ما هو الابتكار؟ وكيف يمكنه إفادة المجتمع؟

7 دقائق
تعريف الابتكار الاجتماعي
shutterstock.com/ sirtravelalot

تقدم منصة ستانفورد للابتكار الاجتماعي الجزء الثاني من سلسلة "إعادة اكتشاف الابتكار الاجتماعي" التي تحدثنا في الجزء الأول منها عن دور الابتكار الاجتماعي في خلق التغيير الاجتماعي. وفي مقال اليوم سوف نتحدث عن تعريف الابتكار الاجتماعي ومعنى كلمة اجتماعي.

ما هو الابتكار؟

من أجل تعريف الابتكار الاجتماعي بشكل أكثر وضوحاً، نُلقي أولاً نظرةً فاحصةً على ما يعنيه الابتكار، ثم نفحصُ الدلالات الاجتماعية.

الابتكار هو عملية ومُنتَج على حدّ سواء. وفقاً لذلك؛ تنقسم المُؤلّفات الأكاديمية حول الابتكار إلى مسارينِ مُختلفين؛ يستكشفُ أحد هذين المسارين العمليات التنظيمية والاجتماعية التي تُنتِجُ الابتكار، مثل الإبداع الفردي، والهيكل التنظيمي، والسياق البيئي، والعوامل الاجتماعية والاقتصادية. بينما يقاربُ التيار الآخر الابتكارَ كنتيجة تتجلى في المنتجات الجديدة، وميزات المنتج، وأساليب الإنتاج؛ يفحصُ هذا الفرعُ من الأبحاثِ المصادرَ والعواقبَ الاقتصادية للابتكار.

يميّزُ الممارسون وواضِعو السياسات والممولون على حدّ سواء بين الابتكار كعملية والابتكار كنتيجة. من وجهةِ نظرِ تعريف الابتكار كعملية، يحتاج الممارسون إلى معرفة كيفيةِ إنتاج ابتكارات أكثرَ وأفضل. وبالمثل؛ يحتاج صانعو السياسات والممولون إلى معرفة كيفية تصميمِ السياقاتِ التي تدعم الابتكار. ومن وجهة نظرِ تعريف الابتكار كنتيجة، يرغبُ الجميع في معرفةِ كيفيةِ التنبُّؤ أيُّ الابتكارات التي ستنجح.

لكي يتم اعتبار العملية أو النتيجة ابتكاراً يجب أن تفي بمعيارين؛ الأول هو الحداثة: على الرغم من أن الابتكارات لا يجب أن تكون أصليةً بالضرورةِ، إلا أنها يجب أن تكون جديدة على المُستخدم أو ضمن السياق أو التطبيق. المعيارُ الثاني هو التحسين؛ يجب أن تكون العملية أو النتيجة إما أكثر فعالية أو أكثر كفاءة من البدائل الموجودة مسبقاً حتى يتمَّ اعتبارُها ابتكاراً. نُضيفُ إلى قائمة التحسينات هذه نضيفُ شرط أن تكون العملية أو النتيجةُ أكثرَ استدامة أو أكثر عدلاً. نعني بالاستدامة الحلولَ المُستدامة بيئياً وكذلك تنظيمياً - تلك التي يمكن أن تستمر في العمل على مدى فترة طويلة من الزمن.

على سبيل المثال، قد تستلزم بعض الحلول للفقر استخراجَ الموارد الطبيعية، مثل التنقيب عن النفط أو صيد الأسماك، والتي ستكون محدودةً بطبيعتِها بسبب قيودِ الموارد؛ نحن نستخدم كلمةَ "أو" عمداً للإشارة إلى أن الابتكار الاجتماعي يحتاجُ إلى الأفضلِ فقط في أحد هذه الجوانب.

تستبعد بعض التعريفات الابتكارات الصغيرة أو الثانوية من الاعتبار، بينما يميزُ البعض الآخر بين الابتكارات المتزايدة والراديكالية نحن لا نُحدّدُ حجم التحسينِ كجزء من تعريفِنا؛ وجهةُ نظرنا هي أن مثل هذه الأحكام ذاتية للغاية وأنه من الأفضل التعامل مع الحجم على أنه يقع ضمن نطاق مُستمرّ من القِيَم.

تستبعدُ المفاهيم الأخرى للابتكار الحلولَ الإبداعية التي لم يتم نشرها أو تبنِّيها على نطاق واسع. ومع ذلك؛ فإن العمليات التي يقوم عليها نشرُ واعتماد الابتكارات تختلفُ عن العمليات التي تُولِّدُها. تفشل بعض المنتجات المتفوقة، مثل لوحة مفاتيح "دي فوراك Dvorak"، في الانتشار لأسباب لا علاقة لها بأدائِها. نحتاج إلى تعريف لا يخلط بين التبني والانتشار مع الابتكار بحد ذاته لشرح الاختلافات بين الابتكارات التي تم تبنيها وتلك التي لا يتم تبنيها.

للتلخيص؛ من الضروري التمييز بين أربعة عناصر متميزة للابتكار:

أولاً، عملية ابتكار أو توليد منتج أو حل جديد، والتي تتضمن عوامل تقنية واجتماعية واقتصادية.

ثانياً، المنتج أو الاختراع نفسه - أي النتيجةُ التي يُمكن أن ندعوها ابتكاراً.

ثالثاً، نشر أو اعتماد الابتكار، والذي يتم من خلاله استخدامه على نطاق أوسع.

رابعاً، القيمة النهائية الناتجة عن الابتكار.

يعطينا هذا المنطق النصفَ الأولَ من تعريف الابتكار الاجتماعي الخاص بنا: حلّ جديد لمشكلة اجتماعية والذي هو أكثر فعاليةً وكفاءةً واستدامةً من الحلول القائمة. (سنقوم بتفصيل ما هي المشكلة الاجتماعية لاحقاً).

ماذا تعني كلمة "اجتماعي"؟

إن شرح المعنى الاجتماعي هو أمر محوريّ في حجَّتِنا ومُربك بشكل خاص، إذ يعتمد العديد من المراقبين على نهجِ قاضي المحكمة العليا الأميركية بوتر ستيوارت: "لا يمكنني تعريفُهُ، لكنني أعرفهُ عندما أراه". نتيجةً لذلك، يستخدم بعض أفضلِ المفكرين في مجالات ريادة الأعمال الاجتماعية والمشاريع الاجتماعية والإدارة غير الربحية الاجتماعية، مصطلحَ "اجتماعي" لوصفِ أشياء مختلفة جداً: الدوافع أو النوايا الاجتماعية، والقطاع الاجتماعي كفِئَة قانونية، والمشاكل الاجتماعية، والآثار الاجتماعية.

ركز عدد من الجهودِ لتعريف مصطلح اجتماعي على نِيَّةِ أو دافِعِ المُبتكِرِ أو رائد الأعمال. على سبيل المثال، تُحدّد مقالة غريغ ديز "معنى ’ريادة الأعمال الاجتماعية'" أن "تبنّي مهمة لخلقِ القيمة الاجتماعية (وليس القيمة الخاصة فقط) والحفاظ عليها" أمر أساسي للتمييز بين رجال الأعمال وأصحاب المشاريع الاجتماعية. علاوةً على ذلك، فإن "تحقيق الربح، أو تكوين الثروة، أو خدمة رغبات العملاء ... هي وسيلة لتحقيق غاية اجتماعية وليست غايةً في حد ذاتها". وبالمثل، ينظرُ رائد الابتكار كلايتون كريستنسن إلى التغيير الاجتماعي على أنه "الهدف الأساسي" وليس "نتيجةً ثانويةً غير مقصودة بالضرورة" في سبيل التمييز بين الابتكارات المُحفّزةِ (الاجتماعية) والتخريبية (التجارية)، على التوالي.

ومع ذلك؛ لا يمكن ملاحظة الدوافع بشكل مباشر، وغالباً ما تكونُ الأهدافُ مُختلطةً، لذلك فهي ليست أساساً موثوقاً لتحديد ما هو اجتماعيّ وما هو غير اجتماعيّ. كما أشار روجر مارتن وسالي أوسبيرغ في عدد ربيع عام 2007 من مجلة ستانفورد ريفيو للابتكار الاجتماعي، إلى أنه "من المهم تبديد فكرةِ أن الفرقَ بين روّاد الأعمال وأصحاب المشاريع الاجتماعية يُمكنُ أن يُعزى ببساطة إلى التحفيز - إذ يتم تحفيزُ رواد الأعمال بالمال و رواد الأعمال الاجتماعيين مدفوعون بالإيثار".

يُعتَبَرُ القطاعُ أيضاً وكيلاً محدوداً لتحديد ما هو اجتماعيّ أم لا، لأنه يستبعدُ بشكل تَعسُّفيّ الأساليب والأشكال المُؤسَّسيَّةَ التي يمكن أن تُولِّدَ قيمةً اجتماعية. يستخدم معظم الناس مُصطلحَ القطاع الاجتماعي ليعنيَ المنظمات غير الربحية والمنظمات غير الحكومية الدولية (NGOs). ومع ذلك، فإن تعقيد المشكلات الاجتماعية، فضلاً عن نمو الأساليب المشتركة بين القطاعات التي تشمل الأعمال التجارية والحكومية، يعني أن التعريفات الاجتماعية المرتبطة بالشكل التنظيمي تُصبحُ قديمةً ومنسيَّةً بسرعة.

أحدُ الاستخدامات الأخرى لكلمة "اجتماعي" هو وصف فئة من الاحتياجات والمشاكل. في الواقع، في تعريفنا للابتكار الاجتماعي، نقول إن هذه الابتكارات تعالج المشاكل الاجتماعية. وتمنحُنا هذه الصيغةُ مزيداً من الجاذبية، فعلى الرغم من أنه قد يكون هناك نقاش حول الطابع الاجتماعي لابتكارات معينة، إلا أن هناك إجماعاً أكبر داخل المجتمعات حول ما يُشكِّلُ حاجةً أو مُشكلةً اجتماعية وحول أنواع الأهداف الاجتماعية ذات القيمة (كالعدالة والإنصاف والحفاظ على البيئة وتحسين الصحة والفنون والثقافة والتعليم الأفضل).

الطريقة الأخيرة التي يستخدم بها الناس كلمة "اجتماعي" هي لوصف نوع من القيمة يختلف عن القيمة المالية أو الاقتصادية؛ إذ يُلمِّحُ عدد من الكُتّاب الروّاد إلى القيمة الاجتماعية أو المصطلحات المماثلة. بالاعتماد على هذا العمل، نُحدّدُ القيمة الاجتماعية على أنها خلقُ فوائدَ أو تخفيضات في التكاليف للمجتمع - من خلال الجهود المبذولة لمعالجة الاحتياجات والمشاكل الاجتماعية - بطرق تتجاوزُ المكاسبَ الخاصة والفوائدَ العامةَ لنشاطِ السوق. نظراً لأن هذه الفوائد يمكن أن تشمل أنواع الأهداف الاجتماعية المذكورة أعلاه، فقد تتراكم على كلّ من الشرائح المحرومةِ أو الضعيفة في المجتمع وعلى المجتمعِ ككُلّ.

الفوائد التي يخلقها الابتكار

تخلقُ العديد من الابتكارات فوائدَ للمجتمع، من خلال زيادة العمالة والإنتاجية والنمو الاقتصادي في المقام الأول، حتى أن البعض يولّد قيمة اجتماعية تتجاوز تأثيرَهم الاقتصادي الواضح. عزّزَ الكمبيوتر بشكل كبير الإنتاجيةَ الفرديةَ والتعلُّمَ والإبداع، وعززت السيارة مشاعر الحرية والاستقلال بينما تجمع الأشخاص الذين نادراً ما يرون بعضهم البعض. الأدويةُ تنقذُ الأرواح، وربّما يعزّزُ مزيلُ التعرّق نسيجَنا الاجتماعي. وبالتالي، فإن هذه المنتجات لا تفيد الأفرادَ فحسب، بل تفيد المجتمع ككل أيضاً.

ومع ذلك، فإن هذا لا يجعل هذه المنتجات ابتكارات اجتماعيةً. وفقاً لتعريفنا؛ يكون الابتكار اجتماعياً حقاً فقط إذا كان التوازنُ يميلُ نحو القيمة الاجتماعية - الفوائد التي تعود على الجمهور أو المجتمع ككل - بدلاً من القيمة الخاصة - مكاسب رواد الأعمال والمستثمرين والمستهلكين العاديين (وليس المحرومين). نريد أن نفرّقَ بين الابتكارات الاجتماعية والابتكارات العادية لأن العالم مُجهَّز بالفعل بشكل كاف لإنتاج الابتكارات العادية ونشرها. فقط عندما تفشل الأسواق - في حالة السلع العامة - يصبح الابتكار الاجتماعي مُهماً كطريقة لتلبية الاحتياجات التي لا يمكن تلبيَتُها بطريقة أخرى وخلقِ قيمة ما كانت لِتُنشَأَ لولا ذلك.

لنعد إلى مثال الأدوية المُنقِذَةِ للحياة التي أنشأتها شركاتُ الأدوية غير الربحية؛ فعلى الرغم من أن هذه الابتكارات ذات قيمة اجتماعية وأنها تُولِّدُ حتى فوائدَ للمجتمع تتجاوز مكاسب المستثمرين والمخترعين والمستهلكين، إلا أنها ابتكارات تُنتِجُها آليات السوق التقليدية وتُخصِّصُها بكفاءةِ نسبيةِ - باستثناء المجموعة الفرعية من السكان التي لا تستطيع تحمل تكاليفها. للتخفيف من هذه المشكلة الاجتماعية؛ ظهرت منظمات غير ربحية مثل معهد "ون ورلد هيلث" لتطوير الأدوية للفقراء، كما أنشأت شركات مثل "ميرك وشركاؤه" شراكات بين القطاعين العام والخاص للتبرع بأدوية مثل "ميكتيزان" للمرضى في الدول النامية.

تعالج العديد من الابتكارات المشكلات الاجتماعية أو تلبي الاحتياجات الاجتماعية، ولكن بالنسبة للابتكارات الاجتماعية فقط، فإن توزيع القيمة المالية والاجتماعية يميل نحو المجتمع ككل. يقودنا هذا إلى تعريفنا الكامل للابتكار الاجتماعي: حلّ جديد لمشكلة اجتماعية والذي هو أكثر فاعليةً وكفاءةً واستدامةً وعدلاً من الحلول الحالية والذي من أجله تعود القيمة التي تم إنشاؤها في المقام الأول إلى المجتمع ككل بدلاً من الأفراد. يمكن أن يكون الابتكار الاجتماعي مُنتّجاً أو عمليةَ إنتاج أو تقنيةً (يشبه إلى حدّ كبير الابتكارَ بشكل عام)، ولكن يمكن أن يكون أيضاً مبدأً أو فكرةً أو تشريعاً أو حركةً اجتماعيةً أو تدخلاً أو مزيجاً منها جميعاً. في الواقع، فإن العديد من أفضل الابتكارات الاجتماعية المُعترفِ بها، مثل التمويل الصغير، هي مزيج بين عدة من هذه العناصر.

لنتأمل في مثال التجارة العادلة، والذي غالباً ما يتم وضعه جنباً إلى جنب كبديل أخلاقيّ لـ "التجارة الحرة". تستلزم التجارة العادلة إصدار الشهادات ووضع بطاقات تعريف القهوة والزهور والقطن وغيرها من المنتجات. تضع المنظمة الجامعة الدولية، "فاير تريد ليبلينغ" (Fairtrade Labeling Organizations International) - (FLO)، معايير التسعير العادل، وظروف العمل الإنسانية، وشروط التجارة المباشرة، والمنظمات الديمقراطية والشفافة، وتنمية المجتمع، والاستدامة البيئية. لا تقوم منظمة FLO وغيرها من منظمات التجارة العادلة بالترويج لهذه المعايير فحسب، بل تقوم أيضاً بتطبيقها من خلال التدريب ومن ثم اعتماد المنتجين والتجار بشكل مستقل. أخيراً، تعمل التجارة العادلة على توعية المستهلكين بفوائد شراء منتجات التجارة العادلة المعتمدة.

الأمر المبتكر في التجارة العادلة هو أنها تعمل على العديد من الروابط في سلسلة القيمة - من المزارعين إلى مندوبي المبيعات إلى المستهلكين. هذا النموذج ليس جديداً فحسب، بل إنه يخلق أيضاً قيمةً اجتماعيةً وبيئيةً هائلةً من خلال نشر مجموعة من الضمانات، بما في ذلك التقنيات الزراعية المستدامة، والشهادات الدولية، ووضع بطاقات التعريف، ومنع عمالة الأطفال، والأسعار العادلة. تُولّدُ التجارة العادلة أيضاً قيمةً اقتصاديةً كبيرةً: بين عامي 1999 و 2005، حقَّقَ مزارعو البن الذين يبيعون إلى سوق التجارة العادلة في الولايات المتحدة ما يقرب من 75 مليون دولار من الدخل الإضافي، وفقاً لـ "ترانس فير يو إس أيه" (TransFair USA). تحرر الأجور المعقولة والمضمونة المزارعينَ من فخ الإقراضِ المفتَرِسِ قبل الحصاد، وتُساعدهم على توفير رعاية صحية أفضل وتعليم أفضل لأطفالهم، وتحسين مهاراتهم المالية، وتعزيز التضامن المجتمعي. تُقدّرُ منظمة FLO أن نظام التجارة العادلة في عام 2007 أفادَ بشكل مباشر حوالي 1.5 مليون عامل زراعيّ في 58 دولة نامية في إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية.

يشكر المؤلفون جيفري براداش، وجيه. غريغوري ديس، وسام كانر على تعليقاتهم المفيدة على المسودات السابقة للمقال، وأليسون ستيوارت ولياني ماتاساوا ميتز على مساعدتهم البحثية.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

المحتوى محمي