كان عام 2020 صعباً على العالم بسبب جائحة فيروس كورونا المُتسجد "كوفيد 19"، وأصبح من الضروري التكاتف لمواجهة التحديات التي خلفتها الجائحة، من خلال خلق فرص جديدة لبناء ابتكار اجتماعي تحوّلي في المنطقة العربية، وإعادة التفكير بنماذج العمل في التعامل مع المشكلات الاجتماعية، وكذلك الاستثمار في الشباب وتوظيف طاقاتهم لتوليد حلول مبتكرة وتوفير بيئة تشاركية تحفزهم على الإبداع، فضلاً عن الشراكات والتعاون بين القطاعات المختلفة من أجل تحقيق الأثر الاجتماعي المبني على الابتكار.
وانطلاقاً من هذه الرؤية، تمكنت هيئة المساهمات الاجتماعية "معاً"، التي تأسست في فبراير/شباط من عام 2019 تحت مظلة "دائرة تنمية المجتمع" في أبوظبي، من خلق أثر إيجابي في المجتمع خلال عام 2020، عن طريق إيجاد حلول فعالة للتحديات الاجتماعية وبناء مجتمع مُتعاون، عبر ترسيخ ثقافة التطوع والمشاركة والمساهمة المجتمعية.
تحقيق الابتكار الاجتماعي وأنشطة العطاء
خلال عام 2020 غير المسبوق، ركزت حكومة أبوظبي أولويتها على مواجهة تحديات كورونا من خلال توحيد الجهود، ما جعل استجابة أبوظبي للجائحة واحدة من أكثر الإجراءات فعالية في العالم، بحسب تصنيف "مجموعة المعرفة العميقة" (Deep knowledge Group).
وعليه، عملت "معاً" على توظيف مقوماتها وتسخير قيم العطاء وعمل الخير في المجتمع لمساعدة المحتاجين، واستناداً إلى تقرير الأثر الاجتماعي، تمكنت الهيئة خلال عام 2020 من إطلاق 3 منصات رئيسية جديدة لتحقيق الابتكار الاجتماعي وأنشطة العطاء في أبوظبي بمشاركة أكثر من 2,500 فرد من أبناء المجتمع، وإطلاق برنامج المُسرّع الاجتماعي، وعقد أكثر من 70 شراكة جديدة من القطاعين العام والخاص والمجتمع مدني للاستفادة من الموارد والمهارات والخبرات.
وكذلك تفعيل مشاركة أكثر من 6 آلاف متطوع لخدمة المجتمع، وبيّن 88% من المتطوعين الذين شملهم الاستطلاع أن تجربتهم كانت أعلى من توقعاتهم أو مطابقة لها، وأن العمل التطوعي وسيلة لرد الجميل للمجتمع وعمل الأفراد جنباً إلى جنب من أجل تقدم المجتمع.
واستضافت "معاً" 98 ورشة عمل مجتمعية تضمنت تدريبات تطوعية، وجلسات تبادل المعارف شملت أكثر من 2,900 فرد وجهات ذات صلة.
وشهد عام 2020 إطلاق سندات الأثر الاجتماعي الأولى من نوعها في الإمارات العربية المتحدة، التي تمتد على مدى 12 شهراً، بهدف تزويد أصحاب الهمم بالمهارات اللازمة للتوظيف.
تندرج البرامج والمبادرات المجتمعية التي أطلقتها الهيئة في إطار المحاور الاستراتيجية الخمسة لعملها:
- حاضنة معاً والمُسرّع الاجتماعي.
- عقود الأثر الاجتماعي.
- المشاركة المجتمعية.
- صندوق الاستثمار الاجتماعي.
- إدارة التواصل والشراكات.
وركزت هيئة "معاً" على معالجة أولويات اجتماعية متعددة، منها تعزيز التماسك الأسري، وكيفية إحداث توازن بين الحياة والعمل، وضرورة توفير ضروريات الحياة الأساسية، ودعم كبار السن وأصحاب الهمم عبر إتاحة الفرص الملائمة لهم ولقدراتهم لتعزيز صحتهم ولياقتهم البدنية، بالإضافة إلى القضايا البيئية والحفاظ على الموارد الطبيعية.
بناء مصدر للأفكار المبتكرة
شكلت حاضنة معاً والمُسرّع الاجتماعي أداة لتمكين المبتكرين ورواد الأعمال الاجتماعيين الطموحين من تطوير حلول مستدامة للتحديات الاجتماعية أو الثقافية أو البيئية، وزودتهم بالمعارف والخبرات اللازمة لتطوير أفكارهم الإبداعية وتحويلها إلى مؤسسات اجتماعية ناجحة.
وقدمت الهيئة من خلال الحاضنة والمُسرّع تمويلات بقيمة 6 ملايين درهم، وأطلقت 30 مؤسسة اجتماعية و7 تطبيقات، ونظمت 4 دورات تناولت مواضيع حول أصحاب الهمم، والصحة النفسية، والتماسك الأسري، والبيئة.
ومن خلال الدورات الأربع التي تم إطلاقها، وفرت هيئة "معاً" الدعم لحوالي 15 ألف مستفيد حتى اليوم، كما أسهمت كل مؤسسة في توفير فرص العمل والتطوع.
وأعطت الحاضنة فرصة لظهور "صُناع الأثر الاجتماعي"، وتقديم مشروعات تسهم في تنمية المجتمع:
امسك مظلتي (Hold My Umbrella): يزود المشروع مقدمي الرعاية الصحية للمرضى النفسيين بأدوات ومنصة تُستخدم كدليل للتشخيص وكيفية العناية بالمرضى وما يجب أن يتوقعوه.
ستوريكالي (Storically): تساعد هذه المنصة العائلات على التواصل بطريقة هادفة والاجتماع معاً ورواية قصصهم وتاريخهم وهويتهم من خلال الكتب المطبوعة أو الإلكترونية، كما توفر قوالب قصة يمكن تخصيصها عن طريقة تحديد الشخصية وإضافة الاسم والتفاصيل الأخرى.
همّة: منصة تُقدم ورش عمل لمناقشة القلق، وضغط الأقران، والكآبة من خلال أصوات الفتيات وتجاربهن لتحسين الصحة النفسية بالمجتمع، وتعمل على إرشاد الفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 9 و13 عاماً ومساعدتهن على بناء احترام الذات وزيادة الوعي حول الصحة النفسية وتعزيز قدراتهن.
خدمت همّة أكثر من 150 عائلة وتعاونت مع هيئات حكومية مثل "مؤسسة الرعاية الاجتماعية وشؤون القُصّر" ومدارس مثل "أكاديمية ياس"، و"أكاديمية اللؤلؤة".
مع بعض أفضل (Better Together): مبادرة لدعم المريض النفسي بعد مغادرته المستشفى لضمان عودة اندماجه بالمجتمع، وتتضمن استراتيجيات للصحة النفسية والبدنية، وتطوير مهارات الحياة، وتقديم فرص التدريب والتعليم والانخراط في الأنشطة الترفيهية.
شراكة فعالة لتحقيق الصالح العام
ظهر نهج "عقود الأثر الاجتماعي" في المملكة المتحدة في عام 2010، وتم اعتماده في 30 دولة حول العالم، كأداة لتعزيز الابتكار في تقديم الخدمات العامة.
واعتمدت الهيئة هذا النهج لتقديم تسهيلات أكبر للشراكات والحلول الفعالة لتلبية حاجة المجتمع، إذ تُعد هذه العقود نموذجاً مالياً مبتكراً يعتمد مبدأ الدفع مقابل النتائج.
في عام 2020، أطلقت الهيئة البرنامج التجريبي "أطمح" كأول سند للأثر الاجتماعي في الخليج والأول من نوعه على مستوى العالم، وذلك بالشراكة مع "دائرة تنمية المجتمع" و"الدار العقارية" و"الدار للتعليم" و"مؤسسة زايد العليا لأصحاب الهمم".
واستهدف البرنامج زيادة فرص العمل لأصحاب الهمم بأبوظبي، وقدم خدمات إلى 25 طالباً شاركوا بالمجموعة الأولى خلال 6 أشهر من التعليم النظري و6 أشهر من التدريب العملي، كما دعم سعيهم في الحصول على وظيفة دائمة بعد 15 شهراً.
واستطاعت بسمة الغصين من خلال مشاركتها في "أطمح" الالتحاق بدروس ودورات اللغة الإنجليزية المتخصصة وتوسيع فرصها في تلقي عروض العمل، وبالفعل أجرت مقابلة مع شركة "الدار العقارية" لشغل مهنة سكرتيرة بمجال التصميم الداخلي.
وقالت بسمة: "أستطيع القراءة بشكل أفضل بسبب دروس اللغة الإنجليزية، وساعدني البرنامج أنا وغيري من الطلاب على التفكير بمنظور مختلف، وأن نكون أكثر اجتماعية واستقلالية وثقة".
التواصل من خلال التعاون
ترى هيئة "معاً" أنه يمكن للمجتمع لعب دور في التماسك الاجتماعي وإحداث فرق في حياة الأفراد والمجتمعات الأخرى، وذلك عبر تعزيز ثقافة التطوع والمشاركة المجتمعية في البرامج التي تحقق أثراً اجتماعياً ملموساً، وعليه أطلقت مجموعة من البرامج الفعالة في إطار المشاركة، منها:
رحلة أجيال: انطلق بالشراكة مع مؤسسة "المباركة"، وشهد تفاعل 55 فرداً من كبار المواطنين ممن رافقوا المتطوعين الشباب للمشي في "ياس مول"، ليشكل البرنامج فرصة لتفعيل لغة التواصل وسد الفجوات بين الأجيال في المجتمع الإماراتي، والمساهمة الفعالة في تعزيز رفاهية كبار المواطنين والمقيمين من خلال ربطهم بالمتطوعين الشباب.
غاية: برنامج لتعزيز المعرفة بالإدارة المالية أطلقته "معاً" بالشراكة مع "أكاديمية سوق أبوظبي العالمي" و"معهد لندن للأعمال المصرفية والمالية"، ويمتد على مدار ثلاثة أشهر، ويهدف إلى ترسيخ أسس المعرفة بالإدارة المالية بين سكان أبوظبي ورفدهم بالخبرات اللازمة لإدارة شؤونهم المالية بكفاءة.
أهل النشاط: أُطلق عام 2019 بهدف تحسين الصحة وإدماج أصحاب الهمم، وجاء ذلك بالتعاون مع "الأولمبياد الخاص الإماراتي"، و"مؤسسة زايد لأصحاب الهمم"، ومكّن أصحاب الهمم من اتباع نمط حياة صحي، بالإضافة إلى المشاركة في جلسات اللياقة البدنية مع المتطوعين.
الاستثمار المستدام من أجل الصالح العام
يُعد التمويل المُستدام عنصراً أساسياً لترسيخ التماسك المجتمعي، وقد أسهم إنشاء صندوق الاستثمار الاجتماعي وإطلاق أول برامجه الرائدة "معاً نحن بخير"، في دعم الجهود المجتمعية في أبوظبي لمواجهة وباء "كوفيد 19" والتغلب عليه.
وهدف برنامج "معاً نحن بخير" إلى إشراك قطاعات المجتمع والمانحين بأبوظبي في العمل المجتمعي عبر طرق مبتكرة، مثل توفير غرف فندقية مجانية للعاملين في القطاع الصحي لاستخدامها في نوبات العمل المزدحمة في المستشفيات، والمساهمة من خلال بوابة "معاً" الرقمية لجمع التبرعات عبر الإنترنت.
وركزت "معاً" في برنامجها على الحلول المجتمعية لتجاوز الأزمة، وأكد 89% من العاملين في الخطوط الأمامية في منظومة الرعاية الصحية زيادة رفاهيتهم النفسية (هدوء واسترخاء) بعد جلسات اليوغا التي التحقوا بها في إطار "معاً نحن بخير".
وتفاعل الأفراد وقطاعات المجتمع مع البرنامج بشكل إيجابي، إذ بلغ حجم المساعدات المالية والعينية 1 مليار درهم، وخلال شهر رمضان تم تقديم 27 مليون وجبة إلى 340 ألفاً من العمالة المقيمة في 35 مجمعاً سكنياً في إمارة أبوظبي، ممن ينتمون إلى نحو 200 جنسية.
واستطاع البرنامج توفير 4,200 جهاز كمبيوتر، ودعم أكثر من 400 ألف فرد من أبناء المجتمع، وعمل على توزيع 32,400 سلة غذائية، وقال 91% من الأفراد والعائلات إنهم راضون تماماً أو راضون عن السلال الغذائية التي تسلموها خلال فترة الجائحة.
ويعتبر "صندوق الاستثمار الاجتماعي" القناة الرسمية لحكومة أبوظبي لاستقبال المساهمات من الأفراد والمؤسسات، ومن خلاله يحدد المساهمون المسارات التي يرغبون بدعمها لتذهب استثماراتهم إلى المكان الصحيح وبالوقت المناسب، كما يتم استثمار نسبة معينة من جميع المساهمات في محفظة الاستثمار، ما يوفر عوائد سنوية لإعادة الاستثمار وإحياء مجموعة واسعة من برامج الأثر الاجتماعي المستدامة.
وفي إطار ذلك، أطلقت "معاً" أول منصة رقمية لجمع المساهمات لتسهيل العطاء على المساهمين، وتوفر خيارات متعددة لتوجيه المساهمات باتجاه المسارات المحددة مثل برنامج دعم الأيتام، ودعم زراعة الأعضاء.
التعاون من أجل تحقيق الأثر الاجتماعي
تحاول هيئة المساهمات المجتمعية طرح أشكال جديدة من التعاون والمساهمات المجتمعية التي تؤدي إلى حالة من الازدهار الاجتماعي، فبالإضافة إلى البرامج التي تحقق نتائج مستدامة وقابلة للقياس، تتواصل "معاً" مع الشركات والأفراد الذين يمكنهم المساهمة بطرق جديدة ومبتكرة وذات مغزى.
وفي إطار محور إدارة التواصل، أطلقت الهيئة برنامج "أخذ وعطاء" كمنصة ابتكار سنوية تجسد رؤية "معاً" ورسالتها، وظيفتها إلهام سكان أبوظبي وتثقيفهم وتشجيعهم وتمكينهم من الانضمام إلى الهيئة، من أجل تسهيل تبادل الأفكار وتشكيل روابط جديدة والوصول إلى أجزاء مختلفة من المجتمع.
ونظم البرنامج أكثر من 80 ورشة عمل بحضور 25 شريكاً و1,500 زائر، لتيسير فرص المبتكرين في التواصل واكتشاف طرق جديدة لتحقيق أهدافهم.
وشكّل بناء الشراكات جوهر عمل الهيئة، من منطلق أن أي أولوية اجتماعية لا يمكن معالجتها بشكل فردي أو بمعزل عن المجتمع، لذا، عقدت شراكة مع "الدار العقارية" لإطلاق أول سند للأثر الاجتماعي في المنطقة، وعليه استثمرت "الدار" مليوني درهم لدعم أصحاب الهمم في رحلة التعليم والبحث عن وظائف جديدة.
ونسجت شراكة مع "مؤسسة الإمارات" لتعزيز منظومة التطوع وتفعيل المشاركة المجتمعية في الإمارة عبر إطلاق مبادرات تطوعية مبتكرة، تسهم في دعم عجلة التنمية الاقتصادية.
وتأتي هذه الأفكار المبتكرة والبرامج المجتمعية في إطار يتماشى مع أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة والأولويات التي حددتها "دائرة تنمية المجتمع" في أبوظبي، وهي الصحة والرفاهية، وجودة التعليم، وفرص العمل والنمو الاقتصادي، والابتكار والبنية التحتية، إضافة إلى الحد من عدم المساواة، وبناء مدن ومجتمعات مستدامة، وقضايا المناخ والبيئة، والشراكة لتحقيق الأهداف.
خلال سنة من تأسيسها وعلى الرغم من التحديات التي واجهت العالم عام 2020 بسبب جائحة "كوفيد 19"، حققت هيئة "معاً" إنجازات مجتمعية وتنموية أسهمت في تخفيف وطأة الأزمة عبر وضع أسس التقدم المجتمعي وتحقيق الأثر الاجتماعي بهدف تعزيز مكانة إمارة أبوظبي باعتبارها واحدة من أفضل وجهات العالم للعمل والعيش.
وتتطلع "معاً" إلى المستقبل والاستمرار في تحقيق الأثر الاجتماعي، وهي تؤمن بقوة المشاركة المجتمعية للتغلب على أي تحديات، ودعم نمو المجتمع من خلال حلول الابتكار الاجتماعي وتشجيع ثقافة المشاركة.