اكتسبت الدعوة إلى خدمة الوطن أهمية متجددة في الوقت الذي يواجه فيه المجتمع تحديات متعددة الأوجه، وفي عصر يحفز فيه تحقيق الأهداف الطموحات المهنية لجيل الشباب، تنادينا رسالة غير تقليدية ولكنها مقنعة، وهي العمل في القطاع الحكومي. ضمن هذا المشهد المتطور، يشرع كتاب "تلاقي الريادة والرسالة: مواءمة الأفراد والأهداف والأرباح من أجل الابتكار وتحويل المجتمع" في دراسة عميقة للتفاعل المعقد بين الموهبة والابتكار والتحول المجتمعي.
يقع الجيل الشاب الذي يسعى إلى تحقيق الأهداف في طليعة هذا التحول، مدفوعاً برغبة عميقة في إحداث تأثير هادف في العالم. في كثير من الأحيان يستهين الناس بالخدمات الحكومية من حيث قدرتها على التأثير، لكنها توفر مساراً جديداً للشباب لتوجيه حماستهم ومهاراتهم نحو التغيير الاجتماعي. نسلط الضوء على الإمكانات والتحديات التي لا حدود لها التي تنتظر الذين يستجيبون للدعوة إلى الخدمة العامة، ونقدم خريطة طريق للعمل في المجال الذي تتلاقى فيه الريادة مع الرسالة، حيث يتلاقى ذوو الأهداف ليبتكروا ويحولوا مجتمعهم. تبدأ هذه الرحلة مستندةً إلى فكرة رئيسية مفادها أن الموهبة حجر الأساس للتقدم المجتمعي، سواء في العمل الحكومي أو في القطاع الخاص. وتؤكد هذه الفكرة الدور الرئيسي للحكومة في جذب المواهب ورعايتها، وأهمية التعاون بين القطاعات لدفع التغيير التحويلي. يتناول الكتاب تعقيدات تنسيق رأس المال البشري، وسد الفجوة بين القطاعين العام والخاص، وتعزيز التعاون بين القطاعات. وهو شهادة على القوة التحويلية للأفراد الذين يجلبون مجموعات متنوعة من المهارات والخبرات والعواطف إلى العمل.
في المقتطف أدناه، نشهد تغير التطلعات المهنية لجيل الألفية والجيل زد في عالم يتغير فيه مفهوم الإنجاز ولا تكون فيه الخدمة العامة والعمل المدفوع بتحقيق الرسالة مجرد مساعٍ نبيلة فحسب، بل إنجازات مهنية مهمة. نحن ندعو القراء للدخول إلى عالم يلتقي فيه الهدف بالشغف، والابتكار بالتأثير، ويصبح فيه السعي لتحقيق التحول المجتمعي مسعىً جماعياً. إنه دعوة إلى العمل من أجل جيل الشباب لكي ينظر إلى الخدمة الحكومية كما ينظر إلى ما تمثله مؤسسة تيتش فور أميركا (Teach for America)؛ أي بوابة لإحداث تغيير عميق في العالم، وخطوة هادفة في الوقت نفسه. آرون غوبتا وجيرارد جورج وتوماس فيور
تعتبر العناصر الحية ضرورية لأي منظومة، سواء كانت بيئية أو اجتماعية. ولا تختلف منظومة عمل كتاب "تلاقي الريادة والرسالة" عن ذلك. تعد الموهبة البشرية أحد أهم عوامل خلق الثقة في المنظومة، سواء باعتبارها العامل الرئيسي في تحقيق الرسالة أو محركاً للذين يشكلون هذه المنظومة. ولقدرة الحكومة على جذب المواهب بصفتهم خبراء متخصصين أهمية قصوى، فخبرة الشعب الأميركي أحد أهم الموارد بالنسبة إلى الحكومة الأميركية للمساعدة في صناعة أفضل القرارات المستندة إلى المعلومات. لذا، لن تتطور المنظومة إلى أقصى إمكاناتها في ظل غياب نهج منسق في التعامل مع رأس المال البشري. بالنسبة إلى الحكومة، لا يعني ذلك الاستثمار في الابتكار فحسب، إنما الاستثمار في البشر أيضاً.
دعونا نتأمل كيف يطور المواطن العادي مهاراته وخبراته. في أغلب الأحيان، يبدأ التطوير المهني في القطاع الأكاديمي عندما يكون المواطن طالباً. تؤدي الحكومة دوراً حاسماً في تنمية رأس المال البشري من خلال تمويل التعليم العام بدءاً من مرحلة رياض الأطفال فصاعداً. بالنسبة إلى الكثير من الناس، يستمر التعليم الذي ترعاه الحكومة حتى المرحلة الجامعية، حيث تتلقى المؤسسات الجامعية أكثر من ربع تمويلها من المنح الحكومية الفيدرالية. يلتحق اليوم أكثر من 60% من خريجي المدارس الثانوية بالكليات، ومن المرجح أن ترتفع هذه النسبة. منذ عام 1960، ارتفع معدل الالتحاق بين خريجي المدارس الثانوية بنسبة 46.8% (0.8% سنوياً).
في السنوات التأسيسية والحاسمة لتعليم المراهقين، اضطلعت الحكومة بدور أساسي في تنمية رأس المال البشري. لكن في مرحلة ما بعد الجامعة، تتباطأ عملية تنمية رأس المال البشري الحكومية بسبب انتقال الطلاب إلى القطاع الخاص بوتيرة متسارعة. على سبيل المثال، توصلت الحكومة الفيدرالية في دراسة أعدتها عام 2014 إلى أن نحو 10% فقط من خريجي الجامعات كانوا يفكرون في العمل في الحكومة، وتشهد هذه النسبة انخفاضاً سريع الوتيرة. حتى بين طلاب الدراسات العليا الذين يسعون للحصول على درجة الماجستير في السياسات العامة، وهي المجموعة المؤهلة لتولي مناصب في القطاع العام، يتناقص عدد الطلاب الذين يختارون وظائف حكومية. كما توصلت الدراسة نفسها إلى أنه بين عامي 2001 و2017، انخفض عدد الطلاب الذين اختاروا الوظائف الحكومية بنسبة 15% ليصل إلى 34% فقط من العدد الإجمالي للخريجين. أما المجموعة الكبيرة من خريجي الجامعة التي لا تفكر في العمل في الحكومة فتتألف من تخصصات الأعمال، وهي تشكل نسبة 3.4% من الخريجين. هل فهمت المشكلة؟ لا يقتصر الأمر على أن الطلاب عموماً باتوا أقل ميلاً للانضمام إلى الحكومة فحسب، بل إن الذين يختارون مهناً تخص المشاريع أقل اهتماماً بالوظائف الحكومية. تستثمر الحكومة بقوة في الطلاب الذين ليس لديهم اهتمام بالعمل في القطاع العام، والمجموعة التي يجب أن تُستدعى لمعالجة أكبر التحديات التي تواجهها الحكومة هي الأقل احتمالاً للاستجابة لهذه الدعوة. من الواضح تماماً أين ينشأ الانقسام بين القطاعين العام والخاص وكيف ينتج من ذلك العديد من التحديات الثقافية في تعاونهما المحتمل.
يشكل تنسيق منظومة تلاقي الريادة والرسالة تحدياً صعباً بالنسبة للحكومة، ويستدعي دراسة أدق للعقبات التي تواجهها الحكومات في تنظيم رأس المال البشري. أولاً، يبدو أن ثمة عدم توافق بين المهارات اللازمة للعمل الحكومي والمطلوبة للنجاح في القطاع الخاص. اسأل أي مدير في القطاع الخاص عما يمكن أن يتعلمه القطاع العام منه، وستسمع إجابات مثل الكفاءة والدقة والتنفيذ. ولكن ماذا ستسمع إذا سألته عما يمكنه تعلمه من القطاع العام؟ لن تكون الإجابة بهذا الوضوح. يتحدث المتحدث الرسمي لبرلمان المملكة المتحدة ألكسندر ستيفنسون عن ثلاث مهارات يطورها القطاع العام، وهي مفيدة لمؤسسات القطاع الخاص:
1. فن الإقناع
يقضي مدراء القطاع العام عادةً وقتاً أطول من نظرائهم في القطاع الخاص في السعي إلى إقناع مجموعات متنوعة من الناس، بمن فيها عامة الناس والمسؤولون الحكوميون ووسائل الإعلام. ويتمتع القادة الاستثنائيون بمهارة العمل مع مجموعة متنوعة من أصحاب المصالح، ويعرفون متى يجب تقديم التنازلات، ومتى يجب ألا تُقدم، ويستطيعون إنجاز المهام في سياقات غير مضمونة، وتلك مهارات ضرورية للقطاع الخاص.
2. صناعة القرارات المعقدة
يوظف مدراء القطاع العام وقتا طويلاً في صناعة قرارات معقدة ذات نتائج بعيدة المدى خلال حياتهم المهنية، سواء كان ذلك عبر إصدار أحكام دقيقة حول السياسات الخارجية أو توقع الحاجة إلى المساعدة الفيدرالية من مجموعات متنوعة. والعديد منهم على دراية جيدة بتحديد أصحاب المصلحة الذين قد تؤثر فيهم قراراتهم بالإضافة إلى العوامل الخارجية الطويلة المدى التي يجب أخذها في الحسبان. بطبيعتهم يبحثون عن الخبراء والأطراف المهتمة لاختبار أفكارهم، والاستماع إلى الملاحظات، وتكييف استراتيجيتهم وفقاً لذلك.
3. إدارة الأزمات
يقضي المدراء الحكوميون وقتاً طويلاً في إدارة الأزمات مقارنة بنظرائهم في القطاع الخاص، وأحد أسباب ذلك أنهم يواجهون مواقف حساسة بدرجة أكبر، ولأنهم يخضعون لرقابة إعلامية أكبر. تتطلب الأزمات الكبرى، مثل الهجمات الإرهابية وتفشي الفيروسات، صناعة قرارات سريعة بالإضافة إلى التعامل الدقيق مع وسائل الإعلام. والمدراء الحكوميون غالباً جيدون في تحديد الأولويات واتخاذ قرارات معقولة والتواصل بطرق فعالة.
يسلط حديث ستيفنسون الضوء على فائدة مهارات القطاع العام بالنسبة إلى القطاع الخاص. صحيح أن القطاعين العام والخاص مختلفان في الهيكلية والوظيفة، لكن المهارات التي يطورانها والمطلوبة فيهما ليست متناقضة أو غير متوافقة.
يتحدث كبير الرؤساء التنفيذيين الفيدراليين لتكنولوجيا المعلومات في الولايات المتحدة والمدير التنفيذي الناجح في إدارة التكنولوجيا فيفيك كوندرا كيف زودته خبرته في القطاع العام بالمهارات التنفيذية والإدارية اللازمة للتفوق في القطاع الخاص. إذ يقول: "قدمت لي تجربتي في القطاع العام مجموعة يومية من المشكلات المعقدة التي يتعين عليّ معالجتها مع مجموعة متنوعة من أصحاب المصالح مثل الموظفين والوكالات والمواطنين. ستتعلم بسرعة أهمية التفكير المنظومي، والنمو وسط الفوضى، والقيادة التشغيلية التي لا تتزعزع وتنجز المهام على نطاق واسع. لا تُقدر تجربتي في القطاع العام بثمن، إذ أعدتني لأدوار تنفيذية عليا في بعض شركات التكنولوجيا الرائدة في النمو". بدأت رحلة كوندرا في القطاع العام عندما كان يجري مقابلة مع إدارة مقاطعة أرلينغتون صباح يوم 11 سبتمبر/أيلول، وطُلب منه الانضمام نظراً للأزمة الوشيكة. عُيّن لاحقاً مساعد وزير التجارة والتكنولوجيا لولاية فرجينيا قبل أن ينتقل إلى منصب كبير مسؤولي التكنولوجيا في منطقة العاصمة، وفي عام 2009 عيّن الرئيس أوباما فيفيك كبير الرؤساء التنفيذيين الفيدراليين لتكنولوجيا المعلومات في الولايات المتحدة. كان مسؤولاً عن إدارة أكثر من 80 مليار دولار من الإنفاق التكنولوجي السنوي وكان له الفضل في منع هدر المليارات من أموال دافعي الضرائب، واعتماد تكنولوجيا ثورية، وتعزيز وضع الأمن السيبراني للولايات المتحدة، وإطلاق حركة انفتاح حكومية طُبقت في جميع أنحاء العالم. بعد رحلته وخبرته الواسعة في العمل في القطاع العام، انضم كوندرا إلى شركة سيلز فورس (Salesforce) نائباً للرئيس التنفيذي، حيث قاد النمو والتسويق في القطاعات العالمية الرئيسية مثل الخدمات المالية والرعاية الصحية وتجارة التجزئة والسيارات والاتصالات والقطاع العام، وازدادت إيرادات الشركة من ملياري دولار إلى أكثر من 8 مليارات دولار. أصبح فيما بعد الرئيس التنفيذي للعمليات في شركة سبرينكلر (Sprinklr)، التي طرحها للاكتتاب العام في عام 2020، وهو الآن الرئيس والرئيس التنفيذي للعمليات في شركة بروجكت 44 (project44). ويؤكد قائلاً: "الجميع يقلل من شأن الخبرة الواسعة والمهارات القيادية والتعرض للمشكلات على مستوى الدولة وفرصة التأثير التي يوفرها القطاع العام للمواهب الشابة".
يشير كوندرا إلى ضرورة العمل على تعزيز التعاون بين القطاعات المتنوعة قائلاً: "إننا نعيش في مرحلة تاريخية، نواجه أزمة اقتصادية عالمية غير مسبوقة وتهديدات جديدة لأمننا الوطني تتغير يومياً. ستساعدنا التكنولوجيا على مواجهة هذه التحديات في حال استخدمناها بحكمة، لكنها تتطلب منا جميعاً، القطاع العام والقطاع الخاص والأوساط الأكاديمية، التعاون لبناء مستقبل أكثر إشراقاً وغد أفضل". مع ذلك، ما يزال هناك تصور سائد يشير إلى عدم وجود منحى مهني سهل من القطاع الحكومي إلى القطاع الخاص، لكن من الممكن تسليط الضوء على قصص النجاح مثل قصة كوندرا.
بدأنا نرى الحكومة تقر بأهمية إتاحة المجال للتبادل المؤسسي بين القطاع العام والقطاع الخاص. أعلنت وزارة الدفاع مؤخراً عن استراتيجية قوة العمل الإلكترونية للفترة 2023-2027، التي شددت على العمل التعاوني مع القطاع الخاص والأوساط الأكاديمية: "تواجه الحكومة صعوبة في استقطاب الجيل الجديد من المواهب في التكنولوجيا، لذا قررت وزارة الدفاع تغيير نموذج المواهب الخاص بها وإنشاء مشروع تجريبي لتبادل المواهب يسمح لأبرز المختصين في مجال الإنترنت بالتنقل بين الحكومة والقطاع الخاص والأوساط الأكاديمية 'دون عقوبات'". كيف يمكنها تعزيز هذا المنحى المهني دون أن تتحمل أعباء عملية التوظيف الحكومية الطويلة والمكثفة؟ من خلال الانتقال إلى نموذج التقييم المستمر الذي يحدّث خلفية الموظف فورياً. من خلال الابتكار في عملية التوظيف، لدى وزارة الدفاع فرصة لسد فجوة المواهب الحكومية في مجال التكنولوجيا بسرعة.
يوضح جيسون ماثيني أن برنامج زمالة البيت الأبيض (White House Fellows program) مثال آخر على أهمية المهارات المناسبة لعدة قطاعات. "عبر برنامج زمالة البيت الأبيض، وجدنا أن المهارات التي يجلبها الطلاب والعاملون من القطاع الخاص مناسبة تماماً لعملنا هنا. ولكن ينبغي ألا نخطئ التقدير، فالأمور هنا ليست بسهولة الانضمام إلى شركة في القطاع الخاص. يواجه الموظفون صدمة ثقافية عند الانتقال إلى العمل في الحكومة. لقد بدأنا إخضاع الموظفين 'لمعسكر تدريبي' لكي يتعرفوا على الاختلافات الدقيقة في العمل في القطاع العام، ولشرح الكم الهائل من عمل الخير الذي يمكنهم فعله". يواصل ماثيني حديثه: "بمجرد إزالة هذه الحواجز الثقافية، نرى مدى فعالية مهاراتهم في العمل الحكومي. تمكّن اثنان من الزملاء من تحقيق أهم الإصلاحات في قوانين الهجرة للعاملين في مجال العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في العشرين عاماً الماضية. إذ عقدا علاقات مع وزارة الأمن الداخلي ووزارة الخارجية، وأقنعا العاملين في البيت الأبيض بتأييد الإصلاحات. أعتقد أنه حدث تاريخي تحقق نتيجة 6 أشهر من الجهد، وسنتمكن قريباً من رؤية تأثيره الهائل، إذ سيتمكن الآن عشرات الآلاف من العلماء والمهندسين من بلدان أخرى من الهجرة إلى الولايات المتحدة بفضلهم.
السياسة التي يشير ماثيني إليها جزء من تحديث قانون "أميركا كومبيتس" (America COMPETES Act)، أو "قانون أميركا لخلق فرص التصنيع والتفوق في التكنولوجيا وتعزيز القوة الاقتصادية لعام 2022" (America Creating Opportunities for Manufacturing, Pre-Eminence in Technology and Economic Strength Act of 2022). تمكّن برنامج زمالة البيت الأبيض من دفع سلسلة من تحديثات السياسات التي تهدف إلى تحسين قدرة الولايات المتحدة على استقطاب الطلاب والعلماء في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات من الخارج واستبقائهم، وإضافة اثنين وعشرين مجالاً جديداً من مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات إلى برنامج يسمح للطلاب الحاصلين على تأشيرات دخول (F-1) بالعمل في الولايات المتحدة مدة محدودة بعد التخرج. وتشمل هذه المجالات الجديدة العديد من المجالات الضرورية للابتكار، مثل التفاعل بين الإنسان والكمبيوتر وعلم الأعصاب والحوسبة السحابية وعلوم الكمبيوتر والاقتصاد والرياضيات وعلم البيانات والتصور والتحليلات المحوسبة، والعديد من مجالات العلوم الاجتماعية، مثل علم النفس الصناعي والتنظيمي ومنهجية البحث وأساليب البحث الكمي.
يشير ماثيني أيضاً إلى أنه يولي اهتماماً لمجموعة متنوعة من المهارات من خلال إشرافه على أحد أكبر تجارب التعهيد الجماعي في التاريخ. استفاد هذا العمل الذي يهدف إلى التنبؤ بالأحداث العالمية القادمة من حكمة عشرات الآلاف من الناس العاديين. ووفقاً لماثيني، كلما زاد التنوع في الفِرق كانت النتائج أفضل: "تأتي أفضل الأفكار من المجموعات الغنية التنوع بالمفكرين. وما يثير حماستي للمستقبل هو أن الولايات المتحدة ما تزال حتى الآن المحرك الرئيسي للاختراع في العالم. نحن نواصل إثبات قيمة الديمقراطية والتنوع من خلال إظهار نجاحهما، وما زلنا الوجهة المفضلة لكبار العلماء والمهندسين في العالم.
أما العقبة الثانية أمام استقطاب رأس المال البشري لدعم رسالة الحكومة فتتعلق إلى حد بعيد بطبيعة الجيل الجديد وهي الرغبة في الإنجاز. يُولي جيل الألفية وجيل زد قيمة للإنجاز أكثر من أي جيل في التاريخ الحديث، سواء كان ذلك بسبب نشأتهما في عصر "يحصل الجميع فيه على جائزة المشاركة" من باب التشجيع على العمل المشترك، أو بسبب ضغط التحديات السياسية والاقتصادية والبيئية المتنامية. في الواقع، يرى هذان الجيلان أنفسهما وهويتيهما من خلال إنجازاتهما المهنية والتعليمية. ولكن كيف يشكل ذلك عائقاً أمام الحكومة في توجيه رأس المال البشري نحو تحقيق الرسالة؟ لطالما اُعتبرت الوظائف الحكومية في وكالات مثل ناسا ومكتب التحقيقات الفيدرالي "مرموقة"، لكن هذه الميزة بدأت تفقد قيمتها. ولعل السبب تدهور الثقة في الحكومة الأميركية وتزايد الثقة في قطاع الأعمال. على سبيل المثال، بسبب تزايد حضور شركتي سبيس إكس (SpaceX) وبلو أوريجين (Blue Origin) في سوق الفضاء التجاري وسيطرتهما على مبادرات الولايات المتحدة للمدارات المنخفضة والمدارات البعيدة، يفكر الطلاب في العمل في هاتين الشركتين بدلاً من العمل في وكالة ناسا. بالإضافة إلى ذلك، تعمل جوجل وآبل وشركات التكنولوجيا الأخرى على تعزيز دورها في الدفاع عن الأمن السيبراني للولايات المتحدة، ما يشير إلى أن العمل الذي تؤديه الحكومة متاح في القطاع الخاص، ومع تراجع الثقة في الحكومة ونمو مؤسسات القطاع الخاص التي تؤدي مهام حكومية مختلفة وتقدم غالباً أجوراً أكبر، فإن تصور تحقيق الإنجازات عبر العمل في الحكومة يتلاشى. ومن دون تصور الخدمة العامة أو العمل المبني على الرسالة باعتباره إنجازاً مهنياً، تستمر الفجوة بين الأجيال الجديدة والحكومة في الاتساع، وهي التي تُضعف احتمال انضمام الشباب إلى العمل الحكومي.
ما الحلول الممكنة؟ أولاً والأهم، تحتاج الحكومة إلى أن تُعتبر الجهة الداعمة لجميع المهن، وليس المهن المحصورة بالقطاع العام فحسب. أنتجت جهود حكومية متفرقة مثل برنامج زمالة البيت الأبيض موظفين حكوميين استثنائيين، بمن فيهم أعضاء كونغرس وقضاة، ومواطنون استثنائيون، منهم مؤسسو العديد من الشركات الخاصة. إلى جانب تخريج بعض أبرز الموظفين الحكوميين في الحكومة الفيدرالية والجيش، دعمت الحكومة شخصيات أعمال بارزة أسس العديد منها شركات تعمل على نحو وثيق مع الحكومة. بوسع هذه البرامج أن تستقطب ذوي المهارات المتنوعة إلى منظومة "تلاقي الريادة والرسالة".