ما تتركه خلفك هو ما تنسجه في حياة الآخرين. وفي ظل التغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم؛ تزداد الحاجة لأفراد مؤهلين لتقديم حلول فعّالة للتحديات المجتمعية مثل الفقر، وتمكين المرأة، وحماية البيئة.
وهناك فرصة للجامعات لتقديم مساهمات قيّمة في قطاع التأثير الاجتماعي؛ إذ تُعد أداة قوية لإعداد الجيل المقبل من علماء الاجتماع، وواضعي السياسات، وروّاد الأعمال الاجتماعيين وموظفي الخدمة المدنية، فكل مشروع اجتماعي يحتاج إلى فريق من الموظفين المتعلمين على مستوى عالِ.
يشير تقرير الجيل المقبل من القوى العاملة الملهمة إلى أن 4 ملايين طالب جامعي في أميركا حصلوا على درجات علمية على أمل دخول سوق العمل، واعتبر 55% منهم أن الاهتمام بالقضايا الاجتماعية سيكون عاملاً مهماً في تحديد مكان العمل، وأدى ذلك إلى تزايد برامج الجامعات لريادة الأعمال الاجتماعية في جميع أنحاء العالم، على سبيل المثال، طورت مؤسسة أشوكا العالمية التي تروج للابتكار الاجتماعي في التعليم العالي، شبكة عالمية من الطلاب وأعضاء هيئة التدريس وقادة المجتمع الذين يعملون على تطوير هذا المجال، وتوسعت إلى 30 حرماً جامعياً خلال السنوات القليلة الماضية.
أهمية ممارسة الشباب الجامعي للخدمة المجتمعية
يمكن للجامعات ومؤسسات التعليم العالي أن تكون أكثر ارتباطاً بالواقع عبر مزج الأسس الاقتصادية والاجتماعية التقليدية مع تجارب عملية؛ ما يساعد في إعداد الطلاب للدخول في عالم ريادة الأعمال الاجتماعية، وفي هذا الإطار، عمل الباحث المصري حمدي عبد العال عبد الله على دراسة بعنوان: الممارسة العامة للخدمة الاجتماعية وتنمية بعض مهارات ريادة الأعمال الاجتماعية لدي الشباب الجامعي لتحديد مدى فعالية التدخل المهني باستخدام الممارسة العامة للخدمة الاجتماعية في تأهيل الشباب الجامعي للدخول في عالم ريادة الأعمال.
وتوصلت الدراسة التي طُبقت على 15 شاباً جامعياً في المعهد العالي للخدمة الاجتماعية بمحافظة قنا المصرية، إلى أن التدخل المهني باستخدام الممارسة العامة للخدمة الاجتماعية، هو وسيلة فعّالة لتنمية بعض مهارات ريادة الأعمال لدى الشباب الجامعي.
تعزز ريادة الأعمال التنمية الاجتماعية والاقتصادية؛ ما دفع الدول إلى إدخال تعليم ريادة الأعمال في الجامعات القائم على الإبداع، وتوليد الأفكار، والابتكار، ويأتي هذا التوجه في ظل ضعف استيعاب الخريجين في سوق العمل وعدم تمكن نظام التعليم من مواكبة المتغيرات التي طرأت على الاقتصاد العالمي؛ رصدت دراسة بريطانية بعنوان: تعليم ريادة الأعمال الفنية في المملكة المتحدة وألمانيا (Arts Entrepreneurship Education in the UK and Germany An Empirical Survey Among lecturers in Fine Art) حالة تعليم ريادة الأعمال الاجتماعية في مؤسسات التعليم العالي في إنجلترا وألمانيا، وكشفت عن ضعف التعليم الريادي في البلدين، ومعاناة الطلاب من عدم وضوح الرؤية لافتقارهم إلى مهارات تنظيم الأعمال والبرامج التدريبية المتخصصة بالمهارات الريادية.
الحاجة إلى ريادة الأعمال الاجتماعية في عالم متغير
مع نمو مشاكل المجتمع، تزداد الحاجة إلى ريادة الأعمال الاجتماعية؛ إذ تركز معظم نماذج الأعمال على تعظيم الربح، لكن عندما يتعلق الأمر بريادة الأعمال الاجتماعية؛ يتحول اهتمام المؤسسات الاجتماعية، أو الشركات التي تضم رواد أعمال اجتماعيين نحو التأثير الاستباقي في التغيير الاجتماعي الإيجابي، وبحسب دراسة نرويجية بعنوان: بحوث ريادة الأعمال الاجتماعية: الإنجازات الماضية والوعود المستقبلية (Social Entrepreneurship Research: Past Achievements and Future Promises) يمكن للشركات أن تساعد في تخفيف عبء الفقر.
أدى تأثير جائحة كوفيد-19 إلى بروز المؤسسات الاجتماعية في المقدمة، وحوّلت العديد من المؤسسات التقليدية تركيزها لدعم الصالح العام واحتياجات الجمهور في أثناء الوباء، وشهد العِقد الماضي زيادة في ريادة الأعمال الاجتماعية بسبب التطور التكنولوجي وتنامي مصلحة المسؤولية الاجتماعية نتيجة التشريعات الحكومية، والاهتمام بتحقيق الاستدامة، وعكست الجائحة مدى هشاشة المجتمع أمام الأزمات، إذ توقع البنك الدولي أن يواجه ما يزيد عن 100 مليون شخص الفقر المدقع بسبب كوفيد-19. كما أغلقت الشركات أبوابها وفقد الناس وظائفهم وأحبائهم. وعلى هذا النحو، أصبح رواد الأعمال الاجتماعيون أول المستجيبين الذين يمكنهم التوفيق بين جهود الأعمال بهدف تقديم المساعدة الاجتماعية والحماية للمحتاجين.
تفتح ريادة الأعمال الاجتماعية مسارات جديدة للمهمشين والمحرومين، وتُطلق العنان لإمكانات المجتمع لإحداث تغيير اجتماعي، لكن المؤسسات الاجتماعية تواجه عدة تحديات، أبرزها:
- نقص الدعم التمويلي بسبب الاعتقاد الخاطئ الأساسي بأن المؤسسات الاجتماعية غير مربحة وهناك مخاطر تتعلق بتمويلها، لذا يكافح رواد الأعمال الاجتماعيون لجمع رأس المال المطلوب واستثمار مدخراتهم لمعالجة المشكلات الاجتماعية.
- الافتقار إلى بيئة مناسبة تدعم استدامة المؤسسات الاجتماعية، فمع ندرة الدعم الحكومي؛ تصبح قدرة هذه المؤسسات على معالجة المشكلات الاجتماعية وفرصها للتوسع محدودة بسبب نقص الموارد.
- الافتقار إلى استراتيجية عمل مناسبة تساعد في تطوير الحلول الاجتماعية؛ إذ ينقص رواد الأعمال الاجتماعيون، في بعض الأحيان، المعرفة اللازمة لإدارة المشاريع الاجتماعية، والمهارات الإدارية المطلوبة التي تسمح لهم بالتخطيط والتنبؤ المالي وما إلى ذلك.
إعداد الطلاب الجامعيين لريادة الأعمال الاجتماعية
على الرغم من التوجه العالمي لتبني أنظمة التعليم المعاصرة المواكبة لاقتصاد المعرفة بهدف إعداد الشباب وتهيئتهم للتأثير في المجتمع؛ إلا أن التعليم الجامعي ما زال يعاني من التباين بين المضمون الذي يتم تعليمه حالياً في الجامعات والتوقعات التي تفرضها التغيرات السريعة في عالم اليوم. من هنا تبرز الحاجة إلى مزيد من الجهود لصانعي القرارات التعليمية بتجديد مضمون التعليم الجامعي، والتركيز على دور الخدمة الاجتماعية التي تسعى لتحقيق العدالة والتنمية الإجتماعية.
تتطلب الثقافة الريادية تشجيع الشباب الجامعي وتحفيزه لتعلم مهارات ريادة الأعمال وتطوير سماتها العامة؛ إذ أكدت دراسة سعودية بعنوان: ريادة الأعمال الاجتماعية وموقف الخدمة الاجتماعية منها، ضرورة الاهتمام بتعليم ريادة الأعمال الاجتماعية ضمن مناهج الخدمة الاجتماعية لتحقيق التقارب، والاستفادة من المعطيات النظرية والمهنية التي يمكن أن تحقق العدالة الاجتماعية التي تنشدها المهنة.
كي يحدث تغييراً اجتماعياً حقيقياً؛ يجب إتاحة برامج تعلم ريادة الأعمال الاجتماعية للجميع، وفي هذا الإطار تقدم أفضل كليات إدارة الأعمال الآن ضعف عدد الدورات التدريبية في الإدارة غير الربحية،
على سبيل المثال، يهدف برنامج ستانفورد للريادة الاجتماعية إلى زيادة وعي بالدور الحيوي لتعلم الخدمة، من خلال تدريب الطلاب على طرق جمع التبرعات، وقياس تأثير البرامج، ولتوفير رؤية عملية إضافية؛ يتمتع طلاب التعلم الخدمي بفرصة تطبيق ما تعلموه من خلال المشاريع النهائية التي تدعم عمل المؤسسات غير الربحية.
تتأثر نية الطلاب الجامعيين بممارسة ريادة الأعمال الاجتماعية بعدة عوامل، ووفق دراسة كندية بعنوان: تأثير الجامعة على نية ريادة الأعمال الاجتماعية لدى الطلاب (Effect of the university onThe Social Entrepreneurial Intention of Students) تحفز المعايير البيئية والاجتماعية في الجامعة، إلى جانب الخبرة في القضايا الاجتماعية والثقافية والبيئية لممارسة ريادة الأعمال الاجتماعية من خلال التأثير في بوادر التعاطف مع الآخرين، والدعم المجتمعي المتو والمسؤولية الاجتماعية والثقافية والبيئية.
إذن، من مسؤولية التعليم الجامعي نشر ثقافة العمل الريادي الاجتماعي، وتزويد الشباب بالمهارات التي يحتاجونها بعد التخرج، وتنمية روح المبادرة، والابتكار، والإبداع لتفعيل دورهم في التغيير الإيجابي بالمجتمع.
نُشر المقال استناداً على بحث من منصة "ساهم".