التفكير التصميمي للابتكار الاجتماعي

7 دقائق
التفكير التصميمي للابتكار الجماعي
www.unsplash.com/Ben Sweet

من خلال العمل عن كثب مع العملاء والمستهلكين؛ يسمح التفكير التصميمي للحلول عالية التأثير للمشاكل الاجتماعية بالفقاعة من الأسفل بدلاً من فرضها من الأعلى.

في منطقة خارج حيدر أباد في الهند، بين الضواحي والقرى، تحضر امرأة شابة - وَلندعُها شانتي - الماء كل يوم من حفرة بئرٍ محلية مفتوحة دوماً تبعد عن منزلها حوالي 300 قدم، وتستخدم وعاءً بلاستيكياً بسعة 3 غالونات؛ يمكنها حمله فوق رأسها بسهولة. تعتمد شانتي وزوجها على المياه المجانية للشرب وأعمال الغسل، ويواظبان على استخدامها رغم أنهما سمعا أنها غير آمنة مثل المياه من محطة المعالجة المخصصة للمجتمع؛ التي تديرها مؤسسة ناندي. تشرب عائلة شانتي المياه المحلية منذ أجيال، ورغم أنها تتسبب لهم بالمرض بين حين وآخر؛ لا تخطط العائلة للتوقف عن استخدامها.

تمتلك شانتي عدة أسباب لكي لا تستخدم المياه من محطة معالجة ناندي؛ إلا أنها ليست الأسباب التي قد تخطر في بالك. يقع المركز على مسافة قريبة من منزلها- لا تكاد تبلغ ثلث ميل، كما أنه معروف ومقبول التكلفة (حوالي 10 روبيات؛ أي 20 سنتاً، لكل 5 غالونات)، حتى أن إمكانية بعض العائلات لدفع الرسوم الزهيدة أصبحت رمزاً لتحديد المستوى المعيشي لدى بعض القرويين، كما أن العادة ليست سبباً كذلك؛ حيث تمتنع شانتي عن استخدام المياه الأكثر أماناً بسبب عدّة عيوب في التصميم الكلّيّ للنظام.

على الرغم من أن شانتي تستطيع المشي حتى المركز؛ إلا أنها لا تستطيع حمل الجركن بسعة 5 غالونات الذي يحتّم المركز عليها استخدامه؛ حيث أن ملء الوعاء البلاستيكي مستطيل الشكل بالماء يجعله ثقيلاً للغاية، كما أنه ليس مصمماً للحمل على الردف أو فوق الرأس؛ كما تفضّل شانتي حمل الأشياء الثقيلة، ولا يستطيع زوج شانتي المساعدة، فهو يعمل في المدينة ولا يعود إلى المنزل إلا بعدما يغلق مركز المعالجة أبوابه. أيضاً؛ يحتّم المركز عليهم شراء بطاقة ثقب شهرية لـ 5 غالونات كل يوم؛ وهي كمية أكبر بكثير مما يحتاجونه. تسأل شانتي "لمَ قد أشتري أكثر مما أحتاج وأبذّر المال؟"، وتضيف أنها ستسعد بشراء المياه من مركز ناندي لو أتاح لها المركز شراء كمية أقل.

اقرأ أيضاً: نماذج التفكير التصميمي في الجامعات وقطاع التعليم العالي

تم تصميم مركز المعالجة المجتمعي لإنتاج مياه نظيفة صالحة للشرب؛ وهو أمر قد نجح في تحقيقه بشكل جيد. في الواقع؛ يتناسب المركز بشكل جيد مع العديد من الأشخاص الذين يعيشون في المجتمع؛ لا سيما العائلات التي تمتلك أزواجاً أو أبناءَ أكبر سناً يمتلكون دراجات، ويمكنهم زيارة محطة المعالجة خلال ساعات العمل، ومع ذلك؛ أضاع مصممو المركز فرصة تصميم نظام أفضل، لأنهم فشلوا في أخذ ثقافة واحتياجات كافة الأشخاص القاطنين في المجتمع بعين الاعتبار.

هذه الفرصة الضائعة- على الرغم من إغفالها الواضح إذا نظرنا إلى الوراء- شائعة للغاية؛ حيث  تتعثر المبادرات مراراً وتكراراً، لأنها لا تستند إلى احتياجات العميل أو الزبون، ولم يتم تصميمها على الإطلاق لالتماس التغذية الراجعة وردود الأفعال، وحتى عندما يذهب الأشخاص إلى الميدان، فقد يدخلونه بمفاهيم متصوَّرة مسبقاً لماهية الاحتياجات والحلول، وما يزال هذا النهج المعيب هو القاعدة في كل من قطاعيّ الأعمال والقطاع الاجتماعي.

كما يُظهر وضع شانتي؛ تتطلب التحديات الاجتماعية حلولاً منهجيةً ترتكز على احتياجات العميل أو الزبون؛ وهذا هو المكان الذي تُوجد فيه العديد من المقاربات، لكنه أيضاً المكان الذي يتفوق فيه التفكير التصميمي - وهو النهج الجديد لإيجاد الحلول.

كما جرت العادة؛ صبّ المصممون اهتمامهم على تحسين مظهر وفعالية المنتجات؛ إحدى الأمثلة الكلاسيكية على هذا النوع من الأعمال التصميمية هي أجهزة ايبود من ابل كومبيوتر وكراسي ايرون من هيرمان ميلر. عمد المصممون في السنوات الماضية على توسيع آفاق مقارباتهم؛ عبر ابتكار أنظمة كاملة لتقديم المنتجات والخدمات.

يدمج التفكير التصميمي بين عمق رؤى المستهلك أو المواطن، والنمذجة الأولية السريعة، بهدف تجاوز الافتراضات التي تحجب الحلول الفعّالة. إن التفكير التصميمي -المتفائل والبنّاء والتجريبي بطبيعته- يعالج احتياجات الأشخاص الذين سيستهلكون منتجاً أو خدمةً ما، والبنية التحتية التي تمكّنه.

تحتفي الشركات بالتفكير التصميمي وتتبناه، لأنه يساعدها لتصبح أكثر ابتكاراً، ولتميّز علاماتها التجارية بشكل أفضل، وتقدم منتجاتها وخدماتها إلى السوق بشكلٍ أسرع، كما بدأت المنظمات غير الربحية في استخدام التفكير التصميمي لتطوير حلول أفضل للمشاكل المجتمعية. يتجاوز التفكير التصميمي الحدود التقليدية بين القطاعات العامة الربحية وغير الربحية، كما أنه يسمح بظهور الحلول عالية الفعالية وتبلورها من الأسفل؛  بدلاً من فرضها من الأعلى، عبر العمل عن كثب مع العملاء والمستهلكين.

اقرأ أيضاً: التفكير التصميمي في قطاع التعليم العالي

التفكير التصميمي على أرض الواقع

كان جيري ستيرنين؛ مؤسس مبادرة الانحراف الإيجابي والأستاذ المساعد في جامعة تافتس، حتى وفاته في العام الفائت، ماهراً في تحديد وانتقاد ما كان يدعوه بالحلول الخارجية للمشاكل المحلية. تعد منهجية ستيرنين المفضلة للابتكار المجتمعي مثالاً حياً عن التفكير التصميمي على أرض الواقع؛ عام 1990، تمت دعوة ستيرنين وزوجته مونيك من قبل الحكومة الفيتنامية لتطوير نموذج يهدف لتقليل النسب المرتفعة لسوء التغذية لدى الأطفال في 10000 قرية بطريقة مستدامة، وفي ذاك الوقت؛ كان 65% من الأطفال الفيتناميين تحت سن الخامسة يعانون من سوء التغذية، ومعظم الحلول اعتمدت على تبرعات الحكومة ووكالات الأمم المتحدة من المكمّلات الغذائية؛ إلا أن هذه المكمّلات - أي الحل الخارجي - لم تعطِ النتائج المرجوة. كحلّ بديل؛ استخدم الزوجان ستيرنين منهجيةً تدعى الانحراف الإيجابي؛ والتي تبحث عن حلول موجودة في الأساس (وبالتالي فهي مستدامة) بين الأفراد والعائلات في المجتمع التي تتدبر أمرها بشكل جيد.

أجرى الزوجان ستيرنين وزملاؤهما من منظمة أنقذوا الأطفال، استطلاعاً شمل أربع مجتمعات كوونغ إكسونغ محلية في مقاطعة ثان هوا، وقاموا بسؤالهم عن أمثلة عن عائلات «شديدة الفقر» ذات أطفال أصحّاء، ثم قاموا بمراقبة تحضيرات الطعام والطهي وسلوك التقديم لدى هذه العائلات الست، وتحديد «الانحرافات الإيجابية»، وإيجاد بعض السلوكيات المستمرة النادرة. كان آباء الأطفال جيّدي التغذية، يجمعون حيوانات الجمبري الصغيرة وسرطانات البحر والقواقع من برك حقول الأرز، ويضيفونها إلى الطعام، جنباً إلى جنب مع الخضار والبطاطا الحلوة، وعلى الرغم من أن هذه الأطعمة كانت متاحةً بسهولة؛ إلا أنها لم تكن تؤكل عادةً، لأنها كانت تعتبر غير آمنة للأطفال. قام الأشخاص الذين يشكلون الانحرافات الإيجابية أيضاً بإطعام أطفالهم وجبات صغيرةً عديدةً؛ مما سمح للمعدة الصغيرة باستيعاب وهضم المزيد من الطعام كل يوم.

عمل الزوجان ستيرنين وبقية أفراد مجموعتهم مع هؤلاء الانحرافات الإيجابية، لتوفير المزيد من صفوف الطهي للعائلات التي يعاني أطفالها من سوء التغذية، وفي نهاية العام الأول للبرنامج؛ كان 80% من الأطفال الألف المتضمنين في البرنامج يتمتعون بتغذية جيدة، وبالإضافة إلى ذلك؛ تم استنساخ هذا المجهود في 14 قرية أخرى في مختلف أنحاء فيتنام.

يُعد عمل الزوجين ستيرنين مثالاً جيداً عن كيفية اعتماد الانحراف الإيجابي والتفكير التصميمي على الخبرة المحلية للكشف عن الحلول المحلية. يبحث المفكرون التصميميون عن الحلول البديلة والمرتجَلة -مثل الجمبري وسرطانات البحر والقواقع- ويقومون بإيجاد طرق فعالة لدمجها في العروض التي يقدمونها، فهم يعتبرون أن ما ندعوها بالحوافّ، هي الأماكن التي يقوم فيها الأشخاص «المتطرفون» بالعيش والتفكير والاستهلاك بشكلٍ مختلف، كما توضّح مونيك ستيرنين؛ المدير الحالي لمبادرة الانحراف الإيجابي: " إن الانحراف الإيجابي والتفكير التصميمي كلاهما منهجان متمحوران حول الإنسان، وحلولهما ذات صلة وثيقة بسياق ثقافي فريد، ولن تكون ناجعةً بالضرورة خارج هذا الموقف المحدد".

إن أحد البرامج الذي قد يكون استفاد من التفكير التصميمي هو برنامج توزيع شباك طرد البعوض في أفريقيا، فهذه الشباك مصممة بشكل جيد، وفعالة عند الاستخدام في تقليص نسب الإصابة بالملاريا. أشادت منظمة الصحة العالمية بهذه الشباك، ونسبت لها انخفاضاً كبيراً في نسب الوفيات بسبب الملاريا لدى الأطفال دون سن الخامسة: انخفاض بنسبة 51% في أثيوبيا، 34% في غانا، 66% في رواندا؛ إلا أن طريقة توزيع هذه الشباك كانت لها عواقب غير مقصودة. في شمال غانا - على سبيل المثال، يتم توفير الشباك بشكل مجانيّ للنساء الحوامل وأمهات الأطفال دون سن الخامسة؛ يمكن لهذه النساء الحصول على الشباك المضادة للحشرات بشكل مجاني من المستشفيات العمومية المحلية، أما بالنسبة للآخرين؛ يصعب عليهم الحصول على هذه الشباك. عندما سألنا مواطناً غانياً مثقفاً يُدعى ألبرت؛ أُصيب مؤخراً بالملاريا، عما إذا كان ينام تحت ناموسية، قال لنا لا - لم يكن هناك مكان في مدينة تامالي لشراء واحدة. نظراً لأن الكثير من الأشخاص يمكنهم الحصول على شبكات مجانية ، فليس من المربح لأصحاب المتاجر بيعها؛ إلا أن المستشفيات أيضاً غير مجهّزة لبيع شبكات إضافية.

كما تُظهر تجربة ألبرت، من المهم ألا يأخذ مصممو البرنامج في عين الاعتبار الشكل والوظيفة فحسب؛ بل عليهم دراسة قنوات التوزيع أيضاً. يمكن للمرء أن يقول أن الشبكات المجانية لم تكن مخصصةً لأشخاص مثل ألبرت - إنه ببساطة كان خارج نطاق المشروع؛ لكن هذا سيضيع فرصةً كبيرة. بدون النظر إلى النظام بأكمله؛ لا يمكن توزيع شبكات طرد الحشرات على نطاق واسع؛ مما يجعل القضاء على الملاريا أمراً مستحيلاً.

اقرأ أيضاً: التفكير التصميمي لمعالجة التغير المناخي

أصل التفكير التصميمي

تم تأسيس شركة IDEO عام 1991 كدمج بين شركة ديفيد كيلي للتصميم؛ التي ابتكرت أول فأرة كومبيوتر لشركة آبل كومبيوتر عام 1982، وشركة ID 2؛ التي قامت بتصميم أول كومبيوتر محمول عام 1982 أيضاً. في البداية؛ ركزت IDEO على أعمال التصميم التقليدية للشركات؛ مثل تصميم المنتجات كالمساعد الشخصي الرقمي لشركة بالم في، فُرش الأسنان اورال-بي، كراسي ستيل كيس؛ هذه هي أنواع الأغراض التي يتم عرضها في مجلات نمط الحياة، أو على ركائز العرض في متاحف الفن الحديث.

بحلول عام 2001، كان يُطلب من IDEO بشكل متزايد معالجة المشكلات التي بدت بعيدةً كل البعد عن التصميم التقليدي؛ حيث طلبت منا إحدى مؤسسات الرعاية الصحية المساعدة في إعادة هيكلة مؤسستها، وأرادت شركة تصنيع عمرها قرن من الزمان مساعدتها على فهم عملائها بشكل أفضل، وكانت الجامعة تأمل في إنشاء بيئات تعليمية بديلة للفصول الدراسية التقليدية، ونقل هذا النوع من العمل شركة IDEO من تصميم المنتجات الاستهلاكية إلى تصميم تجارب للمستهلك.

لتمييز هذا النوع الجديد من أعمال التصميم، بدأنا بالإشارة إليه كـ"Design مع حرف d صغير"؛ إلا أن هذه الجملة لم تبدُ مُرضيةً على الإطلاق. لاحظ ديفيد كيلي؛ وهو أيضاً مؤسس معهد هاسو بلانتر للتصميم بجامعة ستانفورد (المعروف أيضاً باسم "d.school")، أنه يُدخل كلمة «التفكير» كلما سأله أحدهم عن التصميم، لشرح ما يقوم المصممون بفعله، وفي النهاية؛ تم اعتماد مصطلح التفكير التصميمي.

يتعمّق التفكير التصميمي - عند اعتباره منهجاً، في القدرات التي يمتلكها كلٌّ منا؛ والتي يتم تجاهلها عادةً عند اعتماد طرق حل المشكلات التقليدية، كما أنه لا يكتفي بالتركيز على ابتكار منتجات وخدمات متمحورة حول الإنسان فحسب؛ بل إن العملية بحدّ ذاتها إنسانية إلى حدٍّ كبير. يعتمد التفكير التصميمي على قدرتنا على أن نكون بديهيين، والتعرف على الأنماط، وبناء الأفكار التي لها معنىً عاطفي بالإضافة إلى كونها عمليّة، وقدرتنا على التعبير عن أنفسنا في وسائل الإعلام بخلاف الكلمات أو الرموز. لا يرغب أحد في إدارة مؤسسة بناءً على الشعور والحدس والإلهام؛ إلا أن الاعتماد المفرط على المنهج العقلاني والتحليلي يمكن له أن يكون بنفس درجة المخاطرة، يوفر التفكير التصميمي؛ وهو النهج المتكامل في صميم عملية التصميم، طريقةً ثالثة.

يمكنكم الاطلاع على الجزء الثاني من المقال من هنا.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

 

المحتوى محمي