ما التعريف الحقيقي لفاعل الخير؟

فاعل الخير
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

مَن فاعل الخير في نظرنا؟

حدث العديد من التطورات في طرائق ممارسة العمل الخيري منذ أن بدأت عملي بجامعة بنسلفانيا لافتتاح مركز الأعمال الخيرية العالية التأثير (Center for High Impact Philanthropy). وتشمل هذه التطورات على سبيل المثال لا الحصر زيادة الصناديق الاستشارية للمانحين، ومنصات التكنولوجيا الجديدة التي تدمج التبرع اليومي ضمن عمليات شرائنا اليومية، وظهور فكرة التبرع الفعال، وزيادة شعبية الأوساط الخيرية. ويعتبر كل ما سبق ابتكارات في كيفية ممارستنا للعمل الخيري.

ولكي تسهم الأعمال الخيرية في الابتكار الاجتماعي وتنتج تغييراً إيجابياً ومستداماً، علينا إعادة النظر في مَن نتحدث عنه عندما نتحدث عن العمل الخيري. مَن فاعل الخير في نظرنا؟ ومَن يتلقى الدعم الخيري؟ ومَن لديه صلاحية توجيه تدفق الموارد الخيرية؟

مَن فاعل الخير في نظرنا؟

ما يزال الناس يربطون مصطلح “فاعل الخير” برجل الأعمال الثري الذي يتبرع بمبالغ ضخمة من المال بطرائق علنية للمؤسسات الكبيرة غير الربحية. لكي ينهض العمل الخيري بالتغيير الإيجابي المستدام الذي نسعى إليه جميعاً، علينا تبنّي المعنى الأصلي للكلمة.

فالأصل اللغوي لكلمة “philanthropy” يوناني مؤلف من كلمتين “philia” وتعني حُب، و”anthropos” وتعني الإنسانية. ومع ذلك، فإن “حب الإنسانية” ليس المعنى الذي يخطر على بال الكثير من الناس عندما يفكرون في العمل الخيري. توضّح لي ذلك منذ أكثر من 15 عاماً عندما كنا نُجري مقابلات في أثناء تأليفنا لأول منشور خاص بمركزنا. إذ أصرت إحدى الذين أجرينا معهم المقابلات على أنها ليست فاعلة خير على الرغم من أن فريقنا اعتبرها كذلك، موضحة أنها “مجرد شخص لمس حاجة أحدهم، وأراد المساعدة، وتمكّن من ذلك”.

وفي حال تبنينا وصفها والمعنى الأصلي للكلمة، نجد أن فاعلي الخير في كل مكان. وفي حال وسّعنا مفهوم العمل الخيري ليشمل التبرع بالوقت والموهبة، بطريقة رسمية وغير الرسمية على حد سواء، فإن الموارد المتاحة للابتكار الاجتماعي غزيرة، وكذلك إمكانية حدوث تغيير أكثر ديمومة. لأن التزامنا بالقضايا الاجتماعية يتعمق كلما تعرّفنا عليها أكثر وشعرنا بارتباط شخصي بها.

مَن يتلقى الدعم الخيري؟

يقدم الناس الأموال في الغالب لدعم المؤسسات المرتبطة بـ “جماعتهم”. وكلما تجاوزنا الحدود المؤسسية، ووسعنا مفهوم مَن ينتمون إلى جماعتنا، عززنا المجتمع برمته.

عندما نعيد النظر في مَن هو فاعل الخير، وفي مَن يتلقى الدعم الخيري، وفي مَن لديه الصلاحية لتوجيه تدفق الموارد الخيرية، سنطلق العنان لإمكانات العمل الخيري لإحداث تغيير اجتماعي دائم وإيجابي.

لطالما توصلت تحليلات المنح المعفاة من الضرائب للمؤسسات غير الربحية، على الأقل في الولايات المتحدة، إلى أن النوعين الرئيسيين من المؤسسات غير الربحية التي تتلقى تبرعات خيرية هما المؤسسات الدينية والتعليمية. ولا عجب في ذلك، إذ يستفيد كل من المؤسسات الدينية والتعليمية من المتبرعين الذين هم أساساً أعضاء في تلك المؤسسات. لكل دين تقاليده الخاصة في التبرع، سواء كان ذلك عن طريق العشور في المسيحية، أو الدانة في البوذية، أو الزكاة في الإسلام، أو التسداكا في اليهودية. تتمتع المؤسسات التعليمية وبخاصة الجامعات بميزة جذب الناس خلال مرحلة التأسيس في حياتهم. وينسب الخريجون نجاحهم إلى تلك المرحلة غالباً، ويعبّرون عن تقديرهم وثقتهم عبر الدعم الخيري.

عندما يتجاوز العمل الخيري حدود مجتمعاتنا ويصل إلى خارج المؤسسات التي ننتمي إليها، فإنه يعزز إنسانيتنا المشتركة. بعد عام واحد من تعهد زوجة جيف بيزوس السابقة الثرية ماكنزي سكوت بإعادة معظم ثروتها إلى المجتمع، أعطت عشرات الملايين من الدولارات، ليس إلى جامعتها الأم جامعة برينستون، بل إلى جامعات ذوي البشرة السوداء وكلياتهم التاريخية وكليات السكان الأصليين. وفي سياق مماثل، جمع الأميركيون المسلمون أكثر من 200,000 دولار لدعم الأعضاء اليهود في كنيس شجرة الحياة في بيتسبرغ (Pittsburgh’s Tree of Life Synagogue) بعد المذبحة التي حدثت هناك.

تتجاوز هذه الأعمال الخيرية حدود رعاية الذين نشعر بالمسؤولية المباشرة أو الالتزام الصريح تجاههم. فهي تلم شملنا في عالم يزداد انقساماً، وتظهر حباً للإنسانية يقوي المجتمع برمته، وتلك هي غاية الابتكار الاجتماعي.

مَن لديه صلاحية توجيه تدفق الموارد الخيرية؟

توجّه اليوم مجموعة صغيرة من الأثرياء تدفق موارد العمل الخيري بطريقة تنقصها العدالة. لكن في المستقبل، عندما تُستقى القرارات من الذين يتأثرون بها مباشرة، سيستمر تحقيق النتائج الإيجابية على الأرجح.

يؤدي توسيع نطاق مَن نعتبره فاعل خير إلى زيادة عدد الذين يسهمون في الابتكار الاجتماعي. ولكن مع تزايد تركيز الثروة بين عدد قليل من الناس، تراجع عدد الذين يتحكمون باتجاه الموارد المالية للأعمال الخيرية. تقدم دراسة أجراها زملائي حول المنح خلال جائحة كوفيد-19 أحد الأمثلة الحديثة على ذلك، إذ زاد متوسط مبلغ التبرع بأكثر من 200% مع تراجع عدد المتبرعين. عندما تحدد مجموعة صغيرة من الأثرياء القضايا الاجتماعية والمؤسسات والأفراد الذين يستحقون الدعم المالي، فسيعزز العمل الخيري البلوتوقراطية (حكم الأقلية الثرية غير العادل) بدلاً من تعزيز الابتكار الاجتماعي الذي يخدم المصلحة العامة.

قد يفضي تعديل السياسات التجارية والحكومية إلى إنهاء عقود من التراكم المركّز للثروة والإسهام في تعزيز الابتكار الاجتماعي. وإلى أن يتحقق ذلك، ثمة طرائق يمكن للمتبرعين من خلالها استخدام سلطتهم بمسؤولية. على سبيل المثال، نناقش في تقريرنا الذي حمل عنوان “اختيار التغيير” كيف تساعد 3 عوامل وبالتحديد الشمولية، واستمرارية السلطة، وتغيير الأنظمة، الجهات المانحة على التعرف على الفرص المتاحة لمعالجة عدم المساواة الهيكلية. والعديد من المؤسسات غير الربحية التي ألقينا الضوء عليها في مجموعتنا لأدوات المنح العالية التأثير السنوية تتميز بالكفاءة والفعالية من حيث التكلفة على وجه التحديد لأنها تأخذ أولويات المجتمعات المتأثرة بالمنح في الحسبان وتشرك خبرات تلك المجتمعات.

يقرر صندوق غرين لايت (GreenLight Fund) الذي أعمل في مجلس إدارته، ما القضايا الاجتماعية التي ستنال الدعم من خلال عملية تستند إلى حاجات المجتمع في 12 مدينة. ونتيجة لهذه العملية، يستمر عمل المؤسسات غير الربحية المموَلة وتأثيرها في تلك المدن بعد مدة طويلة من إنفاق أموال منحة صندوق غرين لايت. أحد أسباب نجاح أداة “الدخل المضمون” بوصفها أداة فعالة هو أنها تسمح للمستفيد الذي يعاني وضعاً اقتصادياً غير مستقر اختيار أفضل طريقة لاستخدام المال (وليس المانح من يختار ذلك). بمعنى آخر، تضع هذه الأداة سلطة اتخاذ القرار في أيدي الأشخاص الأكثر تأثراً بالقرار.

يواجه المجتمع تحديات عدة ومتنوعة في جميع أنحاء العالم. ويجب أن تشارك قطاعات ثلاثة معاً في مواجهة هذه التحديات، وهي القطاع الحكومي، وقطاع الأعمال التجارية، وقطاع العمل الخيري. يمتلك قطاع العمل الخيري أقل موارد مالية من بين هذه القطاعات الثلاثة. لكنه يتميز بقدرته على العمل بعيداً عن ضغط متطلبات الربح في قطاع الأعمال التجارية والمطالب السياسية في القطاع الحكومي.

وتعتبر تلك القدرة ميزة قطاع العمل الخيري. عندما نعيد النظر في مَن نعتبره فاعل خير، وفي مَن يتلقى الدعم الخيري، وفي مَن لديه القدرة على توجيه تدفق الموارد الخيرية، فإننا نطلق العنان لإمكانات العمل الخيري لاستغلال هذه الميزة لإحداث تغيير اجتماعي دائم وإيجابي.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.