تساعد ترشيحات الأقران الممولين على إنشاء خطوط تمويل أكثر كفاءة وعدالة وتأثيراً، وتجنبهم تفاقم التحيزات الناتجة من اتباع الدليل القياسي.
في معظم المكالمات أو الاجتماعات مع الممولين، يبرز سؤال يتعلق بخط التمويل دائماً: هل تعرف أي مؤسسات رائعة تعمل في منطقة كذا، وتركز على الموضوع كذا؟ أشعر أن محادثات "مسار الصفقات" هي المحادثات الوحيدة التي نجريها. إذ يُطلب منا مراراً وتكراراً مشاركة قائمة المستفيدين لدينا أو الإشارة إلى قائمتنا "المفضلة". ونتلقى دعوة مرة واحدة في الشهر على الأقل لحضور عرض ترويجي "لتعريفنا" بمجموعة جديدة من المؤسسات غير الربحية.
ولا عجب في ذلك لأن تحديد المستفيدين المحتملين يمثل تحدياً لأي ممول. لذلك قد يفترض المرء أن أدواته سلسة وفعالة وشاملة؛ وقد يظن أيضاً أن الممولين قد بلوروا استراتيجيات معقدة لبناء خطوط تمويل قوية وتبادلها. لكن الأمر ليس على هذه الصورة. إذ تعثر الغالبية العظمى من الممولين على مستفيدين محتملين من خلال مجموعة أساليب واحدة، التي نطلق عليها "دليل خط التمويل" وتتألف من:
- البحث: قراءة مدونات ومقالات حول القطاع أو حضور المؤتمرات
- الإحالات: تبادل الأسماء بين الممولين
- الدعوات المفتوحة لتقديم العروض: طلبات المنح وخطابات إبداء الاهتمام
- الاستشاريون: خبراء القطاع الذين يقدمون التوصيات
وهذا كل شيء غالباً. هناك بالتأكيد فروق بسيطة في التخطيط وأساليب بديلة تستخدم استراتيجيات إبداعية غير تقليدية لإنشاء خطوط التمويل، مثل جمعيات التمويل على غرار أغروإيكولوجي فاند (Agroecology Fund) وفريدوم فاند (Freedom Fund)، وتمويل مؤسسات وسيطة مثل غلوبال غرين غرانتس (Global Green Grants) وغراسروتس إنترناشونال (Grassroots International)، والمؤسسات المجتمعية مثل إيكواليتي فاند (Equality Fund) وفاند فور فرونت لاين باور (Fund for Front Line Power). لكنها استثناءات من القاعدة، لذلك "دليل خط التمويل" ببساطة غير ملائم للمهمة التي تواجه الممولين.
مشكلات الدليل
لا يحد اعتمادنا الجماعي على الدليل القياسي من الفوائد فحسب، بل يؤدي في كثير من الأحيان إلى تفاقم التحيزات الهيكلية الطويلة الأمد في قطاع العمل الخيري، ما يخلق منظومة تمويل عديمة الفاعلية وضيقة الأفق وتفتقر إلى المساواة.
أولاً، هناك عدد هائل من المؤسسات غير الربحية والقضايا التي يمكنك الاختيار من بينها، ويتجاوز العدد 1.8 مليون في الولايات المتحدة و11 مليوناً في جميع أنحاء العالم (التي لا تشمل المشاريع الربحية ذات الأهداف الاجتماعية أو طالبي المنح الأفراد). ومع دخول 50,000 مؤسسة غير ربحية جديدة إلى القطاع كل عام، فمن الصعب تحديد المؤسسات التي ستحظى بالتمويل. وما يزيد من تعقيد مسألة "وفرة الاختيار" أن 95% من 260,000 مؤسسة في جميع أنحاء العالم تقع في أوروبا وأميركا الشمالية، بعيداً عن الظروف الواقعية والسياقات والشبكات التي تمنح فهماً أعمق لمجريات العمل في البلدان خارج منطقتنا. والاعتماد على إحالات ممولين آخرين في الوضع نفسه يؤدي فقط إلى مزيد من العزلة، ومن ظاهرة "محبوبي المانحين" إذ يتلقى عدد صغير من المؤسسات نسبة كبيرة من أموال المنح.
دعونا نضيف إلى هذا المزيج التأثير الذي تؤديه مواقع الإنترنت الخاصة بالمؤسسات ووسائل التواصل الاجتماعي في جذب التمويل، فالمؤسسات ذات الحضور المتطور عبر الإنترنت والعلامة التجارية المقنعة من المرجح أن تتلقى التمويل أكثر من تلك التي لا تمتلك الميزات. ونتيجة لذلك نفوت عدداً لا يحصى من المؤسسات التي تستحق الدعم ولكن لا يمكنها الاستثمار في ميدان صفحات الإنترنت والشبكات الاجتماعية. إذ تغرينا المعلومات المفصلة على مواقع الإنترنت، ونظرية التغيير الجاذبة للممولين، والصور المقنعة على الأرض، سواء اعترفنا بذلك أم لا. وقد أسهم هذا الاعتماد بدوره، ولو جزئياً، في الحلقة المفرغة التي يذهب عبرها معظم التمويل إلى المؤسسات ذات الموارد الأفضل (يقودها بيض) وبالتالي من المرجح أن يكون لها وجود على الإنترنت.
بالنسبة إلى الممولين ذوي القدرات، تتمثل الأداة المهمة في الدليل لدينا في الدعوة المفتوحة للطلبات. لكن عملية مراجعة المئات (إن لم يكن الآلاف) من الطلبات وتقييمها يمكن أن تكون مكلفة ومضنية. أما بالنسبة إلى الباحثين عن المنح، فتعد كتابة الطلبات وإعادة كتابتها وتخصيصها لكل ممول تجربة محبطة وتستغرق وقتاً طويلاً على نحو لا يصدق. ونتيجة لذلك تعكس المنح الفائزة (كحال مواقع الإنترنت الجيدة) في كثير من الأحيان الموهبة في الكتابة وسرد القصص عوضاً عن التأثير الفعلي للمؤسسة (المنح التي تفضل أيضاً المؤسسات التي يقودها الرجال والتي تتمتع بموارد جيدة والتي تمتلك طاقم تطوير متخصص). والجميع خاسرون.
ترشيحات الأقران
عندما تساءلنا كيف نغير ذلك، قررنا تجربة نموذج جديد. وتطور النموذج وتوسع ليشمل ممولين آخرين، لكن الأساس لم يتغير. أولاً، نطلب من القادة القريبين من الميدان والخبراء المحليين الذين توصلنا إليهم من خلال شبكات موثوقة والذين هم الأقرب إلى المشكلات التي نسعى إلى معالجتها ترشيح أحد نظرائهم للحصول على التمويل. وفي حال تلقى مرشحهم تمويلاً، فسيحصلون بدورهم على مكافأة تكريمية صغيرة تقديراً لإحالتهم. أخيراً، نطلب من المرشح الأصلي والمرشح الذي تم تمويله حديثاً رد الجميل عبر تحديد المزيد من الأقران للحصول على التمويل.
أصبح هذا النموذج منذ ذلك الحين أساس عمل صندوق +1 غلوبال فاند (+1 Global Fund). بعد ثلاث سنوات ونصف ومئات المنح في 26 دولة، قررنا جميعاً اعتماد طريقة ترشيحات الأقران، وإليك الأسباب:
1. اتساع وعمق. عبر عشرات البلدان ومجالات القضايا المتعددة مثل المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية والتعليم والأمن الغذائي والصحة، تمنحنا مطالبة القادة المحليين بترشيح أقرانهم إمكانية الوصول إلى الشبكات والمؤسسات التي لم نكن نعلم بوجودها من قبل (دليل آخر على مدى صعوبة العثور على المؤسسات من خلال الدليل)، ومن بين 1,200 مؤسسة مرشحة حصلت على تقييم، 54% منها تقودها نساء، وأقل من 70% منها تنتمي إلى شبكات قائمة في مجالها، و30% منها لم تتلق تمويلاً دولياً سابقاً. ويظهر ذلك الإمكانات الهائلة لترشيحات الأقران للتخلص من المؤسسات النشيطة والسطحية "الدائمة الظهور" التي تقوم بعمل مؤثر تحت الأنظار. وفي حال عدم وجود إحالة من أحد الأقران المحليين، فإن احتمالات عثورنا على مؤسسات مرتبطة مباشرة بالمرشح وليس بشبكات أخرى أو ممولين آخرين معروفين ستكون ضعيفة في أحسن الأحوال.
2. الجودة. إن تلقي الإحالات من قادة صنعوا التغيير بأنفسهم أثمر عن اختيار أفضل مجموعة ممكنة من المتقدمين. إذ قفزت النسبة المئوية للمؤسسات التي نمولها في النهاية من أقل من 1% في برنامج المنح المفتوحة إلى ما يقرب من 11% من خلال ترشيحات الأقران. ويتميز المرشحون لدينا بأنهم مبتكرون اجتماعيون ذوو أداء عالٍ أو خبراء محليون يقومون بترشيح أقران يعرفونهم جيداً أو يعملون معهم من كثب، إذ يشير 64% من المرشحين إلى أنهم إما شاركوا أو يدعمون عمل المرشحين بشكل فعال، وهذه المعرفة الوثيقة لا تقدر بثمن.
3. الفاعلية. يعتمد نموذجنا على ترشيحات من رواد أعمال اجتماعيين وخبراء ومبتكرين أعضاء في شبكات راسخة (مثل شبكات مؤسسات أكيومن (Acumen) وسيواس (CEWAS) وغين (GAIN). ولأن شركاءنا ينسقون جميع المرشحين لدينا، فلا يتعين علينا قضاء الوقت أو إنفاق الموارد على البحث عن الأفراد لتقديم الترشيحات ويمكننا الوثوق في "جودة" الترشيحات.
4. تفاوت بسيط في السلطة. في العلاقة بين الممول والمستفيد ثمة خلل تقليدي في السلطة، وبناء خط تمويل كامل يعتمد على ترشيحات أقران القادة على أرض الميدان خطوة في الاتجاه الصحيح، وهذا ما أكدته الاستقصاءات الداخلية. فالاعتماد على هؤلاء القادة في عملية التمويل مع الأخذ في الحسبان أن توصياتهم هي المصدر الوحيد لمجموعة المتقدمين لدينا، "كشف لنا كيف يمكن للمؤسسات أن تشاركنا بطرق أكثر شمولاً ومساواة"، على حد تعبير أحد المرشحين.
وتعتمد فعالية ترشيحات الأقران على الكفاءة في تنفيذها، مثلها مثل أي استراتيجية أخرى. فقد تتطلب فهمها فهماً صحيحاً الكثير من الوقت والتعديلات. في البداية كانت عملية الترشيح طويلة جداً ومرهقة ومُحبطة للمرشحين. وبعد تبسيط العملية، أدركنا أنه لا يزال يتعين علينا إجراء تغييرات مثل تعديل المنصة عبر الإنترنت لمنع الترشيحات الذاتية. لقد استغرقت معايرة قدرتنا الداخلية وقتاً طويلاً لتلبية متطلبات "مجموعات المتقدمين" التي تختلف في الحجم اعتماداً على عدد الترشيحات التي تلقيناها. وقد استغرق إدراكنا للحاجة إلى آلية تتيح الترشيحات بلغات متعددة ومن ثم إنشاؤها وقتاً أطول.
وبناءً على هذه الملاحظات لدينا خمس نصائح نقدمها للممولين المهتمين باستخدام ترشيحات الأقران لبناء خطوط لتمويل المستفيدين من المنح:
1. ركز على "الأقران" في ترشيحات الأقران. قد يبدو ذلك بديهياً لكن ترشيحات الأقران تعني ترشيحاً من زميل المستفيد المحتمل، وليس زميلك أنت. إن طلب الترشيحات من ممولين آخرين يختلف عن نموذج ترشيح الأقران. فنحن نعمل مع مؤسسات موثوقة ويقدم شركاؤها المختَبرين الترشيحات. وهذا يعني أننا نتجاوز الوسطاء ونتلقى الترشيحات حصرياً من قادة قريبين من المجتمعات التي نسعى لخدمتها.
2. تعويض مقدمي الترشيحات. من المهم تقدير الوقت المستثمر والخبرة اللتين يمنحها المرشِحون، وهم في حالتنا رواد أعمال اجتماعيون أو خبراء محليون، وبخاصة إذا كانوا ينتمون إلى مجتمعات ضعيفة أو مهمشة تاريخياً. لا تعزز الممارسات الاستغلالية من خلال مطالبة الناس بتكريس وقتهم لمساعدتك دون أجر. نقدم أتعاباً رمزية لجميع المرشحِين الذين يحصل مرشحوهم على التمويل، وذلك يضفي الطابع الرسمي على العملية، ويحفز الترشيحات عالية الجودة والمناسبة، وينال المرشحِون تعويضاً عن وقتهم وخبراتهم.
3. اجعل العملية سهلة وسريعة في حال سبق أن طُلب منك تقديم مرجع، فأنت تعلم مدى أهمية تبسيط العملية قدر الإمكان. بوسعك اختصار أسئلة المرشِح إلى ثلاثة أسئلة أساسية: من هو مرشحك؟ ما مدى معرفتك به؟ وما الذي دفعك لترشيحه؟ يجب ألا نعقد الأسئلة أكثر من ذلك.
4. لا تقبل بأنصاف الحلول. صمم عملية تراعي التأثير الذي تسعى إليه، والمجتمعات التي تستهدفها، والقضايا التي تهمك. ولتكن خطواتك مدروسة ووفقاً لاستراتيجية. إن التعامل مع الترشيحات حسب الاستراتيجيات القديمة أو استخدامها كأداة ملحقة لن يزودك بقيمة النهج المدروس من الناحية الاستراتيجية ولا جودته.
5. تبنَّ الثقة. يعتمد الالتزام بترشيحات الأقران على الثقة. فقد لا تعرف المرشحِين شخصياً، وقد يكونون مقيمين في بلد مختلف أو يتحدثون لغة مختلفة. وبوسعك "التقليل من المخاطر" عبر البدء بالمرشحِين الذين تعرفهم (مثل المستفيدين من المنح الخاصة بك) ثم توسع مجموعة المرشحِين عندما تصبح العملية مريحة بالنسبة لك. إليك تجربة سهلة لبداية العمل: اطلب من عشرة من الحاصلين على منح تحديد ثلاث مؤسسات يعرفونها جيداً ويقبلون تمويلها بأنفسهم. وفي حال مولّت أي من المؤسسات الموصى بها، عوّض جهودهم بطريقة ما.
يبدأ تصميم نموذج التمويل على أساس ترشيحات الأقران بإدراك أن "دليل خط التمويل" غير ناجح وأنه دون التغيير سنتعرض لخطر البقاء عالقين في مكاننا، وتمويل المؤسسات نفسها وفقدان المزيد من فرص تمويل المؤسسات القريبة إلى المشكلات والأفضل في حلها. قد يبدو الاستثمار في الموارد اللازمة لتغيير المسار شاقاً، لكنه في الحقيقة ليس كذلك. تعلمنا من خلال عملنا أن العائق ليس مالياً، بل ببساطة الالتزام بالتغيير والاستعداد للتجربة.
وبالتالي، إن التحدي الأكبر ثقافي، إذ ما يزال "دليل خط التمويل" شائعاً بسبب الافتراضات الراسخة والنفور من المخاطرة التي تشكل أمراضاً مزمنة في قطاعنا. صحيح أن التغيير ليس سهلاً، ويتطلب حلقات تكرار متعددة لمواءمة الأساليب والنتائج المرجوة، لكننا أخرجنا أفضل ما فيه.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.