3 عناصر لقياس التقدم المحرز في تمكين المجتمعات

التقدم المحرز
shutterstock.com/Monster Ztudio
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

مع توجه المزيد من المؤسسات نحو تمكين المجتمع، يصبح قياس التقدم المحرز في هذا الشأن تحدياً بالغ الأهمية. لا تتماشى دورات المنح القصيرة الأجل بدقة مع مسار التغيير الاجتماعي الطويل الأجل، وعندما لا يتوافق التمويل المخصص لتمكين المجتمع مع موارد أولئك الذين يتولون زمام السلطة يصبح من الصعب قياس التقدم المحرز في هذا الشأن، وبخاصة حينما تكون تطلعات مقدّمي المنح الذين يفتقرون إلى الخبرة المباشرة في تمكين المجتمع غير واقعية.

ومع ذلك، يزيد هذا العائق أهمية تقييم التقدم بالنسبة إلى المؤسسات المجتمعية والمؤسسات الداعمة لها لتتمعن في نهجها وتتعلم من أخطائها وتعمل على تصحيح مسارها. تتخلل عملية تمكين المجتمع لحظات النجاح كما يتخللها العديد من الانتكاسات والانعطافات، وعلى الرغم من ذلك، ينبغي قياس التقدم الكلي وحالة الأهداف البعيدة الأجل، على وجه التحديد لأن التغييرات الكبرى تستغرق سنوات أو عقوداً، ومن ثم ينبغي لنا التأكد من أننا نسير في الاتجاه الصحيح.

للنظر في مقاييس تمكين المجتمع بطريقة مبسطة، هنالك 3 مستويات متداخلة تعمل المؤسسات الشعبية من خلالها على تحقيق التمكين وهي: المستوى المجتمعي والمستوى القاعدي ومستوى القدرة التنظيمية. لنقدم أمثلة عملية على مؤشرات كل مستوى بناءً على الجهود المبذولة، فإننا نستند إلى تجاربنا السابقة في العمل لدى مؤسسات التمكين بولايتي كاليفورنيا ومينيسوتا، إضافة إلى عملنا الحالي في مراكز الأبحاث الجامعية التي تدرس الجهود المبذولة لتمكين المجتمع.

يمكن قياس التقدم المحرز في تمكين المجتمع، ونحن نقدم إطاراً لكيفية فعل ذلك، لكن المستفيدين من المنح هم من يجب أن يحددوا الأساليب والمقاييس المتبعة في هذا الشأن على وجه الدقة، إذ إنهم في وضع يسمح لهم بتصميم المقياس الذي يناسب أهدافهم، والسياقات التي يعملون فيها. بالإضافة إلى ذلك، يعني فرض المقاييس على المستفيدين من المنح إعادة إنتاج ديناميكيات السلطة التي اعتادت تهميش المجموعات عبر التاريخ وفقاً للعرق والنوع الاجتماعي والطبقة وحالة الهجرة، والتي تحول دون قدرتهم على المشاركة الكاملة والتأثير الفعال في القرارات التي تنعكس على حياتهم.

1. قياس التقدم المحرز على المستوى المجتمعي

تتضمن رؤية كل مؤسسة ورسالتها تطلعات طويلة الأجل، وإذا نظرنا إلى رسائلها بالمجمل فسنرى أنها تتداخل على نحو ملحوظ مع الأهداف الكبرى. ومع ذلك، ليس من الواضح تماماً كيف يمكن تحقيق هذه الأهداف، إذ تتغير السُبل الفعالة في هذا الخصوص مع تغير السياق السياسي. لتكوّن فكرة عن مدى تقدم الحركة التي تشارك فيها نحو تحقيق تلك الرؤية المشتركة، ينبغي لك قياس الأثر المرئي وغير المرئي على المستوى المجتمعي.

بالنسبة للأول، تمثل الحملات ذات الإطار الزمني المحدد والأهداف المحددة وسائل ضرورية تبني من خلالها المجموعات القدرات اللازمة لتحقيق رؤاها، وهي مؤشرات مهمة على التقدم المحرز في التمكين المجتمعي.

على سبيل المثال، في عام 2012، عمل ائتلاف في ولاية مينيسوتا يسمى “صوتنا مستقبلنا” ( Our Vote Our Future) على إبطال تعديل دستوري على أهلية الاقتراع، كان يتطلب وجود بطاقة هوية تحمل صورة للتصويت. كانت هذه الحملة مهمة لحماية الديمقراطية في الولاية، لأن إقرار هذا التعديل كان ليقيد حق الآلاف من سكان مينيسوتا في التصويت (وخاصة الناخبين ذوي الدخل المنخفض من ذوي البشرة الملونة، وكبار السن والعاملين الفقراء، والشباب). أظهرت الاستطلاعات الأولية أن الحملة متأخرة جداً، ورأى العديد من الجهات الفاعلة السياسية أنها قضية خاسرة، لكن حينما خالفت حملة “صوتنا مستقبلنا” التوقعات وهزمت التعديل الدستوري، حققت نصراً جزئياً لأنها بنت قاعدة انتخابية كبيرة ونشطة وتمكنت من تغيير آراء الآلاف من الناخبين بفعالية، وكان هذا مؤشراً على التقدم: كان سكان ولاية مينيسوتا مستعدين للاستماع إلى حجج الحملة وتغيير آرائهم، وهو ما لم يكن ممكناً في السنوات السابقة.

أما مؤشر التمكين المجتمعي الأقل وضوحاً فهو القدرة على وضع جدول أعمال والمضي قُدماً في تنفيذه، فبعد النجاح في إيقاف متطلبات إثبات هوية الناخب، تمكنت المؤسسات المشاركة في حملة “صوتنا مستقبلنا” من تقديم العديد من مشاريع القوانين إلى الهيئة التشريعية في العام التالي، ولقياس القدرة على وضع جدول أعمال في الولاية، تتبّع الائتلاف مشاريع القوانين المقدمة خلال الدورة التشريعية لعام 2012 وقارنها بموسم 2013 وما بعده.

هناك مقياس آخر للقوة على المستوى المجتمعي أقل وضوحاً وهو القدرة على التأثير في العقليات والافتراضات الضمنية والثقافة. يمكن تشبيه التغيير في هذه الناحية بحركة الصفائح التكتونية، فهو بطيء وهائل وجوهري في جميع جهود التغيير، ويمثل ما تسمى غالباً “السردية السائدة” (يجب عدم الخلط بينها وبين الرسائل المستخدمة للفوز بالحملة).

على سبيل المثال، في عام 2016، نظّمت مجموعة من المؤسسات المجتمعية في ولاية مينيسوتا حملة لتغيير السردية من خلال تغيير السياق اللغوي والمرئي، وقدمت رؤية طويلة الأجل للكرامة والسعادة لجميع الناس في الولاية. وبعد هذه الحملة، تمكّن الباحثون من تتبع تحولات ملحوظة في اللغة التي يستخدمها المرشحون لمنصب حاكم الولاية. في حين أن الحملة لم تؤد مباشرة إلى سياسة قصيرة الأجل أو نصر انتخابي، فإن إحداث تحول في السردية يشير إلى قدرة المجموعات التنظيمية على التأثير في الخطاب الأهلي في الولاية، وهي مقدرة ضرورية للتغلب على الحواجز السلوكية التي تحول دون التغيير مثل المشاعر المناهضة للضرائب وعدم الثقة في الحكومة.

2. قياس قوة الأفراد في القاعدة المنظّمة

يمثل تنظيم قاعدة انتخابية وتطوير القادة بين أعضائها حجر الأساس في تمكين المجتمعات المهمشة. بالمعنى العام، تتكون هذه القاعدة من عنصرين متداخلين على نحو كبير وهما الأفراد المستهدفون في جهود التمكين (أفراد المجتمعات التي تعرضت إلى التهميش تاريخياً)، والقائمون على هذه الجهود (النشطاء والناخبون المشاركون من جميع الخلفيات).

يمكن قياس قوة قاعدة الأعضاء هذه بعدة طرائق، والمقياس الأكثر شيوعاً لـ “سلطة الشعب” التنظيمية هو حجم قاعدة العضوية ومدى تنوعها، وعدد أعضائها الذين يتولون أدواراً قيادية، وعدد القادة الشعبيين. بالنسبة لمبادرة “بناء مجتمعات صحية” (Building Healthy Communities) التابعة لمؤسسة كاليفورنيا إنداومينت (California Endowment) أخذت الدراسات الاستقصائية لمجموعات التنظيم في الاعتبار أيضاً مدى الانتشار الجغرافي والتركيز، وحجم الحملات وأهدافها، وأدوار السكان فيها، ومجموعة من مؤشرات القدرة التنظيمية والاستدامة، مثل حجم الميزانية والتوظيف.

وبعيداً عن مقاييس الحجم والتوسع، فإن ما يهم في ممارسة السلطة المجتمعية هو توفر سمات معينة لقاعدة العضوية، وكما جاء في كتاب “مواشير الشعب” (Prisms of the People): تتمتع المؤسسات الناجحة في تمكين المجتمعات بقواعد انتخابية مستقلة (قادرة على اتخاذ قرارات استراتيجية وخاضعة للمساءلة فيما بينها)، وملتزمة (تجمعها علاقات مترابطة تنمي الشعور بالمسؤولية بعضها تجاه بعض وتجاه القضية)، ومرنة (قادرة على التكيف مع المشهد السياسي المتغير).

يمكن للمؤسسة أن تتعلم الكثير من خلال تتبع الأشخاص الموجودين في قاعدتها الانتخابية وأنشطتهم، وهذا بدوره يسمح للمؤسسة بفهم استقلالية القاعدة والتزامها ومرونتها على نحو أفضل. ما نوع العلاقات التي تربط بين الأفراد؟ وهل يتخذون مبادرات على نحو متكرر؟ وهل يُسائل بعضهم بعضاً؟ وما مدى سهولة تكيفهم مع تغير الظروف التي يعملون ضمنها؟

خذ مثلاً مؤسسة ملتزمة ببناء قاعدة متعددة الأعراق والأجيال من الأفراد الذين ينشئون علاقات وثيقة مع من يختلفون عنهم، إذ سترصد معلومات السن والعِرق إلى جانب المعلومات التقليدية مثل الاسم ومعلومات الاتصال، وسترصد أيضاً الأنشطة التي تعكس استثمار الأعضاء بعضهم في بعض وفي المؤسسة، مثل حضور المناسبات العامة والتجمعات الاجتماعية والاجتماعات الفردية، ما سيسمح لها برصد التقدم المحرز في خلق قاعدة يلتزم كل فرد فيها تجاه الآخر في شبكة مترابطة من العلاقات.

يواجه الناس تغيرات شخصية عميقة خلال تنظيم العمل، على سبيل المثال، أظهر برنامج القيادة لعام 2011 الذي نفذه التحالف الوطني للعمال المنزليين (National Domestic Workers Alliance) أنه من الممكن استخلاص مقاييس تحول ملحوظة لدى منظمي العمال المنزليين وقادتهم، من خلال عوامل مثل الثقة والارتياح عند تولي القيادة والعمل، والصبر العميق والالتزام، والقدرة على تقييم الوضع أو الفرد بموضوعية أكبر ضمن السياق التاريخي، والمرونة الشخصية والجماعية، وتحقيق الكرامة للذات والآخرين وروابط الفرد مع نفسه وثقته بها وروابطه مع الآخرين وثقته بهم. هذه هي السمات الأقل وضوحاً التي تدفع الأشخاص إلى اتخاذ إجراءات عامة ومواقف جريئة وتصبح قوة للتغيير الاجتماعي.

3. قياس القدرة التنظيمية

غالباً ما يُنظر إلى الهيكل التنظيمي والقدرات على أنها منفصلة عن جهود التمكين، ولكن خيارات التصميم الداخلي للمؤسسة، ما نسميه “القدرات الجماعية”، ضرورية لتمكين قاعدة الناخبين من ممارسة السلطة، كما هو موضح في تقرير مختبر بي ثري (P3) حول فهم قوة الأشخاص وقياسها:

“ينبغي للمؤسسات أن تعمل مثلما يعمل الموشور، فتحول مواردها (الأشخاص الذين يمثلون قوتها المحتملة) إلى ممارسة عامة للسلطة. وتعتمد قدرتها على تفعيل هذا التحول على خيارات التصميم الداخلي التي تتخذها، وهي تمثل قدراتها الجماعية”.

ونظراً لأهمية خيارات التصميم هذه في تمكين المجتمعات، يتعين على الممولين والمؤسسات المعنية أخذ التقدم الذي تحرزه المؤسسة في بناء هذه القدرات بالاعتبار عند تقييم جهود التمكين.

  • هل تتسم عمليات صناعة القرار في المؤسسة بالشفافية التي تضمن المساءلة أمام قاعدة الناخبين؟
  • هل طوّر قادة المؤسسة استراتيجيات لإدراج التعلم في روتينهم اليومي، ثم تطبيق ما تعلموه؟
  • هل يراعون توفير مجال للمرونة في أوقات التغيير ضمن خطط عمل الموظفين؟

يساعد طرح أسئلة كهذه والإجابة عنها المؤسسة ومموليها على تقييم مسارها في بناء القدرات الداخلية اللازمة لبناء القوة الخارجية.

ينبغي للمؤسسات تحديد القدرات التي هي في أمس الحاجة إلى التطوير ثم دعوة مجموعة من الأشخاص، تتضمن الموظفين والأعضاء، لتقييم هذه القدرات والتقدم الذي أحرزته المؤسسة في بنائها. يمكن للمؤسسة بعد ذلك استخدام هذه البيانات لتحديد الأسباب التي أدت إلى نجاحها، وتحديد فرص النمو الإضافي، وتتبع التقدم الذي تحرزه في بناء هذه القدرات. نوفر لكم مثالين على موقع بي ثري، حيث أنشأنا دليلاً لفهم قدرات مؤسستك الاستراتيجية وتقييمها وتقريراً حول تطوير بنى تنظيمية تدعم الائتلافات الفعالة القادرة على التحمل.

رسالة أخيرة إلى المؤسسات

المسار نحو تمكين المجتمعات المهمشة تاريخياً معقد وديناميكي وطويل الأمد. في حين يجب على المؤسسات تطوير نهجها الخاص لقياس التقدم، فذلك يتطلب وقتاً وموارد تنظيمية، وهنا يأتي دورك: بدلاً من تمويل مقيِّم خارجي يقدم تقاريره إليك، عليك دعم المؤسسات بالموارد اللازمة لتطوير قدراتها الخاصة. ثم حينما يطور الحاصلون على المنح أساليب لقياس التقدم المحرز في التمكين، سِر إلى جانبهم وافهم قوتك وتبادل الدعم مع أولئك الذين يمثل النضال من أجل المساواة الاستدامة والعدالة أهم قضية لهم.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.