بدأت مؤسسة بار فاونديشن (Barr Foundation) في عام 1997 مؤسسة خيرية مجهولة الهوية، تدعم المؤسسات غير الربحية في بوسطن بصمت. مثل العديد من المؤسسات الخيرية في ذلك الوقت، كان تواصلنا ضعيفاً ومحصوراً بالتسويق أو الترويج أو السعي للحصول على الائتمان، ما رأينا أنه يتعارض مع قيمنا والطريقة التي أردنا أن ندعم مجتمعنا بها. ولكن بحلول عام 2014، كانت عدة مؤسسات رائدة تستخدم التواصل بطرق جديدة تتوافق مع قيمها وتسمح لها بالحفاظ على تركيزها على رسالتها وأثرها، وسرعان ما أخبرنا أمناء مؤسستنا بوضوح وحزم: "إذا كان التواصل يؤدي إلى التقدم في تحقيق رسالتنا فيجب علينا أن نعزز ممارساتنا فيه".
كان ذلك بداية تغيير ثقافتنا، ناقشنا في سلسلة "تحويل الأفكار إلى واقع" (Making Ideas Move) لعام 2015 في مجلة ستانفورد سوشال إنوفيشن ريفيو، الخطوات الأولية التي اتخذتها مؤسسة بار فاونديشن لخلق ثقافة التواصل، وبعد مرور 10 سنوات، طورنا فريق تواصل مكوناً من 4 أفراد (من أصل 50 فرداً)، وشاركنا بآرائنا في الساحة العامة، وأدرجنا التواصل أداةً استراتيجيةً في عملية تقديم المنح.
في الوقت نفسه، تفاقمت الانقسامات والتحزبات وانعدام الثقة في جميع أنحاء العالم، وحتى يكون لجهود التواصل اليوم أثر في هذا السياق، يجب أن تبني الثقة وتزيل الانقسامات وتساعد على تحقيق الأفكار الثورية، ونحن على الرغم من التحديات متفائلون بفضل القادة المذهلين الذين ندعمهم والإمكانات الهائلة المحيطة بنا لتحقيق التغيير، لذلك نتساءل دائماً: "كيف يمكننا دعم المجتمع الذي نعمل فيه الآن بالطرق التي تتوافق مع قيمنا ورسالتنا وتركز على إحداث أثر في المجتمعات التي وجدنا لخدمتها؟"
عند التفكير في هذا السؤال وفي الجهود التي بذلناها في مجال التواصل على مدى العقد الماضي، خلصنا إلى أن هناك 3 ممارسات ذات أهمية كبيرة، ومن المؤكد أنها سترشدنا إلى كيفية التعامل مع المهمة التي تنتظرنا:
1. التركيز على بناء العلاقات والثقة
إذا كانت السوق هي أساس التواصل القائم على الأسواق، فبناء العلاقات والثقة هو أساس التواصل القائم على رسالة الشركة.
بدأت مؤسسة بار فاونديشن عملها دون الكشف عن نفسها، لإيماننا بأن المؤسسات غير الربحية التي دعمناها كانت تستحق أن ننسب الفضل لها وأن تحظى بالاهتمام وما زلنا نؤمن بذلك. كما أن التواضع هو من قيمنا الأساسية، لكننا أدركنا أن عدم الكشف عن هويتنا وإنجازاتنا ودوافعنا قد يجعل مؤسستنا غامضة ومثيرة للريبة، فغياب الشفافية يجعل اكتساب الثقة وبناء العلاقات صعباً، حتى بين من يتشاركون القيم والأهداف نفسها.
عندما بدأنا ننظر إلى التواصل بوصفه استراتيجية لتعزيز رسالتنا، وبينما اتخذنا خطواتنا الأولى نحو مزيد من الانفتاح والشفافية، رأينا أن أي خطوة نتخذها بشأن التواصل يجب أن تسهم في بناء علاقات قوية وهادفة وصادقة، وتأتي هذه الرؤية من إيماننا العميق بأن العلاقات المتينة بين المؤسسات المانحة والجهات المستفيدة من المنح، هي من أهم المؤشرات على نجاح العمل الخيري.
يقول ثيودور روزفيلت: "لن يهتم الناس بمعارفك إذا لم تُظهر اهتماماً بهم أولاً". وينطبق الأمر نفسه على التواصل، فلا يهم مدى براعتك في اختيار أساليب التواصل أو بلاغة رسالتك وتركيزها إذا لم يعرفك جمهورك ويثق بك وباهتمامك به، فبناء الثقة يبدأ بالإصغاء.
لذا، ركزنا دائماً على أن يبدأ التواصل بالإصغاء وينتهي به، وبالتعاون مع مركز العمل الخيري الفعّال (Center for Effective Philanthropy)، تطلب مؤسسة بار فاونديشن من الجهات المستفيدة من المنح تقديم ملاحظات صريحة، ونحن منفتحون على سماع الآراء وإجراء التغييرات بناءً عليها. لا يتحدد مقياس النجاح الفعلي لدينا بأسئلة من قبيل: "هل تمكّنا من إيصال رسالتنا إلى الجمهور المستهدف؟"، أو "هل فعلوا ما طلبناه منهم؟"، بل بأسئلة مثل: "هل أكدوا أننا طرحنا عليهم الأسئلة وأصغينا إليهم وأخذنا آراءهم بالاعتبار؟"، و"هل قدمنا لهم دعماً يسهم مباشرة في تحقيق ما يسعون إليه؟".
2. أظهر قيمك قولاً وفعلاً
نعرف جميعاً القول المأثور: "الأفعال أبلغ من الأقوال"، لكننا تعلمنا خلال تواصلنا مع الآخرين أن كليهما مهم.
إذ إن الكلام المناسب في الوقت المناسب له أثر كبير، حتى لو لم يكن بإمكاننا اتخاذ إجراءات فورية، فالتعبير عن التضامن والدعم يشجع الآخرين على الاستمرار في المسار ويساعدهم على التعافي عاطفياً ويعزز أملهم. يُظهر تقرير تصورات الجهات المستفيدة من المنح (Grantee Perception Report) لعام 2024 أن التعبير بوضوح عن قيمنا والتزاماتنا وتأكيدها أمر مهم بالنسبة لهذه الجهات، فهو يشير إلى أننا ندعمها، ويمكنها أن تتخذ من هذا السلوك مثالاً تعرضه على أعضاء مجالس إدارتها أو الجهات الممولة التي قد تنصح بالحذر أو التراجع. على سبيل المثال، استندنا في رد مؤسسة بار فاونديشن على حكم المحكمة العليا لعام 2023 بشأن سياسة العمل الإيجابي، إلى عملنا في مهمتنا المتمثلة في الاستثمار في الإمكانات وقيمتنا الأساسية المتمثلة في التركيز على المساواة العرقية، وقد قادنا هذا أيضاً إلى الإفصاح عن قيمنا والتزاماتنا في الصباح التالي لانتفاضة 6 يناير/كانون الثاني في واشنطن العاصمة، وفي الأسابيع الأخيرة التي سبقت الانتخابات الرئاسية لعام 2024.
ومع ذلك، فنحن نعلم أن الكلام دون فعل قد يبدو فارغاً ويزيد الانتقاد ويؤدي إلى تراجع الثقة، لذلك نراعي عند اختيار توقيت الكلام وأسلوبه تحديد إذا ما كنا سنُتبعه بإجراءات هادفة حتى لو لم يكن بوسعنا حينها تحديد الإجراءات التي تتوافق مع قيمنا. منذ إضافة التركيز على المساواة العرقية باعتبارها قيمة أساسية لمؤسستنا في عام 2021، وضعنا هذا الكلام موضع التنفيذ من خلال تقديم المنح الجديدة وطرق العمل الجديدة، وهي تشمل مبادرة تعزيز المستقبل الثقافي التي تستثمر في الفنانين والمجتمعات الملونة في ماساتشوستس؛ وتنفيذ إجراءات متعددة لتطوير حركة تركز على القضايا المناخية أشمل وأكثر تنوعاً وتركز على الإنصاف؛ وتبنّي أدوات جديدة لتعزيز التميز والمساواة في المدارس الثانوية؛ ومبادرة جديدة لتقديم المنح لدعم المساواة في الثروة بين الأعراق في مدينة بوسطن الكبرى.
3. بناء المجتمع
إن التركيز على رسالة الشركة وبناء المجتمع من خلال التواصل قد دفعنا أيضاً إلى الاستثمار في مساعدة مجتمع شركائنا على تبنّي ممارسات تواصل أعلى فعالية. في الواقع، يُعد بناء قدرات التواصل من أهم الأساليب التي نقدم بها الدعم بما يتجاوز المنح المالية وحدها.
نساعد شركاءنا على تعزيز قدرتهم على التواصل بعدة أشكال، مثل دعوتهم لاستخدام منصاتنا للتحدث مباشرة إلى الجماهير التي عملنا على بنائها. يتضمن ذلك نشر المقالات التي كتبها الضيوف على موقعنا الإلكتروني والتي تحتوي على رؤى تتعلق بالفنون والمناخ والتعليم. كما نعمل أحياناً على دمج عملية تعزيز قدرات التواصل في المنح بما يتوافق مع احتياجات شركائنا وطموحاتهم، ونحن أيضاً نستثمر في البحث ونشارك ما تعلمناه حول الرسائل الفعالة (على سبيل المثال، حول المواقف تجاه الطاقة النظيفة أو الأثر الاقتصادي للفنون والإبداع). بالإضافة إلى ذلك، نوظف خبراء في التواصل يقدمون التدريبات والاستشارات الفردية أو يساعدون في تيسير لقاءات بين مجموعات المستفيدين من المنح لضمان توافقهم مع استراتيجية المؤسسة وأهدافها المعلنة والفرص التي تقدمها، حيث يحقق العمل التعاوني نتائج إيجابية أكبر مما يحققه العمل الفردي.
تشهد هذه الفترة انقساماً وتراجعاً في الثقة، وما وصفه الجرّاح العام للولايات المتحدة بأنه "وباء الوحدة واليأس"، نسأل أنفسنا: كيف يمكننا استخدام التواصل لجعل رؤية المستقبل المفعم بالأمل تبدو ممكنة وقابلة للتحقيق وتستحق الكفاح؟ وعلى الرغم من أننا لا نستطيع أن نعرف على وجه اليقين ما سيأتي به الغد، فإننا نعرف ما نحن مصممون على تحقيقه. لقد ساعدنا تحولنا، من جهة مساهمة مجهولة الهوية من وراء الكواليس إلى شريك شفاف وصريح ومرئي في تغيير المجتمع، على رؤية ما يمكننا تحقيقه عندما نعطي الأولوية لبناء العلاقات والثقة ونظهر قيمنا قولاً وفعلاً ونستثمر في إمكانات التواصل الجماعي لمجتمعنا.