لماذا يحتاج المبتكرون الاجتماعيون إلى التفكير التصميمي؟

4 دقائق
الحاجة إلى التفكير التصميمي
shutterstock.com/FOTOGRIN

هذه المقالة جزء من تقرير خاص عن الابتكار الاجتماعي من قسم "ما يهم" (What Matters) ضمن مجلة شركة "ماكنزي آند كومباني" (McKinsey & Company)، ويشارك فيها المبتكرون من جميع أنحاء العالم استراتيجياتهم ويتحدثون عن "الحاجة إلى التفكير التصميمي".

لدينا أدوات متطورة لمعالجة القضايا الاجتماعية بناءً على التحليلات المتعمقة والإبداع التكنولوجي، ولكن صندوق الأدوات تنقصه أداة. فنحن لم نكن عادة نطبق التفكير التصميمي على هذه المجموعة من المشكلات، على الرغم من أن التصميم هو عملية مناسبة بوجه خاص للتفكير التباعدي الذي يمكننا من خلاله استكشاف خيارات جديدة وحلول بديلة.

التفكير التصميمي قابل للتطبيق على نطاق واسع، كما يمكن تطبيقه بشكل تدريجي لتحسين الأفكار الحالية (مثل طريقة تقديم الخدمة أو أداء المنتج بالنسبة إلى المستخدم) أو يمكن تطبيقه بشكل جذري لابتكار حلول مزعزِعة تلبي احتياجات الأشخاص بطرق جديدة تماماً.

  • التفكير التباعدي
  • التفكير التقاربي
  • ابتكار خيارات
  • اعتماد خيارات

كان مارك كوسكا مؤسس منظمة "سيف بوينت" (Safepoint) يسعى إلى الحد من الأمراض المنقولة عن طريق الدم بسبب إعادة استخدام الحُقن. كان بإمكانه تصميم أغلفة أفضل أو برامج لتثقيف الطاقم الطبي بشأن مخاطر عدم التخلص بشكل صحيح من الحُقن المستعملة. فهذا النهج كان سيساعد بطريقة تدريجية على الأرجح. ولكنه اختار بدلاً من ذلك تصميم حقن جديدة تماماً ذاتية التدمير بحيث تنكسر تلقائياً بعد أول استخدام. كان لهذا التصميم المزعزع القدرة على الحد بشكل كبير من الحُقن غير الآمنة التي تُعطى كل عام ويبلغ عددها أكثر من 7 مليارات حقنة.

من السهل تطبيق التفكير التصميمي كنهج للابتكار على عكس البحث والتطوير التقني. إذ يمكن لأشخاص من مجموعة واسعة من الخلفيات تطبيقه على المشكلات التي تتعلق بتصميم منتجات وخدمات جديدة وإعادة تصميم عمليات تسيير الأعمال وبناء علامات تجارية جديدة وتحسين الاتصالات.

يركز التفكير التصميمي على الابتكار من منظور المستخدم النهائي، وبالتالي فإنه يشجع على إجراء بحوث ميدانية تبني بدورها تعاطفاً تجاه الأشخاص، ما يسفر عن رؤى أعمق حول احتياجاتهم غير الملباة. وهذا التركيز يساعد على تجنب المشكلة الشائعة المتمثلة في وجود "دخلاء" متحمسين يروجون للحلول غير الملائمة، ويضمن أن تلبي الحلول احتياجات المجتمع ورغباته.

  • المرغوبية
  • قابلية النجاح
  • إمكانية التنفيذ

كيف يمكن القيام بذلك؟

اطرح أسئلة جيدة. أهم شرط للخروج بفكرة جيدة هو طرح سؤال جيد. إذ سنفشل في علاج الأمراض الاجتماعية المستعصية إذا طرحنا الأسئلة نفسها مراراً وتكراراً وتوقعنا الحصول على إجابات مختلفة. يمتلك أعظم رواد الأعمال والمبدعين في حل المشكلات (الاجتماعية وغيرها) القدرة على طرح أسئلة مفاجئة ومتعمقة.

طرح  الدكتور جي فينكاتسوامي، المعروف باسم "دكتور في" (Dr. V)، مؤسس النظام الرائع "آرافيند آي كير سيستم" (Aravind Eye Care System) الذي يتيح للعملاء ذوي الدخل المنخفض الحصول على رعاية عالية الجودة للعيون، السؤال التالي: "لماذا لا يمكن تطبيق مبادئ شركة 'ماكدونالدز' (McDonald’s) على مجال العناية بالعيون؟". وقد أثمر طرح هذا السؤال عن أفكار إبداعية حول تقديم رعاية فعالة وعالية الجودة وكان لها تأثير هائل على حياة مئات الآلاف من الفقراء في جنوب الهند.

اقترب من حياة الأشخاص الذين تحاول خدمتهم. افهم احتياجاتهم الفعلية بدلاً من افتراض ما يحتاجون إليه. تحقق جميع الابتكارات الناجحة التوازن بين المرغوبية (ما يحتاج إليه الناس) وإمكانية التنفيذ (ما يمكن للتكنولوجيا فعله) وقابلية النجاح (ما يُعد مستداماً أو مربحاً). يبدأ التفكير التصميمي بما هو مرغوب فيه، وليس ما يمكن تنفيذه، لالتماس أفضل الفرص لخلق قيمة وتأثير للمستخدم.

ابنِ نماذج أولية لتطوير الأفكار. استخدم النماذج الأولية، وليس التخمينات، لمعرفة جدوى الأفكار وتطويرها إلى حلول أفضل. أطلِق أفكاراً بسيطة في وقت مبكر ولكن أنشِئ ما يتيح لك التعلم من هذه التجارب وكرر الأفكار بسرعة.

من خلال عملنا مع شركة للسلع الاستهلاكية مقرها الولايات المتحدة، حاولنا أن نفهم ما سيدفعه الناس في المناطق الريفية في غانا مقابل منتجات الصحة والجمال. طرحنا العديد من الأسئلة، ولكننا أنشأنا في البداية متجراً وهمياً على جانب الطريق في إحدى القرى وأدركنا من خلاله أن الناس سيدفعون المزيد مقابل الحصول على المنتجات ذات الجودة العالية والتابعة لعلامات تجارية معروفة، مثل الفيتامينات وفرش الأسنان، وأنهم كانوا مترددين في شراء منتجات أخرى مثل المنظفات ومعجون الأسنان. وقد أتاحت لنا هذه المعرفة بالسوق التوصية بمجموعة من السلع واستراتيجية للتسعير وتوجيه حملات الترويج للعلامة التجارية للعميل الذي تمكن الآن بفعالية من تأسيس مشروع بنظام الامتياز التجاري متناهي الصغر.

انظر إلى نظام العمل بأكمله على أنه فرصة تصميم. قد تكون المنتجات والخدمات في صميم ما يحتاج إليه الفقراء، ولكن غالباً ما تكون البنية التحتية للتوزيع والاتصالات والتسويق وخدمات الدعم ونماذج الأعمال هي الأقل تطوراً وتوفر أكبر قدر من الإمكانات للابتكار.

في مدينة كوماسي في غانا، عملنا مع مؤسسة "دبليو إس يو بي" (Water & Sanitation for the Urban Poor (WSUP)) لتصميم مراحيض ونظام صرف صحي منزلي في المناطق الحضرية. وقد صممنا الخدمة والعرض التجاري أولاً، ثم قمنا بالتسعير والترويج، وأخيراً صممنا المنتج. ويتم الآن اختبار هذا العرض في 100 أسرة في مدينة كوماسي، مع وجود خطط للتوسع إلى 10 آلاف أسرة في المستقبل القريب.

يقول المثل: "لا تعطني سمكة، بل علمني كيف أصطاد"؛ فأحياناً لا يكون الحل النهائي هو الفائدة الوحيدة المتأتية من التفكير التصميمي. فقد وجدنا أن تصميم أدوات فعالة ليستخدمها الآخرون في التصميم يمكن أن يكون له تأثير كبير. لا تتمكن جميع المنظمات غير الربحية من الوصول إلى المصممين، وفي الواقع هناك عدد قليل للغاية من المصممين الذين يركزون على التصدي للتحديات التي يواجهها القطاع الاجتماعي. للمساعدة في تخفيف هذا العجز، موّلت "مؤسسة بيل وميليندا غيتس" (Bill and Melinda Gates Foundation) مشروعاً لإنشاء مجموعة أدوات التصميم المرتكز على العنصر البشري لتكون بمثابة دليل ميداني للمنظمات غير الحكومية والمنظمات غير الربحية التي تتطلع إلى الابتكار. وقد تم تنزيل مجموعة الأدوات أكثر من 60 ألف مرة، واستُخدمت لدعم مشاريع مثل تصميم مستشفى للأمهات في نيبال، وجمعية تعاونية للنساجين في رواندا، وأنظمة لإدارة توزيع المياه في ملاوي، ومحطات لغسيل الأيدي في فيتنام.

نظراً إلى حجم التحديات الاجتماعية التي تواجهنا اليوم وتنوعها، مثل تغير المناخ وفشل أنظمة التعليم وإمدادات الغذاء والمياه والطاقة المعرضة للخطر و"الجوائح" الصحية، أرى أنه من الملح وجود "الحاجة إلى التفكير التصميمي" واستخدام كل نهج لدينا في صندوق الأدوات للبحث عن حلول جديدة لتحسين حالة العالم.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

المحتوى محمي