كيف يسهم الفضاء في خلق عالم مستدام؟

3 دقيقة
الفضاء
shutterstock.com/KK.KICKIN
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في 12 أبريل/نيسان عام 1961 انطلق المواطن السوفييتي يوري غاغرين في أول رحلة بشرية إلى الفضاء الخارجي ليمهد الطريق أمام اكتشاف قطاع جديد فيه يمكن أن يعود بالنفع على الإنسانية جمعاء، فبدأت الأنظار تتجه نحو الاستثمار خارج نطاق كوكب الأرض، ليس لفتح الأفق أمام الفرص التجارية فحسب؛ بل للمساعدة في معالجة بعض من التحديات العالمية المُلحة مثل تغير المناخ.

الفضاء: اقتصاد واعد تجب الاستفادة منه

لم يعد بلوغ الفضاء ضرباً من ضروب الخيال العلمي، بل تحوّل إلى صناعة تشهد تطوراً ونمواً مستمرين، إذ توقّع تقرير جديد لماكنزي آند كومباني بعنوان: “الفضاء: فرصة بقيمة 1.8 تريليون دولار للنمو الاقتصادي العالمي” (Space: The $1.8 trillion opportunity for global economic growth)، أن يصل اقتصاد الفضاء إلى 1.8 تريليون دولار بحلول عام 2035، مقابل 630 مليار دولار في عام 2023 وبمتوسط ​​معدل نمو يبلغ 9% سنوياً، وهو ما يفوق معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وستكون التكنولوجيات الفضائية المتقدمة مثل الاتصالات، وتحديد المواقع والملاحة والتوقيت، وخدمات مراقبة الأرض، المحرك الرئيسي لهذا النمو.

ومع انخفاض تكاليف إطلاق الأقمار الصناعية عشرة أضعاف على مدى السنوات العشرين الماضية، وتراجع سعر البيانات بما يوسع نطاق الوصول إليها، يمكن لتكنولوجيا الفضاء إعادة تشكيل صناعات بأكملها، إذ ستستفيد سلاسل التوريد والنقل من الخدمات اللوجستية الأكثر كفاءة وفعالية من حيث التكلفة، في حين سيشهد قطاع الأغذية والمشروبات كفاءة أعلى في تسليم السلع القابلة للتلف.

لكن النقطة الأهم، هي أن تكنولوجيا الفضاء قد تساعد على خلق عالم مستدام، إذ أثبتت دراسة لمكتب الأمم المتحدة لشؤون الفضاء الخارجي، أن تحقيق نحو 40% من أهداف التنمية المستدامة مرتبط بقطاع الفضاء والاستفادة من خدمات مراقبة الأرض وأنظمة الملاحة العالمية عبر الأقمار الصناعية، ما يعني أن الفضاء يؤدي دوراً حيوياً متزايداً في مواجهة التحديات العالمية، بدءاً من التحذير من الكوارث ومراقبة المناخ، إلى تحسين الاستجابة الإنسانية وتحقيق الرخاء على نطاق أوسع.

على سبيل المثال، قد تسهم تكنولوجيا الفضاء في رصد الكوارث وإدارتها، ودعم جهود العمل المناخي من خلال ابتكارات مثل رصد تسرب غاز الميثان من البنية التحتية الصناعية القديمة، وتمكين المراقبة الدقيقة للزراعة والموارد الطبيعية والتغيرات البيئية، ويمكن أن تؤدي هذه التكنولوجيا دوراً حيوياً في معالجة عدم المساواة في التعليم والرعاية الصحية من خلال سد الفجوات الرقمية.

تسخير الفضاء لمكافحة التغير المناخي

إن اتخاذ القرارات المبينة على البيانات يعد أمراً مهماً في مواجهة التحديات المجتمعية، وتتيح التكنولوجيات الفضائية بيانات دقيقة لأصحاب القرار بما يمكنهم من الإسهام بفعالية في الحد من تبعات التغير المناخي والحفاظ على البيئة، إذ توفر الأقمار الصناعية ما بين 60 إلى 70%، من المعلومات، التي يحتاج إليها علماء المناخ لرصد التطورات ومعرفة كيفية التعامل معها.

على سبيل المثال، تعمل أقمار الرادار ذات الفتحة الاصطناعية (SAR) على عكس أشعة الرادار القوية عن سطح الأرض بما يكشف على نحو دقيق ومستمر كل التغيرات التي تطرأ على الكوكب بسبب الظروف الجوية. وتعد أقمار (SAR) أصغر حجماً وأقل تكلفة من الأقمار الصناعية القديمة، ما يجعل استخدامها في فهم تأثير تغير المناخ أكثر شمولاً، إذ يمكن استخدام تقنية (SAR) في كشف حالات إزالة الغابات بفضل قدرتها على اختراق السحب بما يساعد على تتبع حركة الغابات الاستوائية.

ومع تزايد وعي العالم بمدى تعقّد مشكلة تغير المناخ؛ برز قطاع الفضاء بوصفه أداة من أدوات مواجهة هذا التحدي من خلال الرصد القوي والبحث الدقيق، إذ استحدثت وكالة ناسا منصب المستشار الأول لشؤون المناخ لدعم جهودها في العمل المناخي، وتتطلع المملكة المتحدة إلى إطلاق قمر صناعي جديد في عام 2027 لقياس درجة الاحترار، والتلوث البيئي، والغازات الدفيئة، على أوسع نطاق ممكن.

وعلى مستوى المنطقة العربية، تبذل دولة الإمارات التي استضافت العام الماضي مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية للمناخ “كوب 28” (COP28)، جهوداً فعالة في توظيف تكنولوجيا لفضاء للحد من تغير المناخ، إذ أطلقت وكالة الإمارات للفضاء بالتعاون مع جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا والجامعة الأميركية في رأس الخيمة، القمر الصناعي المصغر “مزن سات” الذي يقيس مستويات انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وتوزيعها في الغلاف الجوي.

كما أطلق مركز محمد بن راشد للفضاء بالتعاون مع بلدية دبي القمر الصناعي النانومتري “دي إم سات 1” المخصص للأغراض البيئية وجمع البيانات وتحليلها بهدف قياس الغازات الدفيئة وملوثات الهواء، وتُستخدم البيانات التي يوفرها القمر في إعداد الأبحاث وإيجاد حلول ووضع خطط طويلة المدى للمشاكل المناخية

ونجح مركز محمد بن راشد للفضاء بالتعاون مع مكتب شؤون الفضاء التابع للأمم المتحدة في إطلاق القمر الصناعي “فاي” الذي تتمثل مهمته في تطوير تكنولوجيا الفضاء، وتعزيز الابتكار في المنطقة والتعاون الدولي في مجال الفضاء ونشر الوعي بأهمية قطاع الفضاء ودوره في تحقيق التنمية المستدامة.

يزخر الفضاء بإمكانات هائلة، ومن خلال فهمها وتبنيها، يمكن لأصحاب القرار في اقطاعين الحكومي والخاص فتح الباب أمام العديد من الفرص لتحسين الحياة على الكوكب، إذ يرى تقرير ماكنزي أن هناك تقديراً إيجابياً لاقتصاد الفضاء قدره 2.3 تريليون دولار في حال تحسين الوصول إلى البيانات وانخفاض تكاليف الوصول إلى الفضاء.