تضمّ قاعدة الهرم نصف سكان العالم ممن يجنون أقل من 1,500 دولار في العام للفرد الواحد؛ يعيش معظمهم خارج النظام الاقتصادي الرسمي ويواجهون صعوبات في تلبية احتياجاتهم الأساسية مثل الطعام والخدمات المالية والتعليم. تضم هذه الشريحة أعداداً كبيرة من الناس في جميع أنحاء العالم، ونظراً إلى ضعف قوتهم الشرائية وعدم قدرتهم على الدخول إلى الأنظمة المصرفية وسلاسل التوريد الرسمية فالخدمات والمنتجات المصممة للفئات ذات الدخل الأعلى في النظام الاقتصادي الرسمي هي عادة غير متاحة لهم أو مكلفة جداً.
يقوم الابتكار المقتصد (Frugal innovation) على استخدام التكنولوجيا الواسعة الانتشار لصنع ابتكارات أسرع وأفضل وأقل تكلفة، وهو يتيح لرواد الأعمال والشركات الكبيرة والمؤسسات غير الربحية نهجاً لتلبية احتياجات المستهلكين في قاعدة الهرم عن طريق تصميم حلول ميسورة التكلفة مختلفة عن البدائل السائدة المتوفرة في شرائح السوق النمطية، ولذلك اكتسب الابتكار المقتصد زخماً في قطاعات كثيرة مختلفة بتقديم حلول جيدة في البيئات ذات الموارد المحدودة. وتشمل الأمثلة على هذه الحلول برامج الائتمان المتناهي الصغر والهواتف المحمولة الميسورة التكلفة والرعاية الصحية المنخفضة التكلفة ومنتجات التعليم والخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول، بفضل هذه الابتكارات يمكن لملايين الأشخاص في قاعدة الهرم الحصول على التكنولوجيا والخدمات التي لم يكن بإمكانهم تحمل تكاليفها أو الحصول عليها فيما سبق.
على الرغم من نجاح الحلول المختلفة في هذا النهج فالكثير منها يبوء بالفشل، وأحد أسباب ذلك هو أن نهج الابتكار المقتصد يرفض عادة استخدام العناصر المتعلقة بطموح المستهلكين (ما يتوقون إليه) مثل الروايات التسويقية التي تصور نمط الحياة المرغوب أو التصميمات الجذابة، إما لأن ذلك يزيد السعر النهائي للمنتج وإما لأنه لا يعتبر هذه العناصر مهمة بالنسبة لمستهلكي قاعدة الهرم. خذ مثالين من الهند: السيارة المنخفضة السعر والصديقة للبيئة، تاتا نانو (Tata Nano)، والثلاجة المنخفضة التكلفة التي تعمل على البطاريات، تشوتوكول (ChotuKool)؛ وفقاً للتحليلات التي نشرتها كلية وارتون بالتعاون مع هارفارد بزنس ريفيو، لم يحقق أي من المنتجين المبيعات المرجوة لأن الشركتين المصنّعتين لم تفهما طموحات المستهلكين ذوي الدخل المتدني بدقة، ولم تتجاوز الزيادة في عدد الوحدات المصنعة من ثلاجة تشوتوكول على مدى 15 عاماً بضع عشرات من الآلاف، في حين أوقفت شركة تاتا موتورز إنتاج سيارتها نانو في عام 2018 بعد تدني مبيعاتها على مدى سنوات. على الرغم من أن كلا المنتجين كان أرخص ثمناً من الحلول الأخرى المتوفرة فقد فضّل المستهلكون ذوو الدخل المتدني دفع سعر أعلى لمنتجات العلامات التجارية البديلة، حتى إنهم اعتبروا الثلاجات والسيارات المستعملة خياراً أفضل. في تحليلات ما بعد الحدث أدركت الشركتان أن أحد أسباب فشل المنتجَين هو أن المستهلكين المستهدفين ذوي الدخل المتدني لم يرغبوا في شراء منتجات تعزز صورتهم كفقراء.
لذلك يجب على الشركات والمؤسسات غير الربحية التي ترغب في توصيل خدماتها إلى فئة قاعدة الهرم التعامل بواقعية وتعاطف أكبر مع الرغبة القوية لدى الفقراء في الحصول على السلع الطموحة (السلع التي تلبي ما يتوقون إليه). ومن الأمثلة على السلع الطموحة الشائعة التي يستهلكها أفراد قاعدة الهرم على نطاق واسع المدارس الخاصة ومستحضرات التجميل والمجوهرات والأحذية العصرية الأنيقة والسلع الاستهلاكية ذات الغلاف الأنيق والسلع الترفيهية. لماذا يشتري المستهلكون الذين يعيشون على دخل شهري لا يتجاوز 150 دولاراً للفرد الواحد السلع الطموحة؟ تشير الأدلة إلى أن المكانة الاجتماعية المتدنية للمستهلكين في قاعدة الهرم تولّد لديهم الرغبة في استهلاك السلع الطموحة بهدف رفع تقديرهم لذواتهم أو رفع مكانتهم الاجتماعية ضمن مجتمعاتهم، كما يمكن تفسير هذه الظاهرة باستخدام نظرية المهام الواجب إنجازها (jobs to be done theory) التي صاغها كلايتون كريستنسن؛ إذ تشير إلى أن المستهلكين لا يعتمدون الابتكارات لأجل فوائدها الوظيفية كالسعر أو الميزات فقط، بل ولأجل أبعادها العاطفية والاجتماعية أيضاً. يقول كريستنسن إنه في بعض الأحيان تكون المهمة التي يحتاج المستهلك إلى السلعة لإنجازها طموحة، كتوليد شعور معين أو تحقيق مكانة معينة والفوز بتقدير الآخرين له، وفي هذه الحالات تتوافق السلع الطموحة مع عواطف المستهلك (ما يتمنى أن يشعر به) أو الاعتبارات الاجتماعية التي يتوق إلى تحقيقها (الصورة التي يتمنى أن يحملها الآخرون عنه).
من الواضح الآن أن قرارات المستهلكين في قاعدة الهرم ليست قائمة تماماً على اعتبارات التكلفة المتدنية فقط، وسيؤدي ذلك إلى نتائج سلبية خطِرة؛ عندما لا يستطيع المستهلكون في قاعدة الهرم تحمل تكاليف المنتجات الطموحة يلجؤون عادة إلى استهلاك سلع مزيفة، ما يؤدي بدوره إلى تعزيز النظام الاقتصادي غير الرسمي القائم على الإنتاجية المتدنية وإدامته، أو يلجؤون إلى القروض من أجل شراء السلع الأصلية والباهظة الثمن، ما يقوّض قدرتهم على تلبية احتياجاتهم الأساسية ويؤدي أحياناً إلى عجزهم عن سداد ديونهم. مثلاً، توصلت إحدى الدراسات إلى أنه في الفترة بين عامي 2011 و2012، تسبب الاستهلاك الطموح في إفقار ما يتراوح بين 55 و60 مليون شخص هندي من أصحاب الدخل المتدني، ما أدى إلى انخفاض استهلاكهم اليومي من السعرات الحرارية بنحو 13%.
بما أن الابتكار المقتصد يعتبر طريقة لبناء مستقبل شامل ومستدام بدرجة أكبر، فنحن نؤمن أن أخذ اعتبارات الاستهلاك الطموح في الحسبان يساعد المؤسسات في تحفيز المستهلكين في قاعدة الهرم على استخدام حلول ميسورة التكلفة بدرجة أكبر. وبناء على البحث الذي أجريناه على ممارسات الشركات والشركات الناشئة نقترح بعض الاستراتيجيات التي يمكن أن تتبناها المؤسسات لتحقيق هذه النتائج.
استخدام الروايات التسويقية الطموحة
إن كنت ترغب في النجاح باستهداف فئة قاعدة الهرم فاحرص على ألا تروج حلّك بالاعتماد على رواية تصورهم كفقراء، فالأدلة من عدة أسواق ناشئة تشير إلى أن استخدام روايات إيجابية تشجع مستهلكي قاعدة الهرم على شراء الحلول المقتصدة التي تحسّن وضعهم الاجتماعي أو تعزز تقديرهم لذواتهم، ووضع هذه الرواية سيوضح لهم الفوائد العاطفية والاجتماعية التي سيجنونها باستخدام الحلّ الذي تقدمه لهم.
في المكسيك مثلاً، استطاع كل من ماريانا كاستيلو وإدواردو بولسن زعزعة سوق النظارات بشركتهما بين آند فرانك (Ben & Frank) التي تصنع نظارات جذابة ولكنها ميسورة التكلفة وتبيعها، كانت رواية الشركة في موقعها الإلكتروني وفي متاجرها المادية على حد سواء تتمثل في أن النظارات التي تصنعها مبتكرة ورائعة وذات جودة عالية، وتمكنت الشركة بذلك من تحقيق نمو سريع في المكسيك وتوسيع عملياتها إلى دول أميركا اللاتينية الأخرى، ليس بفضل أسعارها فقط بل وبفضل روايتها التي تؤكّد لمستهلكي قاعدة الهرم أنهم "يستحقون الأفضل".
مثالنا الآخر هو الشركة الناشئة كينغو (Kingo) في غواتيمالا؛ أسسها خوسيه أوردونييز من أجل تقديم خدمات الطاقة الشمسية اللامركزية للأسر والشركات في القرى التي لا تصل إليها خطوط شبكة الكهرباء العامة، ويمكن ملاحظة الروايات الإيجابية التي صاغها خوسيه وفريقه لدعم منتجاتهم على موقع الشركة الإلكتروني وفي حملاتها الإعلانية على وسائل التواصل الاجتماعي وفي المنتجات نفسها. رسمت شركة كينغو لنفسها صورة بأنها شركة طموحة من خلال رسالتها التي تقول: "نضيء حياتهم ليسيروا نحو مستقبل أفضل"، وهي تستخدم الصور ومقاطع الفيديو التي ترسم مستقبلاً مشرقاً أفضل لمستهلكي قاعدة الهرم وتوضح أن حلول الطاقة التي توفرها تتيح لهم المشاركة في الأنشطة الترفيهية أو التعليمية أو الاجتماعية. تقول روايتها بوضوح: "نساعدك على تحسين حاضرك وتحقيق مستقبل أكثر إشراقاً". تمكنت شركة كينغو حتى اليوم من تزويد 15 ألف منزل في غواتيمالا بصناديق مبتكرة غير متصلة بالشبكة العامة تولد الكهرباء الرخيصة الثمن من الطاقة الشمسية.
الاهتمام بالتصميم واستبعاد العناصر الأخرى التي تسبب زيادة في السعر
توصلت الأبحاث إلى أن التصميم هو إحدى أقوى الأدوات التي تسهم في رفع معدلات تبني الابتكار واستهلاك السلع الطموحة؛ وبالتالي بدلاً من حصر تركيزك في تخفيض السعر، فكر في تصميم يساعدك على صنع حلول مقتصدة أكثر جاذبية، واحرص في الوقت نفسه على استبعاد عناصر سلسلة القيمة التي تزيد السعر النهائي. بالعودة إلى شركة بين آند فرانك التي تحدثنا عنها آنفاً، استبعد مؤسسوها الوسطاء مثل وكلاء العلامات التجارية وتجار الجملة، وبالتالي لم يضطروا إلى المفاضلة التقليدية بين التصميم والسعر الميسور، كما أن التصميم ليس حاضراً في منتجات الشركة فحسب بل وفي متاجرها (فهي صغيرة وبسيطة ومواقعها غير مكلفة) وفي صميم تجربة العميل ككل، إذ يسهل على الجميع تجربة النظارات "الرائعة" واختيارها وشراؤها. وباعتماد شركة بين آند فرانك على التصميم في جميع نواحي أعمالها تمكنت من مساعدة مستهلكي قاعدة الهرم على الحصول على النظارات الجيدة وعززت تقدير الذات لدى مستخدمي النظارات الذين غالباً ما يتعرضون للسخرية بلقب "أصحاب العيون الأربعة". وبالنتيجة، سجلت الشركة واحداً من أعلى معدلات صافي نقاط الترويج (NPS) الذي يقيس تجربة العميل ضمن فئة أميركا اللاتينية، ومن الجدير بالذكر أنها نجحت في الأسواق المستهدفة المختلفة وليس في قاعدة الهرم فحسب.
تحديد الوظائف الاجتماعية والعاطفية والاعتماد عليها في بناء الحلّ
بما أن المستهلكين في قاعدة الهرم لا يتخذون قراراتهم بناء على "الوظيفة" التي يؤديها المنتج أو سعره فقط، فحريّ بك تحديد "وظائفه" العاطفية والاجتماعية التي ستعزز استهلاكه. أثبتت الدراسات أن الشركات التي تحدد هذه الوظائف وتأخذها في اعتبارها عند ابتكار منتجاتها تزيد فرص نجاحها بدرجة كبيرة. أولاً، حدد وظائف المنتج عن طريق إجراء مقابلات شخصية مع المستهلكين من قاعدة الهرم أو مراقبة سلوكهم. للتعاطف أهمية حاسمة في هذه المرحلة؛ احرص على طرح هذين السؤالَين المهمَين: 1) ما العواطف التي يرغب المستهلك في أن يولدها شراء حلول معينة؟ 2) ما الصورة التي يرغب في أن يراها مجتمعه عنه عند استخدام حلول معينة؟ ما إن تحدد الوظائف العاطفية والاجتماعية ستتمكن من تحديد عرض القيمة الذي ستقدمه بما يتلاءم معها؛ ما الميزات التي يجب توفرها في الحلّ وما الروايات التي ستعزز وظائفه؟
عندما أسس كل من ماتياس وكريم وبابلو الشركة الناشئة نوتكو (NotCo) التي تركز على صنع منتجات غذائية خالية من المكونات الحيوانية، عملوا على تطوير برنامج الذكاء الاصطناعي، جوزيب (Giuseppe)، الذي يدرس تركيب المنتجات الغذائية ذات المكونات الحيوانية من أجل إعادة صنعها بمكونات نباتية. يحقق هذا الحلّ الذي تقدمه الشركة فوائد تشغيلية كثيرة ويوفر طريقة ميسورة التكلفة لإنتاج مكونات غير حيوانية، ولكن الفريق كان يعلم أن نجاحهم يستدعي فهم الوصمة الاجتماعية العاطفية المرافقة لاستهلاك المنتجات النباتية لدى شريحة المستهلكين المستهدفة؛ فاستهلاك اللحوم مثلاً يُعتبر علامة على الثراء والسلوك الذكوري وهو طقس اجتماعي بين مستهلكي قاعدة الهرم في كثير من الدول، وعندما فهم فريق الشركة المستهلكين المستهدفين بدقة تمكنوا من صنع منتجات جديدة تلبي احتياجات المستهلكين العاطفية والاجتماعية. خذ مثلاً منتج الحليب النباتي نوت ميلك (Not-Milk) الذي يتمتع بمذاق حليب البقر الطبيعي وقوامه، وتحاكي عبواته عبوات الحليب التقليدية، وتهدف رواية تسويقه إلى حثّ المستهلكين على استهلاك المنتجات النباتية من خلال رسم صورة إيجابية عنهم بدلاً من تقبيح من لا يستهلكونها. وبالنتيجة وصلت قيمة شركة نوتكو إلى أكثر من 1.5 مليار دولار بصنع منتجات نباتية طموحة ومستدامة سعرها منخفض وجودتها عالية.
اعتماد نهج "التسويق الطموح المسؤول"
بما أن الاستهلاك الطموح يعود بتبعات سلبية على مستهلكي قاعدة الهرم (مثل تقويض قدرتهم على تلبية احتياجاتهم الأساسية وزيادة ديونهم)، يتعين على المؤسسات توخي الحذر واتباع نهج "التسويق الطموح المسؤول" (الذي يراعي طموحات المستهلكين)، وقد نجحت بعض الشركات والمؤسسات غير الربحية في اتباع هذا النهج للتواصل على نحو مدروس مع الزبائن وتثقيفهم. خذ مثلاً شركة يونيليفر (Unilever) التي أنشأت قانون التسويق المسؤول لتحديد المعايير العالمية الدنيا التي تنطبق على أنشطة التسويق التي تقوم بها مثل أسماء العلامات التجارية أو التغليف أو توصيف المنتج أو الإعلانات التجارية، ويوضح هذا القانون ما يجب على الموظفين الحذر منه، مثل تغيير صور الإعلان على نحو يجعل معناه مضللاً. تستدعي فكرة تطبيق "التسويق الطموح المسؤول" في الابتكار المقتصد أن تحدد المؤسسة زبائنها من مستهلكي قاعدة الهرم ثم أن تحقق لهم القيمة بطرق تحسّن رفاهتهم وتخلق الروابط العاطفية المتعلقة بما يتوقون إليه ولكن بطرق تراعي الاعتبارات الاجتماعية، وبذلك تضمن الشركات ألا تستخدم استراتيجيات التسويق التي تعود بتبعات سلبية على مستهلكي قاعدة الهرم. خذ مثلاً مصرف بانكو أزتيكا (Banco Azteca) الذي يقدم خدمات مالية ميسورة التكلفة لشريحة قاعدة الهرم في المكسيك بواسطة متاجر التجزئة في البلدات التي لم تقدم لها المصارف الأخرى هذه الخدمات من قبل، وفي نفس الوقت يقدم المصرف دورات تعليمية مجانية وورش عمل وأدوات لتثقيف الناس ومساعدتهم على صناعة قرارات أفضل في طرق إنفاق أموالهم واستثمارها.
ستساعد الاستراتيجيات التي ناقشناها في هذا المقال المؤسسات في تحويل السلع الميسورة التكلفة إلى سلع طموحة وزيادة تبني الابتكار المقتصد في قاعدة الهرم، وبذلك ستساعد المستهلكين لتلبية احتياجاتهم الأساسية بواسطة حلول أفضل وأقل تكلفة ومستدامة أكثر إلى جانب تلبية احتياجاتهم العاطفية والاجتماعية أيضاً.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.