لم تعد الأنشطة البيئية والاجتماعية للشركات مسألة اختيارية، بل باتت ضرورة لا غنى عنها، وخرجت من إطار تقديم المِنح والتبرعات ورعاية المشروعات المجتمعية لتصبح مجالاً تتنافس فيه الشركات على توفير الدعم الحقيقي للمجتمعات المحلية وتطويرها، ويُعد رمضان فرصة قيّمة للشركات لتترك بصمة اجتماعية وأثراً مستداماً.
وعي متزايد بأهمية الدور المجتمعي
تشمل ممارسات المسؤولية الاجتماعية للشركات عادةً القضايا المتعلقة بأخلاقيات العمل، وحقوق الإنسان والاستثمار المجتمعي، والبيئة، والحوكمة، فالشركات مسؤولة عن تأثير أنشطتها التشغيلية وعملياتها التجارية على مسار التنمية، ومطالبة بتنفيذ سياسات وبرامج تسهم في تحسين المستوى المعيشي عبر خلق فرص عمل وتقديم خدمات تعليم ورعاية صحية جيدة، وتوفير السكن ودعم المشاريع الريادية.
تشير الدراسات والاستطلاعات إلى زيادة الوعي بأهمية المسؤولية الاجتماعية، وبضرورة أن توازن الشركات بين تحقيق الأرباح وخدمة المجتمع، إذ يرى 76% من الرؤساء التنفيذيين أن نجاح الأعمال التجارية يتعدى الربح المادي إلى إحداث التأثير المجتمعي، ويأمل 63% من الأشخاص أن يكون للشركات دور ريادي في دفع كل من التغيير الاجتماعي والبيئي، ويفضّل 87% منهم شراء منتج من شركة تدعم قضايا يهتمون بها، وبالمثل يتطلع 75% من الموظفين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاماً إلى أن يكون لدى أصحاب العمل موقف بشأن القضايا المهمة. ما يعني أن المسؤولية الاجتماعية ستنعكس إيجاباً على صورة العلامة التجارية وقاعدة الشركاء والموظفين والمستهلكين.
وفيما يلي 4 عوامل تساعد على بناء برامج فعّالة للمسؤولية الاجتماعية خلال رمضان:
1. تطوير رسائل الحملة
يعد رمضان موسماً تزداد فيه أنشطة التواصل سواء الفعلي أو الافتراضي، إذ تشير الأبحاث إلى أن 68% من الأشخاص يقضون وقتاً في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي خلال هذا الشهر، ما يجعله فرصة كي توظف الشركات منصاتها الرقمية توظيفاً صحيحاً في نشر قيمها الإنسانية وجهودها المجتمعية.
لذا يجب أن تكون استراتيجية المحتوى والرسائل الأساسية التي تود الشركات إيصالها إلى الناس متوافقة مع خصوصية شهر الصيام، بمعنى أن تلخص الرسائل أهداف الحملة الرمضانية وتحدد أفضل أدوات التواصل مع المستفيدين والمتبرعين والمانحين وحتى العملاء.
على سبيل المثال، تعاونت شركة دو، التابعة لشركة الإمارات للاتصالات المتكاملة مع المخرجة عائشة الزعابي لإطلاق حملة رمضانية تحت شعار "الخير يدوم"، وهي عبارة عن تصوير فيديو قصير يستعرض قصص أشخاص أثّرت الشركة في حياتهم، لتسليط الضوء على العلاقات والروابط العميقة التي كونتها دو مع عملائها على مر السنين.
والاعتماد على المخرجة عائشة الزعابي كان عاملاً مهماً في الحملة، لأن اختيار شخص ذي ثقة ومصداقية في المجتمع لنشر الرسالة الإنسانية للشركة، سيزيد من فعاليتها.
2. إشراك المجتمع المحلي
إن القدرة على خلق واقع أفضل لا تأتي فقط من أصحاب السلطة أو ممن تتوافر لديهم التكنولوجيا الحديثة ويتمتعون بمعرفة جيدة بها، فالمجتمعات المحلية بما تحمله من قيم ومبادئ مشتركة يمكن أن تسهم في التوصل إلى حلول إبداعية ومبتكرة للتحديات الأكثر إلحاحاً.
ويبدأ إحداث الفرق من النطاق المحلي، لأن السكان المحليين على دراية أكثر بطبيعة التحديات والمشاكل التنموية التي تواجههم، وبالتالي لديهم قدرة أكبر على تحديد احتياجاتهم وطبيعة الخدمات التي يفتقرون إليها، والإسهام في توفيرها.
3. التعاون مع الجهات الخيرية
قد تواجه تنمية الأعمال التجارية تحديات ناتجة عن الأزمات العالمية والصراعات، في المقابل تعمل المؤسسات الخيرية والجمعيات الأهلية على صياغة حلول للتحديات المجتمعية وتصميمها واختبار مدى فعاليتها، لكن توسيع نطاق هذه الحلول يصطدم بمعوقات مثل نقص التمويل والتكلفة المرتفعة للنطاق التشغيلي المطلوب للتوسع.
لذا من المهم بناء شراكات مع الجهات الخيرية المختلفة من أجل إطلاق مبادرات وحملات تقدم إسهامات إيجابية للمجتمع ما يعزز قيم الشركة ورؤيتها، وهو ما أكده الدليل الإرشادي الصادر عن وحدة الدراسات التحليلية لدى شركة دبليو 7 وورلد وايد (W7Worldwide) للاستشارات الاستراتيجية والإعلامية لبناء برامج فعالة للمسؤولية الاجتماعية في رمضان.
في رمضان هذا العام، تدعم شركة بترول الإمارات الوطنية – إينوك أكثر من 600 ألف شخص عبر سلسلة من الأنشطة المجتمعية تنظمها بالتعاون مع عدد من الجمعيات الخيرية، منها مبادرة "ملابس" التي تنظمها بالتعاون مع جمعية بيت الخير، لتشجيع موظفي إينوك على التبرع بالملابس الجديدة والمستعملة لدعم الأسر المحتاجة، وحملة "رمضان أمان" لتوزيع صناديق الإفطار على أكثر من 500 ألف مستفيد بالتعاون مع جمعية الإحسان الخيرية.
4. الاهتمام بالموظفين
تتطلب المسؤولية الاجتماعية من الشركات صياغة هدف اجتماعي يتجاوز مجرد خلق القيمة الاقتصادية للمستثمرين في الشركة، والتشجيع على التطوع وتقديم برامج المنح المختلفة لإشراك جميع الموظفين في أنشطتها الخيرية ورفع معنوياتهم، فهذه الخطوة ستخلق لديهم شعوراً أعمق بالهدف من عملهم اليومي في الشركة.
في عام 2020، تزامن رمضان مع انتشار جائحة كوفيد-19 وما سببته من قيود وإغلاقات أدت إلى التحوّل للعمل عن بُعد، وكشفت الجائحة عن أوجه عدم التكافؤ الصحي المتغلغلة في المدرسة والمجتمع ومكان العمل. لذا كان الاهتمام بالموظفين عاملاً مهماً لفعالية برامج المسؤولية الاجتماعية للشركات، عبر تقديم رسائل الدعم النفسي والتشجيع على ممارسة الرياضة للحفاظ على الصحة واللياقة البدنية.
فقد كشفت نتائج دراسة حالة لشركتي سيراميكا كليوباترا والنساجون الشرقيون في مصر، عن منح الشركتين الأولوية للحفاظ على الصحة العامة للعمال والمواطنين والخروج من الأزمة دون النظر إلى الأرباح.
إن التركيز على هذه العوامل سيُمكن الشركات من بناء صورة وسمعة جيدتين وتحقيق أثر مجتمعي مستدام يمتد إلى ما بعد شهر رمضان.