ركزت قطر في تحضيراتها لكأس العالم على ممارسات الاستدامة الاقتصادية لمد متابعي الحدث الكروي الكبير بتجربة فريدة في نسخته الثانية والعشرين. تقوم هذه الممارسات على تشجيع الابتكار وتمكين نمو قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وزيادة تنافسيته. وقد خلق هذا التوجه بيئة مناسبة للابتكار في مجالات مثل تبريد الملاعب، وكفاءة الطاقة، وإدارة النفايات والصحة والسلامة، والنقل العام وتكنولوجيا المعلومات. فما المحاور التي ارتكزت عليها لتحقيق الاستدامة الاقتصادية وتعزيز تجربة المشجعين في كأس العالم؟
تحويل الأصول إلى إرث مستدام
نفذت قطر برنامجاً طموحاً لتطوير البنى التحتية من ملاعب ووسائل نقل ومواقع المشجعين والحضور، بهدف الترويج للرياضة والثقافة كمصدر لزيادة الإيرادات ودعم أهداف التنوع الاقتصادي، بما يشمل تحديد الفرص الاستثمارية المتعلقة بالمرافق الرياضية لكأس العالم، وتعزيز دور القطاع الخاص في اغتنام هذه الفرص، وقدمت في هذا الإطار مجموعة من المبادرات:
تحدي 22: كثير من الأفكار المبتكرة لا تجد طريقها إلى التنفيذ بسبب عدم احتضانها وتسويقها بطريقة جيدة، ولضمان استمرار توليد الأفكار المبتكرة وتبنّيها؛ أطلقت اللجنة العليا للمشاريع والإرث تحدي 22 في عام 2015، بالتعاون مع مؤسسة صلتك، والصندوق القطري لرعاية البحث العلمي، كفرصة فريدة لتحقيق الأفكار الطموحة وإيجاد حلول مبتكرة للتحديات المرتبطة باستضافة حدث رياضي ضخم مثل كأس العالم، وارتبط هذا التحدي بقضايا الاستدامة، وتجربة الحدث، والرياضة والصحة، وحصلت كل فكرة مشاركة فائزة بمنحة قدرها 100 ألف دولار من أجل تحويلها إلى واقع.
مجتمع قطر للابتكار: تحتاج مهمة دفع عجلة الابتكار، والتغلب على التحديات المرتبطة ببطولة كأس العالم إلى عمل جماعي وخلق مساحة مشتركة لتبادل الآراء حول أفضل الحلول الفعّالة، لذلك، انطلق مجتمع قطر للابتكار عام 2017 بالشراكة مع مؤسسات محلية وعالمية ليجمع تحت مظلته مجموعة من الخبراء في القطاعات الحكومية والصناعية والأكاديمية، الذين يعملون على تعزيز إمكانات الابتكار ورأس المال المعرفي، واستكشاف حلول وفرص مبتكرة في مجالات تجربة المشجعين، وخدمات النقل، والمدن الذكية واستخدامات الذكاء الاصطناعي في الفعاليات الكبرى، وغيرها.
صُنع في قطر: يعد تعزيز الصناعة المحلية عنصراً أساسياً للاستدامة الاقتصادية، وفي هذا الإطار، أعطت قطر الأفضلية للشركات المحلية والموردين المحليين المحتملين في التنافس على فرص التعاقد على مشاريع كأس العالم، على سبيل المثال، تولّت شركة كوستال قطر المتخصصة في أعمال الهندسة مهمة تصنيع مقاعد ثلاثة ملاعب، بإجمالي 140 ألف مقعد، إلى جانب دعم ريادة الأعمال المحلية وتمكين المشاريع الصغيرة والمتوسطة من المنافسة في الأسواق العالمية من خلال تقديم الخدمات التمويلية والاستشارية.
عدم ترك أي فيل أبيض: تمثل عملية بناء سبعة ملاعب لكأس العالم وتطوير الثامن واحدة من أكبر مشاريع البنية التحتية في قطر، لكن ما المعايير التي شيدت وفقها هذه الملاعب، وما مصيرها بعد انتهاء البطولة؟ جميع الملاعب بُنيت بما يتوافق مع معايير الاستدامة القائمة على إعادة الاستخدام وإعادة التدوير وحلول كفاءة الطاقة والمياه، إذ جُهزت جميع الملاعب بأنظمة تكييف هواء مبتكرة وموفرة للطاقة لمواجهة المناخ المحلي الحار والاستفادة من مواقع هذه الملاعب على مدار العام.
ترتبط استدامة الملاعب أيضاً بقابليتها للتحول إلى مشاريع أخرى مجتمعية وثقافية وصحية تعود بالفائدة على المجتمع، إذ أكد أمين عام اللجنة العليا للمشاريع والإرث حسن الذوادي، اعتماد مصادر مستدامة وتنفيذ خطط مبتكرة لضمان ألا تترك البطولة أي فيل أبيض، وستُقلص قطر سعة غالبية ملاعب كأس العالم، بينما ستمنح 170 ألف مقعد بعد تفكيكها للدول النامية.
ملعب بتصميم يشبه لعبة الليغو
ويعد ملعب رأس أبو عبود نموذجاً لتصميم فريد يشبه لعبة الليغو الخاصة بالأطفال، إذ شُيد باستخدام حاويات شحن مُعاد تدويرها، ومن المقرر تفكيكها وإعادة تركيبها بالكامل عند اختتام كأس العالم، وبعد إسدال الستار على البطولة؛ سيتحول ملعب المدينة التعليمية إلى وجهة رياضية وترفيهية تُلبي احتياجات وتطلعات كل منتسبي المدينة، فيما سيصبح ملعب لوسيل وجهة مجتمعية تضم مرافق رياضية وعيادات طبية، ومدارس ومتاجر ومقاهي، وسيُدمج فندق خمس نجوم ومركز تسوق في مبنى ملعب البيت، وسيشهد افتتاح مستشفى للطب الرياضي، أما ملعب الثمامة؛ ستُستخدم ساحته لاحتضان مباريات كرة القدم وغيرها من الأحداث الرياضية، إضافة إلى افتتاح عيادة رياضية وفندق في الموقع.
حلول فعّالة وقابلة للتكيف
يُتوقع وصول أكثر من مليون زائر إلى قطر خلال بطولة كأس العالم، ما يُنذر بارتفاع الطلب على خدمات النقل والإقامة والطعام، ففكرت الدولة المستضيفة في حلول مبتكرة لضمان تلبية احتياجات الوافدين عليها بكفاءة، وشارك أصحاب المصلحة المحليين والدوليين في نقاشات تدور حول كيفية تطوير الملاعب ومواقع التدريب لخدمة المجتمعات والشركات لدعم الرفاهية والتنمية الاقتصادية مع التركيز على السلامة والاستدامة وإمكانية الوصول والشمولية.
على صعيد خدمات النقل، وُضعت خطة شاملة لضمان تجربة سلسلة للمشجعين والحضور، وتدابير أخرى مثل تنسيق توقيت الاستبدال المنتظم للحافلات، ووضع برامج إدارة الطلب على السفر لتشجيع المقيمين والزائرين على تحسين سلوكهم في أثناء البطولة لتخفيف الضغط على شبكة النقل، والتوسع المؤقت في وسائل النقل العام وخدمات المطار، وكذلك إعادة جدولة الإجازات المدرسية لتتزامن مع فترة البطولة، وتحويل الحافلات المدرسية إلى تقديم خدمات النقل للمشجعين والزوار، دون أن يؤثر ذلك في جودة العملية التعليمية.
ووفرت قطر حلول مبتكرة لمعالجة الارتفاع قصير المدى في الطلب على الإقامة خلال البطولة، إذ عززت استخدام المرافق الفندقية، بما في ذلك السفن السياحية الراسية في ميناء الدوحة، ونظام تأجير قصير المدى، وتجربة قرى المشجعين؛ وهي عبارة عن مساكن مؤقتة بسعر مناسب، بُنيت في مواقع يسهل الوصول إليها عبر وسائل النقل العام، وتتضمن خدمات وأنشطة ترفيهية متكاملة للمشجعين.
وشملت الحلول المطبّقة أيضاً سلاسل التوريد، فكان التركيز على شراء المنتجات والمواد التي تزيد من كفاءة الموارد وتقليل الفاقد، بما في ذلك إعطاء الأولوية للأصول والمنتجات المُؤجرة التي يمكن إعادة استخدامها بعد البطولة.