4 مقترحات لتحقق المنح الضخمة تأثيرها الاجتماعي الكامل

7 دقيقة
استدامة المنح الضخمة

ستسمع في الأحاديث الجانبية ولقاءات صانعي التغيير الاجتماعي شكوى واحدة؛ وهي تضاؤل تمويل القطاع الاجتماعي مقارنة بالقطاع الخاص. تتمتع شركات القطاع الخاص الجديدة بمسار تمويل ثابت، من الاستثمار الملائكي إلى رأس المال المغامر إلى الأسهم الخاصة إلى أسواق الأسهم العامة، وكلما كانت هذه الشركات أكثر نجاحاً كان ضخ رأس المال أكبر، ونتيجة لذلك تستطيع الشركات التي تتمتع بموارد كافية أن تلبي مجتمعة طلب السوق في القطاع الذي تعمل به.

لا توجد أسهم خاصة ولا أسواق مالية في القطاع الاجتماعي، لذا تعتبر تلبية مؤسسات القطاع مجتمعة لنصف احتياجات التغيير الاجتماعي إنجازاً استثنائياً. على سبيل المثال، تقدم مؤسستنا، ون إيكر فاند (One Acre Fund)، لأكثر من 4 ملايين مزارع إفريقي من صغار المزارعين التمويل والإمدادات والتدريب لزراعة المزيد من المحاصيل الغذائية والأشجار وكسب المزيد من المال. لكن الحاجة لا تزال تفوق قدرتنا على تلبيتها بكثير، إذ يؤدي 61 مليون مزارع من صغار المزارعين في إفريقيا دوراً حيوياً في الأمن الغذائي، والوظائف (خاصة للنساء)، وإدارة الأراضي، ولكن لا تلبي المؤسسات الاجتماعية مجتمعة حالياً سوى 27% من احتياجاتهم للتمويل الزراعي القصير الأجل، و1% من التمويل الزراعي الطويل الأجل، و0.5% من تمويل التكيف مع المناخ.

كما أفاد كبار صانعي التغيير الاجتماعي وأكثرهم قدرة على إثباته في مجالات أخرى مثل مؤسسة فيجن سبرينغ (VisionSpring) في مجال ضعف البصر في البلدان ذات الدخل المنخفض وذات الدخل المتوسط الأدنى، ومؤسسة إدجوكيت غرلز (Educate Girls) في مجال الفتيات غير الملتحقات بالمدارس في الهند، ومؤسسة لاست مايل هيلث (Last Mile Health) في مجال العمل الصحي المجتمعي النوعي في إفريقيا، بأن الخدمات المقدمة حالياً تلبي أقل من 30% من إجمالي الاحتياجات، وأن مؤسساتهم وتحالفاتهم تلبي أقل من 10% منها.

وبما أن القطاع الاجتماعي قادر جماعياً على تحقيق أهداف التغيير الاجتماعي الكبرى عندما تزداد الموارد، فقد رحّبنا بطفرة "المنح الضخمة" التي تبرّع بها مانحون في العقد الماضي. تحصي قاعدة بيانات المنح الضخمة في مجموعة بريدجسبان (Bridgespan) 125 تعهداً من المانحين في الولايات المتحدة بتقديم تبرعات تزيد قيمتها على 25 مليون دولار لجهود التغيير الاجتماعي في عام 2020، مقارنة بـ 18 فقط في عام 2000. وبالمثل، فإن أكثر من نصف الجمعيات التعاونية الخيرية الكبيرة التي شملها الاستطلاع والتي يبلغ عددها نحو 200 جمعية خيرية (وهو نوع شائع من المنح الخيرية الضخمة) تأسست بعد عام 2010. ومع ذلك، فإن التمويل المنخفض جداً يعني أن عدداً قليلاً فقط من المؤسسات الجاهزة لتلقي منح ضخمة تتلقى هذا النوع من المنح. وبالنسبة للقلة المحظوظة التي تحظى بتلك المنح، مثل مؤسسة ون إيكر فاند، فإن عدم وجود مرحلة تمويل تالية على غرار ما هو متاح للشركات الخاصة في الأسواق المالية العامة يعني عدم وجود مَن يتولى مسؤولية استمرار العمل.

ما هي الخطوة التالية؟ لم تبذل الجهات المانحة والمؤسسات الاجتماعية على حد سواء جهداً كافياً لوضع الرؤى واتخاذ الإجراءات التي تضمن استدامة آلية التمويل الواعدة للمنح الضخمة على المدى الطويل في التغيير الاجتماعي. وغالباً ما تترك المنح الضخمة المؤسسات الاجتماعية في مواجهة نقص هائل في التمويل لأنها وسّعت نطاق برامجها لخدمة عدد أكبر بكثير من الناس بطريقة أكثر تأثيراً، فأصبح لديها ميزانيات كبيرة تحتاج إلى تمويل كبير حتى بعد تحقيق الوفورات والتحسينات في الكفاءة.

يأتي هذا النقص في وقت تكون فيه المؤسسات الاجتماعية التي تلقت المنح الضخمة جاهزة للمرحلة التالية التي تتسم بالتحول من المسارات التي تركز على التنظيم المؤسسي إلى مسارات تعزيز العمل الميداني، وهو مسار ضروري لتحقيق طموحاتها في التغيير الاجتماعي. والأهم من ذلك، فإن مرحلة ما بعد المنح الضخمة هذه هي المرحلة التي يتجاوز فيها معدل نمو التأثير معدل نمو الموارد بكثير، ما يجعلها فرصة استثمارية جذابة للغاية.

استناداً إلى الدروس التي تعلمناها في مؤسسة ون إيكر فاند من خلال استيعاب المنح الخيرية الضخمة وتوظيفها، نقدّم إجراءين بنّاءين لكل من المانحين والمؤسسات الاجتماعية لضمان أن تؤدي المنح الخيرية الضخمة إلى تغيير اجتماعي أكبر في المستقبل.

1. يجب على الجهات المانحة أن تتقبل استراتيجيات الالتزام

لدى المؤسسات الاجتماعية التي تسعى إلى الحصول على منح ضخمة من المانحين طموحات كبيرة، ليس لتوسيع نطاق خدماتها المباشرة فحسب، بل لتحسين بيئات العمل كلها بطريقة تعالج الأسباب الجذرية وتعود بالنفع على أسواق برمتها. تشير الدراسات إلى أن مبادرات التغيير الاجتماعي تستغرق عقوداً من الزمن لتحقيق هدفها النهائي، لذلك نحن بحاجة إلى مانحين كبار جاهزين لرحلة تمويل طويلة. وبالطبع، فإن محطات قياس التأثير في هذه الرحلة ضرورية، ولكننا نسيء كثيراً لمبادرات التغيير الاجتماعي عندما نعتبرها نهاية الرحلة. في مجال الاستثمار في القطاع الخاص، يشيد العديد من المستثمرين العظماء بفضائل استراتيجيات "الشراء والاحتفاظ" لأسهم الرقاقة الزرقاء (الأسهم القيادية)؛ ونحن بحاجة إلى العقلية نفسها في مجال التغيير الاجتماعي.

على سبيل المثال، وضعنا في مؤسسة ون إيكر فاند رؤية تمتد 10 أعوام في عام 2010 للوصول إلى مليون مزارع مباشرة. تهدف رؤيتنا للأعوام العشرة المقبلة التي وضعناها في عام 2020، إلى التأثير في حياة 10 ملايين مزارع، وذلك من خلال نموذج تغيير النظم الذي يعمل جنباً إلى جنب مع الجهات الفاعلة في القطاعين العام والخاص والمؤسسات غير الحكومية في الأنظمة الزراعية الرئيسية. وفي حال قرر المموّلون اعتبار نهاية السنوات العشر الأولى محطة نهائية لنا، فسيفوتون المرحلة التالية من النمو الأكثر ديمومة وفعالية في التأثير، التي تمثل تغييراً جذرياً في مشاركتنا مع منظومة العمل الاجتماعي الواسعة النطاق.

سيؤدي التزام الممولين في مرحلة ما بعد المنح الضخمة إلى تعظيم أثر كل دولار إضافي يستثمرونه. وبفضل المزيج المتنوع من الممولين الذي يضيفه المانحون إلى محافظهم الاستثمارية في أثناء نموها، سيقل اعتماد المانحين على دعم مانح واحد حتى مع نمو حجم المنح. نحن بحاجة إلى نموذج جديد تتمتع فيه المؤسسات الاجتماعية بشراكات مستمرة ومتفاعلة مع مموليها من كبار الممولين الذين ينمو دعمهم بمرور الوقت استجابةً لنمو تأثيرهم المتسارع.

2. يجب على المانحين أن يستقطبوا مانحين آخرين

كما هي الحال في القطاع الخاص، يتطلب النمو المستدام نمواً موازياً في الموارد، حتى بالنسبة للمؤسسات التي تصبح أكثر كفاءة في التأثير بمرور الوقت (وهو بحد ذاته مؤشر مهم على أن المؤسسة جاهزة للمنح الضخمة). ستتطلب كل مرحلة من مراحل النمو مزيجاً تمويلياً مدروساً بعناية.

يعتقد الكثيرون في قطاعنا أن ثمة مساراً طبيعياً لهذا المزيج التمويلي، ويتوقعون أن تنتقل المؤسسات الاجتماعية من الاعتماد على تمويل المانحين إلى مصدر تمويل بديل قوي، مثل العملاء أو الحكومات المانحة أو حكومات البلدان المضيفة، فهم يرون أن الهدف من التمويل هو صقل التدخل وبرهنته وجعله فعالاً وقابلاً للتكرار.

وعلى الرغم من انتشار هذا الافتراض، فالأمثلة الفعلية على التحول الكبير عن دعم المانحين من القطاع الخاص قليلة ومتباعدة (بالنسبة للمؤسسات الاجتماعية الملتزمة بالنمو السريع والتركيز المستمر على الذين يعيشون في فقر مدقع). ويكون من المرهق للغاية للعملاء الذين يكسبون أقل من دولار واحد في اليوم (خاصة عندما يتعاملون أول مرة مع مؤسسة اجتماعية) أن يدفعوا السعر الكامل للمنتجات والخدمات المدعومة بانتظام في دول الشمال، في الوقت الذي تواجه فيه حكومات الدول المضيفة التي تعاني ضائقة مالية وحكومات الدول المانحة التي تتبع إجراءات التقشف في التدخل بضخ رؤوس أموال كبيرة (خاصة بالنسبة للمؤسسات القريبة من المجتمعات المستهدفة التي تتلقى 8% فقط من منح الوكالة الأميركية للتنمية الدولية والاتفاقيات التعاونية).

ولهذا الأمر تداعيان كبيران، أولاً، يجب على مانحي المنح الضخمة العمل بجدية أكبر للتعاون مع مصادر التمويل البديلة هذه. يعترف معظم المانحين أن قوائم نظرائهم الحكوميين قليلة للغاية، وهم لا يعملون في الأوساط نفسها. تريد المؤسسات الاجتماعية الحاصلة على تبرعات كبيرة مثل مؤسسة ون إيكر فاند أن ترى أن شركاءها الممولين يسعون بنشاط إلى إقامة علاقات مع مسؤولي بعثات الوكالة الأميركية للتنمية الدولية وموظفي الخدمة المدنية في الجنوب العالمي وما شابه ذلك (بالإضافة إلى فهم دوافعهم وحوافزهم). نحن بحاجة إلى أن نرى المزيد من شراكات التمويل بين القطاعين العام والخاص بحيث تشارك في تقديم المنح الضخمة وتواصل تقديمها.

ثانياً، يجب أن يتطلع مانحو المنح الضخمة إلى مؤسسات التمويل الأخرى والأفراد ذوي الملاءة المالية العالية ليس فقط بوصفهم ممولين يشاركون في المنح الكبيرة فقط، بل يقدمون التمويل لاحقاً أيضاً. ويبدو ذلك معقولاً إلى حد بعيد مع الارتفاع الكبير في سوق الأسهم في السنوات الأخيرة والانتقال الهائل للثروة بين الأجيال الجاري حالياً. لكن ذلك لن يحدث من تلقاء نفسه، كما يتضح من الكم الهائل من الثروات التي ما زالت قابعة على الهامش، وبخاصة بين من تعهدوا بالعطاء ولديهم استعداد للتبرع. تزداد نسبة النجاح في جمع التبرعات بدرجة كبيرة عندما يحشد المانحون الدعم لمؤسساتهم. ومع الجهود الحثيثة التي بُذلت خلال العقد الماضي لتحديد مبادرات التغيير الاجتماعي العالية التأثير وتدقيقها وتوثيقها -راجع مراكز تبادل المعلومات حول المنح الضخمة مثل شبكة بولد سولوشنز (Bold Solutions Network) التابعة لمؤسسة ليفر فور تشينج (Lever for Change) والحملات المنسقة التابعة لمؤسسة فوكسينغ فيلانثروبي (Focusing Philanthropy)-، يمكن لمانحي المنح الضخمة أن يزيلوا من أذهان نظرائهم من أصحاب الثروات الكبيرة فكرة أن فرص التغيير الاجتماعي الجاهزة لا توجد بسهولة.

3. يجب على المؤسسات الاجتماعية استخدام تمويل المنح الضخمة لبناء القدرة على جمع التبرعات

في حين يواصل المانحون الكبار المثاليون تقديم المنح ويستقطبون مانحين آخرين على المدى الطويل، يجب على المؤسسات الاجتماعية الاستفادة من حجم المنح ومرونتها باستثمار قدراتهم الخاصة في جمع التبرعات واستقطاب مانحين جدد بأنفسهم. نظراً لأن المنح الضخمة التي تلقيناها في مؤسسة ون إيكر فاند من مؤسسة كو-إمباكت (Co-Impact) ومشروع أوديشيس (Audacious Project) كانت مهيكلة بحيث تتطلب تمويلاً مشتركاً خلال فترة تقديمها، فقد كان لدينا حافز لبناء قدراتنا على جمع التبرعات في مناطق جغرافية ومصادر ومجالات جديدة.في الواقع،

منذ حصولنا على هذه المنح الضخمة قبل بضع سنوات، بدأنا تنمية فريق جمع التبرعات لدينا بوتيرة تقدم برامجنا نفسها.وعلى مانحي المنح الضخمة الآخرين ألا يكتفوا بتشجيع متلقي المنح على إجراء هذه الاستثمارات، بل أن يعملوا على تيسير ذلك من خلال دعم بناء القدرات التي تتيح للمؤسسات غير الربحية إمكانية الوصول إلى أفضل الموارد والخبراء في سلسلة قيمة جمع التبرعات، بدءاً من تعيين جامعي التبرعات وإجراء الأبحاث عن المتبرعين إلى سرد القصص وغير ذلك.

4. يجب على المؤسسات الاجتماعية أن تثبت على موقفها عندما تتغير الظروف

باستثناء منح ماكنزي سكوت، تمول المنح الضخمة عادةً وصراحةً الخطط الاستراتيجية الطموحة للغاية التي توضع لتوسيع نطاق نمو البرامج إلى أقصى حد ممكن. ولكن بحسب قول مايك تايسون الشهير: "تسير خطط كل منا على ما يرام إلى أن يتلقى لكمة على وجهه". لقد كانت اللكمات سريعة وعنيفة في السنوات القليلة الماضية، وبخاصة بالنسبة للمستفيدين من المشاريع التي تمولها المنح الضخمة في بلدان العالم الثالث، مثل كوفيد والتضخم والنزاعات والمناخ، فضلاً عن الطبيعة الفوضوية لمساعي تغيير الأنظمة. قد تُتاح الفرص وتختفي في لحظة، ويمكننا أحياناً تحقيق أهدافنا من خلال التمهل.

في البيئات الشديدة التغيير، يجب أن تتمتع المؤسسات الاجتماعية بالقدرة على إبطاء النمو أو اتخاذ تدابير أخرى لسلامة مؤسساتها على المدى الطويل، حتى لو كان ذلك يعني حوارات صعبة حول مراحل تقديم المنح الضخمة. نحن ممتنون في مؤسسة ون إيكر فاند لأن شركاءنا في المنح الضخمة شجعونا على إعادة تحديد المراحل الرئيسية بمجرد توقع الآثار السلبية لجائحة كوفيد-19 على عملياتنا، ما ساعدنا على إرساء ثقافة الثقة والشفافية طوال مدة شراكتنا. وللأسف، تشير محادثاتنا مع أقراننا إلى أن ذلك كان استثناء وليس القاعدة، ما يزيد من احتمالات تضرر نمو البرامج.

على المدى الطويل

بالنسبة إلى صانعي التغيير الاجتماعي، توفر المنح الضخمة فرصة مغرية للمضي قدماً في رحلة تحقيق الإنجازات. نأمل أن تضيف الإجراءات الأربعة التي اقترحناها هنا إلى الحوار المتنامي (الذي يجريه خبيرا تمويل المشاريع الاجتماعية كيفن ستار وسيسيليا كونراد ومؤسسة بانوراما جلوبال (Panorama Global) على سبيل المثال لا الحصر) حول تشكيل آلية التمويل الواعدة هذه لتحقيق أقصى قدر من التأثير. والأهم من ذلك، نعتقد أن الوقت قد حان للتوصل إلى عقد أقوى بين الجهات المانحة للمنح الضخمة والمستفيدين منها لمعالجة أفضل السبل (منذ تقديم المنح) للحفاظ على الزخم مهما طال الأمد للوصول إلى أهداف التغيير الاجتماعي المشتركة. بلغت المخاطر ذروتها لقطاعنا الاجتماعي: 61 مليون أسرة من أسر صغار المزارعين تواجه الجوع المزمن في إفريقيا؛ و800 مليون إنسان على مستوى العالم يفتقرون إلى نظارات للقراءة؛ و28 مليون فتاة في الهند خارج المدرسة؛ ومليون عامل صحي مجتمعي إفريقي يفتقرون إلى الرواتب والمهارات والإمدادات اللازمة للعمل بفعالية؛ وهي أمثلة على تلك المخاطر. لا شك في أن رواد التغيير الاجتماعي لا يقلون أهمية عن نظرائهم في القطاع الخاص مثل شركات سامسونج ونايكي وكوكاكولا، ويستحقون التمويل اللازم لتحقيق أقصى إمكاناتهم.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال من دون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.