الغسل الأخضر عبر تقارير تأكيد الاستدامة

تقارير الاستدامة
shutterstock.com/Ivan Marc
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

كشفت تحقيقاتنا في تقارير الاستدامة لبعض أكبر الشركات في العالم عن عمليات خداع وتعتيم وتضليل. ويجب أن تتحسن ممارسات الإدارة العليا وأن تؤدي تقارير التدقيق والتأكيد دورها على نحو أفضل.

سرعان ما اتخذت الاستدامة أهمية خاصة على جداول أعمال الشركات، حيث تتنامى عند أصحاب المصالح بمن فيهم المساهمون قناعة مفادها أن قضايا الاستدامة تحمل مخاطر جسيمة على الشركات، وبالتالي تستدعي هذه القضايا معالجة ناجحة. وتسهم المشكلات العالمية مثل أزمة المناخ والأوبئة والصراعات الجيوسياسية مثل الحرب في أوكرانيا في إبراز أهمية الاستدامة من خلال الكشف عن نقاط الضعف في سلاسل التوريد وتسليط الضوء على الحاجة إلى مزيد من المرونة.

وأدى بروز أهمية إدارة قضايا الاستدامة في الوقت نفسه إلى تنامي المخاوف بشأن جودة المعلومات التي تجمعها الشركات وتقدمها حول الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية (ESG) بالإضافة إلى مصداقية هذه المعلومات. حيث يحرص أصحاب المصالح على ضمان أن الشركات تعطي الاستدامة الدرجة الكافية من الاهتمام وذلك لضمان الشفافية والدقة. واستجابة لتلك الحاجة ارتفع الطلب على تقارير التأكيد المستقلة التي تعدها أطراف خارجية لتأكيد مصداقية بيانات الاستدامة الصادرة عن شركات، ما أتاح المجال لنشوء سوق كبير ومربح خاص بتدقيق المعلومات المتعلقة بالاستدامة.

وفي الوقت الذي يرتفع فيه سقف التوقعات، ثمة شح في المعلومات عن مدى الفعالية الحقيقية لممارسات تدقيق الاستدامة الحالية. ولمعالجة هذه الندرة الواضحة في المعلومات، اجتمعنا معاً لتشكيل تيار بحثي ضمن مبادرة أكسفورد ريثينكينغ بيرفورمانس إنيشياتيف “أو آر بي” (Oxford Rethinking Performance Initiative (ORP)). تأسست مبادرة أو آر بي في عام 2020 في كلية سعيد بيزنيس سكول (Saïd Business School) في جامعة أكسفورد، وهي اتحاد لشركات أبحاث تسعى إلى النهوض بعملية قياس الأداء لتغدو أكثر شمولاً.

بدأنا في أوائل عام 2021 بدراسة واسعة لممارسات تأكيد الاستدامة في شركات مجموعة “مؤشر فاينانشال تايمز للأسهم” (Financial Times Stock Exchange (FTSE100)) في عامي 2020 و2021. وانطلق مشروعنا في أوائل عام 2021 حيث جمعنا البيانات من أحدث تقارير الاستدامة المنشورة في المواقع الإلكترونية للشركات. وتم إصدار جميع التقارير التي أتممنا دراستها لشركات مجموعة “مؤشر فاينانشال تايمز للأسهم 100” خلال عام 2020 أو 2021 بالتزامن تقريباً مع نهاية السنة المالية للشركات. باستخدام هذه التقارير المتاحة للجمهور، قمنا بتجميع وفحص مجموعة بيانات شاملة لمعلومات تدقيق التقارير وإعدادها لشركات مجموعة “مؤشر فاينانشال تايمز للأسهم 100” ونشرنا النتائج الأولية للدراسة في ورقة عمل متاحة على موقع شبكة أبحاث العلوم الاجتماعية (Social Science Research Network) وما زالت الدراسة الثانية جارية حيث تتسم المقارنة فيها بصبغة دولية.

ولم نتوقع أن تكشف جهودنا المكثفة لجمع البيانات خلال عام 2021 عن أوجه قصور مقلقة في عمليات القياس وإعداد التقارير والتدقيق والتأكيد. وعلى الرغم من تصريحات الشركات الرنانة حول التزامها بالحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية والقيم التي تتغنى بها، لا تعكس ممارساتها الفعلية ذلك الالتزام أو تلك القيم. وفي حين تتزاحم الشركات البارزة لإثبات وجودها بين رواد هذا المجال وإطلاق تصريحات طموحة ومبهرة، غالباً ما تكون تقاريرها غامضة أو مبهمة وتأكيداتها ضعيفة. ويبدو أن زيادة الحوافز إلى جانب وضع أنظمة صارمة قد أصبحت ضرورة لدعم إفصاحات الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية التي تصدرها الشركات بتقارير موثوقة وتأكيدات محكمة.

افتراض حسن النية

تؤدي تقارير التأكيد إلى جانب تقارير التدقيق دوراً رئيسياً في غرس الثقة في الشركة وقدرتها على تحمل المسؤولية. تهدف عمليات التدقيق المالي إلى تقديم تأكيد معقول بأن البيانات المالية خالية من الأخطاء الجوهرية. وتطالب غالبية الولايات القضائية بمثل هذا التأكيد للتقارير المالية بحكم القانون. وفي المقابل لا يعد تدقيق البيانات غير المالية وتأكيدها إلزامياً. لكن ثمة نمو متسارع لسوق تقارير تأكيد الاستدامة على مدى السنوات العديدة الماضية لدرجة أنه يقدم خدماته حالياً لأكثر من نصف الشركات على مستوى العالم وذلك وفقاً للاتحاد الدولي للمحاسبين (the International Federation of Accountants).

ولا تقتصر أسباب هذا النمو على زيادة المستثمرين أو الضغوط التي تفرضها الأنظمة والقوانين. فمثلاً في عام 2019 خلص استقصاء أجرته شركة ماكنزي (McKinsey) إلى أن 97% من المستثمرين الذين شملهم الاستقصاء يعتقدون ضرورة تأكيد إفصاحات الاستدامة، وفي يناير/كانون الثاني من عام 2022، أبلغت شركة أفيفا إنفيستورز (Aviva Investors) 1,500 شركة في 30 دولة أنها تنتظر منهم جميعاً إجراء عمليات تدقيق خارجية سنوية للتقارير المناخية. وعلى الجانب التنظيمي، سيطلب توجيه إعداد تقارير استدامة الشركات (Corporate Sustainability Reporting Directive(CSRD)) الصادر عن الاتحاد الأوربي، الذي سيدخل حيز التنفيذ في عام 2023، بشكل واضح تأكيداً محدوداً لبيانات الاستدامة.

فمن سيجني الأرباح في هذا السوق المتنامي؟ تستحوذ في المملكة المتحدة شركات المحاسبة الأربع الكبرى (ديلويت (Deloitte) وبرايس ووتر هاوس كوبرز (PricewaterhouseCoopers) وكيه بي إم جي (KPMG) وإرنست آند يونغ (Ernst & Young))، على ما يقرب من نصف عمليات تدقيق الاستدامة، بينما تتم خدمة الباقي من خلال شركات استشارية متخصصة في البيئة أو الاستدامة (مثل، ﺑﻴﺮو ﻓﻴﺮﻳﺘﺎس (Bureau Veritas) وكوربوريت سيتيزنشيب (Corporate Citizenship) وكاربون تراست (Carbon Trust)). وتقدم الشركات الأربع الكبرى تلك خدماتها لأكثر من 60% من السوق على الصعيد العالمي.

عندما بدأنا البحث في البيانات العامة حول تأكيد الاستدامة وذلك لجمع معلومات مفصلة عن تقريري 2020 و2021، لاحظنا سلسلة من الوعود الطموحة. تشير الشركات الأربع الكبرى مثل كيه بي إم جي إلى أن خدماتها “تساعد على غرس الثقة في القرارات المهمة التي تتخذها الإدارة نيابة عن المؤسسة”، وتزعم بي دبليو سي أنها “تضيف المصداقية إلى البيانات المنشورة”. كما تجري الشركة الفرنسية المتخصصة في عمليات التفتيش ومنح الشهادات بيرو فيريتاس عمليات تدقيق الاستدامة وتتعهد بقدرتها على “حماية سمعة الشركات”.

لكن ما توصلنا إليه في تحقيقاتنا يكشف زيف هذه التصريحات. حيث كشفت دراستنا لتقارير الشركات ومواقعها الإلكترونية بحثاً عن بيانات التأكيد عن أدلة ضعيفة على حسن نواياها. في الواقع كان من الصعب للغاية إيجاد بيانات التأكيد، فضلاً عن فهم ما تعده هذه الشركات تقرير الاستدامة. بالنسبة إلى الثلاث والسبعين شركة من مجموعة “مؤشر فاينانشال تايمز للأسهم 100” (FTSE 100) التي سعت للحصول على بيانات تأكيد في 2020 أو2021، سجلنا 10 مرادفات مختلفة لمفهوم تقرير الاستدامة ووجدنا بيانات التأكيد الصادرة عنها في 16 موقعاً مختلفاً. ومع ذلك لم نكتفِ ببيان التأكيد نفسه؛ أردنا أيضاً فحص البيانات الأساسية. وفي الحالات الصعبة كان علينا الغوص فيما يصل إلى سبعة مستودعات بيانات ومرفقات وتقارير مختلفة لجمع المعلومات التي نحتاج إليها.

وغالباً ما أثار جمع البيانات أسئلة أكثر مما أجاب عنها. وافترضنا في البداية أن الفجوات الواضحة أو المعلومات المغلوطة ما هي إلا أخطاء في التقارير. افترضنا، ربما بسذاجة إلى حد ما، أن الشركات الكبيرة لديها موارد هائلة مخصصة لعملية جمع المعلومات المتعلقة بالاستدامة وإعداد التقارير عنها تأكيد تلك المعلومات. وراسلنا العديد من الشركات للحصول على توضيحات أو لتصحيح المعلومات. وفي إطار جهودنا للحصول على توضيحات من تلك الشركات وافتراض حسن النية، تجاوب بعضها معنا بينما لم يتجاوب بعضها الآخر قط. كانت الردود التي تلقيناها صادمة من حيث افتقارها للاستجابة، وعدم القدرة على كشف التناقضات والأخطاء، وعمليات إعداد التقارير المزرية، والجهل بالإجراءات.

وتعكس الأمثلة التي سنناقشها أدناه ممارسات مجموعة واسعة من الشركات، التي تأسس بعضها في العشرين عاماً الماضية، بينما يصل عمر بعضها الآخر إلى 166 عاماً. وتتوزع مقراتها الرئيسية في مناطق مختلفة في المملكة المتحدة وأوروبا وتمثل مجموعة واسعة من القطاعات. لكنها تشترك بسمتين رئيسيتين: جميعها شركات كبيرة مدرجة في مجموعة “مؤشر فاينانشال تايمز للأسهم 100” ويقدم جميعها تقارير الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية أو تقارير الاستدامة وتثير تأكيداتها لهذه التقارير الشكوك بوجود أخطاء.

3 طرق للغسل الأخضر تتبعها الشركات

يساعد التدقيق والتأكيد في تحسين عملية إعداد تقارير الإفصاح المتعلقة بالاستدامة. فغالباً ما تثير الأساليب المتبعة الحالية لإعداد تلك التقارير الريبة والالتباس في مجال يسوده الافتقار إلى التنظيم. فالتقارير التي تدعي التحقق من ممارسات الاستدامة وتقوض هذه الممارسات بدلاً من تأكيدها ما هي إلا مجرد شكل من أشكال الغسل الأخضر.

كشفت تحقيقاتنا أن استراتيجيات الغسل الأخضر الثلاث الشائعة هي الخداع والتعتيم والتضليل.

الخداع: منطقياً، ما الذي يجب أن نتوقع قراءته في بيان التأكيد؟ ولنكن منصفين، لا تعكس هذه التقارير بالضرورة، حتى في التدقيق المالي، كامل الجهد المبذول في المراجعة الخارجية للبيانات والمنهجيات وغير ذلك. يرغب المرء على الأقل بفهم التزامات التأكيد التي تمت مراجعتها، وكيف تم إجراء هذه المراجعة، وما المعايير التي طُبقت، والمنهجية التي استُخدمت، وما عملية التأكيد التي تحققت، وفي أفضل الحالات، كيف يمكن للشركة أن تتحسن في استجابة للمعلومات التي تمت مراجعتها.

لقد كانت بيانات تأكيد الاستدامة التي فحصناها مخيبة للآمال. إذ يمكن أن تبلغ تقارير التدقيق المالي من 5 إلى 20 صفحة اعتماداً على مدى تعقيد المؤسسة. لكن وجدنا في عدد قليل جداً من الحالات تقارير تأكيد الاستدامة تزيد على صفحتين. وغالباً ما اكتشفنا أن جميع المعلومات المتعلقة بالتحقق المستقل من مقاييس الاستدامة مذكورة في صفحة واحدة. والأهم من ذلك، ذكر المدققون في كثير من الأحيان أن تأكيدهم للمعلومات المتعلقة بالاستدامة ذات نطاق “محدود” بمعنى أنهم لم يجدوا دليلاً سافراً على الاحتيال. وعلى عكس المدققين الماليين لم يؤكد مدققو الاستدامة أن هذه المعلومات صحيحة ومقبولة لدرجة كافية. فمن شروط إصدار تأكيد معقول أن تحصل شركة التأكيد على بيانات كافية لتكوين رأي حاسم بطريقة مماثلة لمراجعة البيانات المالية. وينبغي فحص البيانات والعمليات التي تولد البيانات على نحو واسع للحصول على تأكيد معقول. وبدلاً من تقديم بيان غير حاسم، كما هو الحال في التزامات التأكيد المحدود، يجب أن تعطي شركة التأكيد بياناً حاسماً حول إذا ما كانت مقاييس الاستدامة كاملة ودقيقة بناءً على المعايير المحددة. إن تكلفة التزامات التأكيد المحدود أقل بكثير من تكلفة التزامات التأكيد المعقول. لكن لا يمكن لمثل هذا المستوى المحدود من التأكيد أن يؤسس لمصداقية ممارسات تأكيد الاستدامة الحالية. ولا يعد التأكيد المعقول هو الحد الأدنى المطلوب، بالرغم من اعتقادنا أنه يجب أن يكون كذلك.

ولكن ثمة استثناءات في هذا الاتجاه. تخيل سعادتنا عندما وجدنا أن بعض الشركات طلبت من مدققيها العمل على مستوى أعلى من التأكيد، أي على مستوى التأكيد المعقول. عدد قليل من شركات مجموعة “مؤشر فاينانشال تايمز للأسهم 100” بذل جهداً إضافياً وأموالاً للحصول على تأكيد معقول لـ (بعض) المعلومات المتعلقة بالاستدامة مثل شركة التعدين الأسترالية بي آتش بي (BHP)، وشركة حكمة فارماسيوتيكالز (Hikma Pharmaceuticals) البريطانية المتعددة الجنسيات، وشركة المواد الكيميائية المتخصصة البريطانية كوردا إنترناشيونال (Croda International).

لنأخذ شركة ثري آي غروب (3i Group) على سبيل المثال وهي شركة متعددة الجنسيات للأسهم الخاصة ورأس المال المغامر مقرها لندن. حيث تُبين في تقرير الاستدامة الصادر عنها لعام 2020 أنه “تم التحقق من الانبعاثات على مستوى معقول من التأكيد بواسطة شركة كاربون إنتيليجينس (Carbon Intelligence) وفقاً لمعيار آيزو ISO 14064-3“. أي أن التقرير استوفى معيار تقارير انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري (GHG) المعترف به عالمياً الذي وضعته المنظمة الدولية لتوحيد المقاييس (الآيزو) (ISO) في سويسرا. لكننا تحققنا من هذه المعلومات مع خطاب تأكيد شركة كاربون إنتيليجينس لعام 2020، الذي نص على الآتي: “و(كان) تحقق الطرف الثالث المستقل من انبعاثات مكافئ ثاني أوكسيد الكربون (CO2e) المباشر وغير المباشر إلى مستوى محدود من التأكيد”. لا نعرف ما الذي أدى إلى هذا التناقض، سواء حدث كخطأ عدم الاتساق أو كتضليل سافر من جانب الشركة. ومع ذلك، فمن الواضح أن الخطأ تكرر في تقرير عام 2021. في المحصلة، إما حاولت ثري آي الحصول على رصيد غير مستحق للحصول على تأكيد معقول وإما ارتكبت خطأ في النسخ واللصق من تقرير عام 2021. ونظراً لطبيعة هذا الخطأ، قررنا التحقق من تقارير ثري آي التي أُصدرت مؤخراً لعام 2022 لمعرفة إن تكرر الخطأ نفسه مرة أخرى. ويا للمفاجأة، لقد تم تصحيح التناقض، حيث يذكر تقرير الاستدامة لعام 2022 الآن أنه تم الحصول على تأكيد محدود.

ووجدنا أمثلة أخرى على التناقضات والمفاهيم الخاطئة في معنى التأكيد الخارجي بالنسبة للشركات. حيث صرحت شركة يونايتد يوتيليتيز (United Utilities) إحدى أكبر شركات المياه في مجموعة “مؤشر فاينانشال تايمز للأسهم 100” في المملكة المتحدة، بأنها أكدت تقرير فريق العمل المعني بالإقرارات المالية المتعلقة بالمناخ (TCFD). وقد شكل مجلس الاستقرار المالي (The Financial Stability Board) وهو هيئة دولية تراقب النظام المالي العالمي، فريق العمل في عام 2015 للمساعدة في عمله على تعزيز وحماية الأسواق المالية العالمية من المخاطر الشاملة مثل التغير المناخي. وعندما فحصنا البيانات الأساسية لتقرير TCFD الخاص بشركة يونايتد يوتيليتيز، وجدنا أن التأكيد لا يشملها. وعندما استفسرنا عن هذا التناقض أجاب متحدث باسم الشركة: “ذلك يتعلق بما نقصده بالتأكيد”. وتابع الرد ليوضح أن هذا التأكيد كان “للإفصاح العادل بدلاً من تأكيد البيانات”، ما يعني ضمناً أن الإفصاح كان مشمولاً بالتأكيد وليس البيانات. وكيف بالضبط يمكن تأكيد الأول دون تأكيد الأخير! لا نعرف. طريقة عرض المعلومات ممكن أن تدفع القراء إلى افتراض أن البيانات الفعلية قد تم تأكيدها، لكن لم يتم التأكد منها في الواقع على نحو مستقل.

وجدنا مثالاً آخر على تقارير التأكيد المضللة من شركة أفيست (Avast)، وهي شركة تشيكية متعددة الجنسيات لبرمجيات الأمن السيبراني. ذكرت الشركة في تقريرها السنوي لعام 2020 أنها قصدت شركة إنفايروس (Enviros) للتحقق من انبعاثاتها، وهي شركة استشارية مقرها المملكة المتحدة متخصصة في علوم الأرض وتقدم خدماتها لشركات الطاقة. وصرحت الشركة في بيانها: “كلفت أفيست مدققاً خارجياً لمراجعة حساباتنا السابقة للانبعاثات، والتحقق إذا ما كانت الدوافع الرئيسية لتأثيرنا البيئي قد فُهمت بدقة، وتقديم توصيات إضافية لتقليل الانبعاثات الصادرة عن شركتنا”. لكننا فحصنا ذلك التقرير ووجدنا أن أفيس لم ترفق تقرير تأكيد إنفايروس الفعلي. ويرافق هذا التقرير عادةً تقرير معايير انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري (GHG) التي تم الكشف عنها في تقارير الشركة الذي يساعد على غرس الثقة في أن هذه المعايير قد تم التحقق منها على نحو مستقل. وعندما راسلنا الشركة لطلب مزيد من التفاصيل، أبلغنا أحد أعضاء فريقها أن تقرير التأكيد سري. وبعد المزيد من التحقيق بعث لنا ممثل الشركة عبر البريد الإلكتروني الرد الآتي: “أنا آسف لأننا لا نستطيع إفادتكم بالمزيد حول هذا الموضوع. كما تعلم، كان الغرض من عملنا مع إنفايروس تدقيق النتائج التي توصلنا إليها، ولكن في الوقت الحالي لا نعتزم نشر مزيد من التفاصيل”.

التعتيم: لقد بذلنا جهداً كبيراً لجمع كمية هائلة من البيانات لاستخراج المؤشرات التي يُزعم أنها خضعت للتدقيق في كل تأكيد. وللنجاح في ذلك كان علينا تحديد ما تسميه الشركات “المعلومات المختارة” التي تحدد هذه المؤشرات والتي تعمل كأساس لتأكيد الاستدامة. يثير مفهوم المعلومات المختارة الشكوك حول تحيز الشركات، لأن الإدارة تختار بحرية المقاييس التي تخضع لتأكيد مستقل وتلك التي لا تخضع له، وغالباً دون دلالات واضحة للأهمية النسبية للمقاييس التي يتم الكشف عنها. وبغض النظر عن هذه المشكلة وجدنا أنه من المستحيل في كثير من الأحيان حتى تحديد ما تتضمنه هذه المعلومات المحددة. وبدلاً من ذلك، مارست شركات كثيرة التعتيم، وأبدت التزاماً حازماً بجعل تفسير البيانات صعباً قدر الإمكان.

لنأخذ شركة إكسبيريان (Experian) على سبيل المثال. تقدم هذه الشركة الأميركية الأيرلندية المتعددة الجنسيات المختصة في تقارير ائتمان المستهلك درساً في كيفية عدم تقديم بيانات الاستدامة. حيث كلفت إكسبريان شركة برايس ووترهاوس كوبرز لإجراء تأكيد محدود لمقاييسها المبلغ عنها وقدمت ما يبدو أنه قائمة مفصلة ومفيدة لمقاييس أداء الأعمال المستدامة في القسم الذي يسبق تقرير التأكيد. وتقدم إكسبيريان هذه القائمة ضمن تقرير الأعمال المستدامة لعام 2021. ومع ذلك، سعينا إلى فهم التأكيد الخارجي لهذه المقاييس ووجدنا بحروف صغيرة جداً أن المقاييس التي يجاورها حرف مرتفع صغير “A” هي التي تم التأكد منها بواسطة شركة برايس ووتر هاوس كوبرز. ومن بين العديد من المقاييس التي تم الإبلاغ عنها والمنتشرة على 11 صفحة وتغطي موضوعات مثل تشكيل مجلس الإدارة، ومعلومات عن الموظفين، والتدابير الاجتماعية، وانبعاثات الكربون، واستخدامات الطاقة، تم تأكيد أربعة مقاييس فقط بشكل مستقل. وأدت طريقة عرض القائمة إلى عدم وضوح المقاييس التي كانت ضمن نطاق عمليات التأكيد.

تتعهد شركات كثيرة بتأكيد خارجي وتفصح فقط عن المقاييس التي تنتقيها الإدارة، بدلاً من تلك المرتبطة بعمليات الشركة.

شاركت شركة تايلور ويمبي (Taylor Wimpey)، وهي شركة لبناء المنازل مقرها المملكة المتحدة، في عملية تعتيم مماثلة. حيث شمل تقرير الاستدامة للشركة لعام 2020 قائمة طويلة جداً من المقاييس، بالإضافة إلى وثيقة التأكيد الخارجية من شركة كاربون تراست، وهي شركة استشارية بريطانية متخصصة بمساعدة الشركات على تحقيق صافي انبعاثات كربونية صفرية. وعلى الرغم من أن تايلور ويمبي قدمت في تقريرها ما يقرب من 100 مقياس أداء غير مالي، فإن ثلاثة منها فقط تم تأكيدها من مصدر خارجي: النطاق 1 والنطاق 2 عن انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري بالإضافة إلى بيانات الطاقة. أرسلنا رسائل بريد إلكتروني إلى سكرتارية الشركة المُدرجة كجهة اتصال بما يتعلق بالاستدامة، وذلك في ديسمبر/كانون الأول 2021 ويناير/كانون الثاني 2022 ولم نتلق أي رد. ثم أرسلنا بريداً إلكترونياً إلى رئيس علاقات المستثمرين في الشركة في أواخر يناير/كانون الثاني 2022. ولم نتلق أي رد أيضاً.

كما حولت الشركات الأخرى بحثنا عن المعلومات إلى مهمة صعبة. حيث ذكرت شركة أدميرال غروب (Admiral Group) للخدمات المالية التي تتخذ من ويلز مقراً لها في تقاريرها لعام 2019 أنها ستسعى في عام 2020 للحصول على تأكيدات من مصادر مستقلة. وبالنسبة إلى رصيد الشركة فقد حصلت في عام 2020 على تأكيد مستقل من كاربون تراست، وذلك وفقاً للإفصاح العام للشركة. ربما يرضي هذا التأكيد القراء العاديين من عامة الناس. لكن رغبتنا في فهم المعلومات المؤكدة قادتنا مرة أخرى إلى مسار ملتوٍ. وعلى الرغم من الفحص الدقيق لم نتمكن من العثور على بيان التأكيد الفعلي في موقع الشركة على الإنترنت ولا في التقارير السنوية أو المستندات ذات الصلة، ولم نتمكن من العثور عليه على موقع كاربون تراست الإلكتروني أيضاً. ولم تسفر عمليات البحث الإضافية عبر الإنترنت عن أي نتائج، لذلك قررنا التواصل بالشركة مباشرة. ولكن لم نعثر على أي معلومات عن جهات اتصال للرد على استفسارات المستثمرين في موقع الشركة على الإنترنت حيث تم إدراج جميع هذه المعلومات للعملاء الذين لديهم استفسارات متعلقة بالتأمين فقط. وكان الاسم الوحيد الذي تمكنا من العثور عليه في صفحات مواقع الإنترنت المتعلقة بالتقارير هو اسم مدير علاقات المستثمرين، ولكن لم يكن هناك عنوان بريد إلكتروني. فبحثنا عن تفاصيل الاتصال بالمدير على موقع لينكد إن ولكن لم يحالفنا الحظ. فلجأنا أخيراً إلى المراسلة المباشرة مع فريق وسائل التواصل الاجتماعي للشركة على تويتر وإنستغرام.

والمثير للدهشة أننا تلقينا رداً، وتعاون معنا الفريق وأرسل أرسل لنا نسخة من بيان التأكيد وبقراءة متأنية لتقرير التأكيد علمنا منه أنه “يجب قراءة بيان التأكيد هذا في إطار وثيقة البصمة”. ولكن لم ترسل الشركة لنا وثيقة البصمة وهي غير موجودة على موقعها على الإنترنت. وعندما طالبنا بالوثيقة، تم إبلاغنا أن الشركة “لن تشارك وثيقة البصمة على العلن لأنها تحتوي على بيانات داخلية”. وعرضت أدميرال غروب علينا الإجابة عن أي أسئلة حول وثيقة البصمة، ولكن كيف يمكننا طرح أسئلة حول وثيقة لم نرها؟ تثير هذه التجربة الشكوك حول مدى شفافية هذه التأكيدات وما يجب أن يتوقعه المستثمرون منها.

التضليل: الشكل الثالث من عمليات الغسل الأخضر الذي واجهناه في تحقيقنا لبيانات التأكيد هو التضليل. عملياً، لا يعد هذا الأسلوب إخفاء للمعلومات، لكننا نعلم جميعاً أن ما لا يقال غالباً ما يكون أكثر أهمية مما يقال. حيث كشفت محاولاتنا لجمع البيانات عن ممارسات إفصاح أغفلت معلومات مهمة، ونعتقد أن الحذف، في بعض الحالات على الأقل، كان يهدف إلى تشتيت الانتباه عن معلومات غير مرغوب في نشرها. لقد واجهنا أيضاً قدراً كبيراً من عدم الاستجابة والتهرب من الاستفسارات المختلفة التي طرحناها.

كل ما قدمته لنا شركة سيفيرن ترينت (Severn Trent) لخدمات المياه في كوفنتري ومقرها المملكة المتحدة، هو الصمت المطبق. في الصفحة 196 من تقرير الأداء السنوي لعام 2021، قدمت الشركة مقاييس انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري الخاصة بها وذكرت أن شركة تدعى جاكوبس (Jacobs) قد تولت التأكيد الخارجي لبيانات انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري وعملياتها. وفعلاً أدرجت سيفرن ترينت تقرير التأكيد من شركة جاكوبس في الصفحة 35 من التقرير. لكن لم يكن محتوى التقرير وتغطيته شاملين. أولاً، لم يحتوِ على معلومات حول المقاييس التي أكدتها شركة جاكوبس على نحو مستقل. ولم نتمكن أيضاً من العثور على معلومات حول إذا ما كان التأكيد قد أُنجز على أساس محدود أم معقول. كما لم نتمكن من تحديد أي معلومات حول الأطر أو المعايير أو المقاييس المعيارية المستخدمة في عملية التأكيد.

لذا اتصلنا بالشركة للتأكيد أن شركة جاكوبس قد أكدت بشكل مستقل جميع المقاييس في الصفحة 196. وقمنا بتضمين أسئلة محددة في استفسارنا عبر البريد الإلكتروني، حيث ظننا أن معلومات التأكيد هذه قياسية ويجب أن تكون الشركة قادرة على مشاركتها معنا. لقد أرسلنا رسائل بريد إلكتروني إلى مجموعة متنوعة من الإدارات والأفراد في الشركة، بما في ذلك مسؤول التواصل في فريق المسؤولية الاجتماعية للشركات والشخص المسؤول عن قسم علاقات مع المستثمرين. وحتى شهر أكتوبر/تشرين الأول 2022، لم نتلق رداً.

في حالات أخرى، تم حرماننا من المعلومات البسيطة حول التفسير المنطقي والاستدلال. على سبيل المثال، عند مراجعة شركة سميث آند نيفيو (Smith & Nephew plc) لتصنيع المعدات الطبية التي يقع مقرها الرئيسي في المملكة المتحدة لاحظنا أنها لم تقدم تأكيداً خارجياً منذ عام 2017. راسلنا سميث آند نيفيو واستفسرنا عما إذا كان فهمنا دقيقاً، وفي حال كان كذلك، فما سبب هذه الحالة. كما سألنا عما إذا كان من المحتمل أن تستأنف الشركة التأكيد الخارجي من مقاييس الاستدامة في المستقبل. وأكد لنا متحدث رسمي للشركة أن آخر عملية تأكيد خارجية كانت بالفعل في عام 2017، ومع ذلك لم يُظهر أي اهتمام بالمزيد من الحديث في هذا الموضوع معنا، مكتفياً بالقول “أنتم على صواب، لا نعلق على قرارات محددة مثل هذه، لكننا نحرص على الدقة والمراسلات في تقرير الاستدامة الصادر عنا بعناية. وأنا على يقين أننا سننظر في التأكيد المستقل مرة أخرى في المستقبل القريب”.

لم نفقد الأمل

يمكننا رواية العديد من الحكايات المحيرة والمثيرة للغضب في بعض الأحيان حول تجاربنا في جمع بيانات شركات مجموعة “مؤشر فاينانشال تايمز للأسهم 100″، لكننا لا نريد أن نعطي انطباعاً بأن تأكيد الاستدامة أمر ميؤوس منه. وعلى الرغم من الأمثلة السلبية التي تدعو للحيرة والإحباط، هناك بعض الأمثلة الإيجابية والمشجعة. حيث كانت بعض تقارير التأكيد غنية بالمعلومات، واستجابت بعض الشركات لاستفساراتنا بسرعة وبشكل كامل. قدمت على سبيل المثال شركة جونسن ماتهي (Johnson Matthey) البريطانية المتعددة الجنسيات للمواد الكيميائية والتقنيات المستدامة تقريراً سنوياً متكاملاً تضمن كلاً من البيانات المالية وبيانات الاستدامة في مستند واحد، وهو تغيير مفيد ومريح مقارنة مع كثرة المستندات التي نواجهها عادة في بحثنا. كان التقرير منظماً على نحو جيد وسهل التصفح. كما أجرت شركة أفيكو (Avieco) لاستشارات الاستدامة ومقرها المملكة المتحدة التي تعد جزءاً من شركة أكسينتشر (Accenture) تأكيداً خارجياً، وتضمن تقريرها قائمة مفصلة لإجراءات التأكيد، وبياناً واضحاً للأهمية النسبية، وجداول سهلة القراءة للمقاييس الرئيسية، بالإضافة إلى توصيات شاملة لتحسين الأداء.

وكما أشرنا سابقاً، غالباً ما تتجاهل الشركات التي تقدم تقاريرها وشركات التأكيد غير المالي مقاييس الاستدامة التفصيلية المطلوبة أو تخفضها لضمان ثقة الجمهور. كما يتعهد العديد من الشركات بتأكيد خارجي ويفصح فقط عن المقاييس التي تم اختيارها بعناية من قبل الإدارة بدلاً من المقاييس المتعلقة بعمليات الشركة وبالأخص المتعلقة بأصحاب المصالح. ويُحسب لشركة جونسون ماتهي أنها استخدمت مستشاراً خارجياً للاستدامة لإجراء تقييم مستقل وصارم لتحديد المقاييس المتعلقة بمجموعة متنوعة من أصحاب المصالح الداخليين والخارجيين، بمن فيهم الموظفون والعملاء والمستثمرون والمنظمات غير الحكومية وغيرهم. حيث أنتج هذا الجهد مخططاً قوياً للحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية بناءً على محاور الاستدامة والمقاييس ذات الأولوية التي صاغتها مجموعات أصحاب المصالح تلك. وعلى الرغم من أنها ليست مهمة بسيطة أو خالية من المخاطر، فإن هذه العملية تجسد المشاركة الواسعة لأصحاب المصالح والتي تعد حاسمة في عملية تطوير أهداف وغايات الاستدامة الجوهرية وذات الصلة وغير المرهونة بأهواء الإدارة.

كما وجدنا مثالاً آخراً يحتذى به في شركة موندي (Mondi) لتصنيع الورق والتغليف المتعددة الجنسيات، حيث كان تقريرها السنوي منظماً على نحو جيد ومفهوماً ومتكاملاً. إذ تضمن تقرير موندي لتأكيد الاستدامة الذي أنجزته شركة تأكيد مستقلة تدعى إي آر إم سي في إس (ERM CVS) بياناً واضحاً لنطاق الالتزام ومعايير إعداد التقارير والمقاييس. وعلى الرغم من أن معظم مؤشرات الأداء الرئيسية للاستدامة الخاصة بشركة موندي قد تم تأكيدها بمستوى محدود، فإن شركة إي آر إم سي في إس قد أجرت تأكيداً معقولاً لبعض المقاييس البيئية المهمة، بما في ذلك انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري في النطاق 1 والنطاق 2 واستخدام الطاقة. وعلى نحو مماثل لشركة جونسون ماتهي، تأخذ شركة موندي مشاركة أصحاب المصالح المتعددين على محمل الجد في حوكمة الاستدامة والإفصاحات. حيث يُعرِّف تقرير التنمية المستدامة للشركة عام 2020 أصحاب المصالح على نطاق واسع بأنهم “أفراد ومجموعات ومؤسسات وشركاء داخليون وخارجيون مهتمون بقراراتنا وسياساتنا وأهدافنا التجارية أو لديهم تأثير عليها أو يتأثرون بها (سلباً أو إيجاباً)”. وخصصت موندي خط اتصال مباشر كجزء من نموذج حوكمة الاستدامة لديها، ما يوفر إمكانية الإبلاغ عن المخالفات والشكاوى من دون تحديد هوية المتصل لخدمة أصحاب المصالح بمن فيهم الموظفون والعملاء والشركاء والمستثمرون. وتسمح هذه العملية لأصحاب المصالح بالإبلاغ عن أي مخاوف تتعلق بعملياتهم التجارية، بما في ذلك التلوث البيئي وقضايا الموارد البشرية، وانتهاكات الصحة والسلامة، والاحتيال والفساد، وما إلى ذلك. حيث يحقق قسم التدقيق الداخلي في شركة موندي هذه التقارير وتتم مراجعتها في مجلس الإدارة. ولا يخلو هذا الإجراء من المخاطر ولكنه يغرس ثقة كبيرة عبر توفيره الشفافية لعمليات شركة موندي التجارية ومدى تأثيرها.

الشكر العميق لكل من هذه الشركات وشركات تأكيد الاستدامة لتقديم معلومات واضحة وجوهرية إلى مجتمع واسع من أصحاب المصالح، بمن فيهم المستثمرون وعامة الناس.

تحسين الأداء

ولنكن منصفين، قد لا تعبر وجهة نظرنا دائماً عن كامل المشهد. ففصل الممارسات عن الإفصاح ليس دائماً بالعمل السهل، وقد تستخدم الشركات طرق قياس فعالة داخلياً ولكن مع آليات إعداد تقارير ضعيفة لا تقدم معلومات للقارئ. ولا تقتصر مسؤولية إعداد تقارير تأكيد جيدة على الشركة، فالعمليات والممارسات الفعالة وشركات التأكيد والتدقيق ذات المستوى الجيد كلها عوامل ضرورية.

قادتنا هذه التجربة إلى عدة استنتاجات. أولاً، يستخدم مقدمو المعلومات والمدققون والمؤكدون قدراً كبيراً من المفردات والمصطلحات الغامضة في التدقيق المالي (مثل مصطلحات “تأكيد معقول” أو “تأكيد محدود”) وفي كثير من الأحيان دون تفسيرات كافية. وعليهم تحديد الفرق بين تأكيد الاستدامة والتدقيق المالي على نحو أفضل، وكيف يستدعي هذا الفرق عمليات ومهارات ومفردات وتفاصيل معلومات مختلفة. وعلى شركات التأكيد إجراء عمليات أكثر صرامة وتوحيد معايير هذه المتطلبات للوصول إلى عمليات تدقيق ذات مصداقية لتقارير الاستدامة.

ثانياً، بمقدور الشركات أن تساعد في مصداقية تقارير تأكيد الاستدامة من خلال توفير معلومات أكثر اكتمالاً واتساقاً. وعلى كل شركة تخضع للتأكيد الإفصاح على الأقل عن أربعة جوانب: 1) ما هو الإطار والمنهجية المستخدمة لإعداد المعلومات والإفصاح عنها، 2) ما هي المعلومات والمقاييس المحددة والمؤكَدة بشكل مستقل، ومن قام بتأكيدها، 3) تحديد إذا ما كان التأكيد محدوداً أم معقولاً، و4) تقديم أي معلومات إضافية من شأنها أن تساعد لوضع المعلومات الواردة أعلاه في سياقها الصحيح. إن الإشارة إلى المعلومات المفقودة أو ذكر ما هو مهم دون تقديم معلومات يقوض مصداقية التقرير وتدقيقه على نحو كبير.

وعلى الرغم من محاولات الغسل الأخضر التي واجهناها، نؤكد أنه يبقى التدقيق والتأكيد الخارجي أداة أساسية لرفع جودة المعلومات المتعلقة بالاستدامة ومصداقيتها وضماناً لتحقيق الشركات أهداف الاستدامة الحقيقية.

نضوج تقارير الاستدامة

كتب الإمبراطور الروماني ماركوس أوريليوس: “كل ما نسمعه مجرد رأي وليس الحقيقة، وكل شيء نراه ما هو إلا وجهة نظر وليس الحقيقة”. ينطبق هذا الدرس المستفاد من إدارة إمبراطورية على تقارير الاستدامة. طالما ثمة مجال للتحسن في وضع معايير تدقيق الاستدامة العالمية، وإدراج بيانات التأثير الاجتماعي، والتبني الموسع لممارسات تأكيد معقولة (مقابل محدودة)، وأكثر من ذلك، فهناك ما يدعو للتفاؤل. ستثبت الجهود المبذولة على المستوى المحلي أو الدولي لتحسين التقارير والمقاييس ومواءمتها أنها مجدية في سبيل تنظيم تقارير أكثر اتساقاً، كما في المملكة المتحدة عن طريق هيئة فاينانشال ريبورتينغ كانسيل (Financial Reporting Council) وعلى الصعيد الدولي عن طريق مجلس معايير الاستدامة الدولية (ISSB) التابع لمنظمة فاينانشال ريبورتينغ ستانداردز فاونديشن (International Financial Reporting Standard Foundation). كما يفرض توجيه تقارير استدامة الشركات الصادر عن الاتحاد الأوروبي عمليات تدقيق تقارير الاستدامة، والتي من شأنها أن تحسّن خبرة المدققين وإجراءاتهم حتى لو كان ذلك لالتزامات التأكيد المحدود. ومن شأن التوجيهات والمعايير الصريحة أن تساعد الشركات التي تقدم التقارير والمدققين على إضفاء الطابع الرسمي على ممارساتهم ورفع مستوى جودتها. من المحتمل أيضاً أن يؤدي توجيه إعداد تقارير استدامة الشركات إلى مزيد من الرقابة التنظيمية على عمليات التدقيق من قبل هيئات المنافسة والمستهلك وهيئات السوق، والتي في أفضل الحالات ستثني الشركات عن عمليات الغسل الأخضر.

في النهاية، يحتاج المستثمرون وعامة الناس إلى الشعور بالثقة في أن المعلومات التي تقدمها الشركات سواء البيانات المالية أو بيانات الاستدامة دقيقة وجديرة بالثقة. ويعد التأكيد الخارجي شرطاً لإعداد التقارير المالية للشركات المدرجة. ونعتقد بوجوب تطبيق نفس عملية التحقق الصارمة على تقارير الاستدامة. لقد اتخذت شركات كثيرة خطوات صغيرة، لكن الطريق أمامها لا يزال طويلاً لتصل إلى مرحلة النضج.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.