (Bloomberg Associates) بعنوان المدن التعاونية (Collaborative Cities) التي تعمل على تأسيس الشراكات بين القطاعات العامة والخاصة واللاربحية في مختلف المدن الأميركية من أجل مساعدتها على حلّ المشكلات الاجتماعية بطرق مبتكرة، وتساعد الأطراف الشريكة على اختلافها في حشد الموارد وتنسيق الاستجابات والاستفادة من الأصول الفريدة التي يسهم بها كل منها؛ في ولاية ميشيغان مثلاً يعمل مكتب ارتباط المؤسسات (Office of the Foundation Liaison) منذ 18 عاماً على صياغة الشراكات بين حكومة الولاية والقطاع الخيري بهدف تشجيع البرامج أو جهود تصحيح السياسات التي ستحسن حياة السكان، وفي ولاية كاليفورنيا عمل الحاكم نيوسوم على قيادة 42 شراكة بين القطاعين العام والخيري يمولها القطاع الخاص بأكثر من 4 مليارات دولار بهدف التعامل مع أولويات السياسات مثل معالجة مشكلة التشرد ومكافحة جائحة كوفيد-19.
وبناءً على عشرات الشراكات التي قدنا جهود تطويرها في ولاية كاليفورنيا بين القطاعين العام والخاص لاحظنا أن المؤسسات الخيرية الممولة ستحقق النجاح إذا استثمرت اليوم في 3 مجالات محددة:
1. بناء البنية التحتية الأهلية عن طريق بناء قدرات المجتمع
في حين يركز مشروع قانون البنية التحتية في غالبية بنوده على بناء الطرق والجسور وشبكات النطاق العريض، فهو يغفل عن الفرصة الكبيرة المتاحة للاستثمار في البنية التحتية الأهلية؛ إذ يملك القطاع الخيري القدرة على دعم بناء القدرات في المؤسسات المحلية كي تتمكن من اكتساب القوة والمكانة التي تحتاج إليهما لتمثيل مصالح المجتمعات بفعالية، ليس على المدى المنظور فحسب بل وعلى المدى البعيد أيضاً.
كان هذا النوع من التعاون بين القطاعات قوة داعمة لجهودنا في إحصاء جميع سكان ولاية كاليفورنيا في تعداد عام 2020؛ إذ عملت الولاية مع مؤسسات خيرية لاستثمار مبلغ يصل مجموعه إلى 130 مليون دولار في دعم المؤسسات القائمة على المجتمع كي تتمكن من الوصول إلى فئات أصحاب البشرة الملونة وذوي الهمم من أصحاب الاحتياجات الخاصة وأصحاب الدخل المتدني وغيرهم من المجتمعات التي يصعب إحصاؤها عادة، كما عملنا مع مؤسسات قائمة على المجتمع على استهداف المناطق التي لا يتم إحصاء سكانها المعرضين للخطر عادة، وذلك عن طريق القيام بجولات على منازل الأهالي والاتصال بهم هاتفياً وإقامة فعاليات الخدمات الميدانية.
مع انتهاء أعمال التعداد كانت لقاحات كوفيد-19 قد حصلت على الموافقة للتو، فضاعفنا شراكاتنا مع هذه المؤسسات من أجل ضمان حصول هذه المجتمعات المحرومة نفسها على ما يكفي من اللقاحات، كما أنه مع نهاية نفس العام كنا نعمل بالتشارك مع مبادرة "معاً نحو صحة أفضل" (Together Toward Health Initiative) التي أقامها معهد الصحة العامة (Public Health Institute)، وحملة العدالة في التلقيح (Vaccine Equity Campaign) التي أقامتها مؤسسة سييرا هيلث فاونديشن (Sierra Health Foundation)، ومؤسسة كاليفورنيا كوميونيتي فاونديشن (California Community Foundation)، وتمكنا من توصيل أكثر من 100 مليون دولار إلى أكثر من 700 مؤسسة قائمة على المجتمع من شركائنا لتصل إلى سكان جميع مقاطعات ولاية كاليفورنيا التي يصل عددها إلى 58 مقاطعة بهدف تثقيفهم حول أهمية اللقاح وتقديم الدعم في ترتيب مواعيد تقديم اللقاحات.
الفرصة الآن مواتية للاعتماد على شبكة من الشركاء المحليين لضمان أن يتم توزيع الإنفاق على البنية التحتية على نحو عادل. مثلاً، يطور مكتبنا شراكة بين وكالة الموارد الطبيعية في كاليفورنيا (California Natural Resources Agency) ومؤسسة ووتر فاونديشن (Water Foundation) ومبادرة ووتر فاندرز إنشياتف (Water Funders Initiative ) لبناء قوة المجتمع وقدراته ليستفيد من التمويل الحكومي ويدعم قادة الجهود المتعلقة بموارد المياه القادرين على تمثيل أولويات المجتمع ودعم الحلول المنهجية عن طريق مواءمة جهود الإغاثة مع الاستراتيجيات البعيدة الأمد مثل الاستثمار في البنية التحتية.
في الأشهر والسنوات القادمة ستوزع الولايات والوكالات المحلية في الولايات المتحدة تريليونات الدولارات التي لا يمكن للمؤسسات القائمة على المجتمع الحصول عليها عادة لأن حجمها أصغر مما يسمح بطلب المِنح المالية الحكومية المعقدة، ويمكن أن تساعد الاستثمارات الخيرية في ضمان ألا يتم تهميش هذه المؤسسات من خلال تدعيم قدراتها كي تتمكن من التأثير في توزيع التمويل.
2. المساعدة التقنية
سيكون من الضروري أن تعمل الوكالات الحكومية والمحلية المكلّفة بتنفيذ جهود توسيع كبيرة في برامج مثل الائتمان الضريبي للأطفال وبناء شبكات النطاق العريض ومشاريع النقل العام على توظيف عدد أكبر من الموظفين من أجل توزيع تمويل البنية التحتية ضمن القيود الزمنية التي ينص عليها مشروع قانون البنية التحتية، كما لا يتاح لموظفي الحكومات دوماً الدخول إلى المجتمعات وضمان وعي السكان بهذه المشاريع وطرق المشاركة فيها، لذا يمكن للشراكات مع المؤسسات الخيرية المساعدة في توفير المساعدة التقنية التي تحتاج إليها الوكالات من أجل إنهاء برامجها وضمان أن تشارك المجتمعات في تصميم البرنامج منذ البداية.
خذ مثلاً شراكة عقدناها في ولاية كاليفورنيا من أجل دعم تقديم المساعدة التقنية لمؤسسات تطوير القوى العاملة، حيث يعمل برنامج شراكات التدريب على أعمال الطرق العامة (High Road Training Partnerships - HRTP) الذي تديره المؤسسة غير الربحية ووركفورس ديفلوبمنت بورد في كاليفورنيا (Workforce Development Board - CWDB) على دعم تقديم وظائف ذات جودة عالية عن طريق تمويل التعاون بين الشركات الخاصة الباحثة عن موظفين والمؤسسات القائمة على المجتمعات المحلية والنقابات العمالية، وتطور الأعمال التعاونية التي يقوم بها البرنامج فرصاً عالية الجودة في قطاعات مستهدفة وتؤمن الوظائف للعاملين وتساعدهم على تحقيق الاستقرار فيها.
هذا النوع من الشراكات أساسي فيما يتعلق بالبنية التحتية، إذ يتم إنشاء نحو 20 ألف وظيفة لكل مليار دولار يتم إنفاقه. هذا العام، استثمرت الولاية 100 مليون دولار لتوسيع برنامج شراكات التدريب على أعمال الطرق العامة، وتشاركت مؤسسة ووركفورس ديفلوبمنت بورد في كاليفورنيا مع المؤسسة اللاربحية الوطنية، جوبز فور ذا فيوتشر (Jobs for the Future)، التي تعمل على تحفيز التغيير في القوى العاملة وأنظمة التعليم، بهدف إنشاء مِنح مالية صغيرة مخصصة للمساعدة التقنية تغطي تكاليف ما قبل التنفيذ وتساعد المؤسسات القائمة على المجتمع وغيرها من المؤسسات الصغيرة على طلب التمويل.
كما تتوفر فرصة ذهبية لبناء وظائف المستقبل وتطوير أنظمة اقتصادية محلية شاملة ومستدامة تتمثل في صندوق مرونة المجتمع الاقتصادية الحكومي الذي تصل قيمته إلى 600 مليون دولار ويهدف لدعم تخطيط التنمية الاقتصادية الإقليمية في 13 منطقة في ولاية كاليفورنيا. اجتمعت المؤسسات الخيرية الشريكة بقيادة مؤسسة جيمس إيرفاين فاونديشن (James Irvine Foundation) لدعم مؤسسة كاليفورنيا فوروورد (California Forward) التي تعمل على التنمية الاقتصادية في الولاية والمعهد الوطني لتحقيق المساواة العرقية والاقتصادية، بوليسي لينك (PolicyLink)، في عملهما على تخطيط جهود المجتمع الحالية وتيسيرها سعياً لضمان أن تمتلك المجتمعات الموارد اللازمة لوضع الشمول والمساواة العرقية محوراً لهذه الخطط.
ومن خلال التشارك مع حكومة الولاية لدعم أشكال الدعم التقني هذه، يمكن للمؤسسات الخيرية المساعدة في ضمان امتلاك المجتمعات الأضعف القدرة على تحديد طرق إنفاق الأموال العامة المتدفقة إليها، ما سيوقع آثاراً تمتد عبر الأجيال القادمة.
3. البحث والتقييم
تتبع المؤسسات الخيرية تقليداً قديماً متمثلاً في دعم البحث والتقييم بالشراكة مع الحكومة، ولكن مع توفر التمويل العام بمبالغ هائلة آن الأوان لتوسيع السياسات والبرامج الابتكارية أكثر من أي وقت مضى. ولكن استدامة هذه البرامج تتطلب تطوير بيانات قوية وممارسات تقييم من أجل تحديد قدرتها على تحقيق أثر حقيقي. تتمتع المؤسسات الخيرية الشريكة بالقدرة على دعم جهود التقييم التي يمكن الاستفادة منها في تحسين هذه المبادرات والارتقاء بجهود مناصرة السياسات من أجل إنشاء البرامج المستقبلية.
مثلاً، في الأيام الأولى من الجائحة أطلقنا مبادرة بعنوان "مشروع روم كي" (Project Roomkey) بهدف تأمين مساكن لخمسين ألف شخص مشرد في الفنادق والموتيلات (النُزل الصغيرة أو الاستراحات) في مختلف مناطق الولاية بدلاً من وضعهم في الملاجئ الجماعية. من المحتمل أن يكون أثر البرنامج كبيراً في قدرتنا على إيواء أبناء الولاية على المدى الطويل، ولكن من أجل إثبات أثره الكامل تتعاون مؤسستا كاليفورنيا هيلث كير فاونديشن (California Health Care Foundation) وهيلتون فاونديشن (Hilton Foundatio) مع وكالة الخدمات الصحية والإنسانية في كاليفورنيا (California Health and Human Services Agency) على تقييمه مع التركيز بصورة خاصة على الآثار الصحية التي يحققها تقديم المأوى والخدمات.
يجب على قادة المؤسسات الخيرية التمعن في فرص التشارك مع الحكومات والوكالات المحلية من أجل ضمان دمج جهود البحث والتقييم في الإنفاق على البنية التحتية منذ البداية وليس بعد الانتهاء منه.
يجب ألا نسمح بضياع هذه اللحظة التاريخية، ومع توفر تريليونات الدولارات في حكومة الولاية ووكالاتها المحلية على مدى الأعوام المقبلة يمكن للمؤسسات الخيرية الشريكة وحريّ بها التوصل إلى طرق لضمان أن تصل هذه الأموال حقاً إلى المجتمعات الأشد حاجة إليها. وإذا تحقق ذلك فسيسطر التاريخ أن أميركا اغتنمت هذه اللحظة المفصلية وتمكنت من القضاء على التفاوت في مجتمعنا.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.