بوسع الممارسات الأساسية التي تشكل النهج المبني على الثقة أن تؤدي إلى زيادة كفاءة الموارد وتحقيق تأثير كبير في مسارات متعددة.
مفهوم "العمل الخيري الاستراتيجي" ليس بجديد، وعلى الرغم من وجود بعض الاختلاف في طريقة تعريفه، حُددت عناصره الرئيسية منذ ما يقرب من عقد من الزمن على النحو الآتي: "هو العمل الخيري الفعال الموجه نحو تحقيق أهداف ونتائج" يحددها المانحون بوضوح، ويجري السعي لتحقيقها من خلال استراتيجيات مستندة إلى أدلة تخضع للتنقيح المستمر، ويتولى كل من المانحين والمؤسسات الحاصلة على المنح مراقبة النتائج وإجراء التعديلات استجابةً لها.
ظهر في الآونة الأخيرة مفهوم العمل الخيري المبني على الثقة بالأهداف النبيلة المتمثلة في تحويل السلطة إلى المؤسسات غير الربحية لتحقيق العدالة والإنصاف وتخفيف العبء عن قادتها. على الرغم من اختلاف العمل الخيري المبني على الثقة عن العمل الخيري الاستراتيجي، لا يوجد تعارض بين هذين النهجين. أدى ذلك الاختلاف إلى نشوء فكرة زائفة مفادها أن النهج المبني على الثقة غير استراتيجي؛ أي أنه لا يتوافق مع النهج الذي يتبنى استراتيجيات تستند إلى الأدلة وتجري التعديلات لتحسين الفعالية. أدت هذه الفكرة بدورها إلى اعتقاد خاطئ بأن بعض الممارسات المبنية على الثقة ما هي إلا ممارسات "كسولة" ذات احتمالات ضئيلة لتحقيق النتائج. على سبيل المثال، أشارت بعض الجهات المانحة إلى أن تقديم المنح غير المقيّدة دليل على التقصير في تحديد الطرق المثلى لإنفاق أموال هذه المنح.
لا يوجد في الأساس عناصر غير استراتيجية في النهج المبني على الثقة في العمل الخيري، ولا تكمن الاختلافات الرئيسية في الاستناد إلى الأدلة والاستجابة لها بل في تحديد ما هو الأكثر تقديراً للوقت والخبرة والتجربة. يمكن للممارسات الرئيسية التي تحدد النهج المبني على الثقة في العمل الخيري أن تكون استراتيجية للغاية ويمكن أن تؤدي إلى زيادة كفاءة الموارد وتحقيق تأثير كبير من خلال مسارات متعددة. يمنح النهج المبني على الثقة قادة المؤسسات غير الربحية حرية التصرف ويمكّنهم من إعادة التمحور عندما تتغير الظروف، ويسمح للممولين بفهم أعمق للتحديات المؤسسية والاستجابة لها، ويمكّن القادة وفرقهم من قضاء وقت أقل في إدارة المنح ووقت أطول في البرامج. كما أنه يمكّن الممولين من الحفاظ على فعاليتهم من خلال تقدير خبرات القادة الذين يمولونهم.
برزت هذه المزايا بوضوح في تجربة مؤسستينا، وهما مؤسسة ذا ساذرن كواليشن فور سوشال جستس (the Southern Coalition for Social Justice) واختصاراً إس سي إس جيه (SCSJ)، وهي مؤسسة غير ربحية تتشارك مع مجتمعات ذوي البشرة الملونة والمجتمعات المهمشة اقتصادياً في جنوب الولايات المتحدة للدفاع عن حقوقهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية والنهوض بها؛ ومؤسسة وودكوك فاونديشن (Woodcock Foundation)، وهي مؤسسة عائلية تقدمية ذات عدد قليل من الموظفين وأحد ممولي مؤسسة إس سي إس جيه.
تمكين القادة من إعادة التمحور عندما تتغير الظروف
علمتنا السنوات الأخيرة أن نتوقع كل شيء. لا يستطيع الممولون دائماً توقع الفرص والتحديات الجديدة التي ستواجهها المؤسسات الحاصلة على المنح. خذ على سبيل المثال جائحة كوفيد-19، ومقتل جورج فلويد على يد الشرطة الأميركية التي أثارت حركة احتجاجات عالمية، وحرائق الغابات، والزلازل التي أعقبتها موجات تسونامي، وأحداث اقتحام مبنى الكونغرس الأميركي في 6 يناير/كانون الثاني، وغيرها من الأحداث. يحتاج قادة المؤسسات إلى القدرة على تغيير المسار، ويمكن للممولين توفير ذلك من خلال التمويل غير المقيد، وهي ممارسة أساسية في العمل الخيري المبني على الثقة. يمنح التمويل غير المقيّد القادة حرية التصرف ويسمح للمؤسسات بإعادة التمحور عندما تتغير الظروف أو عندما تظهر فرص وأفكار جديدة أو عندما تظهر أدلة جديدة. فهو يسهّل الاستجابة للأزمات ويمنح القادة المرونة والقدرة على التحرك السريع لدعم مجتمعاتهم.
لاحظت مؤسسة إس سي إس جيه أن غياب التمويل غير المقيد يؤدي إلى إحداث ثغرات في قدرة المؤسسة على تقديم الخدمات لمجتمعها. لدى مؤسسة إس سي إس جيه ثلاثة برامج أساسية لحقوق التصويت، والعدالة البيئية، والعدالة الجنائية، وهي مترابطة فيما بينها بشدة. تتغير الطرق التي ترتبط بها هذه البرامج ويدعم بعضها بعضاً مع مرور الوقت، وكما هي الحال في أي مشروع آخر، تحتاج استراتيجية المشروع في المؤسسة إلى إعادة التمحور في منتصف مسار العمل أحياناً. سأقدم مثالاً من المرجح أن يتكرر، عملت مؤسسة إس سي إس جيه مؤخراً على قضية قانونية وصلت بطريقة غير متوقعة إلى المحكمة العليا. وفي إطار مناصرة مؤسسة إس سي إس جيه لحقوق التصويت، سحبت التمويل من مشروع آخر وأعادت تخصيصه لجهود الاستجابة السريعة لإقامة وقفة تضامنية وتوفير وسائل نقل المواطنين إلى موقع الوقفة التضامنية وتغطية النفقات الأخرى ذات الصلة. اعتبرت المؤسسة هذه الجهود بالغة الأهمية، وتطلبت بعض التغييرات في الأسلوب لإنجاحها. لحسن الحظ، تمكنت المؤسسة من إعادة تخصيص تمويل غير مقيّد والتصرف بسرعة، على عكس ما حدث في حالات أخرى، إذ أمضت المؤسسة وقتاً طويلاً في مراجعة الممولين لإقناعهم بالحاجة المُلحة إلى مشروع جديد وتحديث اتفاقيات المنح وفقاً لذلك.
والأسوأ من ذلك أنها شاهدت بيأس شركاءها يدعمون برامج أقل فعالية بسبب تفضيلات المانحين أو القيود أو عدم المرونة. إذ حصلت إحدى المؤسسات الشريكة لها على منحة مشروع من أحد الممولين لإنتاج مجموعة من الإرشادات المكتوبة وتوزيعها لمساعدة المواطنين الذين خرجوا من السجن على رسم مسار حياتهم في الأيام الأولى بعد الإفراج عنهم. لكن المؤسسة أدركت بعد إجراء تقييم دقيق للاحتياجات عدم توافر الإنترنت أو أجهزة الكمبيوتر التي يمكن الاعتماد عليها لدى المستفيدين، وأنهم يفضلون تلقي المكالمات الهاتفية أو الرسائل النصية بدلاً من قراءة المواد المطبوعة. كما أن عدم وجود رقم هاتف لدى المستفيدين يعوق التواصل معهم على الصعيدين الاجتماعي والمهني. للأسف، شعرت المؤسسة غير الربحية بأنها مجبرة على الالتزام بخطتها الأصلية وتقديم مجموعة التعليمات المكتوبة كما نصّ عليها طلب التمويل، على الرغم من أن المعلومات الجديدة تشير إلى أن اتباع نهج مختلف سيكون أكثر فعالية في تحقيق النتيجة المرجوة بالنسبة للمؤسسة والممول.
تحدثت مسؤولة في مؤسسة شريكة أخرى لمؤسسة إس سي إس جيه تنشط في حماية الشباب المعرضين للخطر عن معضلة مماثلة. إذ تتلقى مؤسستها الدعم من أحد الممولين الصغار والأسخياء الذي يفرض متطلبات صارمة لإعداد التقارير ويطلب من المؤسسات الحاصلة على المنح أن تثبت تأثيرها ونتائجها باستخدام مؤشرات وبيانات كمية. لذا تشعر المسؤولة منذ فترة طويلة بأنها يجب أن تعطي الأولوية للأنشطة والخدمات الأكثر قابلية للتتبع والقياس مثل عدد ساعات الدروس ودرجات الطلاب في الاختبارات ومعدلات حضور الموجهين. لكن البرامج التي تُظهر أفضل النتائج لا تكون الأفضل دائماً، فقد اضطرت هذه المسؤولة إلى إهمال الأنشطة والخدمات التي كانت أقل قابلية للتتبع والقياس أو تقليصها، مثل تعزيز العلاقات الشخصية بين الموجهين والطلاب، وتنمية المهارات الاجتماعية والعاطفية للطلاب، ومعرفة ملاحظاتهم وآرائهم ومستوى رضاهم، على الرغم من أن تقديم هذه الخدمات العالية الجودة يعتبر فعالاً للغاية.
من ناحية أخرى، شهدت مؤسسة إس سي إس جيه أيضاً الجانب المشرق من مرونة الممولين والدعم غير المقيد. في بداية الجائحة، كانت المؤسسة في المراحل الأولى من برنامج تثقيفي طموح لإعادة تقسيم الدوائر الانتخابية في الولايات المتحدة. وقد تطلّب الاقتراح الذي حصل على التمويل إجراء تدريبات تتطلب الحضور الشخصي على إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية في عدة ولايات جنوبية. عند انتشار جائحة كوفيد-19 اضطرت مؤسسة إس سي إس جيه إلى إلغاء خدمات نقل المتدربين وتوفير الوجبات لهم، وحينها راودتنا فكرة: ماذا لو قدمنا البرنامج بأكمله عبر الإنترنت؟ كان فريقنا يعلم أن الوقت عامل حاسم، لذلك بذل قصارى جهده في إعادة تنظيم ورش العمل وتقديمها عبر الإنترنت، وتعتبر مؤسسة إس سي إس جيه أن البرنامج كان من أنجح البرامج التي نفذتها. لم يحقق البرنامج أهدافه الأساسية فحسب، إنما أحدث تأثيراً إضافياً من خلال الوصول إلى عدد من أفراد المجتمع الذين لم يتمكنوا من المشاركة بسبب صعوبات التنقل. تمكّنت مؤسسة إس سي إس جيه من التكيف بسرعة بسبب معرفتها بأن معظم ممولي البرنامج مرنون ويثقون بأنها ستختار التصرف المناسب.
الدعم غير المقيد للمؤسسات هو دعم استراتيجي لأن الحاجة إلى إعادة التمحور هي القاعدة لا الاستثناء، فعالمنا سريع التغير وليست لدى المؤسسات غير الربحية القدرة على التنبؤ بالتغيرات. يأخذ التمويل غير المقيّد في حسبانه أن المؤسسات تحتاج إلى مواكبة التغيرات، وبذلك يمكّن القادة من اتخاذ القرارات التي تؤدي إلى تحقيق التأثير.
استفادة الممولين من العلاقات للتعلم والاستجابة
العمل الخيري المبني على الثقة يرتكز على فكرة بناء علاقات صريحة وقائمة على الثقة بين الممولين والمؤسسات الحاصلة على المنح. تتيح هذه الأنواع من العلاقات للممولين فهماً أعمق للاحتياجات المؤسسية وتلبيتها، تماماً كما يتيح الدعم التشغيلي العام للقادة أن يكونوا أكثر استجابة لمجتمعاتهم وأصحاب المصلحة الآخرين. توفر العلاقات الجيدة بين الممولين والمؤسسات الحاصلة على المنح مساحة للقادة لكي يتحدثوا عن مخاوفهم وتحدياتهم وحتى إخفاقاتهم. فالعلاقات المبنية على الثقة تفضي إلى نشوء بيئة تعلّم ومشاركة الممولين على نحو أكثر دعماً وفاعلية. يسهم كل من التعلّم والمشاركة في قدرة الممولين على تقديم الدعم الاستراتيجي الذي يعزز القدرة المؤسسية والقدرة على التكيف عند حدوث ظروف جديدة.
وافقت المحكمة العليا في الولايات المتحدة الصيف الماضي على النظر في قضية إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية في ولاية كارولينا الشمالية التي كان لها أثر بالغ في الديمقراطية. صرح القائمون على مؤسسة إس سي إس جيه خلال محادثات لهم مع قادة مؤسسة وودكوك فاونديشن أن مؤسستهم تعمل بسرعة للتنسيق مع المؤسسات الشريكة وتأمل إطلاقَ موقع مصغّر ليكون مركزاً للمعلومات والتنسيق في حال تمكنت من جمع التمويل اللازم له. استجابت مؤسسة وودكوك فاونديشن بمنحة استجابة سريعة استُكملت بتمويل آخر لإطلاق الموقع المصغر. استفادت مؤسسة إس سي إس جيه من الموقع المصغر، إذ اعتمدت قدرتها على إطلاقه على علاقاتها مع الممولين ومستوى الأريحية في مناقشة الخطط الناشئة خارج نطاق التخطيط التقليدي للمنح وإعداد التقارير.
في حالة أخرى، علمت مؤسسة وودكوك فاونديشن من إحدى المؤسسات المتلقية للمنح أنها تواجه تهديدات أمنية متزايدة نتيجة لعملها في مجال الديمقراطية. قدمت مؤسسة وودكوك فاونديشن منحة لتلك المؤسسة بعد حوار مع قيادتها، وذلك لتعيين استشاري يقدم التوصيات الأمنية وينفذها. شاركت مؤسسة وودكوك فاونديشن في محادثات حول هذا الموضوع مع مؤسسات أخرى حاصلة على المنح وعلمت أن العديد منهم يواجه تهديدات مماثلة. استجابةً لذلك، استعانت المؤسسة بالاستشاري نفسه لعقد ورشة عمل ودعت المؤسسات الحاصلة على المنح لحضورها (اختيارياً). قررت قيادة مؤسسة إس سي إس جيه المشاركة في ورشة العمل التي غطت توصيات السلامة المادية والرقمية لتعزيز أمن المؤسسات وموظفيها.
التخفيف من أعباء إدارة المنح
تواجه المؤسسات غير الربحية في كثير من الأحيان معضلات محبطة، إذ يرغب المموّلون في خفض تكاليف جمع التبرعات والتكاليف الإدارية، وفي الوقت نفسه تستدعي متطلبات المنح المقيّدة وإعداد التقارير المفصّلة وجود رأس مال بشري كبير لإدارة هذه المتطلبات وتلبيتها.
يوجد لدى مؤسسة إس سي إس جيه موظفان مسؤولان عن التطوير وإدارة المنح، لكن ذلك ليس المعيار السائد في العديد من المؤسسات، خاصةً الصغيرة والشعبية والناشئة. يضطر المسؤولون التنفيذيون وقادة البرامج الآخرون في العديد من الحالات إلى زيادة قدراتهم من أجل تلبية طلبات الممولين. إذ يتطلب كل قيد جديد أو طلب إعداد تقارير جديد مرتبط بالتمويل وقتاً واهتماماً كان من الممكن تخصيصهما للتركيز على برامجهم وتأثيرها. بالإضافة إلى التكلفة المباشرة، ثمة أدلة على أن قضاء المزيد من الوقت في إدارة المنح ومتطلبات الممولين الأخرى يزيد الإرهاق والإنهاك لقادة المؤسسات غير الربحية المنهكين أصلاً.
ثمة العديد من الممارسات الأساسية للعمل الخيري المبني على الثقة التي تقلل عبء إدارة المنح وجمع التبرعات على المؤسسات غير الربحية. بالإضافة إلى تقديم الدعم غير المقيّد الذي يتطلب إدارة وتخطيطاً أقل من المنح المقيدة بالمشاريع، يمكن للممولين تقديم دعم متعدد السنوات، ما يؤدي إلى استقرار أكبر في التمويل من سنة إلى أخرى. يتمتع الممولون أيضاً بحرية تصرف كبيرة في تحديد نوع التقارير التي يطلبونها (إن وجدت) من المؤسسات الحاصلة على المنح.
زادت مؤسسة وودكوك فاونديشن مؤخراً مرونة إعداد التقارير بعد أن سألت المؤسسات الحاصلة على منحها عن الأفضل بالنسبة لها. تقدم بعض المؤسسات الحاصلة على منحها تقارير سنوية أو تقارير مستقبلية أُعدت لممولين آخرين، ويجري بعضها الآخر مكالمة هاتفية تتناول تقارير المنح مع فريق المؤسسة بدلاً من التقارير المكتوبة. الأمر متروك للمؤسسات الحاصلة على المنح لتحديد الأفضل بالنسبة لها. تعتبر المؤسسة تقديم الدعم للمؤسسات بطريقة تقلل الأعمال الإدارية وتزيد الأموال ووقت أعضاء الفريق المتاح للبرنامج خطوة استراتيجية. ومن المزايا الإضافية لذلك، وجدنا أن المحادثات المباشرة بدلاً من التقارير يمكن أن تعزز العلاقات على نحو أفضل وتساعد المؤسسة على فهم عمل المؤسسات الحاصلة على المنح بطرق أدق.
لمرونة الممولين أثر كبير في عمل المؤسسات الحاصلة على المنح، وهي ترتبط بطبيعة العلاقات فيما بينهم. عندما احتاج أحد أعضاء فريق التطوير في مؤسسة إس سي إس جيه إلى أخذ إجازة لظرف عائلي طارئ قبل الموعد النهائي لتقديم التقارير إلى أحد الممولين الرئيسيين، كان علينا إما أن نستقطع وقتاً من أولوياتنا الأخرى لإنهاء التقرير وإما أن نطلب من الممول التحلي بالمرونة. وبفضل علاقتنا الجيدة مع مسؤول البرنامج لدى الممول طلبنا التمديد دون تردد، ووافق مسؤول البرنامج على التمديد بسرعة. بالنسبة إلى الممولين، يتمتع تعزيز العلاقات مع المؤسسات الحاصلة على المنح الذي يجعلهم لا يترددون في طلب المرونة بأهمية كبيرة في الحد من التوتر والإرهاق.
تمكين الممولين المرنين من تحقيق التأثير
غالبية المؤسسات المانحة قليلة الموظفين، فقد كشف تقرير حديث لمجلس المؤسسات الخيرية (Council on Foundations) أن متوسط عدد الموظفين في المؤسسات المانحة يبلغ 4 موظفين. المؤسسات الكبرى مهيأة لبناء استراتيجياتها الخاصة وتمويل المؤسسات التي تتناسب مع تلك الاستراتيجيات على وجه التحديد، لكن هذا النهج قد لا يكون الأفضل كفاءة وفعالية بالنسبة للمؤسسات المتوسطة. يمكّن النهج المبني على الثقة في العمل الخيري الممولين من أن يعملوا على نحو استراتيجي مع الحفاظ على المرونة من خلال تقدير خبرات قادة المؤسسات التي يمولونها واحترامهم. إذ يتنامى إدراك القائمين على العمل الخيري بأن أفراد المجتمعات التي يخدمونها والأكثر تأثراً بالمشكلات هم الأفضل في التوصل إلى حلول.
نظراً لقلة عدد الموظفين في وودكوك فاونديشن، ترى المؤسسة فائدة كبيرة في الاعتماد على قادة المؤسسات التي تمولها والإيمان بقدراتهم ودعمهم. تطبّق المؤسسة نهجاً مبنياً على الثقة وتؤمن بأهمية الأدلة والتأثير، وتعزز العلاقات مع القادة ومع مؤسساتهم، وتسعى إلى معرفة عملهم ونهجهم في تقييم التأثير. كما تجري محادثات حول تأثير تجارب القادة الحياتية على الحلول التي صمموها وطرق إشراك أصحاب المصلحة في تصميم الحلول التي تناسبهم. وباعتبارها ممولاً ذا أولويات متعددة، تتمكن المؤسسة من العمل في مجالات متعددة من القضايا دون أن يكون لديها موظفون في البرامج جميعها، إذ تثق المؤسسة بالقادة الذين تمولهم وتظهر ثقتها بهم من خلال الممارسات المبنية على الثقة التي تستفيد من خبراتهم وتجاربهم.
تبنّي العمل الخيري المبني على الثقة باعتباره استراتيجية
نشجع الممولين الذين يتطلعون إلى أن يكونوا استراتيجيين وفعالين على التفكير في ممارسة نهج مبني على الثقة في العمل الخيري. إحدى أسهل الخطوات الأولى التي نوصي بها وأكثرها فعالية هي تقديم منح غير مقيدة أو منح تشغيل عامة. ضع في حسبانك الدعم المتعدد السنوات في خطوة تالية، وبخاصة للمؤسسات التي تخطط لدعمها أكثر من عام واحد. نقترح أيضاً التحدث مع قادة المؤسسات الحاصلة على المنح. شارك في تحمل المسؤولية المشتركة من خلال سؤال قادة المؤسسات الحاصلة على منحك كيف يمكنك أن تدعمهم على نحو أكثر فعالية، بالإضافة إلى الطرق التي تجعلهم هم أيضاً أكثر فعالية.
بالنسبة لقادة المؤسسات الساعية للحصول على المنح، ننصحهم بالآتي:
- كن شفافاً وصادقاً مع الممولين بشأن احتياجاتك وتحدياتك ونجاحاتك، وتبادل خبراتك وملاحظاتك مع مموليك وادعهم إلى فعل الشيء نفسه.
- اطلب المنح غير المقيدة والمتعددة السنوات التي تسمح لك بوضع الأموال حيث تشتد الحاجة إليها وبتخفيف الأعباء الإدارية. عندما تقبل المنح المقيّدة، أدرج ما يكفي من النفقات العامة والأموال المخصصة للطوارئ في ميزانيتك واطلب منهم إدراجها.
- احرص على بناء الثقة والاحترام المتبادلين مع الممولين من خلال التواصل الصريح والتعاون والحوار، واعتبر مموليك شركاء وليس رعاة وعاملهم على هذا الأساس.
- ادعُ إلى المزيد من الممارسات المبنية على الثقة في القطاع الخيري وانضم إلى شبكات المؤسسات غير الربحية والممولين ذوي التفكير المماثل.
- كن على استعداد لرفض الأموال المقيدة التي لا تتوافق مع رسالتك الأساسية أو لا تتناسب مع خطتك الاستراتيجية.
يحرر التمويل المبني على الثقة قادة المؤسسات من الإدارة التفصيلية التي يمكن أن تبطئ من قدرتهم على إنجاز العمل الذي يرغبون في إنجازه وتضعف التركيز على التأثير الذي يرغبون في إحداثه. يغيّر النهج المبني على الثقة العلاقة التفاعلية بين الممولين والحاصلين على المنح ويحول الموارد من النفقات العامة إلى البرامج. وبالنظر إلى التعقيد المتزايد للتحديات والفرص المتاحة اليوم، يجب أن تصبح المؤسسات المانحة والمؤسسات غير الربحية أكثر قدرة على التحرك والاستجابة السريعين. ونظراً لتأثير العمل الخيري الهائل على طريقة عمل القطاع غير الربحي، يجب أن تكون المؤسسات على استعداد لدراسة كيف يعوق الوضع الراهن عن غير قصد التأثير الذي تريد تحقيقه.
يأخذ التمويل المبني على الثقة في الحسبان خبرة قادة المؤسسات غير الربحية وسرعة التغيرات في بيئات عملهم، وهو يوفر المرونة ويمكّن القادة من التصرف على نحو استراتيجي وتحسين كفاءة الموارد والاستفادة من الفرص الناشئة. وبالتالي يزيد من قدرة القادة على إحداث التغيير، وذلك استراتيجي بحد ذاته.