استثمرت المؤسسات الخيرية في رفع مستوى الصحة والرفاهة في المجتمعات ذات الدخل المنخفض لعقود خلت، وتنوعت النهج التي اتبعتها في هذا المسعى من تحسين الخدمات المقدمة للسكان إلى مناصرة التغيير في السياسات والأنظمة العامة التي تؤثر في حياة أفراد المجتمع. ومع أن نجاح هذه الجهود كان متواضعاً، أسفر القليل منها عن تغييرات تحولية في تلك المجتمعات. يبحث قادة المؤسسات والمجتمع على حد سواء عن استراتيجيات أكثر فعالية لمواجهة تفاقم التفاوت الاقتصادي واستمرار الظلم العنصري ولإعادة تهيئة الظروف اللازمة لازدهار المجتمعات المنخفضة الدخل.
وتتمثل إحدى هذه الاستراتيجيات التي يمكن من خلالها للقطاع الخيري أن يصنع تغييراً مستداماً وذا جدوى في تعزيز قوة المجتمع، أي الاستثمار في مشاريع تمكن المجتمعات من النجاح في الدفاع عن احتياجاتها وأولوياتها والمطالبة بدور فعال في صنع السياسات والحوكمة وذلك لضمان نتائج أكثر عدالة. ويمكن أن يتخذ تعزيز قوة المجتمع أشكالاً متنوعة، مثل التنظيم على مستوى القاعدة لتعزيز الفعالية الجماعية للمجتمعات وتطوير القيادات الشابة وعقد التحالفات لتسريع إصلاح السياسات. وتكمن وراء هذه الأساليب استراتيجية طويلة المدى لبناء قدرات القادة والمؤسسات والشبكات لزيادة قوة ذوي الدخل المنخفض ومجتمعاتهم.
ولا يعد تعزيز قوة المجتمع نهجاً استثمارياً جديداً، لكن لم يكن الالتزام به متواصلاً، وفي بعض الأحيان كان متناقضاً. حيث استثمرت المؤسسات التي تعمل على المستوى الوطني في تنظيم المجتمعات كجزء من مبادرات التغيير المجتمعي في مواقع متعددة، لكنها نادراً ما دمجت هذه الجهود في صلب أهدافها. وبدلاً من ذلك اعتمدتها كعناصر ثانوية في جداول أعمالها مدفوعة باهتمام المجتمع بها. وعدد قليل من المؤسسات على غرار مؤسسة مارغريت كايسي (Marguerite Casey)، ومؤسسة سيردنا (Surdna)، وصندوق إيفيلين آند والتر هاس جونيور (Evelyn and Walter Haas Jr. Fund) اتخذ من تعزيز قوة المجتمع استراتيجية أساسية له. ويستدعي الالتزام بتعزيز قوة المجتمع توسيع رأس المال الصبور الطويل الأجل ليشمل الجهات المستفيدة، وإعطاء دفة القيادة والتحكم للشركاء من المجتمع، وتقبّل الاستراتيجيات التي تخل عمداً بالوضعين السياسي والاجتماعي القائمين.
كيف تصبح استراتيجيات تعزيز قوة المجتمع في صلب استثمارات المؤسسات الخيرية التي تسعى إلى سياسات عامة عادلة ومجتمعات سليمة؟ نعتقد أن المؤسسات الخيرية يجب أن تلقي نظرة فاحصة على هذا النهج نظراً للنتائج الواعدة التي ظهرت مؤخراً لجهود تعزيز قوة المجتمع في كاليفورنيا.
نراجع فيما يلي نتائج جهد استمر عقداً من الزمان في ولاية كاليفورنيا، التي أثمرتها مبادرة بناء المجتمعات الصحية (BHC) التابعة لمؤسسة ذا كاليفورنيا إنداومينت لتعزيز الصحة والمساواة العرقية. حيث شكّل تعزيز قوة المجتمع الاستراتيجية الأساسية والهدف والنتيجة لهذا العمل، وكنا ممولين ومقيّمين له. وبناءً على ما تعلمناه نحن والمشاركون خلال هذا العمل، نقترح إطار عمل للاستثمار الخيري يهدف إلى دعم تعزيز قوة المجتمعات والسكان الذين حُرموا تاريخياً من التأثير السياسي والقوة الاقتصادية في المجتمع الأميركي.
سلطة الشعب
تفترض نُهج تعزيز قوة المجتمع أن التحولات المستدامة في الحقوق والمكاسب والفرص المتاحة لمجتمعات الأقليات العرقية والمجتمعات ذات الدخل المنخفض ممكنة فقط عندما تمتلك تلك المجتمعات القدرة على تحقيق التغييرات التي تسعى إليها. وتبنى هذه القدرة من داخل المجتمع ووفقاً لطبيعته؛ ولا تُمنح من خارجه.
ويمكن للمؤسسات الخيرية تسريع توسيع قوة المجتمع من خلال توفير التمويل لمساعدة قادة المجتمع والسكان على التنظيم والتواصل فيما بين الولايات القضائية والتعاون مع الحملات السياسة على مستوى الولاية لمعالجة الخلل الناتج عن عقود من غياب الاستثمار ولدعم الفعالية الجماعية للمجتمع. كما يمكن للسكان في المجتمعات القوية أن يؤمّنوا لأنفسهم الاحتياجات الاجتماعية التي تعزز العدالة الصحية، بما في ذلك التعليم والرعاية الصحية والإسكان والبيئة الصحية والبنية التحتية الفعالة.
وتأتي استراتيجيات تعزيز قوة المجتمع بصورة سلسلة متصلة ومتدرجة تبدأ من المشاركة المنخفضة لتصل إلى مستوى عالٍ من المشاركة. ففي بداية هذه السلسلة توجد طرائق تُمكن أفراد المجتمع من الإسهام في العمليات التي تؤثر في حياتهم مثل التشاور مع الهيئات العامة بشأن الأولويات، وتقديم الاستشارات والتوصيات، وإتاحة الفرص لهم للتعبير عن آرائهم لواضعي السياسات. وعلى الرغم من أهمية استراتيجيات الإسهام هذه، فهي لا تمنح السكان سلطة اتخاذ القرار. وفي الطرف الآخر من السلسلة، توجد الطرائق التي تمكّن أفراد المجتمع من بناء قوة دائمة مثل اتخاذ إجراءات مدروسة مع فرصة كبيرة للنجاح في تحقيق النتائج المرجوة، وممارسة السلطة السياسية والقدرة على توجيه الرأي العام. وتشمل الطرائق ذات الفاعلية بناء القواعد الشعبية وتنظيمها، ومناصرة السياسات، التي تهدف إلى ضمان تأثير قادة المجتمع وتحديد الأولويات وتأمين الموارد والتمتع بسلطة اتخاذ القرار. وهي التي تبني "سلطة الشعب" الحقيقية.
لا تحل نُهج تعزيز قوة المجتمع محل نُهج التغيير المجتمعي الأخرى مثل إصلاح الخدمات أو مناصرة السياسات. لكنها تكملها وتسرعها وتقويها من خلال دعم قدرة المجتمعات على تحقيق أهدافها. فللنهج المختلفة للتغيير الاجتماعي في المجتمعات أهداف وخصائص تحدد وتيرة التغيير ونطاقه ومستوى التأثير.
يهدف إصلاح الخدمات على سبيل المثال إلى تحقيق خدمات عالية الجودة وذات فاعلية أكبر مع وتيرة تغيير تدريجية ذات مدى أو نطاق أو تأثير محدود. وفي المقابل يمتد تأثير مناصرة السياسات على المستوى الشعبي، ولكنه نهج تدريجي أيضاً، وقد لا يعكس الاحتياجات والأولويات المحددة من قبل الفئات الأكثر تأثراً بالسياسات، ويعتمد ذلك على مستوى تطبيقها. لكن تعزيز قوة المجتمع يركز على التغييرات الهيكلية الأكبر، أي هيكليات التأثير والتمثيل والسيطرة في عملية صناعة القرار. وبينما يتم بناء سلطة المجتمع تدريجياً، يمكن أن يؤدي نهج تعزيز قوة المجتمع إلى تغييرات حاسمة وواسعة النطاق للمجتمعات والسكان ترتكز على احتياجاتهم وأولوياتهم.
وتساند هذه النهج بعضها بعضاً، فيمكن دمج تعزيز قوة المجتمع مع مناصرة السياسات بطرق فعالة تؤدي إلى تغيير دائم في السياسات التي تؤثر جذرياً في احتياجات المجتمعات. كما يعمل تعزيز قوة المجتمع على دعم جهود مناصرة السياسات من خلال إشراك مئات أو حتى الآلاف من المواطنين وتعزيز أولوياتهم في عملية المناصرة. فالمجتمعات التي تجمع بين قوة الحراك الشعبي مع الخبرة في وضع السياسات مع الدهاء السياسي تستطيع استغلال الفرص المتاحة لتغيير السياسات، وغالباً ما تحقق انتصارات كبيرة.
منظومة قائمة على التسلسل الشبكي
تعزيز قوة المجتمع عنوان جذاب نظرياً، ولكن ما إمكاناته على أرض الواقع؟ تقدم لنا النشاطات التي تهدف إلى مساعدة سكان مجتمعات كاليفورنيا ذات الدخل المنخفض على تعزيز قوتهم لكي يستطيعوا تحقيق أهدافهم، وبدعم من مؤسسة ذا كاليفورنيا إنداومينت بالتعاون مع مؤسسات خيرية أخرى في كاليفورنيا، دليلاً على أن تعزيز قوة المجتمع يسرع من تغيير السياسات ويخلق بنية تحتية يمكن من خلالها تحقيق المزيد من التغييرات الهيكلية.
بدأ أحد المحفزات الرئيسية لهذه النشاطات في عام 2010، عندما أطلقت مؤسسة ذا كاليفورنيا إنداومينت مبادرة لتعزيز العدالة الصحية وتحسين الظروف الصحية لذوي الدخل المنخفض من أصحاب البشرة الملونة في 14 مجتمعاً. حيث قامت ذا كاليفورنيا إنداومينت باستثماراتها المجتمعية ضمن مبادرة تدعى "بناء المجتمعات الصحية" (BHC). إذ شكلت هذه المبادرة التي امتدت إلى عشر سنوات حجر الأساس لجهود أكبر بكثير تم من خلالها حشد الآلاف من القواعد الشعبية لمؤسسات وتحالفات على مستوى الولاية لتحسين العوامل الاجتماعية المحددة للصحة مثل توسيع تغطية الرعاية الصحية لتشمل المزيد من سكان كاليفورنيا، وتقليل نسبة الفصل المؤقت والطرد من المدارس، وإصلاح منظومة القضاء الجنائي وقضاء الأحداث التي تعطي نتائج متباينة في مجتمعات ذوي البشرة السمراء والملونة، وتعزيز الصحة البيئية، وتعزيز حملات العدالة الاجتماعية والعرقية.
تنبع أهمية تعزيز قوة المجتمع من تلبية حاجاته الأساسية. ففي كاليفورنيا، استطاعت استثمارات مؤسسة ذا كاليفورنيا إنداومينت في تنظيم القواعد الشعبية وتعبئة الشباب والقيادات، وبناء تحالفات تمكن قادة المجتمع من الاتحاد لتنظيم أولويات العدالة الاجتماعية الخاصة بهم، بما في ذلك الإصلاحات المدرسية، والتغييرات في أنظمة القضاء الجنائي وقضاء الأحداث، والعدالة البيئية، والمزيد من الدعم العادل لعائلات المهاجرين. أعطت المجتمعات الأولوية لهذه القضايا حتى عندما كان ذلك يعني تقديمها على أولويات المؤسسة التي ركزت في البداية على الأولويات ذات الصلة بالصحة بشكل تقليدي، مثل الحصول على الرعاية الصحية، ومدى تغطية الرعاية الصحية، وبيئة مدعومة صحياً لجميع سكان كاليفورنيا.
ومع أن الأولويات المتعلقة بالصحة كانت ذات أهمية في هذه المبادرة، تنوعت اهتمامات المجتمعات وإجراءاتها على نطاق أوسع ما أدى إلى تحقيق مئات الانتصارات على مستوى السياسات المحلية. على سبيل المثال، وافقت مقاطعة سان دييغو في عام 2018 على تمويل هدفين من حملات التنظيم والمناصرة المحلية وهما مليون دولار لمبادرة تذاكر حافلات خاصة بالشباب و300,000 دولار للقضاء التصالحي والتدريب على الممارسات التصالحية لضباط شرطة المدارس. (تركز نُهج القضاء التصالحي في المدارس على الوساطة ورد الحقوق للضحايا بدلاً من التركيز على عقاب الطلاب). ووافقت في العام نفسه منطقة مدارس لونغ بيتش (Long Beach Unified School District) على استثمار ما يقرب من 7 ملايين دولار في الدعم الاجتماعي والعاطفي والأكاديمي للطلاب المحرومين عندما ساند المنظمون المحليون شكوى مقدمة من أولياء الأمور تفيد بأن المدارس لا تقدم الخدمات التي يحق للطلاب الحصول عليها. كما تم تحقيق عدة نجاحات على صعيد السياسات التي تركز على الصحة، فنتيجة للتنظيم على الصعيد المحلي في مقاطعة ساكرامنتو من عام 2015 إلى عام 2018، صوت مجلس المقاطعة لتوفير الرعاية الصحية لـ 4,000 من السكان من المهاجرين غير الشرعيين من جميع الأعمار.
وبالإضافة إلى التنظيم المحلي، قامت مؤسسة ذا كاليفورنيا إنداومينت مع عدة شركاء مثل مؤسسة سيرا هيلث فاونديشن (Sierra Health Foundation) ومؤسسة كاليفورنيا ويلنيس (California Wellness Foundation) بتمويل مناصرة تغيير السياسات على مستوى الولاية. حيث قدمت منحاً للمؤسسات وشبكات المناصرة التي ساندت نفس الإصلاحات التي كان منظمو المجتمع المحلي يدعون إليها على مستوى الولاية. كما دعمت المؤسسات الخيرية المجموعات التي تعمل على توسيع مدى تغطية الرعاية الصحية بموجب قانون الرعاية الميسورة التكلفة، والائتلافات التي تدافع عن إصلاح قضاء الأحداث، وشبكات مؤسسات العدالة البيئية. وبمرور الوقت، وعلى الرغم من العقبات في مسار العمل، تضافرت جهود المؤسسات الشعبية ومناصري السياسات الذين يعملون على نفس القضايا وشكلوا تحالفات جمعت بين قوة كلا النهجين.
وبرز هذا التوليف بين التنظيم على المستوى المحلي ومناصرة السياسات على مستوى الولاية كسمة مميزة للتغيير الذي حقق نتائج مهمة على مستوى الولاية. وقدمت التقييمات التي أجراها معهد دورنسيف لأبحاث العدالة في جامعة جنوب كاليفورنيا (the USC Dornsife Equity Research Institute)، ومركز أبحاث النتائج والتعليم (Center for Outcomes Research and Education)، ومركز دراسة السياسات الاجتماعية (the Center for the Study of Social Policy)، ومركز شيكانو للأبحاث والدراسات في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس (the UCLA Chicano Studies Research Center) ومركز ابتكار التقييم (Center for Evaluation Innovation)، ومختبرات التأثير التفاعلي (Interactive Impact Labs)، ومقيمون منفردون دروساً مهمة حول الجهود المبذولة على مستوى المجتمعات والولاية وقامت بتوثيق المئات من المكاسب في السياسيات والتغييرات في الأنظمة والفوائد الملموسة الأخرى للمجتمعات التي نتجت عن هذه الحركة الاجتماعية. حيث حصل أكثر من أربعة ملايين من سكان كاليفورنيا على تغطية للرعاية الصحية من خلال الجهود الحثيثة للمؤسسات المجتمعية ومناصري السياسات على مستوى الولاية لتسجيل الأشخاص بموجب قانون الرعاية الميسورة التكلفة الفيدرالي. وانخفض فصل الطلاب المؤقت من المدرسة بمقدار النصف على مدى عقد من هذا العمل. وبالمثل، انخفضت معدلات سجن الشباب وكذلك معدل الاعتقالات بشكل حاد بسبب الحملات على المستوى المحلي ومستوى الولاية لتحسين البيئة المدرسية، وزيادة الوعي حول أسباب سجن طلاب المدارس، وتعزيز التشريعات التي غيرت سياسات التأديب المدرسية المفرطة في العقاب.
وأسهم قادة المجتمعات والولاية في إنجازات السياسات هذه من خلال العمل في منظومة قائمة على التسلسل الشبكي. ودعمت المؤسسات الخيرية تطوير منظومة لتعزيز قوة المجتمع من خلال تمويل الأنشطة الفردية للمؤسسات مثل التنظيم على مستوى القاعدة، وتعبئة الشباب، والمشاركة المتكاملة للناخبين، ومناصرة السياسات بالإضافة إلى الاعتراف بالتحالفات والائتلافات والشبكات والحملات البارزة التي نشطت من خلالها مؤسسات عدة لتحقيق أهدافها المشتركة.
وشمل إنشاء هذه المنظومة ثلاث استراتيجيات متشابكة:
تعزيز القدرات
شكّل التنظيم على مستوى القاعدة وتعزيز القدرات التنظيمية والشبكات القوية الأساس لتعزيز قوة المجتمع على المدى الطويل في كاليفورنيا. كما زودت الاستثمارات الخيرية لأكثر من 10 سنوات مجموعات تنظيم القواعد الشعبية، والنشطاء الشباب، وشبكات المناصرة بتمويل يمتد إلى سنوات عدة مكنهم من التوسع، وتجاوز الإخفاقات، والبناء على النجاحات الصغيرة لتحقيق التغيير على نطاق واسع. وقدمت مؤسسة ذا كاليفورنيا إنداومينت وحدها أكثر من 10,000 منحة للمؤسسات المحلية والحكومية واستثمرت ما يقرب من 1.8 مليار دولار على مدى 10 سنوات. كما استخدمت المؤسسات التمويل للتنظيم المباشر ومناصرة للسياسات ووسعت البنية التحتية التنظيمية التي لا تدعمها عادةً منح المؤسسات، مثل القدرة على التواصل وأنظمة البيانات والمساءلة وتطوير القيادات والشراكات.
وترافق ازدياد قدرة المؤسسات على التوسع مع نمو قدرتها على تشكيل تحالفات وشبكات تربط المصالح المشتركة على مستويات المجتمع والإقليم والولاية أو الانضمام إليها. واستخدم الشركاء في هذه المنظومة، التي تكونت من مزيج من المؤسسات الشعبية المحلية، ومجموعات مناصرة السياسات محلياً وعلى مستوى الولاية، والتحالفات في سبيل العدالة الاجتماعية، مواردهم الجماعية لإطلاق واستدامة الحملات في مجال السياسات التي حددها القادة المحليون، وعلى رأسها التعليم وقضاء الأحداث والهجرة وتنمية المجتمع والعدالة البيئية. وبمرور الوقت شكلت المجموعات العاملة في هذه المجالات تحالفات عابرة لحدود قطاعاتها التي مارست قوة أكبر من المؤسسات أو الشبكات ذات القضية الواحدة في قطاع واحد.
قدم شكلان من التنظيم إسهامات كبيرة في نمو قوة المجتمع في كاليفورنيا، الأول تنظيم الشباب والثاني الإشراك المتكامل للناخبين.
في عامي 2015 و2016 على سبيل المثال، برز تحالف من قادة الشباب وجماعات حقوق المهاجرين ومناصري مجتمع الأقليات في مدينة سانتا آنا في كاليفورنيا، نتيجة جهود التنظيم المحلية لإنهاء حالة احتجاز المهاجرين في مدنهم. حيث نجح التحالف من خلال المظاهرات وأعمال الاحتجاج والشهادات المتكررة في اجتماعات مجلس المدينة في الضغط على المسؤولين المحليين للتوقف عن استخدام سجن المدينة كمرفق احتجاز من قبل وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك في الولايات المتحدة. وفي يناير/كانون الثاني 2017 دفع التحالف الذي تم تشكيله من خلال هذا الجهد المشترك إلى سن قانون يعتبر مدينة سانتا آنا ملاذاً آمناً يحظر على هيئات المدينة التعاون مع إجراءات وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك في الولايات المتحدة التي تهدف إلى كشف المهاجرين غير الشرعيين أو احتجازهم أو مقاضاتهم.
وقدم شكلان من التنظيم، الأول تنظيم الشباب وتطوير القيادة، والثاني المشاركة المتكاملة للناخبين (IVE)، إسهامات كبيرة في نمو قوة المجتمع في كاليفورنيا وسيستمران في حشد الجهود في قادم الأيام للارتقاء بتعزيز قوة المجتمع على نطاق أوسع. أولاً، أصبح الشباب والشبكات والمؤسسات التي تمثلهم، مثل مؤسسة يوث أورغنايز (Youth Organize!) ومؤسسة كاليفورنيانز فور جستيس (Californians for Justice) في كاليفورنيا ومركز رايسي (RYSE Center)، محركاً للإصلاح التعليمي، وإصلاح نظام قضاء الأحداث، والقضاء الجنائي. وأسهمت الجهود التي يقودها الشباب في إقرار تشريع على مستوى الولاية يحظر العقاب بالفصل المؤقت المبني على التمييز العنصري في المدارس. ثانياً، ركزت حملة منسقة للتثقيف حول المشكلات المزمنة وتوعية الناخبين تقودها مؤسسات غير ربحية وتحالفات مثل كاليفورنيا كولز (California Calls) ومليون فوترز بروجيكت (Million Voters Project) وباور كاليفورنيا (Power California) على زيادة تسجيل الناخبين وتثقيف السكان في المجتمعات التي تعاني من نقص الموارد ومجتمعات ذوي البشرة الملونة بشأن القضايا التي تؤثر في حياتهم. ساعد هذا العمل المدعوم من تحالف للممولين شمل مؤسسة كاليفورنيا ويلنيس، ومؤسسة إيرفاين (Irvine Foundation)، ومؤسسة سان فرانسيسكو (San Francisco Foundation) وآخرون، المجتمعات على إظهار قوتها عبر صناديق الاقتراع. على سبيل المثال، أسهمت جهود مؤسسة باور كاليفورنيا، المختصة في تنظيم المهاجرين واللاجئين والشباب من ذوي البشرة الملونة، في مضاعفة إقبال الناخبين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً ثلاث مرات بين انتخابات 2014 و2018 وسجلت أكثر من 40 ألف ناخب شاب.
تحويل السياسات
تشكل السياسات العنصرية والإجحاف على المستوى المحلي ومستوى الولاية حواجز هيكلية تحد من مستقبل الشباب وتضر بمستوى معيشة السكان. أتاحت التحالفات الدائمة التي نشأت بهدف تعزيز قوة المجتمع للشركاء السعي لتحقيق تغيير في هذه السياسات على مدى سنوات عديدة، ما أثمر نجاحات صغيرة رغم العديد من الإخفاقات، وأفضت تلك النجاحات بشكل تراكمي إلى نقلات نوعية في تحويل السياسات في العديد من المجالات.
في منطقتي سان هواكين فالي وكواتشيلا فالي على سبيل المثال، طالبت المجتمعات الريفية المكونة من أسر وعمال المهاجرين لسنوات بالحصول على مياه نظيفة لمنازلهم ومدارسهم وأعمالهم. وبذلوا جهوداً كبيرة لمواجهة ضعف الرقابة الحكومية ونقص الموارد لمعالجة المياه التي نتج عنها تلوث مياههم بالمواد السامة. وابتداءً من عام 2012، تضافرت الجهود المتنوعة في تحالف واسع من مؤسسات العدالة المائية. حيث واصل العديد من المؤسسات التنظيم على مستوى القاعدة ضمن التحالف، في حين طورت مؤسسات أخرى قدرات أكبر على مناصرة تمويل جديد لمعالجة المياه وتغييرات أخرى في السياسات الحكومية والمحلية. وحافظت جهود المواطنين المتطوعين على تنامي قوة التحالف وفعاليته، وكذلك فعل الاستثمار المستمر في تعزيز القدرات التنظيمية وقدرات الأعمال غير الربحية من قبل مؤسسات الولاية والإقليم. وبعد سلسلة من الانتصارات على مستوى السياسات المحلية، ساعد التحالف في عام 2019 في إصدار الولاية لتشريعات قدمت 1.3 مليار دولار لتمويل المياه النظيفة في مجتمعات كاليفورنيا على مدار العقد التالي. وساعد النمو المتسارع في مصداقية تحالف مؤسسات العدالة المائية مع المواطنين المهتمين وقدرته على ضمان استمرار مناصرة قوية لقضية المياه النظيفة والعدالة البيئية على نطاق أوسع. كما يضغط العديد من أعضاء التحالف الآن من أجل تشريعات على مستوى الولاية لتوفير المساعدة على تحمل كلفة المياه للمقيمين من ذوي الدخل المنخفض في منطقة سينترال فالي وحظر التصاريح الجديدة لحفر آبار المياه الجوفية.
اتخذت الجهود المبذولة لتغيير السياسات المجحفة أشكالاً متنوعة في مجتمعات مختلفة، لكنها تعمل بطرائق متشابهة. حيث أدى الاستثمار المؤسسي المستدام في التنظيم الشعبي والأعمال غير الربحية وبناء التحالفات إلى رفع القدرة المحلية على مواجهة التحديات. واستخدم القادة المحليون قدراتهم الجديدة لمعالجة القضايا الأصغر حجماً التي يمكن تحقيق مكاسب فيها في أثناء التطلع إلى تحقيق كامل التغييرات المطلوبة في السياسات والأنظمة وتحديد طرائق التأثير على صانعي القرار مع مرور الزمن. خلقت النجاحات الصغيرة سجل إنجازات حافل استطاع تحقيق الشراكات والشبكات التنظيمية التي أنتجت بدورها القدرة المشتركة على المستوى المحلي ومستوى الولاية للاستجابة بفعالية عند ظهور فرص سياسية أكبر.
تغيير السردية
يمكن للسرديات السائدة أن تعرقل السعي لتحقيق أهداف العدالة لأنها تحدد كيفية فهم الجمهور وواضعي السياسات للمشكلات وأسبابها، وبالتالي الحلول التي سيفكرون فيها ويدعمونها. عندما تعزز هذه السرديات الصور النمطية ذات الصلة بالعنصرية أو الطبقية أو تقدم تفسيرات منطقية خاطئة للتمييز المنهجي، يجب علينا حينها تحديها واستبدالها بتقييمات دقيقة للأسباب الجذرية للظلم.
يمكن أن تحدث عملية تغيير السردية هذه من خلال تعبئة متعددة المستويات وواسعة النطاق لاستراتيجيات التواصل، والعمل عبر وسائل الإعلام المتعددة، وتعزيز عملية التغيير من خلال تنظيم القواعد الشعبية والمناصرة السياسية للترويج لسرديات جديدة. حيث عملت حملات تواصل بارزة في كاليفورنيا، بتمويل من مؤسسة ذا كاليفورنيا إنداومينت، وأحياناً من مؤسسات أخرى، على فضح السرديات المؤذية والتصدي لها.
خذ على سبيل المثال السردية القائلة بأن معدلات الطرد من المدرسة وسجن الطلاب من ذوي البشرة السمراء مرتبطة بسلوكياتهم وليست مبنية على العنصرية المنهجية والصورة النمطية العنصرية. نشرت حملات "مدارس وليست سجوناً" (Schools Not Prisons) صوراً على اللوحات الإعلانية الطرقية لشباب خلف القضبان، بالإضافة إلى إرسال رسائل متكررة على وسائل التواصل الاجتماعي للتعريف بالضرر الناجم عن هذا التمييز وكيف أن معدلات سجن الطلاب من ذوي البشرة السمراء أعلى بكثير من معدلات سجن أقرانهم من ذوي البشرة البيضاء ومن الآسيويين. كما أعلنت هذه الحملات في الوقت نفسه عن فوائد السياسات المصممة لإبقاء جميع الشباب في المدرسة بدلاً من وضعهم في السجن، بما فيها انخفاض تكاليف السجن، وارتفاع معدلات التخرج من المدرسة الثانوية، وانتقال المزيد من الشباب إلى وظائف منتجة.
وبالمثل دحضت الصور على وسائل التواصل الاجتماعي لحملة الصحة للجميع سردية أن الأسر المهاجرة هجرة غير شرعية لا تستحق تغطية الرعاية الصحية الممولة من القطاع العام. ونشرت الحملة المعلومات الحقيقية حول الأدوار القيمة التي يؤديها العمال من المهاجرين غير الشرعيين وأكدت أهمية الرعاية الصحية لأطفالهم الصغار وذلك ضمن رسالتها الأوسع للرعاية الصحية كحق لجميع سكان كاليفورنيا. وبتمويل مشترك من مؤسسات كاليفورنيا الخيرية، بما فيها مؤسسة كاليفورنيا ويلنيس ومؤسسة كاليفورنيا هيلث كير (California Health Care Foundation) ومؤسسة بلو شيلد أوف كاليفورنيا (Blue Shield of California Foundation)، مهدت الحملة الطريق لتوسيع تغطية برنامج ميدي-كال (Medi-Cal) (وهو اسم برنامج المساعدة الطبية الأميركي (مديكيد) في كاليفورنيا) للأطفال ذوي الدخل المنخفض وأسرهم، بمن فيهم شباب المهاجرين غير الشرعيين، وبذلك تساعد كاليفورنيا على الاقتراب من تغطية الرعاية الصحية الشبه الشاملة.
وما يزال تغيير السرديات أمراً مثيراً للجدل باعتباره ليس نهجاً خيرياً بالكامل وذلك لأن جزءاً منه يتمثل بنشر الوعي بشأن القضايا (وهو مجال مناسب تماماً لدعم المؤسسات الخيرية) والجزء الثاني بالعمل نيابة عن الحلول التشريعية (مجال يجب أن تكون فيه الجهود الخيرية محدودة للغاية). ومع ذلك، تشير تجربة مؤسسة ذا كاليفورنيا إنداومينت إلى مدى أهمية التغيير السردي المتكامل لتعزيز قوة المجتمع، أي في حال تم تطوير بث الرسائل بالتعاون مع قادة المجتمع ونشر تلك الرسائل لأولويات المجتمع. كما يوضح دعم مؤسسة ذا كاليفورنيا إنداومينت لتغيير السردية كيف يمكن للمؤسسات ممارسة الإعلام وتشكيل التصورات والإجراءات العامة مع البقاء ضمن الحدود القانونية والأخلاقية لدور العمل الخيري.
وبالنسبة إلى مؤسسة ذا كاليفورنيا إنداومينت، مثّل توسيع رأس المال الصبور الطويل الأمد ليشمل المؤسسات الشعبية وحملات مناصرة السياسات أحد أدوارها العديدة في تعزيز قوة المجتمع. وشملت الأدوار الأخرى دور الحليف القريب، حيث قام موظفو مؤسسة ذا كاليفورنيا إنداومينت الذين اندمجوا في المجتمعات ببناء شبكات من العلاقات المحلية وساعدوا في تعزيز التخطيط التعاوني؛ ودور الدافع لتغيير السردية، الذي يقود أحياناً أنشطة تواصل مصممة لتغيير التصور العام للمشاكل والحلول والسياسيات المطلوبة؛ ودور الشريك الاستراتيجي القادر على الاستثمار بمرونة وسرعة واستغلال الفرص السياسة في الوقت المناسب. وتوصلت مؤسسة ذا كاليفورنيا إنداومينت بمرور الوقت إلى اعتبار هذه الأدوار على أنها دعم مستمر مهم لمنظومة المؤسسات والتحالفات والشبكات المحلية وعلى مستوى الولاية التي تقود هذا العمل.
التحديات والتغييرات
لا مناص من النكسات عندما تعزز المجتمعات قوتها. فكل تغيير يسعى إليه أفراد المجتمع ومؤسساته سيواجه معارضة من القادة والمؤسسات المستفيدة من الحفاظ على الوضع الراهن. إن تعزيز قوة المجتمع يعني المحاولة والفشل ثم استجماع القوى وإشراك المزيد من الحلفاء، وأخيراً حشد الناخبين أو الأصوات اللازمة لتحقيق التغيير المنشود في السياسات أو الأنظمة.
يستدعي إرساء استراتيجية تعزيز قوة المجتمع بصفتها استراتيجية محورية التحوّل في وجهات نظر المؤسسات وجداولها الزمنية وفلسفة تقديم المنح وفلسفة القيادة لديها.
ثمة نمط من التقدم الذي يشوبه النقص شهدته مئات التغييرات المحلية في السياسات والأنظمة التي سعى إليها منظمو المجتمع والتي تم تحقيقها في 14 مجتمعاً على مدار عقد من العمل. وينطبق الشيء نفسه على التغييرات على مستوى الولاية. فعلى سبيل المثال، لم يُفعّل تأمين تغطية الرعاية الصحية لمعظم أطفال المهاجرين غير الشرعيين في ولاية كاليفورنيا إلا بعد تجميد تشريع الولاية في عام 2014 ثم إقرار مشروع قانون معدل ومحدود من قبل المجلس التشريعي وتوقيع الحاكم عليه في عام 2015. وأدى هذا التطور في النهاية إلى تغطية ما يقدر بـ 98% من جميع الأطفال في ولاية كاليفورنيا حالياً.
تواجه كل مؤسسة مجموعة من التحديات الخاصة بها. يستدعي إرساء استراتيجية تعزيز قوة المجتمع بصفتها استراتيجية محورية التحوّل في وجهات نظر المؤسسات وجداولها الزمنية وفلسفة تقديم المنح وفلسفة القيادة لديها. كما يجب عليها تقييم مدى تأثير قدراتها.
فكان على مؤسسة ذا كاليفورنيا إنداومينت إجراء ما لا يقل عن خمسة تغييرات لاعتماد هذا النهج الجديد، وما زالت هذه التحولات جارية. أولاً، احتاجت مؤسسة ذا كاليفورنيا إنداومينت إلى توسيع معرفتها بطبيعة العلاقات ضمن المجتمعات وطبيعة السلطة والأولويات والقيادة في تلك المجتمعات. فمنذ إطلاق مبادرة بناء المجتمعات الصحية التابع لمؤسسة ذا كاليفورنيا إنداومينت، تم إرسال طاقم العمل للعمل مع مجتمعات محلية محددة ومن داخلها بحيث يصبحون جزءاً من الفرق المحلية، وفي بعض الحالات يعيشون في تلك المجتمعات. واستمرت علاقات العمل الوثيقة في هذه الجهود لعدة سنوات ومكنت من بناء الثقة بين قادة المجتمع وموظفي المؤسسة، ومن زيادة معرفة الموظفين بطبيعة قوة المجتمع وآلياته، وأدت إلى قرارات أكثر حكمة حول استخدام موارد المؤسسة لدعم تعزيز قوة المجتمع. أثرت هذه العلاقات الوثيقة بين موظفي البرنامج وقادة المجتمع بقوة في توجهات المؤسسة، حيث طالب موظفو الخط الأمامي بقوة من قيادة المؤسسة التركيز على أولويات المجتمعات (بدلاً من العكس) واعتماد تعزيز قوة المجتمع بصفته استراتيجية أساسية للتغيير في المؤسسة.
ثانياً، أدت العلاقات الجديدة والقوية مع أفراد المجتمع ومعرفة أولوياتهم إلى إدراك قادة المؤسسات جانباً من أهمية معالجة الأسباب الرئيسية لغياب العدالة الصحية. حيث حددت المجتمعات الأربعة عشر التي دخلت في شراكة مع مؤسسة ذا كاليفورنيا إنداومينت جدول الأعمال الذي شمل قضايا التفاوت في الدخل، وسياسة الإسكان التمييزية والاستغلالية، والقضاء الجنائي وقضاء الأحداث، وسياسات الهجرة المجحفة، فضلاً عن العنصرية الهيكلية والمؤسسية الكامنة وراء السياسات الحالية في كل هذه المجالات. وفي المقابل، ركز قادة مؤسسة ذا كاليفورنيا إنداومينت مواردها على مكامن ضعف المجتمع التي أسهمت في هذه المظالم واعتمدوا منظوراً أكثر وضوحاً للعدالة العرقية وتوجهاً مناهضاً للعنصرية في عمليات المؤسسة.
ثالثاً، دفع الالتزام بتعزيز قوة المجتمع مؤسسة ذا كاليفورنيا إنداومينت على إعادة التفكير في علاقاتها مع الجهات المستفيدة من المنح والشركاء. وتطلب هذا التحول وجهات نظر ذات تركيز أقل على المؤسسة. وفي إطار الدفع نحو سياسات عادلة، انضمت مؤسسة ذا كاليفورنيا إنداومينت إلى الشركاء والائتلافات الذين عملوا لتحقيق هذه السياسات لسنوات، حيث كانت لديهم خبرة أكبر، وأرادوا تغييراً هيكلياً جذرياً أكبر بكثير مما سعت إليه المؤسسة في بداية عملها. وكان على المؤسسة أن تجد طرقاً جديدة للقيادة المشتركة مع أولئك الشركاء، أو تتراجع وتترك القيادة لهم، وكان ذلك الحل الأفضل في كثير من الحالات.
رابعاً، يتطلب تبني تعزيز قوة المجتمع من المؤسسة إعادة النظر في سياسات تقديم المنح وآلياته. إذ تطلب الجدول الزمني لتعزيز قوة المجتمع المزيد من المنح التي تمتد لسنوات. واستدعى التركيز على بناء القدرات التنظيمية زيادة الدعم الأساسي لمتلقي المنح حيث لا يمكنهم الاعتماد على المنح الخاصة بالمشروع وحدها. وتواصل مؤسسة ذا كاليفورنيا إنداومينت إعادة النظر في أولويات تقديم المنح، والقرارات المتزامنة بشأن تدابير المساءلة، ومتطلبات إعداد التقارير، وعملية صناعة القرار المصاحبة لها.
أخيراً، استلزم التحول نحو تعزيز قوة المجتمع عملية طويلة الأمد للحصول على دعم مجلس الإدارة. وتضمنت هذه العملية إتاحة فرص متعددة لأعضاء مجلس الإدارة لرفع مستوى فهمهم لأهمية هذا المسعى مثل إجراء زيارات إلى المجتمعات، والتفاعلات المنتظمة مع قادة المجتمع، وإقامة جلسات تعلم مع كبار الخبراء على المستوى الوطني ومستوى الولاية حول تعزيز قوة المجتمع. كما تشمل هذه العملية تقديم تقارير عن عمل المؤسسة على نحو دوري من قبل مقيمين ومحللين مستقلين ذوي سمعة حسنة، بحيث يزداد فهم مجلس الإدارة لتعزيز قوة المجتمع وتتعلم القيادة التنفيذية للمؤسسة من هذه التقارير. وأخيراً يتطلب الحصول على دعم مجلس الإدارة الشفافية والصراحة بشأن الإخفاقات على نحو دائم. فعندما كان أعضاء مجلس الإدارة سعداء بالتقارير التي تفيد بأن تعزيز قوة المجتمع على المستوى المحلي قد أدى إلى تغيير ناجح في السياسات، كانوا يعلمون مسبقاً أن التجربة والخطأ جزآن رئيسيان من ذلك النجاح. وأرادوا ببساطة التأكد أنه عند تأييدهم لتعزيز قوة المجتمع، يجب أن يكون بحوزتهم تقييم واقعي لمخاطر هذا المسعى والنتائج غير المضمونة له.
التحديات التي تواجه مؤسسة ذا كاليفورنيا إنداومينت وشركائها مستمرة لأن تعزيز قوة المجتمع عمل ذو طبيعة دورية، فكل دفعة للأمام تترافق مع تراجع دوري وانكماش. وعلى المؤسسات تقبّل هذه الآلية وتبنيها بوصفها جزءاً طبيعياً من هذا العمل.
إطار عمل الاستثمار
تعد تجربة كاليفورنيا مع تحفيز المؤسسات لتعزيز قوة المجتمع فريدة من نوعها إلى حد ما من حيث خصوصية التركيبة السكانية للولاية والسياسات الاجتماعية التقدمية فيها (على الأقل خلال العقد الماضي) وتاريخ عمل القطاع الخيري. ومع ذلك، تقدم الجهود التي بذلتها مؤسسة ذا كاليفورنيا إنداومينت دروساً للمؤسسات الخيرية الأخرى التي تتبنى استراتيجيات لتعزيز قوة المجتمع. ونظراً لأن المزيد من المؤسسات تختبر تجربتها في تعزيز قوة المجتمع، يجب عليها مراعاة التوصيات التالية في هيكلة استثماراتها.
يمكن للمؤسسات أن تساعد الشبكات والتحالفات على اكتساب المزيد من القوة من خلال التركيز المستمر على احتياجات المنظومة بأكملها وكيفية ممارستها لعملية القيادة، حتى لو كان ذلك يعني التراجع عن دفة القيادة.
جدول زمني متعدد الأجيال
على المؤسسات تبني أفقاً بعيد المدى للاستثمار في التغيير البعيد المدى. إذ يتطلب دعم أفراد المجتمع ومجتمعاتهم التي تفتقر إلى القوة تمويلاً يمتد لعدة العقود. حيث تنتج التغييرات الجذرية في السياسات التي يمهد لها تعزيز قوة المجتمع من جهود سنوات عديدة من الاستثمارات الخيرية في البنية التحتية اللازمة لإحداث تحولات ملحوظة في قوة المجتمع.
بالنسبة إلى المجتمعات، يمكن للمؤسسات أن توسع رأس المال الصبور الذي يدعم قيادة المؤسسات الشعبية ونمو هذه المؤسسات واستقرارها على مدى فترات طويلة. وبالنسبة إلى الأنظمة العامة، يمكن للمؤسسات أن تدعم العمليات الطويلة المدى التي تهدف إلى فهم بنية تلك الأنظمة وثقافتها ومعاييرها وسلوكها. كما يجب على المؤسسات الخيرية أولاً أن تحدد بدقة كيف تؤدي الأنظمة العامة إلى نتائج مجحفة ومن ثم بناء الوعي الداخلي والمساءلة المجتمعية الخارجية التي ستضمن تغيير الأنظمة العامة وثقافاتها وسلوكياتها. وتلك الجهود تستغرق وقتاً. التزمت مؤسسة ذا كاليفورنيا إنداومينت بعشر سنوات أخرى من الاستثمار في تعزيز قوة المجتمع مدركة أنه في نهاية تلك الفترة قد يكون استمرار الاستثمار ضرورياً.
عقلية العمل ضمن منظومة
تنبع القدرة على تغيير الأنظمة المجحفة من العمل ضمن شبكات وتحالفات هادفة تبني التأثير على نحو تراكمي بمرور الزمن. ولدعم منظومة تعزيز قوة المجتمع، تحتاج المؤسسات إلى الاستثمار في البنية التحتية والقدرات التي تسمح للشبكات والتحالفات بشكل جماعي بمعالجة المشاكل الطويلة الأمد، بالإضافة إلى دعم المؤسسات التي تعمل على نحو فردي. كما يمكن للمؤسسات أن تساعد الشبكات والتحالفات على اكتساب المزيد من القوة من خلال التركيز المستمر على احتياجات المنظومة بأكملها وكيفية ممارستها لعملية القيادة، حتى لو كان ذلك يعني التراجع عن بعض الأدوار القيادية المعتادة للمؤسسات.
أولويات القاعدة
على المؤسسات توفير الدعم التشغيلي الأساسي للتنظيم على مستوى القاعدة، وتعبئة الشباب وقياداتهم، والمشاركة المتكاملة للناخبين. حيث يعد تنظيم القاعدة الشعبية والشبابية نقاط ارتكاز لأي حركة اجتماعية لتعزيز قوة مجتمعية فعالة وحيوية. إذ يؤدي التنظيم على مستوى القاعدة الشعبية إلى خلق "قوة الشعب" التي تعد المحرك الأساسي للتغيير. وغالباً ما يفضي نشاط الشباب إلى إصلاحات كبيرة في الأنظمة العامة، وللحفاظ على مشاركة الشباب بعد انقضاء الأزمات، يجب على المؤسسات أن تولي اهتماماً مستمراً لتقديم الدعم وإتاحة الفرص التي تسمح للناشطين الشباب بالنمو والعمل كقادة. كما يتيح الدعم المرن للمشاركة المتكاملة للناخبين تثقيف المجتمعات باستمرار حول قضاياها؛ وهذا بدوره يمكن أن يؤدي إلى مزيد من المشاركة والنشاط في تغيير السياسات والأنظمة العامة.
التمويل المشترك
على المؤسسات التعاون في تمويل الاستثمارات لتوسيع نطاق التغيير. يتطلب الدعم المالي لمنظومة تعزيز قوة المجتمع التي تركز على بناء القدرات على المدى الطويل موارد أكثر مما يمكن لأي ممول منفرد توفيره. شكّل التمويل الكبير من المؤسسات الخيرية الإقليمية والمحلية في ولاية كاليفورنيا عاملاً بالغ الأهمية للنجاحات التي تحققت على المستوى المحلي وعلى مستوى الولاية. ويتطلب التطور المستمر لتعزيز قوة المجتمع من المؤسسات التنسيق الجيد والتعاون لوضع استراتيجيات تمويل تمتد لعدة سنوات.
التعلم التكيفي
على المؤسسات دعم قدرة جميع المعنيين على التعلم من تجربتهم والتكيف مع السياقات والبيئات السياسية المتغيرة، وبالتالي الحفاظ على تعزيز قوة المجتمع ودعمه بمرور الزمن. لذا على المؤسسات مراجعة الإخفاقات والنجاحات السابقة باستمرار، وتأكد من مشاركة الفئات السكانية الأكثر تضرراً. إذ تحققت نجاحات مؤسسة ذا كاليفورنيا إنداومينت لأن شركاءها تجرؤوا على المخاطرة والفشل والتعلم من المكاسب والنكسات، ومن ثم حولوا تعلمهم إلى إجراءات مستقبلية فعالة. والمؤسسات الخيرية هي الممول الأكثر تعرضاً لهذا النوع من التعلم المستدام، ويكون ذلك من خلال الدعم التعاوني المتعدد المؤسسات في الظروف المثالية.
تحويل أفراد المجتمعات إلى مخططين ومصممين
تصبح قضية تعزيز قوة المجتمع بين الأفراد ذوي الدخل المنخفض ومجتمعاتهم أكثر إلحاحاً مع تفاقم غياب العدالة الاقتصادية، واستمرار الظلم العنصري، وفشل استجابة السياسات العامة لمواجهة ذلك. وفي حين أتيحت الفرصة للاستثمارات الطويلة الأجل لتعزيز قوة المجتمع لإظهار نتائج عملها بمرور الوقت، كما هو الحال في ولاية كاليفورنيا، يرجع وجود المئات من السياسات الجديدة الأكثر عدلاً وإنصافاً على المستوى المحلي ومستوى الولاية جزئياً إلى تنامي قوة المجتمع، مظهراً قيمة هذا النهج.
يجب على منظومة العمل الخيري استجابةً لذلك البناء على الدروس الحالية وإنشاء البنية التحتية الميدانية التي تتكون من مزيج من التنظيم على مستوى القاعدة، وتعبئة الشباب، ومناصرة السياسات، وتغيير السردية، والتعلم التكيفي، التي من شأنها أن تشجع الناشطين من المواطنين والمؤسسات الشعبية وتحالفات السياسات على استدامة نطاق جهودهم وتوسيعه. ستساعد المؤسسات الخيرية عبر ذلك المجتمعات على أن تتحول من متلقية للمساعدة الخيرية إلى مخططة للتغيير الاجتماعي.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.