كيف يمكن للتمويل الأخضر تعزيز الاستدامة في القطاع السياحي؟ دولة الإمارات مثالاً

3 دقائق
قطاع السياحة
shutterstock.com/Abie Davies

يُعد قطاع السياحة من أكثر العوامل المحفزة الواعدة لنمو الاقتصاد العالمي، ما يمنحه القدرة على تحفيز الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر والإسهام في التنمية المستدامة والشاملة، ونظراً لارتباط قطاع السياحة كبير بمختلف القطاعات، فإحراز تقدم نحو الاستدامة فيه يمكن أن يوقع أثراً إيجابياً كبيراً في تحقيق الازدهار المسؤول في العالم. يؤدي الاستثمار والتمويل دوراً حيوياً في تسهيل هذا التحول ويحفز الانتقال إلى السياحة المنخفضة الكربون التي تتمتع بالكفاءة في استخدام الموارد والشاملة اجتماعياً، أما الفرص فهي متنوعة، تتراوح بين الاستثمارات العامة والخاصة في خيارات النقل المنخفضة الكربون إلى تطوير بنية تحتية سياحية ذات كفاءة في استخدام الموارد، ومن أهم العناصر في هذه العملية وجود مبادرات تدعم الابتكار وتشجع على تبني ممارسات تجارية مسؤولة وتعزز دمج المؤسسات السياحية بسلاسل التوريد المنخفضة الكربون.

وفقاً لتقرير حديث أصدرته شركة آرثر ليتل (Arthur D. Little) الاستشارية، فإن إصدار التمويل الأخضر والمستدام في الإمارات العربية المتحدة نما بنسبة 32% في عام 2022 مقارنة بعام 2021. تفتخر الإمارات العربية المتحدة بمناظرها الطبيعية الغنية التي تشمل الصحاري الشاسعة والسواحل البكر، إضافة إلى هندستها المعمارية المذهلة، ما يجعلها جذابة لملايين السياح سنوياً، ومع استمرار تزايد الطلب على التجارب الثقافية الأصيلة والأنشطة المستدامة والصديقة للبيئة، تبرز حاجة ملحة للاستفادة من فرص التمويل الأخضر في قطاع السياحة في الدولة لتشجيع السياحة المستدامة وذات الكفاءة في استخدام الموارد، وتنميتها.

يتجلى الاتجاه نحو دعم السياحة المستدامة في جميع أنحاء دولة الإمارات العربية المتحدة في التركيز الحكومي على هذا المجال والاستثمار فيه، على سبيل المثال، في عام 2021، تعهدت شركة رأس الخيمة للتنمية السياحية، بالشراكة مع شركة رأس الخيمة للضيافة وغرفة التجارة والصناعة في رأس الخيمة، باستثمار 500 مليون درهم إماراتي في 20 مشروعاً لتطوير السياحة المستدامة في الإمارة، فتخصيص موارد مالية لهذه المساعي يتيح تقليل البصمة الكربونية لقطاع السياحة في الإمارات العربية المتحدة بصورة كبيرة، ونظراً لأن المشهد السياحي العالمي يعطي أولوية متزايدة للاستدامة، يميل المستثمرون الأجانب أكثر إلى دعم المشاريع التي تتوافق مع المبادئ الصديقة للبيئة، ولذلك يفتح التمويل الأخضر الأبواب أمام الشركات التي تتخذ من دولة الإمارات العربية المتحدة مقراً لها للوصول إلى هؤلاء المستثمرين الدوليين، وتعزيز ممارسات السياحة المستدامة داخل الدولة.

علاوة على ذلك، يتيح التمويل الأخضر إمكانية خلق فرص عمل في قطاع السياحة في الإمارات العربية المتحدة، على سبيل المثال، يتطلب بناء أماكن إقامة صديقة للبيئة وتنفيذ تدابير الحفاظ على المياه مهارات متخصصة، ومن ثم يخلق ذلك فرص عمل للأفراد المتمرسين في هذه المجالات،  فتسهم فرص العمل هذه في نمو القوى العاملة المحلية جنباً إلى جنب مع تسهيل الانتقال نحو ممارسات السياحة المستدامة. كما يمثل دعم السياحة المستدامة والمجتمعات النائية مجالاً مهماً أيضاً داخل دولة الإمارات العربية المتحدة، على سبيل المثال، أبرز "إطار التمويل السيادي المستدام" لإمارة الشارقة أهمية تمويل مشاريع التجديد الاقتصادي والبنية التحتية السياحية بوصفها جزءاً من عملية ربط المناطق النائية وتحقيق استدامتها.

إضافةً إلى ما سبق، يمثل تشجيع الأعمال التجارية المسؤولة مجالاً حيوياً آخر يمكن أن يُحدث الاستثمار فيه وتمويله فرقاً، ويتضمن ذلك دعم المبادرات التي تعزز العمليات الأخلاقية والحفاظ على البيئة والمسؤولية الاجتماعية، إذ إن دمج معايير الاستدامة في العمليات التجارية يتيح الفرصة للمؤسسات السياحية للإسهام في الانتقال إلى اقتصاد صديق للبيئة وشامل اجتماعياً، وتُعد مبادرة "دبي للسياحة المستدامة" مثالاً على دعم هذا الاتجاه، وهي تهدف إلى تحويل مدينة دبي إلى واحدة من الوجهات الرائدة عالمياً في السياحة المستدامة، بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يسهّل الاستثمار والتمويل ربط الشركات السياحية بسلاسل التوريد المستدامة المنخفضة الكربون، وهذا يستلزم تعزيز التعاون والشراكات بين مؤسسات السياحة والموردين المحليين الذين يلتزمون بالممارسات المستدامة، ومن خلال إنشاء روابط أقوى بين شركات السياحة وهؤلاء الموردين، يمكن لقطاع السياحة أن يعزز اعتماد ممارسات صديقة للبيئة ومسؤولة اجتماعياً على طول سلسلة القيمة بأكملها. من المتوقع أن يستفيد قطاع السياحة في دولة الإمارات العربية المتحدة جداً من دمج التمويل الأخضر، إذ إنه قد يؤدي إلى تحفيز تطوير البنية التحتية ذات الكفاءة في استخدام الموارد (مثل الفنادق الصديقة للبيئة) وتقليل البصمة الكربونية للقطاع وجذب الاستثمار الأجنبي، والحفاظ على وجهات التراث الطبيعي.

من خلال تطبيق التمويل الأخضر استراتيجياً قد تشق دولة الإمارات العربية المتحدة طريقاً نحو قطاع سياحي أكثر استدامة وحيوية، وهي عملية بإمكان معاهد التعليم العالي وجامعاته الإسهام فيها بتقديم دورات وبرامج متخصصة لتثقيف الطلاب حول التمويل المستدام والاستثمار الأخضر والاقتصاد البيئي، إذ يسمح دمج مفاهيم التمويل الأخضر في مناهجها بإعداد مهنيي المستقبل القادرين على مواجهة تحديات الاستدامة في قطاع السياحة. علاوة على ذلك، بإمكان الجامعات إجراء أبحاث حول التمويل الأخضر، وتحديد نماذج التمويل المبتكرة، والتعاون مع أصحاب المصلحة في القطاع السياحي لتطوير استراتيجيات الاستثمار المستدام، وباستخدام خبراتها ومنصات تبادل المعرفة لديها يمكنها أن تحفز تبني ممارسات التمويل الأخضر، وتعزز المسؤولية والاستدامة في قطاع السياحة.

المحتوى محمي