ما الفرق بين النمو والتنمية والتنمية المستدامة؟

النمو الاقتصادي
shutterstock.com/Na_Studio
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ترتبط التنمية المستدامة بمفهومي النمو والتنمية لكن لكل منهم مجالات تركيز مختلفة. إذ تركز التنمية المستدامة على رفاهية الأفراد على المدى الطويل، بينما يهدف النمو إلى تحقيق الرفاه قصير المدى، وفي حين تعني الاستدامة دعم عملية النمو طويل الأمد؛ قد يعتمد النهج التقليدي للتنمية على حلول قصيرة المدى دون الأخذ بالاعتبار السلامة البيئية والمخاوف المستقبلية.

التنمية المستدامة أساس النمو

التنمية المستدامة والنمو الشامل عاملان مهمان لخلق مجتمع عادل ومنصف، غالباً ما ترتبط التنمية المستدامة بحماية البيئة وتحقيق العدالة الاجتماعية والازدهار الاقتصادي، في حين يهدف النمو الشامل إلى الحد من الفقر وعدم المساواة، وخلق الفرص لجميع الأفراد للمشاركة والاستفادة من النمو الاقتصادي، ويرتبط عادةً بالسياسات والممارسات التي تدعم المجتمعات المهمشة ومحدودي الدخل والشركات الصغيرة.

تتعلق الاستدامة بالموازنة مع النمو الاقتصادي والعوامل الاجتماعية والبيئية، لذا يجب قبول حقيقة أن النمو الاقتصادي لا يوفر في حد ذاته مكاسب بيئية واجتماعية، وأنه من الضروري اتخاذ تدابير خاصة لمعالجة عدم التوازن.

ويتضح التوازن الذي تخلقه التنمية المستدامة من خلال تقليل النفقات مع ضمان كفاءة التوزيع، وتخصيص الموارد للاستخدامات الأكثر قيمة مع الاهتمام بالعوامل الأخرى المؤثرة في الاستدامة، مثل المعرفة والعنصر البشري والعلاقات.

وعليه، يمكن أن يصبح النمو الاقتصادي مستداماً إذا ظلت الموارد الطبيعية ثابتة أو زادت مع مرور الوقت، فقد يطور صانعو السياسات الاقتصادية استراتيجية نمو مستدامة تحافظ على الأصول البيئية. في المقابل، إذا استُنفذت موارد طبيعية في منطقة ما، تتم إضافة أو تجديد كمية مساوية أو أكبر منها لتجنب الإضرار بالنمو الاقتصادي المستقبلي.

والمثير للاهتمام أنه عند تحقيق النمو وارتفاع المستوى المعيشي، يكون لدى الحكومات المزيد من الوقت للتفكير في تحسين أمور أخرى بعيدة عن أساسيات الحياة؛ على سبيل المثال، تتصدر السويد الدول الأكثر استدامة في العالم، بالتوازي مع نمو اقتصادها.

تحديات النمو والتنمية المستدامة

ثمة أسئلة مهمة وصعبة في نفس الوقت: كيف يمكن بناء مستقبل يوفر النمو والاستدامة؟ كيف يمكن تحقيق الرخاء والرفاهية من دون النمو؟ كيف يمكن ضمان النمو للجيل الحالي والمستقبلي من دون الاستدامة؟

من دون إتاحة فرص العمل للجميع ومستوى رضا معيشي جيد للمواطنين لا يمكن ضمان الطلب اللازم لدفع النمو. في الواقع، يمثل الوصول إلى عالم يشكل فيه النمو والاستدامة والإدماج ديناميكية قوية ضرورة ملحة للمرحلة المقبلة من حياة المجتمعات والمؤسسات.

لكن تسريع النمو والاستدامة يتطلب مواجهة تحديات أساسية:

  • صعوبة تحقيق النمو: يرجح صندوق النقد الدولي تباطؤ نمو الناتج العالمي من 3.2% في 2022 إلى 2.7% في عام 2023، ويرى الصندوق أن نحو 15% من البلدان منخفضة الدخل تعاني من مشكلة الديون، وأن 1 من 4 اقتصادات ناشئة معرضة لمخاطر عالية.
  • تفاوت الفرص: لا يمكن تحقيق الاستدامة ما لم يتم خلق فرص عمل كافية بأجور لائقة، وتأسيس عقد اجتماعي قوي يضمن حصول الجميع على الرعاية الصحية والإسكان الميسور التكلفة. من جهة أخرى فإن التغييرات التكنولوجية وأتمتة سوق العمل قد تزيد من عدم المساواة وتؤدي إلى توسيع الفارق بين الأفراد.
  • ضخ استثمارات ضخمة: تحقيق مستقبل مستدام يتطلب معدلات إنفاق مرتفعة، على سبيل المثال، تقدر وكالة الطاقة الدولية أن الوصول إلى صافي الانبعاثات الصفرية قد يتطلب استثمارات أكثر من ثلاثة أضعاف بحلول عام 2030 إلى نحو 4 تريليونات دولار.

وبالتالي، يمكن زيادة الرخاء والرفاهية من خلال النمو، بما في ذلك نمو أرباح الشركات والناتج المحلي الإجمالي للدول، ورفع مستويات الرضا عن الحياة للمواطنين عبر تحسين بيئة العمل وتكافؤ الفرص، ويمكن الحد من مخاطر المناخ والحفاظ على رأس المال الطبيعي وتحقيق العدالة بين الأجيال من خلال التنمية المستدامة.

على سبيل المثال، قد تساعد التحويلات الحكومية والسياسات الضريبية العادلة في دعم دخل شرائح كبيرة من سكان البلدان النامية، كما أن تقليل تكلفة الطاقة يجعل الوصول إليها أكثر سهولة ويضمن حياة أكثر إنتاجية، على سبيل المثال، انخفضت تكلفة الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة ما بين 50 إلى 85% في إفريقيا التي تسجل أدنى معدل للوصول إلى الطاقة في العالم.

الآن، لننظر في الفرق بين التنمية والتنمية المستدامة.

التنمية المستدامة أشمل من التنمية

تعد التنمية المستدامة اتجاه حتمي في عملية التنمية العالمية. لكن ما أوجه الاختلاف بين التنمية والتنمية المستدامة؟

ظهر مفهوم التنمية قبل التنمية المستدامة وكان يشير في البداية إلى خلق الثروة المادية لتلبية الاحتياجات البشرية الأساسية. لكن بعد الحرب العالمية الثانية، توسع المفهوم ليشمل النمو الاقتصادي، وبحلول أوائل التسعينيات، توسع مفهوم التنمية مرة أخرى ليضم العوامل الاجتماعية والبشرية بالإضافة إلى معنى النمو الاقتصادي.

وبالتوازي مع تطور المجتمع، ترسخ مفهوم التنمية تدريجياً، وأصبح يعبر عن إعادة الهيكلة الاقتصادية لمنح الأشخاص مستوى معيشي أفضل ومزايا اجتماعية أكبر، في حين تم تعريف مصطلح التنمية المستدامة رسمياً في تقرير اللجنة العالمية للبيئة والتنمية (WCED) عام 1987 كجزء من الاستعدادات لقمة الأرض في ريو دي جانيرو؛ والتي أكدت أن التنمية المستدامة تركز على ثلاثة أبعاد: الأهداف الاقتصادية والمسؤولية الاجتماعية وحماية البيئة.

نتيجة لذلك، تركز التنمية المستدامة على الاستخدام الفعال للموارد التي تهدف إلى تلبية احتياجات الأجيال الحالية والمستقبلية مع حماية البيئة أيضاً. في حين قد تنطوي التنمية على الاستغلال المفرط للموارد الموجهة نحو النمو الفردي والتقدم الذاتي دون الاخذ بالاعتبار ضرورة حماية البيئة.

من جهة أخرى، غالباً ما يشار إلى النمو على أنه مفهوم مرادف للتنمية، ولكن هناك اختلاف بينهما. بينما يولد النمو الاقتصادي الرفاهية؛ يمكن أن تزداد الرفاهية بالتنمية، فنموذج التنمية لا يمكن حصره بزيادة القوة الشرائية لتعزيز الاستهلاك بمرور الوقت، لكنه يراعي جميع الجوانب الاجتماعية والبيئية التي تسهم في تحديد مستوى رفاهية الأفراد.

والمجتمع الذي يمر بمرحلة من التطور الاقتصادي يرتبط بتحسين عدة مؤشرات (وليس بالضرورة فقط المؤشر الذي يدل على مقدار الثروة التي ينتجها بلد ما)، مثل معدلات الفقر وجودة البيئة ومستويات الصحة والتعليم، وبذلك تعني التنمية التغيير للأفضل نوعياً وليست كمياً فقط.

تحقيق النمو الاقتصادي لا يمثل بالضرورة تحقيق التنمية غير أن التنمية تتطلب بالضرورة نمواً اقتصادياً، فيما يشمل مفهوم التنمية المستدامة كل من النمو و التنمية بالإضافة إلى أبعاد اجتماعية و ثقافية أخرى.

تفترض الاستدامة أن كل إجراء لمواجهة التحديات، لا يمكن تقييمه بشكل فردي، وإنما بالآثار التي قد يؤدي إلى النظام العالمي الذي يحدث فيه، لذا تأخذ في الاعتبار العلاقات المتبادلة والعواقب الناتجة عن التفاعل بين النظام الاقتصادي الاجتماعي والبيئي، التي تسهم معاً في تكوين النظام العالمي.

قد ينطوي مفهوم التنمية المستدامة على حدود لكنها ليست مطلقة، بل تفرضها الحالة الراهنة للتكنولوجيا والتنظيم الاجتماعي والموارد الاقتصادية والقدرة على استيعاب آثار أنشطة البشر، ومع ذلك يمكن إدارة التكنولوجيا والتنظيمات الاجتماعية وتحسينها من أجل بدء حقبة جديدة من النمو الاقتصادي.