كيف ساعدني العمل التطوعي في بناء شخصيتي وصقل مهاراتي؟

فوائد العمل التطوعي
shutterstock.com/addkm
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ثروة الإنسان الحقيقية هي ما يتركه من أثر في حياة الآخرين. هذا ما خطر ببالي وأنا أكتب هذا المقال. إذ إن التطوّع ومساعدة الآخرين قد كشفا الغطاء عن أمور لم أكن أعلمها عن نفسي أو لم يكن ببالي أنني أجيدها أصلاً، بالإضافة إلى تقديمها للآخرين.

ويبدو حقيقةً أن العمل التطوعي يكشف من خبايا النفس وقدراتها ما قد يتعجّب منه صاحبها. وله من الفوائد ما لا تستطيع له حصراً.

في هذا المقال، سنعرّج على فوائد العمل التطوعي وكيف كان له بالغ الأثر في حياتي الشخصية وكيف للإنسان أن يتخذه نهجاً قويماً في حياته.

لماذا يُعدّ العمل التطوعي مهماً؟

سواء كنتَ تبحث عن طريقة لردّ الجميل لمجتمعك، أو ربما كنت تبحث عن بعض الطرق الجديدة والممتعة لقضاء وقت فراغك، أو أيّاً ما كانت مآرِبُك فيمكن أن يكون التطوع خياراً رائعاً ومتاحاً على الدوام.

قد يقول قائل إن حياتنا المزدحمة بالمهام والانشغالات التي لا تنتهي قد شكّلت عائقاً نحو إيجاد وقتٍ للتطوّع. ولا يسهل على المرء اقتطاع ذلك الوقت إلا بشقّ الأنفس.

ولعلّ أكثر ما تركّز عليه في العمل التطوعي هو الفائدة والوقت اللذان ستقدّمهما أنت للمجتمع، وتغفل عن الفوائد التي ستنعكس عليك وتجنيها منه. كأنّ التطوّع يعطيك بقدر ما تُعطيه ويبني فيك بقدر ما تبني أنت في مجتمعك.

باختصار، يمكن القول إن العمل التطوعي عمود أساسي في بناء المجتمعات القوية، وتأصيل الترابط بين أفرادها وترسيخ قيم التعاون. إذ تنعكس روح التنافس بين الجماعات التطوعية إيجاباً على جودة الخدمات المُقدمة، وتساعد أعمال التطوع في تحقيق روح التكافل وزيادة التوعية المجتمعية بتوزيع الثروة الاجتماعية. ولك أن تحصي من الفوائد الفردية ما لا يُعدّ كالعثور على أصدقاء وتحسين الحياة المهنية وتعلّم مهارات جديدة مثل التفكير النقدي وحل المشكلات وغيرهما.

فوائد مجرّبة للعمل التطوعي على الصعيدين الشخصي والنفسي

هل تريد أن تجد معنى أكبر لحياتك خارج مكان العمل وبعيداً عن مقتنياتك المادية التي عادةً ما تفخرُ بها؟ لا يساعدك التطوع على الشعور بالرضا عن نفسك فحسب، بل يمكن أن يساعدك أيضاً على التقدّم في حياتك المهنية.

تعتقد أنك لا تملك من الوقت ما يكفي؟ لا بأس حتى أصغر أعمال التطوع يمكن أن تساعدك في تحسين حياتك كلّها.

ولأنّ الخير مُعدٍ ويمتدّ أثره ليشمل صاحبه أولاً. تخيّل أن تقايض ساعةً من وقتك في التطوّع بهذه الفوائد الجمّة التي سنذكرها الآن.

التطوّع يكشف لك ما لا تعرفه عن نفسك من قدرات ومهارات

أيّام جائحة كوفيد-19، بعد أن تركت وظيفتي اليومية وخصصت وقتي للمشاريع المستقلة والتدريب. ومع أني قدّمت استشارات محدودة لبعض الرياديين بطلب من مؤسسات كبيرة في مجالها انتبهت لشيء لم يسبق لي التفكير فيه.

لماذا لم أقدّم خدمات مدفوعة في التدريب والاستشارات بشكل مدفوع قبل الآن؟ كان الجواب صادماً وحقيقياً مدفوناً في أعماقي وها قد خرج إلى السطح. كان السبب هو شكوكي الكثيرة في قدراتي وضعف الثقة في جودة ما سأقدّمه.

أتذكر أنني أعلنت حينها في وقت الجائحة عن استعدادي لتقديم استشارة مجانية لمدةٍ قصيرةٍ (ربع ساعة) لمن فقد وظيفته ويبحث عن وظيفة أخرى أو يهدف إلى بناء مشروعه الريادي.

ولا أخفيك أنه قد تواصل معي الكثيرون لدرجة أنّني قدمت حوالي 500 استشارة مجانية. لم يكن هذا الرقم بالنسبة لي إنجازاً يُذكر لكن ما هالني اكتشافه خلال تواصلي مع الباحثين عن عمل هو كلّ تلك الأمور الكثيرة التي فهمتها بعدما كانت غائبة عني والأشياء والمفاهيم والأفكار التي انزاح عنها الغطاء ولم أكن أعرفها عن نفسي وملاحظتي لمدى انبهار الناس بخبراتي وتجربتي في الحياة.

حقاً لديّ ما أقدّمه للناس والمجتمع كأنّني اكتشفت منجم ذهب في داخلي.

هذه التجربة جعلتني أوقن يقيناً جازماً أنك تستثمر في نفسك بقدر ما تقدّم الفائدة للآخرين وأن وقتك لن يضيع.

بعدها قررت أن أعرض استشارة طويلة المدّة ومدفوعة. واحتفظت أيضاً بالاستشارة المجانية فمن يريدها سيحصل عليها لمدّة 15 دقيقة، ومن يريد استشارة أطول لمدة ساعة سيحصل عليها مقابل سعر معيّن. ومن هنا كانت بداية تدفّق دخلٍ جديدٍ.

التعرّف على أشخاص جُدد تقاسمهم اهتمامات مماثلة

قد يكون الالتقاء بأشخاص جُدد أمراً صعباً، خاصة إذا كنت جديداً في مقرّ سكنك أو ليس لك علاقات من مشَارب متنوعة.

وهذا ما توفّره لك فرص التطوع. إذ تجمع أشخاصاً من خلفيات متنوعة في مكان واحد ولأجل هدف واحد، من طاهٍ أو رياضي إلى خبير تسويق أو صاحب شركة أو مدير تنفيذي.

ومع وجود كلّ هؤلاء الأشخاص في مكان واحد، تجدُ نفسك ملزماً بمقابلة العديد من الأشخاص ذوي الاهتمامات المشتركة والتعرّف عليهم وتطوير نظامك في بناء العلاقات معهم.

وحتى لو رأيت الاختلاف الجذري لدى الآخرين من حيث اهتماماتهم وآرائهم فلديكم بالفعل ثلاثة أشياء مشتركة هي نكران الذات، والاستعداد للانخراط في خدمة المجتمع، ورغبتكم الجامحة في التواصل وتبادل الأفكار.

إذاً أنت لا تحتاج إلاّ إلى موقف إيجابي وبشاشة وجه وحسن إدارة التواصل لتستمتع بتجربة تطوعية رائعة.

العمل التطوعي يبني الثقة بالنفس واحترام الذات

يساعدك فعل الخير للآخرين وتقديم يد العون للمجتمع على خلق شعور بالإنجاز، يمتد إلى أن يكون إحساساً بالفخر. وهذا أوّل طريقك إلى تعزيز ثقتك بنفسك بشكل أكبر عن طريق إخراجك من منطقة الراحة ووضع مهاراتك وقدراتك تحت محكّ التجربة.

إذا كنت خجولاً أو خائفاً من التجارب والثقافات الجديدة، فقد يكون التطوع وسيلة مهمة لمساعدتك على بناء الثقة بالنفس.

العمل التطوعي يساعدك على تجاوز مشكلاتك

فائدةٌ أخرى للعمل التطوعي هي أن التركيز على الآخرين يمكن أن يمنحنا إحساساً أعمق ويصنع صورة أوسع وأكبر. سيساعدك على تشتيت انتباهك عن الأفكار السلبية وكذلك في وقف سيل الأفكار المؤذية.

ولأن العمل التطوعي غالباً ما ينطوي على مساعدة المحتاجين فيمكن أن يكون مفيداً في إظهار أن حياتك في الواقع ليست سيئة كما تعتقد.

قد لا تكفينا هذه الأسطر لسرد الأثر الذي يتركه التطوّع في نفس صاحبه، لكن يكفينا أن نتأكد من أن التطوع أشبه بمنظار داخلي يسبر أغوار نفسك ليكشف لك ما تحويه من ألغاز وكنوز تُتَرجم في مهاراتك وقدراتك. وأنه لديك دوماً ما تقدّمه لنفسك ومجتمعك.