نحن نفكر في أنفسنا كثيراً كأفراد منفصلين عن بعضنا البعض، بينما كل ما نفعله يؤثر في العالم بأسره. فأي عمل جيد سيعُم على الجميع. وعندما تكون خيّراً مع الآخرين، فالأمر يتخطى مجرد عمل لطيف؛ إنه أمر حتمي لبقائنا كبشر، ورفاهيتنا كمجتمع محلي وعالمي.
قد يتطوع شخص واحد ست ساعات شهرياً من وقته في مأوى للمشردين، ويقدم لهم وجبات الطعام بطريقة مرحة ترسم الابتسامة على وجوههم، وربما يتبرع شخص آخر بالمال لنفس الملجأ دون زيارته، ويمكن أن تعرض أخرى معارفها ومهاراتها من خلال تدريس فصل دراسي حول محو الأمية مرة واحدة في الشهر لعملاء المأوى، كل منهم يعكس الانتماء للمجتمع ويساهم في حل مشاكله وتطويره بطريقته الخاصة.
دمج الانتماء بالعمل الخيري
تتمثل ركائز الانتماء المجتمعي في المساواة، والعدل، والحرية وتكافؤ الفرص، ويساهم العمل الخيري في تعزيزها عبر إتاحة الفرصة للأفراد لإحداث تغيير اجتماعي جوهري يساهم في حل المشكلات الملحة، ومن هذا المنطلق، عملت الباحثة السعودية حصة بنت عبد الرحمن السند على دراسة بعنوان: رؤية مستقبلية لتفعيل دور الجمعيات الخيرية في تعزيز الانتماء الوطني للمستفيدين، للوقوف على دور الجمعيات الخيرية في تعزيز الانتماء الوطني للمستفيدين، ووضع إطار معرفي نظري يمكن لمتخذي القرار والمتخصصين والخبراء من خلاله تحديد الأدوار التخطيطية والتنسيقية لتصميم المشروعات الخيرية وتنفيذها لتعزيز هذا الانتماء.
وأوصت الدراسة التي طُبقت على 190 من الاختصاصيين الاجتماعيين والعاملين في برامج الجمعيات الخيرية بمنطقة الرياض، بتكثيف الدورات التدريبية للعاملين بالجمعيات الخيرية، وتوفير دليل للبرامج والأنشطة الاجتماعية التي تقوم بها تلك الجمعيات الخيرية لتعزيز الانتماء الوطني للمستفيدين، والتواصل بين الجمعيات الخيرية والجامعات لتبادل التجارب والخبرات الوطنية والعالمية.
أهمية الانتماء في المجتمع
مع بروز الاقتصاد السلوكي، الذي يجمع بين عناصر الاقتصاد وعلم النفس لفهم دوافع السلوك الفعلي للأفراد؛ تغيرت فكرة أن الناس أنانيون ويسعون فقط لتحقيق أقصى قدر من المتعة والمال، وأصبح المغزى المجتمعي فيما يفعله الأفراد حافزاً أكبر لهم لتقديم المزيد. على الرغم من أن المؤسسات الخيرية تفضل عادةً تلقي الهدايا المالية، فقد وجدت دراسة أميركية بعنوان: لماذا المتبرعون أكثر كرماً بالوقت من المال؟ دور الرقابة المتصورة على التبرعات في العطاء الخيري (Why Are Donors More Generous with Time Than Money? The Role of Perceived Control over Donations on Charitable Giving)؟، أن تفضيلات المتبرعين غالباً ما تكون عكس ذلك تماماً؛ فهم يفضلون إعطاء الوقت بدلاً من المال؛ حتى عندما يكون التبرع بالوقت أقل فائدة للقضية.
إذا كان لدى الأفراد الشغف بالعدالة الاجتماعية، فإن الشراكة مع مؤسسة خيرية يساعدهم في إحداث تأثير كبير في حياة غيرهم والمجتمع ككل، على سبيل المثال، فإن العمل مع مؤسسة فريد هولوز (Fred Hollows) الأسترالية يتجاوز إفادة الشخص المعرض لخطر الإصابة بالعمى الدائم لأسباب يمكن معالجتها، لذلك فإن استعادة بصرهم لا يمنحهم فقط القدرة على العمل والدراسة، ولكنه يفيد أسرهم مالياً ويحسن الاقتصاد المحلي لمجتمعهم؛ إذ وجدت دراسة بعنوان: الاستثمار في الرؤية: تكاليف ومنافع إنهاء العمى الذي يمكن تجنبه (Investing In Vision The Costs & Benefits of Ending Avoidable Blindness) أجرتها شبكة برايس ووتر هاوس كوبرز (PricewaterhouseCoopers. PwC) للخدمات المهنية أنه مقابل كل دولار أسترالي يُستثمر في تحسين رؤية الأفراد، هناك مكسب اقتصادي بقيمة 4 دولارات أسترالية، ما يخفف من تأثير فقدان البصر.
من جهة أخرى؛ تُعد الروابط الاجتماعية التي تصاحب الشعور بالانتماء عاملاً وقائياً يساعد في إدارة التوتر والقضايا السلوكية الأخرى. عندما نحظى كأفراد بالدعم المطلوب نصبح أكثر مرونة، وغالباً ما نتعامل بفاعلية أكبر مع الأوقات الصعبة في حياتنا، كما يعزز العطاء شعورنا بالثقة والتعاون الذي يقوي روابطنا بالآخرين، إذ أكد كتاب الوحدة: الطبيعة البشرية والحاجة إلى التواصل الاجتماعي (Loneliness: Human Nature and the Need for Social Connection) للكاتبين الأميركيين ويليام باتريك (William Patrick) وجون كاسيوبو (John Cacioppo)، أنه كلما اتسع نطاق الإيثار المتبادل الناتج عن الارتباط الاجتماعي زاد التقدم نحو الصحة والثروة والسعادة.
أفكار لتعزيز الانتماء من خلال العمل الخيري
يجب أن تكون الروابط الاجتماعية حافزاً لتُعزز المشاريع الخيرية انتماء الأفراد، ويمكن ذلك من خلال:
- تدعيم المشاركة المجتمعية بين المؤسسات الخيرية لترسيخ الانتماء عن طريق التوعية بالحقوق الإنسانية والإيمان بقيمة الإنصاف الاجتماعي والمشاركة في اتخاذ القرار، وتأصيل الإحساس بالالتزام نحو حماية البيئة والتنمية المستمرة.
- ترسيخ العمل الجماعي وتحقيق وحدة العمل والتصرف من خلال منع تعارض الاختصاصات وازدواج الأنشطة الإدارية.
- حل المشكلات بطريقة مبتكرة، من خلال القدرة على إفراز عدد من الأفكار؛ ما يؤدي إلى تعظيم احتمالات الوصول إلى الحل.
- التخطيط المالي الجيد ومعرفة العقبات التي يمكن أن تعترض المشروعات الخيرية، ووضع نظام سليم للرقابة لضمان توافق العمليات الفعلية مع الخطط المرسومة.
- التنفيذ بالطريقة المناسبة والتوقيت المتوقع، وفقاً لمقاييس سليمة، وتكاليف منخفضة.
- المتابعة وتحري الدقة والواقعية في التحليل في أثناء عملية التنفيذ؛ ما يساعد في اكتشاف مواقع القصور ومعرفة أسبابها واقتراح سبل علاجها، بالإضافة إلى تنمية روح المسؤولية لدى الأفراد وحثهم على المشاركة في اتخاذ القرار.
- الالتزام بالأسلوب العلمي والتخطيط عند تنفيذ المشروعات الخيرية وحل القضايا والمشكلات المختلفة.
- استثمار الجهود والطاقات من خلال المهن والتخصصات المختلفة للتعامل مع قضايا المجتمع، على أن يتاح للأفراد المشاركة في وضع البرامج وإعدادها، والحرص على المتابعة الجيدة والتقويم المستمر للجهود المبذولة.
بالمحصلة، العمل الخيري أحد الأصول التي يمكن أن تساهم في بناء المجتمع. وقد يكون من المستحيل بناء شعور بالانتماء والمجتمع دون الممارسة الخيرية على اختلاف أشكالها.
هذا المقال نُشر بناءً على أبحاث من منصة "ساهم".