كيف يمكنك خلق التغيير الاجتماعي؟

4 دقائق
التغيير الاجتماعي
shutterstock.com/ SewCream

أصبحت ريادةُ الأعمالِ الاجتماعية والمشاريعُ الاجتماعيةُ نقاطَ تجمّع شائعة وإيجابية لأولئك الذين يحاولون تحسين العالم، لكن الابتكار الاجتماعي هو وسيلة أفضل لفهم وخلق التغيير الاجتماعي بجميع مظاهره.

في ربيع عام 2003، أطلق مركز الابتكار الاجتماعي في كلية الدراسات العليا للأعمال بجامعة ستانفورد مجلّةَ ستانفورد ريفيو للابتكار الاجتماعي. وضعت "ملاحظة المُحرِّرين" الأولى لدينا تعريفِ للابتكار الاجتماعي على أنه "عمليةُ الابتكار وتأمين الدعم وتنفيذ الحلول الجديدة للاحتياجات والمشاكل الاجتماعية". وصفَ البيانُ ذاتهُ أيضاً النهجَ الفريدَ للمجلةِ فيما يتعلَّقُ بالابتكار الاجتماعي على أنه: "إزالةُ الحدودِ والتوسط في الحوارِ بين القطاعات العامة والخاصة وغير الربحية".

على مدار الأعوام العشرينَ الماضية شهدنا انفجاراً في تطبيقاتِ الأفكارِ والممارساتِ التجاريةِ للأعمالِ غير الربحيةِ والحكومية لقد شاهدنا أيضاً الشركات وهي تتبنَّى قضيةَ خلقِ قيمة اجتماعية ضمنَ إطارِ المسؤوليةِ الاجتماعية للشركات، ومفهوم المواطنة للشركة، والأعمال ذات المسؤولية الاجتماعية. في دلالة على تنامي التبادلات عبر القطاعات، شهدنا انتشار المصطلحات التي تقرن بين كلمةِ "اجتماعي" ومفاهيمِ القطاعِ الخاص، ما أدى إلى تعريفِ مصطلحات جديدة مثل ريادة الأعمال الاجتماعية، والمشاريع الاجتماعية، وبالطبع، مصطلح الابتكار الاجتماعي المفضل لدينا.

فهم التغيير الاجتماعي

نؤكد أن الابتكار الاجتماعي هو البنية الأفضل لفهم التغيير الاجتماعي الدائم وإنتاجه. من أجل اكتساب المزيد من الدقة والبصيرة، نعيد تعريف الابتكار الاجتماعي على أنه يعني: حلاً جديداً أكثر فعالية وكفاءة واستدامة لمشكلة اجتماعية، أو مجرد حلول من الحلول الحالية التي من أجلها تعود القيمة التي تم إنشاؤها في المقام الأول إلى المجتمع ككل بدلاً من أفراد محدّدين.

لنأخذ على سبيل المثال الابتكار الاجتماعي الجوهري، أي التمويل الصغير وهو عبارة عن تقديم القروض والمدخرات والتأمينات والخدمات المالية الأخرى للفقراء الذين يفتقرون للوصول إلى النظام المالي التقليدي. يكافح التمويل الصغير مشكلة الفقر المنتشرة والمستعصية: مليارات من الناس محاصرون في دائرة من الكفاف لأنهم لا يستطيعون الوصول إلى رأس المال للاستثمار في الأنشطة التي قد تسمح لهم بالإفلات من الفقر. على الرغم من التساؤلات حول التأثير العام وفعالية التمويل الصغير؛ يعتقد الكثيرون أنه أكثر فعاليةً وكفاءةً واستدامةً وعدلاً من الحلول الحالية. بالإضافة إلى ذلك، وعلى الرغم من وجود استثناءات، فإن الجزء الأكبر من القيمة المالية التي تخلقُها مؤسساتُ التمويل الصغير يعودُ إلى الفقراء وعامة الناس وليس لأصحاب المشاريع الفردية أو المستثمرين.

نفسّرُ في هذه المقالة كيف توصَّلنا إلى تعريفنا للابتكار الاجتماعي ولماذا نعتقد أنه أكثر فائدة من مصطلحات أخرى مثل ريادة الأعمال الاجتماعية والمشاريع الاجتماعية، ثم نَصِفُ كيف أن التدفُّق الحرّ للأفكار والقيم والأدوار والعلاقات والمال عبر القطاعات يُغذّي الابتكار الاجتماعي المعاصر. أخيراً؛ نقترحُ طرقاً لمواصلةِ تفكيكِ الحواجز بين القطاعات، وبذلك نطلقُ العنان لحلول جديدة ودائمة لأكثر المشكلات الاجتماعية إلحاحاً في عصرنا هذا.

محدودية ريادة الأعمال الاجتماعية والمشاريع الاجتماعية

في عام 2006 قسَمَت لجنة نوبل النرويجية جائزة نوبل للسلام بالتساوي بين محمد يونس وبنك "غرامين" باعتبارهما من روّاد التمويل الصغير. احتفل المدافعون عن ريادة الأعمال الاجتماعية وضاعفوا جهودهم طويلة الأمد لمعرفةِ كيفية التعرف على المزيد من الأفراد مثل يونس وتطويرهم. وفي الوقت نفسه حاول مُناصرو المشاريع الاجتماعية - وهو مجال معنيّ بالمنظمات ذات الأغراض الاجتماعية - فهمَ كيفيةِ تصميم وإدارة وتمويل كيانات ذات أهداف اجتماعية قائمة على الاستدامة الذاتية مثل بنك "غرامين".

لكن الابتكار الاجتماعي الذي ساعد يونس على تطويرِهِ والذي يقدمه بنك "غرامين" هو التمويل الصغير. نعتقد أن التمويل الصغيرَ يستحقُّ أن يكون محطَّ الأنظار جنباً إلى جنب مع محمد يونس وبنك "غرامين". من خلال التركيز على الابتكار بحدّ ذاته، بدلاً من مجرّد تسليط الضوء على الشخص أو المنظمة، نكتسب فهماً أوضحَ للآليات — التي يُعرِّفُها قاموس أوكسفورد الإنجليزي على أنها "تسلسل مُنظّم للأحداث" أو "أجزاء مُترابطة في أي عملية مُعقدة"— ما يؤدي إلى تغيير اجتماعي إيجابي.

دعونا ندرس عن كثب مجالات ريادة الأعمال الاجتماعية والمشاريع الاجتماعية. تركز ريادة الأعمال الاجتماعية، مثلما يُركز مجالها الأصلي ريادةُ الأعمال، على الصفات الشخصية للأشخاص الذين يبدؤونَ ويؤسسون منظمات جديدة، وتحتفي بِسِمات مثل الجرأة والمساءلة وسعة الحيلة والطموح والمثابرة وتحدّي المنطق؛ وبالمقابل، يميل مجال المشاريع الاجتماعية للتركيز على المنظمات. على الرغم من أن بعض جوانب العمل تستكشف قضايا أوسع لإدارة المنظمات ذات الأغراض الاجتماعية، إلا أن معظم الأبحاث حول المشاريع الاجتماعية تركز على الأنشطة التجارية، والدخل المكتسب، والمشاريع الربحية التي تقدم الدعم المالي والتشغيلي لبرامج الخدمة الاجتماعية التقليدية.

تعود جذورُ مُصطَلَحَي ريادة الأعمال الاجتماعية والمشاريع الاجتماعية إلى القطاع غير الربحي. ونتيجةً لذلك، يميلُ كلاهُما إلى قَصرِ مجالاتِهِما على المؤسسات، ويستبعِدان ضمنياً أو صراحةً المنظماتِ العامةَ وغيرَ الربحية. على الرغم من أن الباحثينَ بذلوا جهوداً جبارةً لتوسيعِ المجال السائد لمفهوم ريادة الأعمال الاجتماعية والمشاريع الاجتماعية، فقد كان لجهودهم تأثير ضئيل على تكوينِ مجموعاتِ الدعمِ وخياراتِ المُموّلين.

الهدف الأساسي لكل شخص تقريباً في مجالات ريادة الأعمال الاجتماعية والمشاريع الاجتماعية هو خلقُ قيمة اجتماعية (وهو مصطلح سنحدّده لاحقاً). لقد اعتنقَ الناس هذه المجالات لأنها طرقاً جديدةً لتحقيق هذه الغايات الأكبر، لكنها ليست الطرقَ الوحيدةَ، وبالتأكيد ليست الأفضل دوماً. إن روادَ الأعمال الاجتماعيين مهمون بالطبع لأنهم يرون أنماطاً وإمكانيات جديدةً للابتكار كما أنهم مستعدون لتحقيقِ هذه الطرق الجديدة لعمل الأشياء إلى أن تُؤتي ثمارَها، حتى عندما تكون المنظماتُ القائمةُ غير راغبة في تجربتها. والمنظمات مهمة لأنها تقدم الابتكار؛ لكن في النهاية، فالابتكارُ هو ما يخلق القيمة الاجتماعية. يمكن للابتكارِ أن يظهرَ في أماكن ومن أشخاص خارج نطاق ريادة الأعمال الاجتماعية والمشاريع الاجتماعية. على وجه الخصوص؛ تقوم المنظمات غير الربحية والشركات وحتى الحكومات بإنتاج ابتكارات اجتماعية.

بالإضافة إلى ذلك؛ يرتكز الابتكار الاجتماعي على الأبحاث الأكاديمية القويةِ حول الابتكار. إن البحث حول الابتكار يحددُ مفاهيمَه بشكل أكثرَ دقةً وثباتاً بما يتناسبُ مع البحث المتعلق بريادة الأعمال. ونتيجةً لذلك؛ يعد هذا البحث أساساً أقوى لبناء المعرفة حول طرق جديدة لإحداث تغيير اجتماعي. في الواقع؛ حتى الأب الروحي لريادة الأعمال؛ الاقتصادي النمساوي جوزيف شومبيتر، كان مهتماً بروّادِ الأعمال فقط كوسيلة لتحقيق نتيجة نهائية للابتكار.

في كتابه "الرأسمالية والاشتراكية والديمقراطية"، يعتبرُ شومبيتر أن "التدمير الخلّاق" المرتبط بريادة الأعمال هو في الأساس وسيلة لتحقيق النمو الاقتصادي. تكمن فائدةُ دراسةِ السعي وراء التغيير الاجتماعي الإيجابي من خلالِ عدسة الابتكار في أن هذه العدسة محايدة فيما يتعلقُ بمصادرِ القيمة الاجتماعية؛ على عكس مصطلحاتِ ريادة الأعمال الاجتماعية والمشاريع الاجتماعية، يتجاوز الابتكار الاجتماعي القطاعات ومستويات التحليل وأساليب اكتشاف العمليات - الاستراتيجيات والتكتيكات ونظريات التغيير - التي تنتج تأثيراً دائماً. قد يتضمن الابتكار الاجتماعي بالفعل العثورَ على المزيد من رواد الأعمال الاجتماعيين وتدريبهم، وقد يستلزم دعم المنظمات والشركات التي يُنشؤونها، لكنه سيتطلب بالتأكيد فهمَ وتعزيز الظروف التي تنتج حلولاً للمشاكل الاجتماعية.

يشكر المؤلفون جيفري براداش، وجيه. غريغوري ديس، وسام كانر على تعليقاتهم المفيدة على المسودات السابقة للمقال، وأليسون ستيوارت ولياني ماتاساوا ميتز على مساعدتهم البحثية.

لمتابعة الجزء الثاني من السلسلة اقرأ: إعادة اكتشاف الابتكار الاجتماعي (الجزء الثاني): ما هو الابتكار؟

لمتابعة الجزء الثالث من السلسلة اقرأ: إعادة اكتشاف الابتكار الاجتماعي (الجزء الثالث): آليات الابتكار الاجتماعي

لمتابعة الجزء الرابع من السلسلة اقرأ: إعادة اكتشاف الابتكار الاجتماعي (الجزء الرابع): الأدوار والعلاقات

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

المحتوى محمي