شهد عام 2021 ازدهاراً في عمليات الاندماج والاستحواذ على مستوى العالم، إذ تجاوزت قيمتها 5.8 تريليون دولار العام الماضي وفقاً لشركة ريفينيتف داتا (Refinitiv Data). وتختلف العوامل المحفزة لهذا النجاح من صفقة إلى أخرى، لكن يمكن للمرء أن يفترض في حالة الشركات الربحية أن عمليات الاستحواذ استراتيجية بطبيعتها وأنها إما تخلق بديلاً تنافسياً أفضل وإما تساعد في التغلب على العقبات التي تعوق النمو المستقبلي.
وبالمثل، تواجه عدة مؤسسات خيرية ضغوطاً تنافسية خاصة بها، لا سيّما مع استمرار تزايد عدد المؤسسات غير الربحية ومع تزايد مطالبة الجهات المانحة برفع مستوى المساءلة. ومع ذلك، ما تزال عمليات الاندماج والاستحواذ الخيار الأخير في أوساط العمل الخيري عموماً. عمليات الاندماج ليست مفهوماً غريباً على المؤسسات غير الربحية، حتى إن بعضها، مثل سي تشينج كابيتال (SeaChange Capital) وذا بريدجسبان غروب (the Bridgespan Group) وغيرها، تؤدي دور الوسيط لمساعدة المؤسسات غير الحكومية والمؤسسات الخيرية على توسيع نطاق تأثيرها (بطريقة مشابهة لعمل بنك الاستثمار التقليدي أو وسيط الشركات)، ومع ذلك لا تتوفر الحوافز المالية التي تحثّ المؤسسات على البيع. بل في الواقع يدرك المسؤولون التنفيذيون للمؤسسات غير الربحية جيداً أن وظائفهم قد تصبح زائدة عن الحاجة، وبالمثل، يدرك المموّلون أن مقاعدهم في مجلس الإدارة ونفوذهم عرضة للتهديد غالباً. تدفع هذه المخاوف المُبررة المؤسسات الخيرية من أحجام معينة إلى عقد الصفقات بهدف البقاء لا بهدف النمو.
وبالنتيجة تصبح عمليات الاندماج والاستحواذ بين المؤسسات غير الربحية، في حال حدوثها، معاكسة للدورة الاقتصادية، فتزداد مع تراجع الاقتصاد وشحّ التمويل، وتتباطأ في فترات النمو الاقتصادي المستدام عندما يكون التمويل متاحاً أكثر؛ ففي "فترات الوفرة" ينصب التركيز على مبادرات جمع الأموال أو استغلال الموارد الجديدة، وليس على عمليات الاندماج والاستحواذ. لكن من الممكن أن تكون عمليات الاندماج والاستحواذ ذات فعالية أعلى في هذه الدورات، ليس بوصفها طوق نجاة وإنما أداة استراتيجية لتحقيق تأثير أكثر استدامة وفعالية.
الاستفادة من تجارب الماضي
الاندماج بين المؤسسات غير الربحية ليس بالأمر الجديد، ولا يقتصر على المؤسسات التي لا تحصل على تمويل. ففي مطلع القرن العشرين، عندما سعت مؤسسة روكفلر فاونديشن (Rockefeller Foundation) أول مرة للحصول على ميثاق وطني يخولها العمل رسمياً، كانت جهودها مبنية على دمج الأعمال الخيرية المتعددة للعائلة تحت مظلة مؤسسة واحدة، وذلك وفقاً لكتاب "ما وراء العمل الخيري" (Beyond Charity)، لاحظ أحد المراسلين آنذاك أن عائلة روكفلر كانت تحاول بنشاط إنشاء مؤسسة تهيمن على عالم العمل الخيري مثلما تهيمن شركة ستاندرد أويل (Standard Oil) على عالم النفط.
كانت المؤسسات الأخرى الرائدة في قطاع العمل الخيري في ذلك العصر على ذات الدرجة من الابتكار، وأحد الأسباب هو أنها كانت تتعامل مع مبادراتها الخيرية كما تتعامل مع أعمالها التجارية تماماً. خذ مثلاً المهندس المعماري الذي يعود إليه الفضل في نمو شركة سيرز روبك (Sears Roebuck) ونجاحها، جوليوس روزينوولد، الذي اشتهر بمساعدته على تمويل أكثر من 5,300 مدرسة من مدارس روزينوولد في مختلف أنحاء الجنوب الأميركي الذي كانت تسوده قوانين جيم كرو، لكن جهوده لزعزعة قطاع العمل الخيري بشكله الذي كان سائداً وإعادة تصميمه لم تحظ بالشهرة. كان روزينوولد من أوائل المؤيدين للمنح المشروطة لتحفيز أصحاب المصالح الآخرين وتعزيز الشعور بالمسؤولية لدى الفئات التي كان يهدف إلى مساعدتها، وتبنى فلسفة "اعطِ وأنت على قيد الحياة" (give while you live) التي باتت اليوم حركة تكتسب زخماً متجدداً، كما رأى في عمليات الاندماج والاستحواذ التي لم تحظ بالشهرة الكبيرة أداة لا تقدر بثمن للقضاء على تداخل العمل بين المؤسسات وتوسيع نطاق المؤسسات ذات التفكير المتماثل التي تعالج قضايا متماثلة أو متشابهة وتعزيز قدراتها.
على سبيل المثال، قاد روزينوولد عملية دمج المؤسسات الخيرية الرائدة لإنشاء إحدى الجمعيات الخيرية الرائدة في شيكاغو ، وذلك وفقاً لهازيا داينر التي كتبت سيرته الذاتية، وسعى أيضاً إلى التوسط في عملية اندماج بين مؤسسة أوربان ليغ (Urban League) والجمعية الوطنية للنهوض بأصحاب البشرة الملونة (NAACP) لمحاربة حرمان الأميركيين ذوي الأصول الإفريقية من حق التصويت على المستوى الوطني (لكن هذا الاندماج لم يتحقق). لم يكن الهدف هو الدمج بحد ذاته وإنما القضاء على الهدر وتوجيه الموارد على نحو أفضل لمعالجة مشكلة كبيرة في حقبة ما بعد إعادة الإعمار.
ومؤخراً، أصبحت عمليات الاندماج والاستحواذ في الفضاء غير الربحي تستغرق وقتاً أطول وموارد أكثر مما يظن العديد من القادة أنهم يملكون، عدا عن اعتبارها وسيلة إلهاء. وحازت هذه النقطة اهتمام كريستي جورج وتارين ستاينبريكنر-كوفمان اللتان سلطتا الضوء عليها في مقال نُشر العالم الماضي في مجلة ستانفورد للابتكار الاجتماعي. يتمثل أثر هذه المشكلة في أن الصفقات التي تعقد تكون غالباً محاولة أخيرة تتميز "بالقرارات المتسرعة التي لا ترقى إلى المستوى الأمثل"، وهذه الصفقات التي تعقد في اللحظة الأخيرة تلبية للحاجة والضرورة تولّد غالباً نتائج تعزز التصور السلبي السائد حول عمليات الاندماج والاستحواذ بين المؤسسات غير الربحية.
التأثير الجماعي: هل تعتبر استراتيجية الاندماج والاستحواذ الخفيفة (M&A Lite) فوضى جماعية؟
تقدر المؤسسات غير الربحية اليوم قيمة العمل التعاوني، ومن الشائع جداً أن تعمل المؤسسات التي تتولى قضايا متماثلة على تحديد نقاط التقاطع بين أهدافها المشتركة وأفضل السبل لمواءمة مواردها لتنفيذ بعض المبادرات الطموحة. في الواقع، أسفر الحراك نحو العمل أو التأثير الجماعي عن نتائج مهمة.
على سبيل المثال، بيّنت دراسة استقصائية أجرتها المؤسسة غير الربحية، بورد سورس (BoardSource)، علاقة ترابطية واضحة بين مجالس إدارة المؤسسات غير الربحية "العالية التأثير" وانفتاح أعضائها على فرص إنشاء التحالفات الاستراتيجية؛ لا يمكن تجاهل أهمية المبادرات العالية التأثير، بدءاً من الاستجابة السريعة لجائحة كوفيد-19 وصولاً إلى تنسيق جهود الإغاثة في أعقاب الكوارث الطبيعية. لكن استقصاء مؤسسة بورد سورس ذاته كشف أن أقل من واحد من كل 10 مستجيبين شارك في عملية دمج أو استحواذ رسمية خلال الأعوام الخمس الماضية.
يغفل الكثيرون عن أن عمليات الاندماج والاستحواذ تتمتع بالقدرة على الانطلاق من حيث تتوقف التحالفات عن العمل. ففي أحد البلدان، على سبيل المثال، أنشئت مئات المؤسسات الخيرية لمساعدة الأقليات العرقية التي تعاني عادة معدلات مرتفعة من الفقر والبطالة، إذ تقدم كل مؤسسة خيرية عملاً رائعاً لتحقيق رسالتها الخاصة بها، لكن بعثرة الجهود تخلق مشكلات لمنظومة العمل الخيرية الكبرى؛ فيواجه المتبرعون المحتملون معضلة في الاختيار عند تحديد المؤسسات الأجدر بعطاياهم، وتسبب التحديات المتماثلة التي تواجهها المؤسسات الخيرية الحليفة المحتملة صعوبة في تحديد أفضل الشركاء.
لكن التحدي الأكبر الذي نادراً ما يبدو واضحاً للعيان، هو أن هذه البعثرة في الجهود قد تخلق فوضى جماعية أيضاً؛ فالأمر أشبه بنبتة منزلية يرويها عدة أشخاص بالماء. وغالباً يشعر المتلقون أنفسهم بحيرة بشأن الجهة التي يتعين عليهم الالتزام بالتعامل معها عندما تكثر المؤسسات التي تسعى للتدخل، وبالتالي تكون النتيجة في الغالب خليطاً متنوعاً من المساعدات التي تفتقر إلى المتابعة أو المساءلة الضرورية لتعزيز النتائج النهائية.
ولعل التحدي الأكبر، بالنسبة إلى المتبرعين المحتملين على الأقل، هو درجة الهدر الناجمة عن هذه البعثرة. فالأموال ستوجّه بدرجة معينة إلى المؤسسة الأجدر والأكفأ، ولكن لا بد أن تكون التداخلات الإدارية واضحة بين المؤسسات الخيرية، ومن الناحية الاستثمارية، سيدرك معظم مستثمري الأسهم الخاصة أن هذا المجال بات مواتياً لعمليات الاندماج والاستحواذ حين ينظرون إلى المشكلة ومزيج الحلول المحتملة.
تجاوز العقبات
يجدر بنا الانتباه إلى أنه لو كانت عمليات الاندماج والاستحواذ في القطاع الخيري سهلة لانتشرت على نطاق أوسع، لكن ندرة التجمعات الرسمية التي تتعدى الصفقات المعقودة للضرورة تعكس التحديات التي يواجهها تحقيق التوافق داخل قطاع العمل الخيري. قد تكون عملية الاندماج والاستحواذ مخيفة لأي مؤسسة، لكنها مخيفة بصورة خاصة للمؤسسات المستهدفة المحتملة التي لم تقترح ذلك بنفسها. في عالم الأعمال التجارية، تشكّل الأرباح المالية المرتقبة من عمليات الاندماج المقترحة نقطة انطلاق مناسبة للمناقشات؛ أما في عالم المؤسسات غير الربحية فمن الضروري أن تكون الفوائد الاستراتيجية جلية لا لبس فيها. وحتى في مثل هذه الحالات، لا تعتمد إدارة عملية الاندماج على حسابات صعبة ومعقدة، بل تعتمد على علم النفس السلوكي لأن العقبات الكبرى لها طابع سياسي عموماً.
يتمثل حافز الممولين غالباً، خاصة على مستوى مجلس الإدارة، في الحصول على فرصة للمشاركة بفعالية في قضية ما وأداء دور مباشر في تحقيق تغيير إيجابي، ويتزايد عدد الممولين الذين يرون في إنشاء مؤسسة خيرية فرصة لترك إرث وغرس التوجه الإنساني في الأجيال القادمة. وبالتالي فأي صفقة تهدد بتهميش الممولين لن تتماشى مع أهدافهم المعنوية التي تمثل غالباً أساس عطائهم الخيري مهما كانت تلك الصفقة استراتيجية أو مؤثرة، ويعلم المسؤولون التنفيذيون أن عملية الاندماج قد تضعهم في مقاعد المتفرجين وتحرمهم المزايا المالية التي توفرها الصفقات الربحية عادة، وبالتالي سيكون مجرد بدء مناقشات الصفقة مشحوناً بالتوتر.
في حال كان الجميع متفقين على رسالة مشتركة، يُمكن معالجة هذه الحساسيات وإدارتها بحسن التدبير والحرص اللازم.
دراسة حالة: مدارس داركا
من الضروري أن يتوفر الحس التجاري القوي والحنكة في تحديد فرص نجاح دمج مؤسستين؛ في مؤسستي، مدارس داركا (Darca Schools)، طرح فكرة الدمج الرسمي أول مرة مجلس إدارة مؤسسة صندوق التجديد الشبابي (YRF)، وهي صندوق استثمار خاص يتمتع بخبرة كبيرة في تمييز قدرة الاندماج على تحقيق أفضل النتائج.
تأسست مؤسسة صندوق التجديد الشبابي لدعم الشباب في مدينة نيويورك عام 1989 عبر مبادرة أهلية لتنفيذ برامج التعليم التكميلي في مؤسسات تعليم المرحلة الثانوية في مناطق المجتمعات المهمشة، في حين عملت مؤسسة راشي فاونديشن (Rashi Foundation) بالشراكة مع مؤسسة كايا ألاينس فاونديشن (KIAH-Alliance Foundation) ومؤسسة أديليس فاونديشن (Adelis Foundation) على تأسيس مؤسسة مدارس داركا عام 2010. وعلى غرار برامج المدارس المستقلة في الولايات المتحدة الأميركية، تدير مؤسسة داركا شبكة من المدارس في المجتمعات المحرومة مع التركيز على القيادة المدرسية والابتكار لتحسين نتائج الطلاب.
كان الأساس الذي بُنيت عليه الصفقة متعدد الجوانب؛ إذ كان الحافز الأساسي للصفقة التحديات التي تواجهها مؤسسة صندوق التجديد الشبابي في استدامة برامجها التكميلية أطول مدة ممكنة في مختلف المناطق التعليمية المتفرقة، وذلك في ظلّ الدوران الوظيفي الذي تشهده صفوف المعلمين والمدراء وتغير الأولويات الإدارية داخل كل منطقة تعليمية من عام إلى آخر. يُمكن للهيكلية الإدارية المركزية في مدارس داركا أن توفر منصة لدعم برامج مؤسسة صندوق التجديد الشبابي ومساعدتها على النمو والاستقرار في المجتمع وتوسيع نطاق عملها بالتزامن مع توسع شبكة المدارس نفسها.
من وجهة نظر قيادة مدارس داركا، تقدم برامج مؤسسة صندوق التجديد الشبابي الجاهزة للتطوير المهني ونجاحها الموثق في تحسين معدلات الالتحاق بالمدارس الثانوية نهجاً يمكن تكراره في المدارس والمجتمعات المختلفة. سيسمح ذلك للمؤسسة المدمجة بتسريع التغيير الثقافي الضروري وزيادة حجمه لتعزيز رسالة مدارس داركا الأساسية في سد فجوات التعليم والتحصيل العلمي بين المناطق الأكثر ثراءً والمجتمعات المهمشة في البلاد.
كما تمثل أحد حوافز الصفقة في معرفة الطرفين أن الدمج الرسمي سيخلصهما من التكاليف الزائدة ويخفض النفقات العامة، وسيتيح لهما إعادة توظيف المبالغ التي يوفرها في مبادرات تعليمية جديدة أو توسيع شبكة مدارس داركا.
على الرغم من أن هذه الحالة بدت مُقنعة نظرياً، انطوت المناقشات الأولية حول عملية الاندماج المحتملة على تخطيط دقيق لاحتساب كافة النقط الحساسة المحتملة، سواء كانت ذات قيمة مادية أم لا؛ على سبيل المثال، كان على جانبي مناقشات الصفقة مدراء مخلصون ممن أسهموا في نمو كلتا المؤسستين قبل الاندماج وتأثيرهما. لاحظ المسؤولون الذين عملوا على تصميم الصفقة أن فكرة إنشاء مجلس إدارة مكون من 20 شخصاً لن تلقى استحسان أي من الطرفين.
لذلك أنشؤوا عدة مستويات للحوكمة مع الضوابط والتوازنات اللازمة، وتألفت من مجلس إدارة تقليدي يمثل أصحاب المصالح الرئيسيين بالإضافة إلى جمعية عامة وأدوار ابتكرت خصيصاً من أجل المراقبين المهمين الآخرين لتوجيه المبادرات المنفصلة وإرشادها. وعبر معالجة هذا النوع من القضايا منذ بداية العملية والتعامل بشفافية مطلقة مع مختلف السيناريوهات، تمكنّا من تحقيق التوافق حول الأهداف الأهم من عملية الاندماج المتمثلة في مضاعفة نطاق عمل المؤسسة المدمجة وتأثيرها.
خططنا لكل شيء بدقة وحذر، حتى لأبسط المسائل مثل ترويج العلامة التجارية، واليوم تحافظ مؤسسة صندوق التجديد الشبابي على استقلاليتها القانونية في الولايات المتحدة الأميركية بفضل قيمة علامتها التجارية التي بنتها على مدى أكثر من 30 عاماً وحضورها القوي في السوق، وعلاوة على ذلك، يعكس قرار الاحتفاظ بالعلامتين التجاريتين رغبتنا في الحفاظ على تاريخ كلتا المؤسستين وضمان عدم شعور أصحاب المصالح على أي من الجانبين بالتهميش.
بذلنا أيضاً جهوداً مضنية لقياس تأثير مدارس داركا والإبلاغ عنها لتعزيز تحمل المسؤولية وإثبات أن عملية الاندماج ما زالت تسهم في توليد النتائج الإيجابية؛ إذ تمكنت مدارس داركا منذ حصول صفقة الاندماج من زيادة عدد المؤسسات ضمن شبكتها بمقدار الضعف تقريباً، وهي اليوم تدير 43 مدرسة ثانوية تضم نحو 24,500 طالب. والأهم هو أن معدلات التسجيل في المدارس ذات الأداء المتدني تزداد أضعافاً مضاعفة بمجرد تولي مدارس داركا إدارتها. كما حققت البرامج المتقدمة ضمن شبكة مدارس داركا حالياً معدل 93% لتسجيل الطلاب في الجامعات، وهو مساوٍ للمعدلات التي يحققها الكثير من المدارس الرائدة في المناطق الثرية، ويفوق بدرجة كبيرة المتوسط الوطني الذي يجتاز فيه أقل من 50% من الطلاب امتحان القبول في مرحلة الدراسة الجامعية. ولوضع التأثير في سياقه الصحيح، تبدأ المدارس الجديدة في شبكة داركا بمعدل تسجيل أقل بكثير من المعدل الوطني.
ظهرت فوائد أخرى غير متوقعة مع مرور الوقت؛ إذ جذب حجم المؤسسة المدمجة وتوسع نطاق عملها برامج أخرى ذات المهام التكميلية إلى منصة مدارس داركا لاكتساب الكفاءة وجذب الاهتمام. على سبيل المثال، عملت مؤسسة آزرييلي فاونديشن (Azrieli Foundation) لدعم التعليم على دمج معهدها، معهد آزرييلي لدعم التعليم (Azrieli Institute for Educational Empowerment)، في شبكة مدارس داركا، لتوفر بهذا الارتباط مورداً قوياً للوصول إلى الطلاب الذين يعانون أكبر الصعوبات، فاكتسب المعهد القدرة على الوصول إلى الفئة المستهدفة من المسؤولين التعليميين الذين يعملون على دمج الموارد في المناهج المدعومة، تماماً كما كان الحال مع مؤسسة صندوق التجديد الشبابي.
المكاسب (من منظور غير ربحي)
لو نُفّذت عملية اندماج داركا ومؤسسة صندوق التجديد الشبابي في إطار شركة ربحية لصُنفت على أنها استحواذ عمودي يضيف فيه الكيان الناتج مكونات مهمة إلى سلسلة القيمة لبناء عرض شامل ومتكامل أكثر. في المقابل تنطوي الصفقات الأفقية على استيعاب المدارس الأخرى التي تعاني صعوبات ضمن الكيان الناتج والاستفادة من نموذج مدارس داركا الذي أثبت كفاءته والموارد المتاحة لتحفيز التغيير بسرعة.
وفي كلتا الحالتين، تتحقق الكفاءة من خلال القضاء على التكرار الإداري، وتتعزز بتبني المؤسسة المدمجة أفضل الممارسات. كما أصبحت وفورات الحجم أوضح لأن توسع الحجم يؤدي إلى زيادة التأثير، وهذا أمر بالغ الأهمية في قطاع التعليم، حيث يمكن لأصحاب المصالح الآخرين، مثل النقابات والهيئات الحكومية، إما تقييد القدرة على إحداث التغيير وإما تسهيلها. النمو عنصر أساسي في أي عملية اندماج، ويمكن لعمليات الاستحواذ أن تمهد الطريق لتسريع النمو "العضوي" في المستقبل.
أوجه التعاون هذه بالتأكيد ليست حكراً على الصفقات غير الربحية، بل تتميز بها غالبية صفقات اندماج الشركات. لكن ثمة فوائد أخرى لا ينتبه إليها الكثيرون تتفرد بها صفقات المؤسسات غير الربحية:
مصادر تمويل جديدة. استقرار التمويل هو بالتأكيد الحافز الأساسي لعمليات اندماج المؤسسات غير الربحية التي تُنفّذ في فترات الركود الاقتصادي، لكن بالنسبة إلى المؤسسات السليمة والمزدهرة، تتضاعف هذه الميزة غالباً، إذ يقدم كلا الجانبين موارده المالية. وفي معظم الحالات، تغدو المؤسسة المدمجة قادرة على توسيع نطاق عملها لتدخل إلى مجالات تأثير جديدة ومناطق جغرافية جديدة وقطاعات مختلفة.
على سبيل المثال، يتمتع مجلس إدارة مدارس داركا المُشكل حديثاً بشبكات قوية تمتد من أميركا الشمالية وأوروبا إلى الشرق الأوسط، ولا تختلف فكرتها عن أي فكرة استثمارية في الأسواق العامة أو الخاصة، فهي تسعى للقضاء على مخاطر الاستناد إلى مصدر واحد وتعزيز الاستقرار على نحو استباقي من خلال تنويع مصادر التمويل. وعلاوة على ذلك، تزداد الإسهامات الخيرية وتحقق تأثيراً أكبر عبر تقليص هيكلية التكاليف في المؤسسة. وهذا ما يميز مدارس داركا في نظر المتبرعين المحتملين.
التنوع المعرفي. في حين أن بعض المؤسسات تثنيه العوائق السياسية المتصورة التي تواجه عمليات الاندماج والاستحواذ غير الربحية، فغالبية المؤسسات تغفل عن قدرة الاندماج الكبيرة على جمع قادة ذوي كفاءة عالية قادرين على تقديم رؤية طموحة أكثر، كما يُمكنه حشد مجموعات المهارات اللازمة لتنفيذ هذه الرؤية بفعالية.
كان تبادل الأفكار ووجهات النظر المختلفة من أعظم المكاسب التي جنتها مدارس داركا؛ إذ يضم مجلس إدارتها المشكل حديثاً قادة من مؤسسات راشي وكايا ألاينس وأديليس فاونديشن وصندوق التجديد الشبابي، ومؤسسة آزرييلي فاونديشن، وهم يتمتعون بخبرة عميقة في الأعمال المصرفية والأسهم الخاصة والاستثمار العقاري، فضلاً عن الخبرة في القانون والتعليم والإلمام العميق بالتحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجه الأسر في بعض المجتمعات.
شكلت هذه المجموعة الغنية من الخبرات حافزاً لإنشاء مجموعة محكمة من مؤشرات الأداء الرئيسية القابلة للقياس لتتبع قدرة المؤسسة الجديدة على تلبية التوقعات، وإنشاء خطة استراتيجية طويلة الأجل تستلهم عناصرها من توجيهات قادة الشركات. كما أن تنوّع خلفيات الأعضاء يتيح لمجلس الإدارة إنشاء علاقات لا يمكن إنشاؤها بطرق أخرى واستنباط حلول جديدة تعزز المهمة الجماعية،
وتبين أيضاً أن الجمعية العامة أساسية لضمان استمرار مشاركة المسهمين الرئيسيين وأعضاء مجلس الإدارة السابقين وتعزيز الحوكمة، وتولي ممولين مهمين آخرين أدواراً جديدة لمراقبة سير الأنشطة الجديدة وتوجيهها، ما يمنح المؤسسة قدرة استيعابية جديدة مع نمو الطموحات في تحقيق التغيير.
الابتكار. يجدد الاندماج نشاط أي مؤسسة ويخلق إحساساً مشتركاً بالحماسة، وهذا وحده يحفز العمل. ولكنه حين يترافق مع خفض النفقات وتأمين الكفاءات الإدارية والتنوع الفكري، ستوفر عمليات الدمج الوسائل اللازمة لمعالجة المشكلات التي ربما بدت في السابق خارجة عن سيطرة المؤسسة.
على سبيل المثال، أطلقت مدارس داركا مؤخراً "مسرّع القيادة التربوية" (Educational Leadership Accelerator) للمساعدة على توظيف المواهب الإدارية وتدريبها؛ مع النمو السريع للشبكة، سرعان ما اتّضحت حاجة السوق الملحة إلى المسؤولين والمدراء ذوي الخبرة، وهي مشكلة يعانيها الكثير من المدارس في البلاد. وفقاً لتقرير نُشر عام 2019 في صحيفة ذا ماركر (TheMarker)، تحتاج وزارة التربية والتعليم في إحدى دول الشرق الأوسط الصغيرة إلى نحو 600 مدير مدرسة كل عام، وتواجه عموماً نقصاً يتراوح بين 200 إلى 300 مدير معتمد في شهر سبتمبر/أيلول من كل عام. وتتفاقم هذه المشكلة بسبب مغادرة نحو ربع المدراء الجدد وظائفهم خلال العامين الأولين، ما يؤكد ضعف برامج الإعداد والتدريب التي يخضعون لها. من المفترض أن يساعد حجم مدارس داركا الكبير عند تنفيذ برامجها بالكامل على توفير الموارد وسعة النطاق اللازمة لتأهيل ما يصل إلى 70 موظفاً سنوياً ووضعهم على مسار تولي المسؤولية الإدارية في غضون 3 سنوات.
ولن يكون برنامج مثل هذا، يتضمن دروساً مبنية على دراسات الحالة والملازمة الوظيفية على أرض الواقع والزيارات الشخصية، ممكناً من دون الموارد المشتركة ومجموعات المهارات التي تتيحها الشراكة، فالبرنامج متوافق تماماً مع جهود مؤسسة داركا القائمة ومع رسالتها، ولكنه سيوقع أثراً مادياً على النظام التعليمي بأكمله أيضاً.
أشار جوليوس روزينوولد ذات مرة، مناقشاً فلسفة جهوده الخيرية، إلى أن "الإحسان أصبح بمجمله مهمة ضخمة للغاية لا يمكن إنجازها إلا بطريقة الأعمال التجارية".
هذا لا يشرح فقط طريقته في تقديم عطاياه، ولكنه يساعد أيضاً في تفسير فعاليتها الكبيرة. لا تتعلق عمليات الاندماج والاستحواذ بتوسيع نطاق المؤسسات فحسب، فهي أداة تساعد على صياغة حل مكتمل أكثر إن نُفذت على نحو استراتيجي.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال من دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.