تُنشر المئات من الكتب الجديدة التي تتناول الابتكار الاجتماعي كل عام، مع توصيات صادقة ومثيرة للجدل للمدراء والمؤسسات؛ حيث تروّج لعوامل نجاح الابتكار الأيمن قبيل: بناء ثقافة تحمّل المخاطر، وممارسة القيادة الملهمة، والانفتاح على الأفكار الخارجية.
وينظر قطاع التنمية المجتمعية بلهفة وعلى نحو متزايد إلى أن الابتكار الاجتماعي هو الأساس للتطور، وينبع هذا جزئياً من تصوّر أن عقوداً من جهود التنمية العالمية التقليدية هي بمثابة سنوات ضائعة، إلى جانب إنفاق مليارات الدولارات مقابل تحقيق القليل.
يؤدي حجم التحديات المرتبطة بالفقر والمستويات المتنامية من انعدام المساواة عالمياً إلى الشعور بالحاجة الملحة للعمل بسرعة، وكذلك الشعور بالإحباط من التوصيات القديمة المتعلقة بالتطوير. لقد أضفت هذه التحديات؛ أو هذه الأزمة إذا صح التعبير، الشرعية على السعي الجماعي لإيجاد حلول جديدة، أو ابتكارات؛ كما نفضل أن نسميها!
تنظيم الابتكار الاجتماعي
في مشروع حديث مع مؤسسة «روكفلر فونديشن» (Rockefeller Foundation)، بحثنا في ما يمكّن القدرة التنظيمية من الابتكار الاجتماعي بصورة مستمرة في مؤسسات قطاع التنمية المجتمعية القائمة؛ والتي تعمل على نطاق جيد لتقديم المنتجات والخدمات.
لقد عملنا على مراجعة المؤلفات التنظيمية والإدارية السائدة حول هذا الموضوع، وأدهشنا حجم مسار هذا البحث والأفكار التي اكتسبناها؛ أولاً، وجدنا أن كلاً من الأدلة طويلة المدى من دراسات مؤسسات قطاع التنمية المجتمعية، والأدلة الحديثة القائمة على التجربة، تتحدى الشعار القائل بأن المزيد من الابتكار أفضل. ثانياً، وجدنا أن العديد من الافتراضات حول الابتكارات في قطاع التنمية المجتمعية قد تكون مضللة، ثالثاً، اكتشفنا أن ممارسة الضغط لتنفيذ الابتكار يمكن أن يعرقل التطور بقدر ما قد يمكّنه.
لا توجد إجابات سهلة
نُشرت آلاف الأوراق العلمية وأوراق بحثية أخرى من قِبل الممارسين حول الابتكار في العقدين الأخيرين فقط، وعلى الرغم من أن معرفتنا بالعديد من الجوانب التنظيمية والمحيطة للابتكار قد نمت بصورة كبيرة، لكن المراجعات التحليلية التي تجمع دراسات الابتكار تتأسف باستمرار على الطبيعة المبعثرة لأبحاث الابتكار.
قال أحد الباحثين: «إن السمة الأكثر اتساقاً في المؤلفات التي تتناول الابتكار التنظيمي هي أن نتائج أبحاثها كانت غير متسقة، كما أن قدرتها التفسيرية ضعيفة؛ وبالتالي تقدم القليل من الإرشادات للممارسين»؛ هذا لا يعني أن المؤلفات لا ترتبط بالموضوع المطروح، بل يعني أننا بحاجة إلى التساؤل عن كيفية استخدامنا لهذه المعرفة لتوجيه الممارسة.
إن التوصيات البسيطة التي تتخذ شكل «ثلاث خطوات لابتكار أفضل»؛ والتي غالباً ما تكون في صميم كتب الابتكار المنتشرة، هي توصيات غير مبررة، بغض النظر عن مدى جاذبيتها أو مدى قبولنا لها، لأن الابتكار عملية معقدة وتعتمد على مجموعة فريدة من العوامل التنظيمية والخارجية في سياق معين، وتتطلب المشاركة الجادة؛ إلى جانب الأخذ بالنظريات والمعرفة التنظيمية المتاحة، أن نتعامل مع الابتكار بكل تعقيداته، وعلى أساس كل حالة على حدة، وبالمثل، ينبغي أن يدفعنا فهم الابتكار في المؤسسات أو تشجيعه على التفكير ليس فقط في العوامل المحتملة التي قد تُنجح عملية الابتكار، ولكن أيضاً في العديد من العوامل التنظيمية السلبية المحيطة التي تمنع الابتكار أو تحقيق نتائجه المتوقعة.
افتراضات الابتكار الاجتماعي الشائعة
من خلال مراجعتنا المتعمقة بالمؤلفات، تكونت لدينا مخاوف متعلقة في أن الافتراضات الشائعة حول الابتكار الاجتماعي لا تستند إلى آراء نظرية راسخة، وقد تكون مضللة، ونرى أن هناك ثلاثة أخطاء تساهم في الميل إلى المبالغة في تقدير الابتكار والتقليل من قيمته في الوقت نفسه، بالإضافة إلى الاستهانة بأهمية الصعوبات المتعلقة بتمكين الابتكار في مؤسسات قطاع التنمية المجتمعية.
أولاً: هل الابتكار يعد اختصاراً للتطوير؟
يُنظر إلى الابتكار غالباً على أنه اختصار للتطوير، وبهذا التصوّر يصبح الابتكار مبالغاً في تقديره؛ إذ يتم تهميش القيمة الهائلة التي أُنشئت من خلال التحسينات التدريجية للإجراءات الأساسية والروتينية لمؤسسات قطاع التنمية المجتمعية، لذلك، فإن الدفع بالابتكار على حساب تمكين المزيد من الإجراءات الروتينية قد يدمر العملية بدلاً من أن يخلق قيمة.
ثانياً: الابتكار الاجتماعي في بيئات متعددة
غالباً ما يكون للابتكار في مؤسسات قطاع التنمية المجتمعية تأثير خارجي ضئيل يظهر عندما يتم تنفيذه ضمن بيئات متقلبة، وحتى الابتكارات التي أثبتت جدواها غالباً ما تفشل عند نقلها إلى محيط مختلف، ومع ذلك، فإن التعلم التراكمي من التجارب الفاشلة قد يكون ذا قيمة كبيرة في فهم كيفية العمل ضمن سياق معين، ومن المحتمل أن يساعد ذلك على بناء وتعزيز قدرة المؤسسة على الابتكار المثمر بمرور الوقت؛ بعبارة أخرى، إذا قمنا بتقييم الابتكار بصورة أساسية من خلال نتائجه التي تأخذ شكل الأثر الخارجي، فقد نقلل من قيمة الأثر التنظيمي الداخلي الإيجابي الذي يأتي من التعلم من تجارب الابتكار الفاشلة.
ثالثاً: عوامل نجاح الابتكار
تتجاهل عوامل النجاح المنشودة للابتكار؛ التي حددها الباحثون والخبراء الاستشاريون، قوة العوامل التنظيمية السلبية؛ مثل القيادة السيئة، والفرق المفككة، وأهداف الإنتاجية المفرطة في الطموح.
يمكن لهذه الحالات أن تجعل تنفيذ الابتكارات شبه مستحيل، وبالتالي، فإن الثقة الساذجة في عوامل نجاح الابتكار تؤدي إلى التقليل من تقدير الصعوبات؛ لجعل المؤسسات أكثر ابتكاراً، وقد تولد إخفاقات من خلال الدفع نحو العوامل الخاطئة.
المبالغة في قيمة الابتكار
يتحدث الجميع عن موسيقى الروك هذه الأيام، والمشكلة هي أنهم نسيوا الرول؛ وهو النمط الموسيقي المهم في هذا النوع من الموسيقى - كيث ريتشاردز
تأتي معظم القيمة التي تخلقها مؤسسات قطاع التنمية المجتمعية من إجراءاتها الرئيسية والروتينية؛ والتي يتم إتقانها بمرور الوقت؛ إذ ينتج عن طرح وتقديم منتجات وخدمات نموذجية بكفاءة قيمة هائلة؛ لا سيما في الأماكن التي ينتشر فيها الفقر، لأن الطلب على الوصول إلى أساسيات الحياة مرتفع، والأسواق التي تتنافس فيها المؤسسات لخدمة الفقراء غالباً ما تكون غير فاعلة أو غير موجودة أساساً، وبالنسبة إلى المؤسسات التي خلقت نموذج عمل في سياق معين، فإن الجهود المبذولة نحو إحداث تحسينات إضافية يمكن التنبؤ بها؛ مثل استغلال ما تتقنه المؤسسة، بدلاً من تطوير الابتكارات، أو البدء في إجراءات جديدة، أو خلق معرفة جديدة، قد تُفضي إلى نتائج متفوقة بمرور الوقت.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.