التنوع والمساواة والشمول أكثر بكثير من مجرد بدعة عابرة، إنها إطار عمل لتوظيف قوة المؤسسة برمتها.
ارتفع عدد وظائف كبار مسؤولي التنوع في الولايات المتحدة بنسبة 170% تقريباً في أعقاب حملة مكافحة العنصرية التي أشعل شرارتها مقتل جورج فلويد وانتشرت في أرجاء الولايات المتحدة. لكن رد الفعل السياسي العنيف الذي تبعها، إلى جانب الافتقار إلى الفهم الواضح لكيفية دمج برامج التنوع والمساواة والشمول في هياكل المؤسسات، أدى إلى انخفاض حاد لا يقل عن ذلك الارتفاع.
توصلت دراسة استقصائية حديثة أجرتها شركة ريفيليو لاب (Revelio Lab) إلى أنه قد أُلغي في قطاع التكنولوجيا 1 من كل 3 برامج للتنوع بحلول نهاية ديسمبر/كانون الأول 2022. وسُرّح الآلاف من المدراء التنفيذيين للتنوع والمساواة والشمول في مختلف الشركات الأميركية أو تركوا وظائفهم هذا العام، بمن فيهم كبار مسؤولي التنوع والشمول في الشركات الكبرى مثل ديزني ونيتفليكس. ربما تسارعت هذه الوتيرة فقط بعد أن أصدرت المحكمة العليا في الولايات المتحدة قرارها بإلغاء العمل الإيجابي في يونيو/حزيران الماضي (وهو سياسة تهدف إلى تعويض التمييز السلبي الذي يعاني بسببه أفراد أو مجموعات معينة بناءً على عوامل مثل العرق أو الجنس أو الديانة)، ما ألقى بظلال من الشك على العديد من برامج التنوع الأخرى.
على الرغم من هذا المد والجزر، يجب على الملتزمين منا بإحداث تغيير دائم أن يدركوا أن التنوع والمساواة والشمول هي أكثر بكثير من مجرد بدعة عابرة. إنها إطار عمل لحشد قوة المؤسسة برمتها ومجموعة وجهات النظر والخبرات والقدرات. يقدم التنوع والمساواة والشمول لغة مشتركة يمكن للمؤسسات استخدامها للتعامل مع الناس والثقافة واستكشاف قضايا التحيز الضمني، والشعور بالأمان، وفوارق القوة. يعمل برنامج التنوع والمساواة والشمول الفعال على تشجيع القادة القادرين على التكيف وتطويرهم، الذين يأخذون في الحسبان الأفكار التي تمثل مجموعة من وجهات النظر والخيارات، مع إدراك أهمية هذه القاعدة المعرفية الواسعة عند اتخاذ القرارات المهمة. القادة القادرون على التكيف أقوى في مواجهة التحديات المعقدة لأنهم يأخذون في الحسبان الحلول المتعددة الأوجه.
ببساطة، التنوع المؤسسي نقطة قوة، وليس نقطة ضعف. المؤسسات التي تدرك ذلك تحقق تأثيراً إيجابياً في نتائج عملها وأهدافها المؤسسية ورسالتها.
لماذا يفشل بعض جهود التنوع والمساواة والشمول؟ ثمة عدد من التحديات الداخلية والخارجية التي تقف في طريق دمج التنوع والمساواة والشمول على نحو كامل في جميع مستويات المؤسسة. داخلياً، تشمل هذه التحديات صعود العمل من بُعد بسبب جائحة كوفيد-19، وعدم الالتزام على جميع مستويات المؤسسة، والموظفين الذين ينظرون إلى التوظيف المتنوع على أنه يحصل على حسابهم، وقدرة الموظفين المحدودة، وتحولات القيادة، واستعصاء الثقافة المؤسسية. أما على المستوى الخارجي، فأكبر عائق أمام برامج التنوع والمساواة والشمول الفعالة هو البيئة السياسية الحالية التي تخلق رد فعل عنيفاً وضغطاً على قادة المؤسسات لرفض المساواة والابتعاد عنها بوصفها قيمة أساسية.
للتغلب على هذه التحديات كلها، يجب على المؤسسات تأطير جهود التنوع والمساواة والشمول بوصفها وسيلة لإصلاح مشكلات النظام وليس مشكلات الموظفين. لا يتعلق الأمر فقط بالأرقام أو تحديد أهداف التنوع في التوظيف، بل يتعلق بتغيير العمليات والسياسات داخل المؤسسة التي تؤدي إلى التحيز و(أو) عدم التنوع في التوظيف. يتعلق الأمر أيضاً بإظهار الغاية من ممارسات التنوع والهدف النهائي المتمثل في بناء مؤسسة عادلة ومتنوعة في المعرفة والخبرة واستدامة هذه السمة في المؤسسة.
ما الممارسة العملية لبرامج التنوع والمساواة والشمول الفعالة؟ يجب أن يكون التنوع والمساواة والشمول أكثر من مجرد شعارات رنانة. يجب على المؤسسات أن تخلق ثقافة الانتماء في جميع جوانبها، ما يضمن شعور الموظفين جميعهم بأنهم محور اهتمام وتقدير. سيتطلب ذلك التزاماً من القيادة وبذل الوقت والموارد.
يمكن للمؤسسات أن تبدأ بالبحث عن طرق لإشراك الموظفين في الأنشطة التي تعزز الترابط وقدرتهم على التحمل، مثل اللقاءات المتكررة، وإرشاد الزملاء، وحرية المناقشات حول الصحة النفسية. كما يجب على المؤسسات العمل على ضمان عدالة سياساتها وممارساتها حتى تتمكن من الاستفادة من مواهب كل الموظفين وإمكاناتهم. يمكن تحقيق ذلك من خلال حوارات الموظفين المستمرة حول معالجة التحيز الضمني، وفهم تقاطع أشكال التمييز، وتأكيد الاعتبارات الثقافية المتعلقة بأهمية أنشطة الموظفين الداعمة وجدواها.
كما يجب على المؤسسات الاهتمام بعمليات النمو والتعلم المتوازية على مستوى المؤسسة والفِرق. يبدأ تعزيز الثقافة المناهضة العرقية في المؤسسات ببناء الرؤى والمهارات والاستراتيجيات الجماعية التي يمكن للفرق والأقسام وكامل الموظفين تحقيقها، مثل زيادة فهم التحيز الضمني، والشعور بالأمان، ومناقشة القضايا الحساسة، وفوارق القوة في مختلف جوانب المؤسسة.
لا يحدث ذلك بين عشية وضحاها أو بالصدفة. يستغرق الأمر وقتاً والتزاماً وخطوات ملموسة لتعزيز ثقافة قوية للتواصل والمشاركة بين مختلف الموظفين، فهي رحلة وليست سباقاً. يبدأ الأمر بالتركيز على الموظفين والاعتراف بأنهم يصبحون أكثر سعادة وإنتاجية عندما يشعرون بالارتباط والتقدير، وعندما يفهم قادتهم أهمية التوازن بين العمل والحياة. يمكن للمؤسسات المساعدة على تعزيز هذه الروابط من خلال التعرف على التنوع الذي يقدمه الموظفون إلى العمل. يجب على المؤسسات تعزيز الأمان النفسي الذي يسمح لطاقمها بالتقدم وتمثيل هوياته دون الخوف من العواقب أو السخرية. ويجب عليها دمج هذه القيم في مختلف سياساتها وممارساتها المؤسسية لتحقيق استدامة حقيقية.
كيف يمكن أن يؤثر ذلك على النتائج النهائية للمؤسسة؟ يمكن أن يكون تأثير برنامج التنوع والمساواة والشمول المدعوم بالكامل والجذاب للموظفين كبيراً، سواء في عائد الشركات على الاستثمار أو في استبقاء المؤسسات غير الربحية لموظفيها ورفع قدرتهم على التحمل وإسهامهم في مساعيها. ضع في الحسبان أن العديد من الدراسات يظهر وجود صلة قوية بين برامج التنوع والمساواة والشمول وزيادة ربحية الشركات. إذ تُظهر الأبحاث التي تجريها شركات مثل ديلويت (Deloitte)، وماكينزي آند كومباني (McKinsey & Company)، وبوسطن كونسلتينغ جروب (Boston Consulting Group)، وبورد ريدي (BoardReady) جميعها مكاسب بالنسبة إلى النتائج النهائية للشركات، فالشركات الأكثر تنوعاً وشمولاً أكثر ابتكاراً وربحية.
بالنسبة إلى القطاع غير الربحي، من الضروري وجود التنوع والمساواة والشمول لتحسين قدرة الموظفين على التحمل وإسهاماتهم واستبقائهم، وبخاصة في وقت يشهد فيه العديد من القطاعات، مثل قطاعي الخدمة الاجتماعية والرعاية الصحية، أزمات في قوة العمل. تُظهر تقارير توجهات قوة العمل وثقافتها باستمرار أن الموظفين يبحثون عن مزيد من الإنجاز في عملهم وإحساس أكبر بالمجتمع والانتماء والرفاهة.
ومن المهم أيضاً أن نفكر في قوة العمل المستقبلية، إذ يتزايد الوعي الاجتماعي لجيل الألفية وجيل زد. ومن المرجح أن يشتروا من الشركات التي تعكس قيمهم الاجتماعية وأن يبحثوا عن شركات تتسم بالتنوع العرقي والتقدمية في القضايا الاجتماعية. فهم يعتقدون أن العالم عند نقطة تحول إزاء القضايا المتعلقة بالعدالة العرقية وعدم المساواة والمناخ ويريدون أن يكونوا جزءاً من الشركات التي تدعم التغيير المجتمعي الإيجابي.
إلى جانب الأسباب العملية لتبني التنوع والمساواة والشمول، من المهم التفكير في مؤسستك أو عملك في سياق الرؤية والرسالة. ولتحقيق هذه الأهداف على نحو كامل، يتعين على القادة تبني ثقافة تدعم التنوع والمساواة والشمول.
بعد الاضطرابات الهائلة في قوة العمل والانقلابات التي نشأت نتيجة جائحة كوفيد-19، برزت ضرورة اجتماعية لأن ننشد قوة عمل مستقبلية تعتنق التنوع والمساواة والشمول. قوة عمل تؤكد أهمية مشاركة الموظفين والابتكار والقدرة على التحمل والتنوع والشمولية والإنتاجية. قوة عمل تنخرط بالكامل في الأنظمة والحلول العادلة التي تنقل الولايات المتحدة إلى اتحاد أكثر كمالاً. إن رحلة المساواة رحلة طويلة، ولكن اتخاذ الخطوة الأولى هذه يجب أن يكون الأولوية للمؤسسات جميعها التي تسعى إلى دعم القيم التي تأسست عليها الولايات المتحدة.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال من دون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.