لا يمكن التخطيط لمستقبل أفضل للأجيال المقبلة دون تعزيز فرص الأفراد في جميع مجالات حياتهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهذا ببساطة مغزى التنمية التي تعمل على النهوض بالمجتمعات من خلال خلق نوعية حياة أفضل، وتحسين فرص الاقتصاد والتعليم والبنية التحتية، والقضاء على الفقر وعدم المساواة.
ماهية التنمية وأهميتها للمجتمعات
تنطوي التنمية على تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية للدول من أجل نهضة المجتمعات وتغيير حياة الأفراد للأفضل، ففي العالم اليوم 47 دولة نامية بحاجة إلى تحسين الأوضاع المعيشية لسكانها. ومع توقعات نمو عدد سكان العالم إلى 9.5 مليار نسمة بحلول 2050، زادت نسبة الأشخاص الذين يعيشون في البلدان النامية من 66% في عام 1950 إلى 83% حالياً، أي 6.6 مليار نسمة، ومن المفترض أن تصل إلى 86% بحلول عام 2050، ما يؤكد أهمية التنمية في مواجهة تحديات هذه الدول، مثل الجوع، والوصول إلى المياه النظيفة، والصرف الصحي والخدمات الصحية، وتوصيل السكان بمصادر طاقة مستدامة والعالم الرقمي.
من دون التنمية لا يمكن للأفراد في المجتمعات النامية أن يحققوا طموحاتهم المستقبلية، فمن يحلم منذ صِغره بتأسيس شركته الخاصة؛ يقف أمام عبء تكاليف الالتحاق بالمدرسة والحصول على التعليم المناسب، وفي مرحلة لاحقة، مشكلة الافتقار إلى التمويل اللازم لبدء مشروعه، لكن مع توفير حاضنة محلية وإتاحة المعلومات عبر سلسلة ندوات تُعقد في مكتبة محلية مثلاً، سيرى الحلم النور، وستدفع هذه الأعمال عجلة الاقتصاد، لتوفر معها العديد من الدخل والوظائف.
لكن التنمية مفهوم متغير بمرور الوقت حسب حاجة المجتمعات، إذ عُرفت على أنها عملية اقتصادية في المقام الأول تُقاس بنمو الناتج المحلي الإجمالي. إلا أن التوزيع غير العادل والشامل لمكاسب هذا النمو، حوّل معنى التنمية من زيادة الثروة أو الدخل فقط، إلى النهوض بأوضاع المجتمعات والأفراد الثقافية والاجتماعية والصحية والتعليمية، وتفعيل مشاركتهم في المجتمع وحُسن توظيف طاقاتهم وقدراتهم لخدمة أنفسهم ومجتمعاتهم، فما المكاسب التي تجنيها المجتمعات من التنمية؟ ولماذا تُعد مهمة بالنسبة لها؟
مكافحة الفقر
المكسب الأول والأهم من التنمية، هو القضاء على الفقر عبر معالجة أسبابه المتمثلة أبرزها، في ضعف مستوى التعليم وعدم الاستقرار السياسي وانخفاض الدخل نتيجة ضعف سياسة الأجور. وتعد مشكلة الفقر من أكبر التحديات التي تواجه المجتمعات العربية، إذ رجح البنك الدولي ارتفاع عدد الفقراء في المنطقة من 178 مليون نسمة إلى 200 مليون نسمة، من أصل نحو 450 مليوناً يسكنون المنطقة، ما يجعل التنمية مطلباً أساسياً لكسر دائرة الفقر عبر إتاحة السكن اللائق والرعاية الصحية الجيدة، وفرص التعليم العادل والشامل، فمع تطور البلدان تنمو اقتصاداتها وترتفع مستويات المعيشة فيها، ما يساعد في الحد من معدل الفقر ويسمح لمزيد من الأفراد بإعالة أنفسهم وأسرهم.
زيادة فرص التعليم الجيد
تحرم الصراعات الأطفال من حقهم في التعليم ما ينذر بالخطر على مستقبل الأجيال المقبلة، لذا تتخذ التنمية من التعليم أداة فعّالة لمواجهة الأزمات وصُنع التغيير، وتنظر إلى المعرفة على أنها بوابة العبور إلى مستويات التقدم التي تنشدها المجتمعات لما لها من دور حاسم في صياغة توجهات الحاضر والمستقبل.
يؤدي التركيز على التنمية إلى تحسين أنظمة التعليم في العديد من المجتمعات الفقيرة، فارتفاع المستوى التعليمي سيقود إلى وضع اقتصادي أفضل قائم على المعرفة وتعزيز المهارات التي تساعد الأفراد في الانتقال إلى وظائف أكثر ابتكار واحترافية.
النهوض بالاقتصاد
تُظهر الزيادة في الفرص الاقتصادية التي تجلبها التنمية إلى بلد ما مدى أهميتها، إذ تفتح آفاق أعمال جديدة وتوسع نطاق الوظائف المعروضة لتشمل عدد أكبر من الأفراد، على سبيل المثال، تساعد برامج تدريب شباب المجتمعات الريفية في تأهيلهم لسوق العمل، والحصول على مصدر رزق مستقر يعينهم على إعالة أنفسهم وأسرهم.
ومن جهة أخرى، تساعد التنمية في ترسيخ العدالة في الدول الفقيرة، وتحقيق التماسك الاجتماعي بين سكانها، لأنها تقضي على مظاهر تركيز الثروة بأيدي فئة قليلة من الأفراد، وعدم المساواة في الفرص الاقتصادية المتاحة والتي تعزز الشعور بعدم الرضا وتقدير الذات.
ولا يمكن فصل الاقتصاد عن السياسة والمجتمع، إذ تظهر العديد من الدراسات ارتباطاً وثيقاً بين التنمية وتقليل العنف، فالمجتمعات الأقل نمواً تشهد المزيد من العنف والصراعات والاضطراب السياسي، ما يؤدي بدوره إلى ضياع فرص الاستثمار والأعمال، وبالتالي، كلما تطور الوضع الاقتصادي؛ تراجعت احتمالية نشوب النزاعات، وانخفضت معدلات العنف والجريمة.
تحسين البنية التحتية
من مظاهر نمو المجتمعات، توفُر مرافق وشبكة طرق وسكك حديدية ومطارات ومنظومة اتصالات متطورة تتيح للأفراد التنقل تبادل المعلومات بسهولة، فضلاً عن نقل البضائع وتقديم الخدمات على نطاق أوسع، ليؤدي ذلك إلى تحسين الوضع الاقتصادي وربط الدولة بنطاق أوسع وجعلها أكثر جاذبية للمستثمرين الخارجيين، وبالتالي، تحقق وفورات تسمح لها بإنفاق المزيد على بنية تحتية أفضل لدعم المواطنين الأكثر احتياجاً.
الارتقاء بالمستوى المعيشي
تسعى جميع الدول من أجل التنمية لتقديم نوعية حياة أفضل للأفراد، كلما كانت أكثر تطوراً؛ أصبحت أكثر قدرة على تلبية احتياجات مواطنيها، فالأفراد في البلدان المتقدمة مثلاً يتمتعون بجودة حياة أفضل من ناحية فرص العمل والتعليم والرعاية الصحية، وتنعكس آثار التنمية أيضاً في خفض معدلات الجريمة والعنف والتلوث، وتمكّن المجتمعات من تجاوز فترات الانكماش الاقتصادي بطريقة أفضل، كما تعزز من مشاركة المواطنين في العملية السياسية.
وتدعم التنمية جودة حياة المجتمعات من خلال مبادرات مثل دعم شبكة النقل، والإسكان الميسور التكلفة، والابتكار وريادة الأعمال، فضلاً عن فرص تحسين مهارات القوى العاملة.