كيف يمكن للمؤسسات غير الحكومية العمل مع الحكومات لبناء شراكات واسعة النطاق؟

6 دقائق
Shutterstock.com/ASDF_MEDIA

كيف يمكن للمؤسسات الاجتماعية العمل مع الحكومات وبناء شراكات تحقق أثراً مجتمعياً؟

في الليلة التي سبقت أول تدريب للأخصائيي الصحة المحليين من مؤسسة «إنتغريت هيلث» (Integrate Health) في عام 2015، تلقينا مكالمة مفاجئة، حيث قيل لنا: «يرجى إزالة شعار وزارة الصحة عن المواد التدريبية». فقد عملت مؤسسة «إنتغريت هيلث» مع مديرة الصحة المحلية بوزارة الصحة منذ اليوم الأول لتصميم برنامج التدريب، لكنها ترددت بشأن ذلك لاحقاً.

زار جيبيلو مكتبها في صباح اليوم التالي، وخرج بعد ساعة من هناك وهو يهز رأسه، وقال أننا حصلنا على تصريح لمتابعة التدريب وإطلاق البرنامج، لكن مع وضع شعار مؤسستنا فقط على المواد التدريبية. وحصل برنامج دمج الرعاية الأولية (Integrated Primary Care Program)، الذي كانت مؤسسة «إنتغريت هيلث» ووزارة الصحة تقودانه سوياً على جميع الموافقات اللازمة والذي كان جزءاً من دراسة مشتركة. لكن كان هناك تفاوت من شأنه أن يكون ليس سليماً، حيث كان أخصائيو الصحة المحليون يتلقون رواتب للعمل بدوام كامل، على عكس نموذج عمل المتطوعين في البلاد.

منذ تلك البداية الصعبة في عام 2015، أحرزنا في مؤسسة «إنتغريت هيلث» تقدماً كبيراً في تعزيز شراكتنا مع وزارة الصحة. وفي مارس/آذار من هذا العام، قرر كل من جيبيلو والدكتور سيبابي أغورو، المدير الإقليمي للصحة بوزارة الصحة في توغو، الذهاب إلى المملكة المتحدة عندما علما أن منتدى «سكُل وورلد» (Skoll World) قد أُلغي بسبب جائحة كوفيد-19. كان جيبيلو والدكتور أغورو قد خططا للسفر إلى أكسفورد للمشاركة في حلقة نقاش حول شراكات الحكومة مع المؤسسات غير الحكومية على نطاق واسع. ولكن مع تطور فيروس كورونا إلى جائحة، تسارعت الحاجة الملحة لهذا التعاون الفعال.

جيبيلو اليوم هو مشارك رئيسي في فريق عمل التصدي لفيروس كورونا، الذي يعقد اجتماعاته الدكتور أغورو مرتين أسبوعياً. ويتواصل الاثنان بشكل يومي، حيث تستجيب وزارة الصحة بسرعة وتقوم مؤسسة «إنتغريت هيلث» بحشد الموارد التقنية والمالية لدعم الوزارة من أجل تلبية احتياجات البلد سريعة التغير.

لماذا الشراكة أمر بالغ الأهمية للتوسع؟

هذه الشراكة المستمرة في وقت الأزمة، لم تكن دائماً بهذه القوة. إذ إن المؤسسات غير الحكومية والحكومات مختلفة على أكثر من صعيد، ولديهما أهداف ومهام وقيود مختلفة. لكن كل جهة بحاجة إلى الأخرى، حيث يمكن للمؤسسات غير الحكومية أن تعمل بطريقة ذكية وبمرونة ويمكنها تجربة أمور لا تستطيع الحكومات تحملها، سواء على المستوى المالي أو السياسي. وبينما يمكن للمؤسسات غير الحكومية أن تخاطر وتفشل، إلا أنها تحتاج إلى الحكومات لكي تتوسع، خاصة في مجالات مثل الرعاية الصحية والتعليم. إذ إن الحكومات تضع سياسات وخطط تمويل وطنية توفر إمكانية التوسع والاستدامة، وفي المقابل يمكنها الاستفادة من دعم المؤسسات غير الحكومية من أجل الابتكار وتعزيز المساءلة.

كيف يمكن للمؤسسات غير الحكومية تعلّم العمل بفاعلية مع الحكومات؟

في شركة«إنتغريت هيلث»، تعلمنا بعض الدروس الأساسية خلال خمس سنوات مضت من العمل لبناء شراكة حقيقية مع الحكومة، ولم يكن ذلك سهلاً.

  •  التركيز على صوت الحكومة.

تميل المنشورات والكتب من خلال سعيها لدعم تبني القطاع العام إلى التركيز بشكل غير متناسب على المؤسسات غير الحكومية، ما يجعل الحكومات متلقية سلبية للابتكار. بيد أن قصص النجاح توضح أن تحقيق الأثر من خلال القطاع العام على نطاق واسع يتطلب بناء شراكة حقيقية ثنائية الاتجاه. ويتطلب تأسيس تلك الشراكة وضع الحكومة في قلب الخطة منذ المراحل الأولى لتصميم برنامج أو تجربة.

بالنسبة إلى شركة «إنتغريت هيلث»، فقد كانت نظيرتنا الأساسية هي مديرة الصحة المحلية في وزارة الصحة في توغو، حيث كانت المراكز الصحية والمجتمعات التي كنا نأمل في العمل معها تخضع لسلطتها القضائية. تمثلت خطوتنا الأولى في التواصل معها وإشراكها من مرحلة التصميم الأولية وصولاً إلى مرحلة إطلاق البرنامج. ولقد ساعدتنا في تحديد التحديات، وتقديم مدخلات حول الحلول الممكنة، واختيار مواقع التدخل الأولى. ومن دون مشاركتها القيمة لم نكن لنتمكن من الانطلاق. لكن في حين أن هذه الخطوة كانت جوهرية، إلا أنها كانت مجرد البداية. إذ في حين أنها قد وافقت على جميع قراراتنا، لم تكن مقتنعة تماماً بأن هذا النهج سوف يعمل، وكانت بحاجة إلى رؤية شيء ملموس.

  • التنفيذ ضمن نظم التسليم والبيانات الحكومية الحالية.

إذا كان تقديم دليل ملموس أمر بغاية الأهمية، فإن رؤية عمل البرنامج داخل النظام الحالي هو شرط أساسي للتوسع مع الحكومة. لقد عملنا مع مديرة الصحة المحلية لضمان دمج التنفيذ في الأنظمة الحكومية، والاستفادة من البنية التحتية والموظفين الحكوميين الحاليين. وتم إطلاق برنامج دمج الرعاية الأولية في عام 2015 على نطاق أربعة مواقع، ونُفذ البرنامج مباشرة في العيادات الحكومية تحت إشراف مديرة الصحة المحلية، التي تمكنت من الإشراف على البرنامج أثناء البدء فيه وتلقي التقييم مباشرة من موظفيها.

لقد ثبت أن الدمج الفعال لبيانات أثر البرنامج في أنظمة جمع البيانات الحكومية كان أكثر صعوبة مما توقعنا من الناحيتين اللوجستية والسياسية. في النهاية، أدى قرار الوزارة بالانتقال إلى أنظمة البيانات الإلكترونية، وتحديداً «دي إتش آي إس2» (DHIS2)، إلى خلق فرصة لتغذية البيانات من برنامج دمج الرعاية الأولية مباشرة في نظام القطاع العام. وقد أتاح ذلك مشاركة النتائج بشكل روتيني ومتسق مع شركاء الحكومة، بحيث تظهر بيانات برنامج دمج الرعاية الأولية تلقائياً ضمن البيانات المعتادة التي تراها الجهات الحكومية وتحللها وتناقشها في كل شهر في اجتماعات المراجعة الدورية. والأهم من ذلك، يمكن لمديرة الصحة المحلية ورؤسائها الاطلاع على البيانات وقياس أثر الأنشطة التي تحدث في عيادات منطقتها ومجتمعاتها.

  • بناء علاقات مع الشركاء الحكوميين على جميع المستويات.

هنالك دائماً مخاطر مرتبطة بتجربة شيء جديد، ولكن تأمين المشاركة على مستويات متعددة داخل نظام أو تراتبية يمكن أن يحد من تلك المخاطر بالنسبة إلى الجهات الفاعلة الفردية.

على سبيل المثال، في العام الأول من إطلاق برنامج دمج الرعاية الأولية، أصبح من الواضح أن البرنامج كان يؤدي دوره، فقد ارتفعت معدلات الاستفادة من الخدمات الصحية ارتفاعاً ملحوظاً، وانخفضت نسبة الوفيات. وأصبحت الفكرة أقل خطورة بكثير لتبنيها في الوقت المناسب من قبل مديرة الصحة المحلية ولنقلها إلى منطقة جديدة. هذا النوع من الزعزعة هو واقع العمل مع الحكومات، فالموظفون ليسوا مستقرين، وعملنا مع ثلاثة مدراء محليين للصحة خلال تجربة مدتها ثلاث سنوات. لحسن الحظ، كان كل منهم قادراً على ملاحظة أثر البرنامج في منطقته بصورة مباشرة، تماماً كما فعلت مديرة الصحة المحلية التي عملنا معها بداية. انتشرت أخبار التجربة مع استمرار النجاح، وبدأ المدراء الآخرون في طلب البرنامج في مناطقهم. ونتيجة لذلك، طُلب منا مقابلة مدير الصحة الإقليمي، الذي تشاركنا معه التفكير في التوسع إلى مناطق متعددة.

لن ننسى مطلقاً اليوم الذي أرسل فيه مدير الصحة الإقليمي رسالة إلكترونية تتضمن توجيهاته لجميع مدراء الصحة في مختلف المناطق من أجل العمل معنا. لقد كان ذلك نقلة نوعية، إذ لم يعد مطلوب منا الدفاع عن قضيتنا، وتقديم الأدلة، والطلب من كل مدير أن يخاطر ويعمل معنا. ومن خلال بناء العلاقات على مستويات متعددة، عملنا على تبسيط جهودنا وتمهيد الطريق لتوسيع البرنامج.

  •  الانتقال التدريجي لملكية البرامج ليد الشركاء الحكوميين.

يجب أن يؤخذ هذا الهدف بعين الاعتبار من البداية، إذ تتطلب عملية نقل الملكية من المؤسسات غير الحكومية إلى الحكومات عملية تحوّل بطبيعة الحال. ونظراً للمخاطر المرتبطة بالأفكار الجديدة أو المبتكرة، يمكننا تفهم أن المسؤولين الحكوميين بحاجة إلى الوصول للقناعة بجدوى البرنامج وفعاليته قبل أن يكونوا مستعدين لتولي زمام الأمور. لكن الملكية أمر بالغ الأهمية لتحقيق النجاح والاستدامة على المدى الطويل، إذ تضمن الملكية الحكومية الفعالة استمرار البرنامج بمجرد توقف المؤسسة غير الحكومية عن قيادة عملية التنفيذ.

تم توسيع برنامج دمج الرعاية الأولية الذي تم إطلاقه في يوليو/تموز 2018؛ بعد ثلاث سنوات من بدء التجربة الأولية. وقد حصلنا على تأييد قوي من الشركاء الحكوميين، لكن شركة «إنتغريت هيلث» بصفتها مؤسسة غير حكومية، كانت لا تزال تقود عملية التنفيذ. إلا أننا وجدنا الوقت المناسب لنقل الملكية، حيث صرّح جيبيلو: «نحن ننفذ هذا البرنامج منذ ثلاث سنوات، ومتأكدون من فعاليته، ويعلم شركاؤنا الحكوميون ذلك، ولكن حان الوقت الآن للسماح لهم بالقيادة».

مع ذلك التصريح، أتاح فريقنا لشركائنا الحكوميين تولي مسؤولية قيادة البرنامج. بدأنا بدمج موظفي الإدارة مع فريق الصحة الإقليمي بدلاً من توظيفهم مباشرة، وسمحنا لممثلي الحكومة بتولي المسؤولية تدريجياً، مثل التخطيط وإدارة التدريبات، مع تقديم الدعم من قبل فريقنا. بدأت هذه الخطوات الصغيرة في تحويل الملكية بحالتيها المتصورة والفعلية، من برنامج وسيط تابع لمؤسسة غير حكومية إلى نظام الحكومة نفسه، ما جعل البرنامج في وضع يسمح له بالاستمرار على المدى الطويل. وفي تطور ملحوظ، تلقى جيبيلو مكالمة من الدكتور أغورو في مساء آخر تدريب لأخصائيي الصحة المحليين في شهر أغسطس/آب، الذي أكد على ظهور شعار وزارة الصحة على غلاف المواد التدريبية.

يمكن للشراكة الحقيقية أن تفتح فرصاً للتوسع

نأمل أن يكون هذا الانتقال الفعال للملكية نقطة انطلاق على المستوى الوطني، إذ يدعو ممثلو الحكومة بأنفسهم اليوم بإصرار وانتظام، وعلى جميع المستويات، من أجل توسيع هذا النهج. بعد أن تزايد الطلب على تنفيذ البرنامج، يعمل فريقنا الآن مع الحكومة والشركاء الآخرين على المستوى الوطني لإطلاع المعنيين على السياسة والتمويل اللذين سيحققان التوسع. والأهم، يلعب البرنامج اليوم دوراً رئيسياً في الاستجابة الحالية للجائحة، بالإضافة إلى ضمان استمرارية تقديم الرعاية الصحية الأولية.

سألنا ذات يوم البروفسور مصطفى ميجياوا، وهو وزير الصحة في جمهورية توغو، وبكل ود، ما إذا كانت مؤسسة «إنتغريت هيلث» غير حكومية أم غير خاضعة للحكم. لقد كان سؤاله منطقياً، إذ لم تلتزم جميع المؤسسات غير الحكومية، كما فعلت مؤسستنا، بالعمل من داخل النظام الحكومي في محاولة حثيثة لدعمه، لأن العديد من المؤسسات غير الحكومية تسعى إلى تحقيق جدول أعمالها الخاص، ما يساهم في تجزئة النظام الصحي، ويؤدي إلى زيادة عبء الإدارة على وزارات الصحة.

خلال اجتماعاتنا الأولى مع الوزير ميجياوا، أوضحنا أن مؤسسة «إنتغريت هيلث» تهدف إلى تعزيز النظام العام، بدلاً من إيجاد حل مواز. وأخبرنا الوزير في وقت لاحق أن هذا كان أهم ما طرحناه خلال ذلك الاجتماع، وقد ترك انطباعاً أكثر من النتائج الصحية البارزة، أو الهيكل منخفض التكلفة، أو نموذج التسليم الفعال.

ما زلنا في مؤسسة «إنتغريت هيلث»  في رحلة التوسع بالشراكة مع الحكومة ونعلم أن طريقنا طويل لتحقيق ذلك. لكننا تعلمنا الكثير ووصلنا إلى مرحلة شعرنا خلالها بضرورة مشاركة بعض من تلك الدروس، ومجدداً، لم يكن الأمر سهلاً. نحن نتطلع إلى تلقي الآراء حول مقترحاتنا، وسيكون الأمر أفضل في حال تجربتها وإطلاعنا على النتائج. نأمل من خلال البناء على هذه الدروس أن نتمكن من تحقيق المزيد من الشراكات الحقيقية بين الحكومات والمؤسسات غير الحكومية والعمل معاً لتقوية النظم الصحية والمساهمة في إنقاذ الأرواح، سواء في أوقات الأزمات أو خارجها.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

 

المحتوى محمي